الساعة الثامنة صباحا"........
أشعة الشمس الحارقة تحيل الشارع إلى فرن متوقد.......
زاد خالد من درجة التكييف في سيارته،لعله يستطيع أن يملأ رئتيه بأنفاس باردة تعيد الأمل إلى قلبه الضعيف.....
التفت يمنة ويسرة للسيارات من حوله.......
يخال له أنه الوحيد الذي ليس له أهمية عند هذه الإشارة....
فالسيارة التي عن يمينه تحمل موادا" غذائية يقودها وافد.....
أما التي عن يساره فهي سيارة فارهة يقودها رجل في الأربعين من عمره ،يبدو من مظهره أنه أستاذ في الجامعه...
ظل خالد يتأمله طويلا"......كم تمنى أن يكون أستاذا" في الجامعه وأن يواصل دراسته العليا ولكن....
ما كل ما يتمنى المرء يدركه...!
تحول ضوء الإشارة للأخضر وانطلق الجميع لمواصلة المسير......
أخذ خالد يسأل نفسه......:
هل سأعود هذا الصباح بخفي حنين كعادتي منذ سنتين من الآن......؟؟!
حانت منه التفاتة إلى الكرسي بجانبه، حيث وضع ملفه الأخضر المتخم بصور الشهادات والوثائق....
تأوه طويلا"......فهو لا يعلم ما الذي ألقى به لهذه الهاوية......
ولكنه قطعا" يعلم بأنه ليس التقصير أو الإهمال.......
سنتان منذ أن تخرج من الجامعه وهو لا يجد ما يحلم به.......
ثقافته العالية...تقديره المشرف....شهاداته التي نالها من دورات مختلفة....حسه الأدبي الراقي....
كل هذا لم يشفع له بوظيفة أو حتى بأمل......!
نظر لمؤشر الوقود في سيارته....حمد الله أن قد بقي لديه ما يكفيه لرحلته هذه.....
ابتسم فجأه........!
فقد أصبح الأديب خالد -كما كان يسميه أصدقاؤه أيام الدراسه- مجرد متسول يتلقى الصدقات من الأهل والمعارف....
انقبض قلبه حين لاحت له ذكرى تلك الأيام.....حين كان إنسانا" مبدعا"...
يكتب شعرا ليلقيه على أصدقائه في اجتماعهم يوم الخميس...
يكتب قصصا" جميلة في أروقة الجامعه نالت إعجاب الأساتذة فأشادوا بها طويلا" ونشرت في رسالة الجامعه...
همس لنفسه.....:
أين أنت خالد اليوم......؟؟!
أين قصصك....ودفتر أشعارك......أحلامك وآمالك....؟!
ماذا أخذت من التخرج....؟ وماذا أخذ منك.....؟!
سأل نفسه بحسرة......:
كم صورة من هذا الملف المتخم قدمت.....؟
كم وزارة راجعت......؟
كم صباح حارق قطعته آملا" وعدت فيه يائسا"......؟
نسيت كم ...وكم.....وكم.......!
ولكني لست أنسى دعوات أمي لي في تهجدها كل ليلة.....
نظرات أبي المخنوفة حزنا" على مصيري البائس.......
همسات أخواتي بأن ذاك الفتى قد ضاع عمره بحثا" عن وظيفة....!!!
قطعت غشاوة من الدموع تسآؤلاته.....
رفع صوته..أن لا تبكي خالد...أنت رجل والرجال لا تبكي....
مسح عينيه.....
لاحت له الشركة التي كان يقصدها من بعيد.....
شحن نفسه بالأمل من جديد......
صوت ارتفع داخله....أن تفاؤلوا بالخير تجدوه.....
اقترب من المكان.....أوقف سيارته،ونزل حاملا" معه ملفه القديم وآلامه العظيمه....
دخل ولم يلفت نظره الزحام الذي يملأ المكان فقد اعتاد هذه المناظر...وقف طويلا" منتظرا" دوره....
قطع حبل أفكاره صوت الذي بجانبه يخاطبه.......:
-لو سمحت......؟؟
-نعم..
-هل يطلبون مؤهلا آخر غير شهادة الثانوية...؟
-أجاب بحسرة ..:
لا.....
ارتفع الصوت بداخله....:
هزلت....! أصبحت تتقدم لوظائف يطلبها خريجو الثانويه...!!
أنت.....أنت أيها الأديب .....أنت أيها الجامعي.....أنت الحاصل على كل هذه الشهادات.....أنت المتفوق......
رفع صوته لاهجا" بالذكر.......
لا إلـــــــه إلا الله....................
اطمئنت بها نفسه......قال في داخله..:
الدنيا حظوظ ...ولعل حظي أن يستيقظ اليوم.....وأن تكون بدايته من هنا......
من يعلم.......؟!!!
ولا بأس إن كانت البداية صغيرة فالعبرة بالنهايات......
قالها معزيا" نفسه......ودخل في دوامة من الأفكار..............
لم يدري كم مضى من الوقت حتى صرخ فيه الموظف...:
يا أخ جاء دورك......!
رسم ابتسامة صفراء على شفتيه ودلف إلى المكتب ، ألقى التحية وجلس ....
لم يرفع المدير رأسه من الملف الذي أمامه......قال بلهجة متغطرسه له..:
أين ملفك......؟؟
وضع خالد ملفه بأصابع مرتعشه ،تصفحه المدير بسرعه،لكنه سرعان ما عاد للاسم ...
وقف عنده طويلا"......رفع رأسه لخالد....مد كفه مصافحا".......قال بتعجب....:
خالد زميل الدراسه.....؟!!!
أجاب خالد : أحمد ....! غير معقول..!!!
صافحه وتعانق الاثنان.....مضت ساعة قص فيها خالد ما حدث له بعد التخرج.....وأحمد لم يزل منصتا"..
صمت خالد بعد أن أفرغ ما في جعبته....
شكى آلامه ....وبث أحزانه .... توسم في أحمد العون...فهو زميل دراسته..ولن يخذله..
لحظة صمت طويلة مرت.................
قطعها أحمد :
خالد أتعلم أن جميع زملائنا قد توظفوا.........؟؟
عبدالله يعمل نائبا" لشؤون الموظفين في بنك كبير...
سعد ابتعث لدراسة الكمبيوتر على نفقة الشركة التي يعمل بها....
إبراهيم أصبح مشرفا" في الوزارة....
قطع خالد حديثه قائلا"..:
كيف....؟؟ كيف حدث هذا.....؟؟؟
ارتسمت ابتسامة كبيرة على شفاه أحمد ...همس ببطء..:
فيتامين واو يا عزيزي.....
الواسطة....وغمز له....إذا كنت تملكها عينتك الآن مديرا" علي....
صرخ خالد بذعر.....:
وشهاداتي....
وثقافتي ..........
وتفوقي........
ونبوغي.........
لم يعد له أي قيمة....؟؟!!!!!
ضحك أحمد....:
عذرا" خالد ....!! لن تنفعك...ضعها تحت وسادتك...وأنسى أمرها....
صرخ في وجهه..:
قصائدي.......
قصصي............أحلامي.......
كل حياتي....تضيع من أجل الواسطة......؟؟؟!
سحب ملفه سريعا".....خرج راكضا"..........خيل إليه أنه يسمع صوت أحمد يناديه..:
خالد لحظه .....أرجوك.......لا تزعل.......
كل ما يعرفه.......
أنه ركض تاركا" المبنى خلفه ...فقد خيل له أن أنفاسه تخنقه في ذاك المكتب...وأن الجدران ستقع عليه.....
ركض طويلا".......
ترك خلفه شماغا" قد سقط...وسيارته القديمة أمام الشركة....وأصوات جلبة في المكان...
لم يعد يحس بشيء....سوى بسيل دموع بلل صفحة وجهه.....
لم يعد يحس سوى بأصابعه تضغط على ملفه...حتى تمزقت أطرافه.....
حاكاه الشيطان أن قد أصبحت عبئا" على الحياة.....ما أنت سوى عالة على هذا الكيان....
ضحك منه ضحكة تثير الاشمئزاز........قال له....:
أين آمالك يا شاعر......؟!
أين تفوقك يا متفوق.....؟؟!!
وعاد ليضحك منه من جديد..........
صرخ خالد ..:
لا........
لا........
أنا ................وتوقف ليكمل له الشيطان.....:صفر....
خالد أنت صفر.......!
حينها لم يكن يعلم أنه في منتصف الطريق العام....
ولكنه علم أنه صفر فعلا" بعدما اصطدمت به سيارة مسرعة فألقته جثة هامدة في وسط الطريق....
مجرد جثة تمسك أصابعها بقوة على ملف أخضر يحوي فتات الأحـــــــــــلام....!!
- انتهت ..
حلم ٌ قد هوى ....- تجربتي مع القصة القصيرة-
-
- همس جديد
- مشاركات: 16
- اشترك في: 01-21-2003 03:03 AM
-
- بوح دائم
- مشاركات: 529
- اشترك في: 05-30-2002 09:37 PM
- اتصال:
-
- رشف مميز
- مشاركات: 1142
- اشترك في: 05-12-2001 02:52 PM
<font size=4 color=navy>
مرحباً بك عزيزتي عاشقة الفصحى ..
أتمنى من اعماق قلبي أن يطيب لك المقام بيننا ..
* * *
أروع ما في القصة أنها تتحدث عن واقعنا وحياتنا ...ومعاناة شبابنا ..
عندك فيتامين واو مشي حالك ...ما عندك ...عليك بفيتامين (D)من اشعة الشمس الحارقة ..ويكفيك ذلك ..
* * *
كلماتك قوية وجملك واثقة ...والنهاية .. كانت شبه متوقعة ..
( يقولون ..بأن القصص القصيرة يجب أن تُبنى لتنتهي بنهاية غير متوقعة )
بالطبع هذا رأي قارئة فقط ..
أظن أن غيري أقدر على تحليل هذه القصة تحليلاً نقدياً .. يزيد من جمالها ..
* * *
ننتظر كل جديدٍ لديك ..
لك خالص تحياتي
دمِ وبكلّ وُد ,,
مرحباً بك عزيزتي عاشقة الفصحى ..
أتمنى من اعماق قلبي أن يطيب لك المقام بيننا ..
* * *
أروع ما في القصة أنها تتحدث عن واقعنا وحياتنا ...ومعاناة شبابنا ..
عندك فيتامين واو مشي حالك ...ما عندك ...عليك بفيتامين (D)من اشعة الشمس الحارقة ..ويكفيك ذلك ..
* * *
كلماتك قوية وجملك واثقة ...والنهاية .. كانت شبه متوقعة ..
( يقولون ..بأن القصص القصيرة يجب أن تُبنى لتنتهي بنهاية غير متوقعة )
بالطبع هذا رأي قارئة فقط ..
أظن أن غيري أقدر على تحليل هذه القصة تحليلاً نقدياً .. يزيد من جمالها ..
* * *
ننتظر كل جديدٍ لديك ..
لك خالص تحياتي
دمِ وبكلّ وُد ,,
آخر تعديل بواسطة وحيدة الرشف في 05-05-2003 03:51 PM، تم التعديل مرة واحدة.
قلبٌ بين أنياب الزمن
-
- همس جديد
- مشاركات: 16
- اشترك في: 01-21-2003 03:03 AM
غاليتي وحيدة الرشف ...
حياك ِ الله بين أحرفي المتواضعة ...
ومقامي قد طاب ...
ما دام المكان يحوي دُررا ً مثلك ...
أنا معك في ان عنصر المفاجأة مهم في القصة ...
ويزداد بريقه في خاتمة القصة القصيرة ...
سأضع ملاحظتك في عين الإعتبار ....
وقد أجد لنفسي عذرا ً إن علمت ِ أنها أول قصة أكتبها ...
إذ أنني لست من هواة القصة ...
** آخر النبض ...
أشكر لك سنا حروفك ...
دمت ِ بنقاء ...
-
- رشف مميز
- مشاركات: 1142
- اشترك في: 05-12-2001 02:52 PM
[ALIGN=JUSTIFY]الأخت الفاضلة / عاشقة الفصحى
قصة جميلة و لي عندها وقفات
* كل قصة لها راوي .. إما أن يكون بطل القصة نفسه (كما في قصتك) أو شخص آخر يروي القصة .. و اختيارك أن يكون راوي القصة هو بطلها إختيار موفق لأنه يتحدث هنا عن حديث النفس ، إلا أن موته في نهاية القصة تسبب في ارتباك حقيقي للقاريء .. إذا كان بطل القصة مات فمن الذي روى لنا القصة ؟
* مازلت أرى افتقاد القصة لعنصر المفاجأة أو لحظة التنوير لتوظيف كمية الشجن الجيدة المبثوثة هنا وهناك في القصة .
اقتراحات لإيضاح وقفاتي بشكل أكبر
* تكتمل القصة عندما يخرج مثلاً مهرولاً و يتذكر فجأة أن عليه إحضار خبز للغداء ثم يذهب الى المخبز و يجد ازدحام شديد و تقف أمام المخبز سيارة فارهة تتوقف و يقوم عامل المخبز بإحضار الخبز الى السيارة منحنياً لصاحب السيارة .. فيتغامز الحاضرون و يهمس أحدهم واسطة .. و بعد عناء شديد يحصل خالد على احتياجاته من الخبز و لا يجد أفضل من ملفه الأخضر ليقي يديه حرارة الخبز فيتمتم مرحاً .. أخيراً وجدت فائدة لملفي دون واسطة دون واسطة
- اقترح ان تراجعي هذا الرابط الرشفي [/ALIGN]
http://www.rashf-alm3any.com/rashf/showthread.php?threadid=2812
مع تمنياتي بمزيد التقدم في قصة قادمة
قصة جميلة و لي عندها وقفات
* كل قصة لها راوي .. إما أن يكون بطل القصة نفسه (كما في قصتك) أو شخص آخر يروي القصة .. و اختيارك أن يكون راوي القصة هو بطلها إختيار موفق لأنه يتحدث هنا عن حديث النفس ، إلا أن موته في نهاية القصة تسبب في ارتباك حقيقي للقاريء .. إذا كان بطل القصة مات فمن الذي روى لنا القصة ؟
* مازلت أرى افتقاد القصة لعنصر المفاجأة أو لحظة التنوير لتوظيف كمية الشجن الجيدة المبثوثة هنا وهناك في القصة .
اقتراحات لإيضاح وقفاتي بشكل أكبر
* تكتمل القصة عندما يخرج مثلاً مهرولاً و يتذكر فجأة أن عليه إحضار خبز للغداء ثم يذهب الى المخبز و يجد ازدحام شديد و تقف أمام المخبز سيارة فارهة تتوقف و يقوم عامل المخبز بإحضار الخبز الى السيارة منحنياً لصاحب السيارة .. فيتغامز الحاضرون و يهمس أحدهم واسطة .. و بعد عناء شديد يحصل خالد على احتياجاته من الخبز و لا يجد أفضل من ملفه الأخضر ليقي يديه حرارة الخبز فيتمتم مرحاً .. أخيراً وجدت فائدة لملفي دون واسطة دون واسطة
- اقترح ان تراجعي هذا الرابط الرشفي [/ALIGN]
http://www.rashf-alm3any.com/rashf/showthread.php?threadid=2812
مع تمنياتي بمزيد التقدم في قصة قادمة
آخر تعديل بواسطة مجدي في 05-13-2003 12:10 AM، تم التعديل مرة واحدة.
الموجودون الآن
المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 15 زائراً