======= الغموض الشعري

[مخلص النوايا]

قال ابن قدامة أحسن الشعر غموضه وأقبحه وضوحه.. سئل أبوتمام لماذا لا تقول ما يفهم.. قال لماذا لا تفهم ما يقال..

هل الغموض هو كيمياء الشعر ؟

ظاهر الغموض ممتزجة امتزاجا كامل في الشعر العربي وهي من أسرار الإبداع الشعري.. ومصدر الابتكار والرقي الأدبي.. قضية الغموض هي حديث النقاد في كل زمان ومكان.. وهي وسيلة الشعراء ووحي الأدباء ..

قال امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل

إن العرب لم تقل قفوا أو قف وإنما قالت قفا..لماذا .هنا يكتمل سر الغموض ... السبب هو دعوة قفا إلى الضدية والتضاد.. هذه الدنيا خليط من المتضادات ,الشمس والقمر ,الليل والنهار وهلمّا جرّ.. كأن امرئ القيس يدعو كل هذا الكون إلى أن يبكِ معه.

قال كعب ابن زهير في مدح رسول الله:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم في إثرها لم يفد مكبول

من هي سعاد ؟ وكيف يمدح الرسول بقصيده ثلثاها غزل وثلثها مدح .. هنا لعب الغموض لعبته...سعاد هي نفس الشاعر الخائفة المضطربة عندما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإهدار دم كعب ابن زهير جاء كعب بقوله بانت سعاد أي افترقت عني .. يقصد نفسه التي أهدر الرسول الكريم دمها وفهم صلى الله عليه وسلم غموض هذه الأبيات و أعطاه البردة يريد أن يطمئنه ويهدي من روعه.

الغموض في شعر مجنون ليلى ( تذكرت ليلى والسنين الخوالي) لو عرف مجنون ليلى أسرار ليلى أو تزوجها لم يأتي لنا بهذا الشعر الرقيق الجميل.. لان ليلى عند الشاعر نوع من الغموض لم يعرف أسرارها وكان هذا هو السبب في تحرك مشاعره واختلاج أحاسيسه .وليلى لم تكشف لشاعر كل أسرارها وهذه هي التي ميزتها عن بنات جنسها في القبيلة العذرية وكانت من أسباب ولع الشاعر وجنونه.

ـ قال احمد شوقي :

ضمي قناعك يا سعاد أو ارفعي
هذي المحاسن ما خلقن لبرقع


هنا سعاد عند الشاعر هي النفس.. يخاطب النفس كما يخاطب الفيلسوف علماً لمّ به.. ويبحث عن الحقيقة فرآها تزيد غموضا كلما زاد بحثا..

الخمر عند أبو نواس ليست الخمر من النبيذ ولكن يقصد بها الرمزية في قصائده.كما هو معرف عند شعراء القلطة أو المحاورات اليوم الذين يستخدمون الرمز في أبياتهم عن طريق النقض والفتل..


الشاعر بديوي الوقداني في قصيدة ( أيامنا الليالي) التي تعتبر عين الشعر النبطي يقصد فيها حب فتاه كانت في مكة وذهب إلى الطائف لكي يجمع لها المهر وعندما رجع إلى مكة بعد مده وجد أن الفتاة قد تزوجت وقال فيها هذه القصيدة .. وبديوي شاعر عميق المعنى وليس بسهل فهم معانيه.

الغموض عند نازك الملائكه هو الليل وعند عبدالله الفيصل هو الحرمان.

كتب غسان في أحد قصصه عن أناس داخل خزان تحمله سيارة كبيرة لتهريبهم من العراق إلى الكويت وفي الطريق الأشخاص الذين في الخزان يدقوا على جدران الخزان ولا أحد يسمعهم وعندما وصلت هذه السيارة التي تحمل الخزان وجدوا أن الناس قد ماتوا اختناقاً داخل الخزان .. يفسر النقاد هذه القصة أن هذا الخزان هو العالم العربي والناس الذي يدقوا على جدار الخزان هم الشعب الفلسطيني والدق يصور صرخات هذا الشعب المظلوم وانه لا حياة لم تنادي وماتوا داخل الخزان أي داخل العلم العربي.

لقد اخذ لآرمست همنقواي كاتب أمريكي جائزة نوبل في قصته العجوز والبحر وهي عبارة عن إنسان داخل زورق في البحر وصاد حوتا كبيرا ولا يستطيع أن يضعه على هذا الزورق الصغير واصبح يجر هذا الحوت من الزورق وعندما وصل الشاطئ وجد أن الحوت هيكل من العظام لان الأسماك الصغيرة تأكل في هذا الحوت مسافة رجوعه إلي الشاطئ. يهمنا هنا في هذه القصة البسيطة التي أخذت اكثر الجوائز ماهية الغموض فيها ولماذا أصبحت من القصص العالمية..لان الكاتب يصور لنا الحضارة الامريكيه في هذا الحوت الذي تراه في البحر وعند الشاطئ تجده هيكل عظمي أي أن الحضارة الامريكيه زائفة .. ولقد انتحر الكاتب عندما علم هذه الحضارة الزائفة.

الحداثة هي اصطناع لغة جديده أو ثورة انتقام من اجل أن يسمع الناس كلامهم لهذا التقدم والحضارات الحديثة اصبح الشعر الفصيح لا يسمع عند العامة لذلك قاموا بالحداثة وهي أما في السياسة أو في الدين. والحداثة نوعان .. نوع يقصد به هدم التراث .. و نوع يقصد به الجدّة والمعاصرة .. والغموض عندهم مرحلة إبداعية بين الغيبوبة والوعي في الاعتماد على الفنية التركيبة من الإضافات المعينة مثل حديث الدائرة وحليب الرماد وتبادل الحواس ولكن بشكل مكثف وأن كانت هذه التراكيب موجودة في التراث ولكن يستخدمونها في إسهاب والحوار المسرحي والسردية الروائية ..

تجد في العصر شعراء في قصائدهم الغموض ولكن هو غموض لا يرجع إلى أصل وليس له دلالة ولا معنى يقوم عليه ... ودمتم على خير أيها الراشفون ...


مخلص النوايا

[رائد أنيس الجشي]

شكرا أخي الغالي
الموضوع شدني من البداية للنهاية

ولا شك أن الشاعر يتخفى أحيانا في أبياته
وينفس عن بعض الهموم
أو عن فكر يحاول الإفصاح عنه دون قدرة للجهر عنه
في قصائد يزركشها لتبدوا بشكل مختلف
للمتلقي العادي
وقد يصل العبعض إلى جزء من حيثياتها
بالتأمل
ولكن الغالب أنه لا يريد أن يبينها لأحد
بل لأنه يريد أن يزيل كآبة وجودها لديه

دمت على هذا الموضوع الرائع

[مخلص النوايا]

أخي الحبيب / النورس

مرحبا بك والقلوب منازل..

يسرّني دائما تواجدك الرائع..

جمال القصيدة يكمل في الدلالات التي يشير إليها النص بحيث في كل قراءة تخرج بشيء جديد فكأنها معين لا ينضب أو بحر لا ساحل له من الروائع المنبثقة من داخل النص و خارجه ..

[sara]

االفاضل مخلص النوايا

موضوع رائع وغني

قرأته عدة مرات

أرجو الإسهاب في الأدب المقارن بأنواعه

لك جزيل شكري وامتناني

Sara


همسه
توقيع حزين يحض على التأمل !!

[مخلص النوايا]

أختي الفاضلة / sara

إنما الرائع الذي يزهر في جوسق الكلمات هو تواجد وسوسنة حروقك ..

أعدك إذا اكتملت المادة العلمية عندي أن أسهب في الأدب المقارن فأن المقارنة بين الآداب الأخرى والثقافات زاخرة بالتقنية الفنية الإبداعية والاستفادة منها هو شأو المبدعين في كل عصر ..


همسه

توقيع يحمل في جعبته ألف حكاية تطوي في صناديق أعماقها شئٌ من الذكريات..

[ابن المدينه]

أستاذي : مخلص النوايا ...
موضوع رائع ..شدّني كثيرا لأنه يتحدث عن الغموض وهذا الغموض أحد ركائز الشعر الحداثي وليس الحديث ..الغموض ليس من صفات العرب ولذلك جاء شعرهم صريح وواضح وتعرف ما يريد الشاعر ولم تظهر شروحات الشعر إلا عندما خالط العرب غيرهم من الأعاجم ..كانو يتدارسون الشعر دون الرجوع الى ( موت المؤلف )..هذه المقوله التي أصبحت حجة لكل من يهذي بكلام لا يُفهم ....يا سيدي خلق الله الانسان وجعل له عقلاً لكي يفهم ما يدور حوله ..لكي يفهم ما يقال له ..أما إذا لم يفهم فهذا لا يرجع الى قصور في عقله ولكن لأن ما قيل له هذيان وكلام غير مترابط وهو ما نراه اليوم في الكثير من الأشعار المعاصره ( عفواً سميتها شعرا مجازا فقط )..
أستاذي :
عندما نتحدث عن الشعر الحداثي فأنا لا أستغرب من أبناء بعض الدول المجاورة إيمانهم بمثل هذا الشعر لأن بلدانهم مرّت بمرحلة ثقافيه كانت الغلبة فيها للإيدلوجيات الثقافية المنحرفه والتي كان يدعمها الإستعمار ثم تولى المهمة أذناب المستعمر وأكثرهم إما مسيحيون أو أبناء أقليات مسلمه منحرفه مذهبياً...فمثلاً من أصنام الحداثيين ( أدونيس ) وهو كما هو معروف نصيري وتربى ثقافياً على يد (أنطوان سعادة )..مؤسس الحزب القومي الاجتماعي السوري ..وهو قد وجد في أدونيس خامة طيبه لكي ينفث أحقاده على الاسلام ...وأعود للوم ..أنا يا سيدي ألوم أبناء بلدي التي ولله الحمد كانت بمنأى عن هذه العقائد الفاسده ولكن تجد للأسف من أبناءها الآن من يتبع أصحاب هذه المذاهب الادبية الفاسده كالنعجة عندما يقودها القصاب لا تعلم الى أين ...المضحك المبكي أنك تجدهم يتحدثون عن عشتار وايزيس وفينيوس وهو لا يعلم ماهي ..إنما ( مع الخيل يا شقرا)..ما الذي يربط بدوي من الربع الخالي أو من جبال السراة بعشتار أم هي الموضه ..
أستاذي :
أنتهيت من الكتابة والآن سأكتب وأنا في اللا وعي (((يا سيدي أشكر لك هذا الفتح النقدي العظيم وأنا معك في كل ما قلته وأعتراضي فقط في موضوع (سعاد) كعب بن زهير ..فأنت تقول أن المقصود بسعاد هي نفس الشاعر المضطربه وهذا ما ذهب اليه كل من ( بلند الحيدري والبياتي ونازك )..ولكن ما ذهب إليه ( محمود درويش وسميح القاسم وأدونيس) وأنا معهم بالطبع ..هو أن سعاد المقصود بها الشمس ..شمس الاسلام التي أشرقت وأضاءت القلوب المظلمه ..وانا مع هذا الرأي خاصة وأنه صدر من قوم مشهود لهم بالعقيدة الاسلاميه الصحيحه ..أي من منظور ديني ..
سيدي ...
أرجو المعذرة على الاطاله ولكنه موضوع أتعبني نفسياً..تحياتي

[مخلص النوايا]

أستاذي وسيدي الفاضل / ابن المدينه

أعجبني حديثك وراق لي ... الحداثة الضارة هي انحراف في العقيدة والفكر وهذا يكون في عامودية الشعر وتفعيلتها , والحداثة الحسنة من يستخدموا الفنية الحديثة والتقنية المبتكرة ... فلا ضرر أن تأخذ الفنية الجميلة والأساليب الرائعة التي أبتدعها الحداثيون ( أدنيس , المقالح . الغذامي حنا ميه . محمود درويش إلى إلى ) ولكن نترك معتقدهم وانحرافهم حيث يتلقفه واو أم عمرٍ .. والعلماء المسلمون الأوائل استفادوا من العلوم الأخرى وأدخلوا علم المنطق في الأصول الفقهية ولكن دخول الحسن والمقبول من علم المنطق ولم يأخذوا ما يشين المعتقد والفكر ..

( ( أدنيس )) صاحب معتقد فاسد ولكن له نظريات مقبولة وقراءات تراثية جيدة فيكون الأخذ بالجانب الحسن وترك الجانب السيئ كما تفعل مثلا في قراءة مسرحيات شكسبير تستمتع بأدبه ولا تأخذ بمعتقده ... وكثير من الحداثيين يأخذون الأساليب ويضعون الحافر على الحافر على المنهج الفني لا على المنهج الفكري والعقائدي ... نظرية ( موت المؤلف ) نظرية فاسدة وأستغرب مما يحمل شعارها , لأن أهل هذه النظرية تركوها ومن يدعي بها إطلاقا فهو يخالف نفسه وذاته ..

( بانت سعاد ) == بانت سعاد أي افترقت عني ويقول ابن زيدون ( بنتم وبنّا ) أي افترقتم و افترقنا وأنت أخذتَ المعنى ( بانت ) الوضوح والظهور وهنا لا نستطيع أن نجزم على معنى معياً ويقال أن سعاد هذه هي زوجة الشاعر ...

ولك تقديري وتحياتي