هل الشعر المنثور ينتمي للشعر
المشرف: مجدي
هل الشعر المنثور ينتمي للشعر
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأحبة,
لقد رأيت كثيراً من الجدل في الآونة الأخيرة حول موضوع شعرية الشعر "الحداثي" وشعر النثر. وأحب أن أشارك في هذا الموضوع وأساس هذا الموضوع هو رد على موضوع الفاضل "تأبط حلماً" ولأهمية الموضوع -في رأيي- أحببت أن أعيده عليكم كموضوع مستقل -إذا سمحتم- مع بعض التعديلات.
قبل البدء أود أن انبه الى أمر هام وهو التفريق بين "الحداثي" و "الحديث"
لأن الحداثة هي ايدلوجية ومذهب فكري ساندته أمريكا أيام الستينيات والسبعينيات لمجابهة الايدلوجية الشيوعية بما فيها من مطالبة بحقوق المظلومين فكان تأثر الشباب فيها خير -في رأيهم- من انخراطهم في الشيوعية. فالحداثة هو فكر انصب على الحياة الثقافية الغربية ودخلت مبادئة في شتى الفنون مثل الموسيقى والرسم والشعر. إنه الرسالة التي حملته هذه الأمور وليس الطريقة التي عرضت بها. والحداثة مجرد اسم لها وليس معناه كل ما هو جديد, أي أنه حتى بعد مائة عام عندما يعفو على هذا المنهج الزمن سيظل اسم هذا الفكر الحداثة.
فموضوعنا هنا هو الشعر الحديث والذي ابتدأته على الأرجح نازك.
الملاحظ أن كل الشعراء عندما كتبوا الشعر الحديث لم ينبذو التفعيلة بل استخدموها في كل أشعارهم ولكن كل مافعلوه هو أنهم كما تفضلت ميلاد غيروا الطريقة العمودية في رص التفعيلات إلى شعر التفعيلة التي تلتزم هامش أكثر مرونة في رص هذه التفعيلات وفي اعتماد القافية ولكن كل من التفعيلات والقافية كانتا دائماً موجودتين. وهذا الضرب من الشعر اسمه شعر التفعيلة. وهو يختلف تماماً عن ما يسمى بـ "الشعر المنثور"
إشكالية "الشعر المنثور"
من خلال ملاحظاتي الشخصية أن إشكالية الشعر المنثور تتعقد في مسألتين, واحدة ذات طابع أخلاقي والأخرى ذات طابع فني:
أما الأولى أيها القارئ الحبيب فقد تأتت من كون هذا الضرب من الفن قد نشأ أول ما نشأ في بيئة متأثرة بالفكر الحداثي بل نتجت في رأيي الشخصي عن "ترجمة" لطريقة الشعر الإنجليزي والفرنسي والطريف في الأمر أن كثير من ذوي التوجه الشيوعي من العرب قد استحسنوه رغم أنه ازدهر كما أسلفت بدعم من العالم الغربي كفكر ضد الشيوعية.
هذا من ناحية تاريخية, أما حالياً فالمشكلة أن السواد الأعظم من منتوجات "الشعر المنثور" لا تكرس الحضارة الإسلامية\العربية بل هي امتداد للحضارة الغربية والتي هي نفسها حاربت الفكر الشيوعي لمجرد أنه من حضارة أخرى.
إذاً فهذه اشكالية المضمون الفكري للمنتوجات الشعر المنثور. وفي رأيي المتواضع أنه إذا استخدم هذا الضرب من الفن في تكريس الحضارة الاسلامية -ليست بشرط الدينية منها- فسيذوب حاجز كبير.
والصعب في الأمر أن المتحمسين للحضارة الإسلامية يعشقون الشعر الموزون بأنواعه من العمودي والتفعيلي. وهم لا يفضلونه أيضاً بسبب الإشكالية الفنية لــ"قصيدة النثر".
الإشكالية الفنية لـــ"الشعر المنثور"
تتلخص الاشكالية الفنية لقصيدة النثر في: انتسابها للشعر
والذي خلق هذه المشكلة هو عدم التزامه التفعيلة أو القافية.
وهذا في رأي شعراء التفعيلة أنفسهم ليس شعراً, ومنهم نزار (الشاعر المشهور وليس كاتب هذه السطور) فقد احتج على تسميته شعرا أصلاً (مع استحسانه له) ودعا إلى تسميته أي اسم آخر مثل "الكلام الجميل".
صحيح أنه لامشاحة في الاصطلاح ولكن تسمية "الشعر المنثور لاتصح بالتعريف. فالتفعيلة كما اسلفت ميلاد -في الموضوع الأول- هو الشعرة التي تفصل الشعر
من ناحية أخرى, سيتسبب قبوله كشعر في إدخال نصوص القرآن الكريم في نفس التعريف. لأنه لو صحت تسميته شعراً لصحت تسمية سورة الرحمن مثلاً شعراً منثوراً. وبما أن القرآن ليس شعراً فسيصبح تعريف الشعر المنثور مستحيلاً - رأي شخصي-
لذا فإنني أقرر أن أغلب منتوجات أدونيس الأدبية لاتصح تسميتها بالشعر مع تقديري للجيد منها وذلك لأنها لاتلتزم أي نوع من التفعيلات.
تقديري لجميع من شاركوا في هذا الموضوع القديم المثير وبقيت مسألة أحب أن اساهم فيها إذا سمحتم أيها الطيبون وهي أن الشعر العمودي لم يكن يوماً "مشكلة" لشعرائه الأقدمين وبعض الحديثين لأنهم كانوا ذوي لغة قويةولم يكونوا -غالباً- يكتبون القافية أولاً ثم بقية القصيدة. لا. ولكن تمكنهم من اللغة مكنهم من قول الشعر بنفس الإنسيابية التي أكتب بها كلماتي أو أسهل. بدليل ارتجالهم لكثير من أشعارهم. ولكن برزت المشكلة أكثر في الفترات الأخيرة عندما اضمحلت قدرات المستمعين أولاً فانحصر الشعراء في الكلمات المفهومة. وقلت أيضاً -كثيراً أو قليلاً- قدرات الشعراء اللغوية مما رغبهم عنه.
والحمد لله
أيها الأحبة,
لقد رأيت كثيراً من الجدل في الآونة الأخيرة حول موضوع شعرية الشعر "الحداثي" وشعر النثر. وأحب أن أشارك في هذا الموضوع وأساس هذا الموضوع هو رد على موضوع الفاضل "تأبط حلماً" ولأهمية الموضوع -في رأيي- أحببت أن أعيده عليكم كموضوع مستقل -إذا سمحتم- مع بعض التعديلات.
قبل البدء أود أن انبه الى أمر هام وهو التفريق بين "الحداثي" و "الحديث"
لأن الحداثة هي ايدلوجية ومذهب فكري ساندته أمريكا أيام الستينيات والسبعينيات لمجابهة الايدلوجية الشيوعية بما فيها من مطالبة بحقوق المظلومين فكان تأثر الشباب فيها خير -في رأيهم- من انخراطهم في الشيوعية. فالحداثة هو فكر انصب على الحياة الثقافية الغربية ودخلت مبادئة في شتى الفنون مثل الموسيقى والرسم والشعر. إنه الرسالة التي حملته هذه الأمور وليس الطريقة التي عرضت بها. والحداثة مجرد اسم لها وليس معناه كل ما هو جديد, أي أنه حتى بعد مائة عام عندما يعفو على هذا المنهج الزمن سيظل اسم هذا الفكر الحداثة.
فموضوعنا هنا هو الشعر الحديث والذي ابتدأته على الأرجح نازك.
الملاحظ أن كل الشعراء عندما كتبوا الشعر الحديث لم ينبذو التفعيلة بل استخدموها في كل أشعارهم ولكن كل مافعلوه هو أنهم كما تفضلت ميلاد غيروا الطريقة العمودية في رص التفعيلات إلى شعر التفعيلة التي تلتزم هامش أكثر مرونة في رص هذه التفعيلات وفي اعتماد القافية ولكن كل من التفعيلات والقافية كانتا دائماً موجودتين. وهذا الضرب من الشعر اسمه شعر التفعيلة. وهو يختلف تماماً عن ما يسمى بـ "الشعر المنثور"
إشكالية "الشعر المنثور"
من خلال ملاحظاتي الشخصية أن إشكالية الشعر المنثور تتعقد في مسألتين, واحدة ذات طابع أخلاقي والأخرى ذات طابع فني:
أما الأولى أيها القارئ الحبيب فقد تأتت من كون هذا الضرب من الفن قد نشأ أول ما نشأ في بيئة متأثرة بالفكر الحداثي بل نتجت في رأيي الشخصي عن "ترجمة" لطريقة الشعر الإنجليزي والفرنسي والطريف في الأمر أن كثير من ذوي التوجه الشيوعي من العرب قد استحسنوه رغم أنه ازدهر كما أسلفت بدعم من العالم الغربي كفكر ضد الشيوعية.
هذا من ناحية تاريخية, أما حالياً فالمشكلة أن السواد الأعظم من منتوجات "الشعر المنثور" لا تكرس الحضارة الإسلامية\العربية بل هي امتداد للحضارة الغربية والتي هي نفسها حاربت الفكر الشيوعي لمجرد أنه من حضارة أخرى.
إذاً فهذه اشكالية المضمون الفكري للمنتوجات الشعر المنثور. وفي رأيي المتواضع أنه إذا استخدم هذا الضرب من الفن في تكريس الحضارة الاسلامية -ليست بشرط الدينية منها- فسيذوب حاجز كبير.
والصعب في الأمر أن المتحمسين للحضارة الإسلامية يعشقون الشعر الموزون بأنواعه من العمودي والتفعيلي. وهم لا يفضلونه أيضاً بسبب الإشكالية الفنية لــ"قصيدة النثر".
الإشكالية الفنية لـــ"الشعر المنثور"
تتلخص الاشكالية الفنية لقصيدة النثر في: انتسابها للشعر
والذي خلق هذه المشكلة هو عدم التزامه التفعيلة أو القافية.
وهذا في رأي شعراء التفعيلة أنفسهم ليس شعراً, ومنهم نزار (الشاعر المشهور وليس كاتب هذه السطور) فقد احتج على تسميته شعرا أصلاً (مع استحسانه له) ودعا إلى تسميته أي اسم آخر مثل "الكلام الجميل".
صحيح أنه لامشاحة في الاصطلاح ولكن تسمية "الشعر المنثور لاتصح بالتعريف. فالتفعيلة كما اسلفت ميلاد -في الموضوع الأول- هو الشعرة التي تفصل الشعر
من ناحية أخرى, سيتسبب قبوله كشعر في إدخال نصوص القرآن الكريم في نفس التعريف. لأنه لو صحت تسميته شعراً لصحت تسمية سورة الرحمن مثلاً شعراً منثوراً. وبما أن القرآن ليس شعراً فسيصبح تعريف الشعر المنثور مستحيلاً - رأي شخصي-
لذا فإنني أقرر أن أغلب منتوجات أدونيس الأدبية لاتصح تسميتها بالشعر مع تقديري للجيد منها وذلك لأنها لاتلتزم أي نوع من التفعيلات.
تقديري لجميع من شاركوا في هذا الموضوع القديم المثير وبقيت مسألة أحب أن اساهم فيها إذا سمحتم أيها الطيبون وهي أن الشعر العمودي لم يكن يوماً "مشكلة" لشعرائه الأقدمين وبعض الحديثين لأنهم كانوا ذوي لغة قويةولم يكونوا -غالباً- يكتبون القافية أولاً ثم بقية القصيدة. لا. ولكن تمكنهم من اللغة مكنهم من قول الشعر بنفس الإنسيابية التي أكتب بها كلماتي أو أسهل. بدليل ارتجالهم لكثير من أشعارهم. ولكن برزت المشكلة أكثر في الفترات الأخيرة عندما اضمحلت قدرات المستمعين أولاً فانحصر الشعراء في الكلمات المفهومة. وقلت أيضاً -كثيراً أو قليلاً- قدرات الشعراء اللغوية مما رغبهم عنه.
والحمد لله
-
- بوح دائم
- مشاركات: 246
- اشترك في: 05-29-2002 11:08 PM
- اتصال:
إن سمح أهل الرشف لي سأدلي بدلوي !
الاخ الحبيب نزار
هذا الموضوع - وكما تعلم - انت وبقية الاخوة والاخوات قد أشبع بحثا ونقاشا ولكن لا بأس إن أذنَ لي أهل الرشف بالادلاء بدلوي فعلت ان شاء الله .
مع تحيات
اخوكم : جمال حمدان
هذا الموضوع - وكما تعلم - انت وبقية الاخوة والاخوات قد أشبع بحثا ونقاشا ولكن لا بأس إن أذنَ لي أهل الرشف بالادلاء بدلوي فعلت ان شاء الله .
مع تحيات
اخوكم : جمال حمدان
هذا أنا أبدو وحرفي مائلا
.......... كالدَّوحِ ممتشقا خطوطَ ظلالهِ
في رحلةٍ أبَــدًا يُقلبُ طرفَــهُ
............. معنى ومفردةٌ ونجمُ خيالهِ
متغـرِّبٌ ما أن يَحُطَّ رِحَـالَـهُ
........ إلاَّ وتَطلُبـُهُ خُطَـى تِـرحَالِـهِ
.......... كالدَّوحِ ممتشقا خطوطَ ظلالهِ
في رحلةٍ أبَــدًا يُقلبُ طرفَــهُ
............. معنى ومفردةٌ ونجمُ خيالهِ
متغـرِّبٌ ما أن يَحُطَّ رِحَـالَـهُ
........ إلاَّ وتَطلُبـُهُ خُطَـى تِـرحَالِـهِ
سننقل الموضوع الى قسم المقالات بنهاية اليوم و ننتظر مداخلاتك
أخي الكريم شاعرنا القدير / جمال حمدان
لا يستأذن المرء في دارهِ و أنت ربُّ الدار
الأخ الكريم / نزار - صاحب الطرح -
إخوتي و أخواتي الأفضل في الرشف
اسمحوا لي ان أنقل لكم طرفاً من الحديث الذي تم حول هذا الموضوع في الغرفة الجماعية الأدبية ( الشات ) لنادي الرشف قبل شهورٍ عدة .. و قد اشتد الحماس حينذاك و كنتُ على طرفي نقيض مع أختي الفاضلة ( الأنثى ) ثم بعد ان امتد بنا الحوار لوقت طويل اكتشفنا ان نقاط الالتقاء أكثر بكثير من نقاط الاختلاف و قد ارتكبنا خطأ كبير منذ البداية عندما ناقشنا الموضوع بدون وضع ثوابت تعريفية لما نتحدث عنه ، فقد كانت الأخت الفاضلة الأنثى تتحدث عن شعر التفعيله بلفظ الشعر الحر و انا بدوري ارد بحماس شديد معتقداً أنها تتحدث عن النثر في قوالب جمالية معينة ..
فأنا أرى و الراي الأتم لكم ان نقوم بتعريف واضح لا لبس فيه لعناصر موضوع النقاش مثلا
الشعر /
هو الكلام الموزون المقفى الذي يؤدي الى معنى و نعني به الشعر العمودي و يشمل الموشحات و الدو بيت و بعض مظاهر التجديد في القصيدة العمودية مثل إمكانية ان تكون على اكثر من قافية
شعر التفعيلة /
هو ما سبق مع زيادة او نقصان بعض التفعيلات لذات البحر ( دون الخروج عنه ) كتكرار التفعيلة المكونة للبحر .
الشعر الحر /
سنقصد هنا به مجازاً .. النثر و التراكيب اللفظية الخالية من الوزن .
النثر /
هو الكلام الذي يؤدي الى معنى و هناك تفاوت في تعريفه فقد يكون مسجوعاً و قد يكون مرسلاً و له انواع عدة ( المقالة - القصة - الرواية - المقامة .. إلخ )
و دعوني انقل لكم ما اتفقنا عليه بعد نقاشِ طويل مضنى ارهقتني فيه اختنا الكريمة الأنثى إيما ارهاق فلها الشكر من كل قلبي لإثراء نقاشنا و سعة صدرها من غضبي و جملي القاسية
اتفقنا على التفريق بشكل واضح بين الشعر و النثر ، و ان كتاباتها الابداعية النثرية قد تكون أجمل من الشعر و اوضح بياناً و انقى لغةً لكنها من روائع النثر و ليس الشعر و ليتني اتعلم مثلها او مثل الأخت ميلاد فن الكتابة النثرية الراقية .
لا يستأذن المرء في دارهِ و أنت ربُّ الدار
الأخ الكريم / نزار - صاحب الطرح -
إخوتي و أخواتي الأفضل في الرشف
اسمحوا لي ان أنقل لكم طرفاً من الحديث الذي تم حول هذا الموضوع في الغرفة الجماعية الأدبية ( الشات ) لنادي الرشف قبل شهورٍ عدة .. و قد اشتد الحماس حينذاك و كنتُ على طرفي نقيض مع أختي الفاضلة ( الأنثى ) ثم بعد ان امتد بنا الحوار لوقت طويل اكتشفنا ان نقاط الالتقاء أكثر بكثير من نقاط الاختلاف و قد ارتكبنا خطأ كبير منذ البداية عندما ناقشنا الموضوع بدون وضع ثوابت تعريفية لما نتحدث عنه ، فقد كانت الأخت الفاضلة الأنثى تتحدث عن شعر التفعيله بلفظ الشعر الحر و انا بدوري ارد بحماس شديد معتقداً أنها تتحدث عن النثر في قوالب جمالية معينة ..
فأنا أرى و الراي الأتم لكم ان نقوم بتعريف واضح لا لبس فيه لعناصر موضوع النقاش مثلا
الشعر /
هو الكلام الموزون المقفى الذي يؤدي الى معنى و نعني به الشعر العمودي و يشمل الموشحات و الدو بيت و بعض مظاهر التجديد في القصيدة العمودية مثل إمكانية ان تكون على اكثر من قافية
شعر التفعيلة /
هو ما سبق مع زيادة او نقصان بعض التفعيلات لذات البحر ( دون الخروج عنه ) كتكرار التفعيلة المكونة للبحر .
الشعر الحر /
سنقصد هنا به مجازاً .. النثر و التراكيب اللفظية الخالية من الوزن .
النثر /
هو الكلام الذي يؤدي الى معنى و هناك تفاوت في تعريفه فقد يكون مسجوعاً و قد يكون مرسلاً و له انواع عدة ( المقالة - القصة - الرواية - المقامة .. إلخ )
و دعوني انقل لكم ما اتفقنا عليه بعد نقاشِ طويل مضنى ارهقتني فيه اختنا الكريمة الأنثى إيما ارهاق فلها الشكر من كل قلبي لإثراء نقاشنا و سعة صدرها من غضبي و جملي القاسية
اتفقنا على التفريق بشكل واضح بين الشعر و النثر ، و ان كتاباتها الابداعية النثرية قد تكون أجمل من الشعر و اوضح بياناً و انقى لغةً لكنها من روائع النثر و ليس الشعر و ليتني اتعلم مثلها او مثل الأخت ميلاد فن الكتابة النثرية الراقية .
فنّ الشعر والشعراء
ما النثر والشعر إلا جناحا الأدب العربي يطير بهما في سماء البلاغة والفصاحة، ويطوف بهما في أنحاء الحياة المختلفة، ولاغنى عنهما أو عن أحدهما.
ولا نستطيع الموازنة والمفاضلة بين الشعر والنثر، فلكل منهما رجال ومواقف ، وإبداع ولطائف، ولئن لم يكن القرآن المعجز شعرا،ً فهو أيضاً ليس مما عهده العرب من أصناف النثر.
ويكفي الشعر فخراً قول المصطفى عليه الصلاة والسلام " وإنّ من الشعر لحكمة ، وإنّ من البيان لسحرا ".(روى القسم الأول منه البخاري عن أبيّ ، والجزء الثاني رواه أحمد وأبو داود )
ولايضير الشعر أن الله سبحانه نزه نبيه صلى الله عليه وسلم عنه، فذلك لعمري آية نبوة، وعلامة صدق فيه، كيف لا. وقد كان أبو بكر وعمر شاعرين وكان علي رضي الله عنهم أجمعين أشعر الثلاثة.
ما قيل في الشعر:
قال ابن فارس في فقه اللغة: والشعر ديوان العرب، وبه حفظت الأنساب، وعرفت المآثر، ومنه تعلمت اللغة، وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث صحابته والتابعين.
والشعراء أمراء الكلام، يقصرون الممدود، ويمدون المقصور،ويقدمون ويؤخرون، ويومئون ويشيرون، ويختلسون ويعيرون ويستعيرون.
تعريف الشعر:
وقد عُرّف الشعر بأنه كلام موزون مقفىّ، دالُُ على معنى، ويكون أكثر من بيت.
وقال بعضهم: هو الكلام الذي قصد إلى وزنه وتقفيته قصداً أولياً، فأما ما جاء عفو الخاطر من كلام لم يقصد به الشعر فلا يقال له شعر، وإن كان موزونا.
ويقول ابن خلدون فيه: هو كلام مفصل قطعاً قطعاً متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة، وتسمى كل قطعة من هذه القطعات عندهم بيتاً، ويسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه رَوِيّا وقافية، ويسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة وكلمة، وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه، حتى كأنه كلام وحده، مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاماً في بابه في مدح أو نسيب أو رثاء.
تاريخ الشعر ومبدؤه:
ولقد كان الشعر في العرب قديماً إلا أنه لم يكن إلا أبياتا.
يقول السيوطي في (المزهر): وإنما قُصّدت القصائد وطوّل الشعر على عهد عبد المطلب، أو هاشم بن عبد مناف. ثم يعود فينقل عن ثعلب في (أماليه) قول الأصمعي: أول من يروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتاً من الشعر مهلهل ثم ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، ثم ضمرة رجل من بني كنانة، والأضبطُ بن قريع. قال: وكان بين هؤلاء وبين الإسلام أربعمائة سنة، وكان امرؤ القيس بعد هؤلاء بكثير.
العَروض... مركب الشعر والشعراء:
ولا يفوتنا ـ قبل أن نختم الحديث عن الشعر والشعراء ـ أن ننوه بعلم لاحق للشعر وضباط له، وهو علم العروض الذي هو: معرفة الأوزان المعتبرة للشعر.
وأول من اخترع هذا الفن الإمام الخليل بن أحمد، تتبع أشعار العرب وحصرها في خمسة عشر وزناً، وسمي كلاً منها بحراً، ثم تابع الجوهري علم الخليل فهذب العروض، ثم لحق بهما الأخفش.
وقد كتب العلماء في العروض كتباً، مثل عروض ابن الحاجب، والخطيب، والتبريزي، وعروض الخزرجي، وشفاء العليل في علم الخليل لأمين الدين المحليّ.
وفي الختام، فإن الشعر بحر العرب الذي أشرفوا على سواحله من كل جانب، ومخروا عبابه بكل سفين، وصبوا في قوالبه كل معنى. وهناك ألوف وألوف من دواوين الشعراء لا تقع تحت حصر.
ما النثر والشعر إلا جناحا الأدب العربي يطير بهما في سماء البلاغة والفصاحة، ويطوف بهما في أنحاء الحياة المختلفة، ولاغنى عنهما أو عن أحدهما.
ولا نستطيع الموازنة والمفاضلة بين الشعر والنثر، فلكل منهما رجال ومواقف ، وإبداع ولطائف، ولئن لم يكن القرآن المعجز شعرا،ً فهو أيضاً ليس مما عهده العرب من أصناف النثر.
ويكفي الشعر فخراً قول المصطفى عليه الصلاة والسلام " وإنّ من الشعر لحكمة ، وإنّ من البيان لسحرا ".(روى القسم الأول منه البخاري عن أبيّ ، والجزء الثاني رواه أحمد وأبو داود )
ولايضير الشعر أن الله سبحانه نزه نبيه صلى الله عليه وسلم عنه، فذلك لعمري آية نبوة، وعلامة صدق فيه، كيف لا. وقد كان أبو بكر وعمر شاعرين وكان علي رضي الله عنهم أجمعين أشعر الثلاثة.
ما قيل في الشعر:
قال ابن فارس في فقه اللغة: والشعر ديوان العرب، وبه حفظت الأنساب، وعرفت المآثر، ومنه تعلمت اللغة، وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث صحابته والتابعين.
والشعراء أمراء الكلام، يقصرون الممدود، ويمدون المقصور،ويقدمون ويؤخرون، ويومئون ويشيرون، ويختلسون ويعيرون ويستعيرون.
تعريف الشعر:
وقد عُرّف الشعر بأنه كلام موزون مقفىّ، دالُُ على معنى، ويكون أكثر من بيت.
وقال بعضهم: هو الكلام الذي قصد إلى وزنه وتقفيته قصداً أولياً، فأما ما جاء عفو الخاطر من كلام لم يقصد به الشعر فلا يقال له شعر، وإن كان موزونا.
ويقول ابن خلدون فيه: هو كلام مفصل قطعاً قطعاً متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة، وتسمى كل قطعة من هذه القطعات عندهم بيتاً، ويسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه رَوِيّا وقافية، ويسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة وكلمة، وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه، حتى كأنه كلام وحده، مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاماً في بابه في مدح أو نسيب أو رثاء.
تاريخ الشعر ومبدؤه:
ولقد كان الشعر في العرب قديماً إلا أنه لم يكن إلا أبياتا.
يقول السيوطي في (المزهر): وإنما قُصّدت القصائد وطوّل الشعر على عهد عبد المطلب، أو هاشم بن عبد مناف. ثم يعود فينقل عن ثعلب في (أماليه) قول الأصمعي: أول من يروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتاً من الشعر مهلهل ثم ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، ثم ضمرة رجل من بني كنانة، والأضبطُ بن قريع. قال: وكان بين هؤلاء وبين الإسلام أربعمائة سنة، وكان امرؤ القيس بعد هؤلاء بكثير.
العَروض... مركب الشعر والشعراء:
ولا يفوتنا ـ قبل أن نختم الحديث عن الشعر والشعراء ـ أن ننوه بعلم لاحق للشعر وضباط له، وهو علم العروض الذي هو: معرفة الأوزان المعتبرة للشعر.
وأول من اخترع هذا الفن الإمام الخليل بن أحمد، تتبع أشعار العرب وحصرها في خمسة عشر وزناً، وسمي كلاً منها بحراً، ثم تابع الجوهري علم الخليل فهذب العروض، ثم لحق بهما الأخفش.
وقد كتب العلماء في العروض كتباً، مثل عروض ابن الحاجب، والخطيب، والتبريزي، وعروض الخزرجي، وشفاء العليل في علم الخليل لأمين الدين المحليّ.
وفي الختام، فإن الشعر بحر العرب الذي أشرفوا على سواحله من كل جانب، ومخروا عبابه بكل سفين، وصبوا في قوالبه كل معنى. وهناك ألوف وألوف من دواوين الشعراء لا تقع تحت حصر.
مقال جميل حول الموضوع
قصيدة النثر.. تأملات في المصطلح
محمد الصالحي (كاتب وناقد من المغرب)
يصطدم الباحث في قصيدة النثر العربية بمعضلة تدخل الحدود بين أشكال أدبية عدة أفرزتها المحاولات الإبداعية العربية الحديثة منذ ما سمي بعصر النهضة. أي منذ النحاولات الأولى لزعزعة الفواصل السميكة الموروثة بين الشعر والنثر، إذ لم يعد الشكل الظاهر للنص كافيا لوضع هذا النص في خانة الشعر وذلك في خانة النثر، لأن هذا تطاول على اختصاصات ذاك والعكس(1).
ففي زمن وجيز تجمعت في سلة النقد الشعري العربي مصطلحات من مثل:
الشعر المنثور
القصيدة المنثورة
الشعر المرسل
الشعر المنطلق
الشعر الحر
النثر المركز
النثر المشعور
النثر الموقع
البيت المنثور
النثر الشعري
قصيدة النثر
النثيرة...
و المتأمل للدرس التقدي العربي الحديث حول الشعر سيلاحظ الفوضى السائدة بسبب عدم تدقيق المصطلح وبسبب من عدم توحيد ثانيا. إن الباحث الذي يتناول قصيدة النثر في الشعر العربي الحديث ليجد من أولى أولوياته توضيح هذا المصطلح توضيحا شافيا حتى يتسنى له فرز المتن الذي سيتعامل معه، وحتى يساهم ، ما استطاع في تجلية هذه الضبابية المفاهيمية التي ما انفكت حدودها تتسع.
لقد شهدت القصيدة العربية، في ظرف وجيز جدا من التغيرات والتلوينات ما لم تشهد طلية تاريخها الطويل، فلم تكد قصيدة (التفعيلة ) تبشر بإيقاعها الجديد الذي سيحرر في نظر أصحابها ، الشعر العربي من الرتابة الوزنية والملل القافوي، حتى ظهرت قصيدة النثر، أو القصيدة التي تدعي كونها نثرية لترى في التفعيلة مجرد تكرار لقوانين العروض وخروجا محتشما عن سياج الخليل (2) ، ولتدعو الى شكل جديد يتسع للمعاني الجديدة (3) داعيه الشاعر الى ايجاد لغه جديدة تتيح إمكانية التعبير عن فورات نفسية أكثر قوة بعيدا عن قيد الوزن والقافية ، لا مفر من نظرة تبسيطية كهذه الى المسألة لأن الثورة على القديم تأتي، دوما من الإحساس بكون المؤسسة القديمة (البيت التقليدي والسطر التفعيلي هنا) لم تعد ملائمة للبت في مشكلات أوجدها مناخ جديد، ومن أن سوء الأداء يستلزم البحث عن بديل أسلم ما يتولد عنه عصيان عادة ما يكون عنيفا (4)، لهذا صاحبت الدعوة لخرق كل الممنوعات لغويا ، أخلاقيا، واجتماعيا ، الدعوة لكسر بنية اللغة الشعرية (5).
ظهور قصيدة النثر بشكلها الصارخ والهجومي في لحظة زمنية سمتها الاستعمار الغربي لبلدان العالم العربي وبلوغ الحركات الاستقلالية الوطنية أوجها، وفي لحظة كان الفكر العربي فيها يتوزعه تياران قويان سمي الصراع بينهما- اختزالا - صراعا بين الأصالة والمعاصرة ، جعل النقاش حول قصيدة النثر يحتد ويتخذ أبعادا لم يثرها أي نقاش شعري عربي من ذي قبل .
ذلك أن القيم العربية العامة لم تتغير جذريا حتى تتغير الأشكال الأدبية والبنى الذهنية جذريا،.
المجتمع العربي مايزال يراوح مكانه اجتماعيا وثقافيا، ولم يزده الاستعمار الغربي والصدمة الحضارية الناتجة عنه إلا نكوصا وارتدادا الى ذاته وماضيه ، فهو لم يبرح بعد لحظة الخطابة والتوصيل الشفاهي الى مرحلة الكتابة ، بما ترمز اليه الكتابة من اعتماد التقنية أداة في تفعيل التواصل الأدبي والشعري خاصة ، ومن حرية فردية في التلقي والتأويل (6).
لقد نظر الى النص الجديد، في ظل الظروف العامة أعلاه ، كمؤزرة للانكسار العام الذي أضحت الأمة تعيشه ، حضاريا وسياسيا، ورثى في (اللاشكل ) الذي أصبحت تنادي به قصيدة النثر، معادلا موضوعيا للبعثرة التي تعرفها الأحوال العربية (7) ونحن على بعد سنوات قليلة ، فقط من سقوط فلسطين والاستقلالات الوطنية في معظمها، طرية لا تزال ، وثقافيا /أدبيا، مايزال الشعر التفعيلي يثير جدلا صاخبا بين المؤيدين
والرافضين (8).
يتبع //
محمد الصالحي (كاتب وناقد من المغرب)
يصطدم الباحث في قصيدة النثر العربية بمعضلة تدخل الحدود بين أشكال أدبية عدة أفرزتها المحاولات الإبداعية العربية الحديثة منذ ما سمي بعصر النهضة. أي منذ النحاولات الأولى لزعزعة الفواصل السميكة الموروثة بين الشعر والنثر، إذ لم يعد الشكل الظاهر للنص كافيا لوضع هذا النص في خانة الشعر وذلك في خانة النثر، لأن هذا تطاول على اختصاصات ذاك والعكس(1).
ففي زمن وجيز تجمعت في سلة النقد الشعري العربي مصطلحات من مثل:
الشعر المنثور
القصيدة المنثورة
الشعر المرسل
الشعر المنطلق
الشعر الحر
النثر المركز
النثر المشعور
النثر الموقع
البيت المنثور
النثر الشعري
قصيدة النثر
النثيرة...
و المتأمل للدرس التقدي العربي الحديث حول الشعر سيلاحظ الفوضى السائدة بسبب عدم تدقيق المصطلح وبسبب من عدم توحيد ثانيا. إن الباحث الذي يتناول قصيدة النثر في الشعر العربي الحديث ليجد من أولى أولوياته توضيح هذا المصطلح توضيحا شافيا حتى يتسنى له فرز المتن الذي سيتعامل معه، وحتى يساهم ، ما استطاع في تجلية هذه الضبابية المفاهيمية التي ما انفكت حدودها تتسع.
لقد شهدت القصيدة العربية، في ظرف وجيز جدا من التغيرات والتلوينات ما لم تشهد طلية تاريخها الطويل، فلم تكد قصيدة (التفعيلة ) تبشر بإيقاعها الجديد الذي سيحرر في نظر أصحابها ، الشعر العربي من الرتابة الوزنية والملل القافوي، حتى ظهرت قصيدة النثر، أو القصيدة التي تدعي كونها نثرية لترى في التفعيلة مجرد تكرار لقوانين العروض وخروجا محتشما عن سياج الخليل (2) ، ولتدعو الى شكل جديد يتسع للمعاني الجديدة (3) داعيه الشاعر الى ايجاد لغه جديدة تتيح إمكانية التعبير عن فورات نفسية أكثر قوة بعيدا عن قيد الوزن والقافية ، لا مفر من نظرة تبسيطية كهذه الى المسألة لأن الثورة على القديم تأتي، دوما من الإحساس بكون المؤسسة القديمة (البيت التقليدي والسطر التفعيلي هنا) لم تعد ملائمة للبت في مشكلات أوجدها مناخ جديد، ومن أن سوء الأداء يستلزم البحث عن بديل أسلم ما يتولد عنه عصيان عادة ما يكون عنيفا (4)، لهذا صاحبت الدعوة لخرق كل الممنوعات لغويا ، أخلاقيا، واجتماعيا ، الدعوة لكسر بنية اللغة الشعرية (5).
ظهور قصيدة النثر بشكلها الصارخ والهجومي في لحظة زمنية سمتها الاستعمار الغربي لبلدان العالم العربي وبلوغ الحركات الاستقلالية الوطنية أوجها، وفي لحظة كان الفكر العربي فيها يتوزعه تياران قويان سمي الصراع بينهما- اختزالا - صراعا بين الأصالة والمعاصرة ، جعل النقاش حول قصيدة النثر يحتد ويتخذ أبعادا لم يثرها أي نقاش شعري عربي من ذي قبل .
ذلك أن القيم العربية العامة لم تتغير جذريا حتى تتغير الأشكال الأدبية والبنى الذهنية جذريا،.
المجتمع العربي مايزال يراوح مكانه اجتماعيا وثقافيا، ولم يزده الاستعمار الغربي والصدمة الحضارية الناتجة عنه إلا نكوصا وارتدادا الى ذاته وماضيه ، فهو لم يبرح بعد لحظة الخطابة والتوصيل الشفاهي الى مرحلة الكتابة ، بما ترمز اليه الكتابة من اعتماد التقنية أداة في تفعيل التواصل الأدبي والشعري خاصة ، ومن حرية فردية في التلقي والتأويل (6).
لقد نظر الى النص الجديد، في ظل الظروف العامة أعلاه ، كمؤزرة للانكسار العام الذي أضحت الأمة تعيشه ، حضاريا وسياسيا، ورثى في (اللاشكل ) الذي أصبحت تنادي به قصيدة النثر، معادلا موضوعيا للبعثرة التي تعرفها الأحوال العربية (7) ونحن على بعد سنوات قليلة ، فقط من سقوط فلسطين والاستقلالات الوطنية في معظمها، طرية لا تزال ، وثقافيا /أدبيا، مايزال الشعر التفعيلي يثير جدلا صاخبا بين المؤيدين
والرافضين (8).
يتبع //
ومما يزيد هذه الفرضية تأكيدا أن النقد العربي الذي رأى (في قصيدة النثر) عصيانا وشكلا غربيا دخيلا، رحب بقدوم الرواية والقصة القصيرة ، وهما شكلان غربيان ، ورأى في موت المقامة حدثا طبيعيا ، كما لم ينتبه لكون الشعر التفعيلي ، ذاته فكرة غربية رغم قيامه على التفعيلة الخليلية .
من هنا الصعوبة الكبرى التي لقيتها هذه القصيدة في الانضمام للحقل الشعري العربي، والرفض الذي ووجهت به هي وأصحابها ، إذ لأول مرة في تاريخ الشعر العربي سيرفض نص ويحارب ، وينظر في ذات الآن ، الى الشاعر كشخص غريب الأطوار، بل وكمريض عصي على المعافاة ، والى قصيدة النثر كمؤشر على قساوة اليأس الذي أصاب الذات العربية(9).
إن مثل هذه الأحكام ، وهي كثيرة تجعل الشعرية في رتبة أدنى من الشعر، فتحكم على النصوص انطلاقا من الموضوعات التي تثيرها مستخلصة الجمالي من الوجودي(10)، في حين أن العكس هو المطلوب من كل عملية نقدية علمية تعتمد الملاحظة والاستقراء والرصد والمقارنة لا المناظرة والجدل ، وتسعي الى أن تشارك الابداع في تأسيس مذهب أدبي جديد زي أسس واضحة ، لأن الجنس الأدبي لا يولد كاملا، كما لا ينال فشله إن فشل ، من القيم الأدبية الراسخة (11).
فهذا النوع من (النقد) إنما يحجب ضوء النص ، ويحول دون الدنو منه لمساء لته فهو يسائل المضامين في غفلة عن علاقتها بالمستويات الايقاعية المتعددة للنص ، وهو لا يرى في اللغة إلا طريقا للوضوح والابانة غافلا عن كون الوضوح الايقاعي لا المعنوي هو المطلوب في النص الشعري، وهو نقد يسائل الشاعر أكثر مما يسائل النص ، وهو ينطلق من معيار شعري سابق يحاكم في ضوئه النص الجديد (12).
فإلى جانب الحيرة التي يدفع اليها ازدواجية الانتماء للشعر والنثر معا (قصيدة النثر) فإن الأشكال (اللاشكلية ) التي تتخذها هذه القصيدة بحرية بادية ، والموضوعات الصاعقة التي لم يخطر بمال ، يوما أنها ستصبح موضوعات شعرية وشخصية شاعرها القريبة من شخصية الصعلوك بمعنييه القديم والحديث معا، ولفتها التي تخلت عن كل (وقار)، وتنصل شاعرها من كل مسؤولية سياسية أو قومية مباشرة ساعيا الى تغيير الحياة بدل تغيير العالم ، مقتربا من رامبو ومعرضا عن ماركس ، حيث غدا الشاعر الحداثي يمارس نشاطه بغض النظر عن الشروط العامة التي تضمن لرسالته سلامة الوصول والفهم فهو قد أعاد النظر في مفهوم الشعر وفي وظيفته ، ومنح نفسه كشاعر، وضعا اعتباريا غريبا، وصدم المتلقي ولم يأبه بالمؤسسة الوسيطة التي تعين من يتكلم وتحدد له شروط الكلام (13) .، وملغيا بكثير من الكبرياء والعجرفة شجرة نسبه في مناخ يؤمن بتسلسل الأنساب ويقول بوراثة كل ذلك سهل عملية الهجوم على "قصيدة النثر" والمناداة بوأاها في المهد، ودفع النقاد الأكثر اعتدالا الى تقديم النصيحة لأصحابها بالبحث عن الشعر في مظانه لأنهم أخطأوا الطريق !
هذا المصطلح المركب (قصيدة - النثر) الذي زاد من صعوبة تقبل هذا النص لا يمكن فهمه الا في ضوء الحيثيات السابقة لأن صفة النثرية هنا تحمل حكم قيمة وتستدعي على الفور النص المضاد، أي (قصيدة الشعر) التي هي القصيدة الموزونة تقليدية أم تفعيلية (15).
ورغم أن كتاب (قصيدة النثر) عربيا هم أول من استعمل هذه التسمية وكتبوا تنظيراتهم الساخنة مرددينها فإن أعداء الشكل الجديد سرعان ما سيستغلونها (التسمية ) للطعن فيه ومهاجمته (16).
ويبدو أن مصطلح (قصيدة النثر) أطلق ، عربيا ، بنوع من الطمأنينة "رغبة في تسمية الأشياء بأسمائها للخروج من البلبلة والخلاص من تشويا الحقائق (17) كما كانت نية المتحمسين له ، في حين أنا مصطلح يفتح باب الجدل على مصراعيه بدل أن يفلقا فإضافة لكونه يستدعي تعميق النظر في مفهوم النثر وهي مهمة ليست سهلة أبدا فإنه يجعل من البحث عن علائق النص الجديد بالأشكال الشعرية السابقة عليه أو المحايثة له ضروريا كما يستعجل تحديد الأسس الشكلية والبنائية لقصيدة النثر التي مهما ادعت أنها ضد الأشكال كلها فإن لها شكلا .
هكذا ستضع قصيدة النشر الدرس النقدي في مأزق لأنها جمعت بهذا الشكل الفج بين الحقلين المكونين للعملية الأدبية كلها: الشعر والنثر. وهذا الجمع الذي يفاجئنا منذ البدء، سيبعثر المسلمات الاجناسية ويدفع الى اعادة النظر في استراتيجيات التلقي .. بتعبير أوجز نقول : إن قصيدة النثر جسدت كل الاشكاليات الشعرية العربية قديما وحديثا وحتمت إعادة النظر في القناعات النقدية والأدبية والبحث عن معرفة انسب لما يفرضه النص الجديد (18).
من هنا كان ضروريا النظر في العلائق بين الشعر والنثر للاقتراب ، ما أمكن من الفجوات التي يتسرب منها هذا لذاك والعكس ، واستقصاء الامكانيات الايقاعية التي تنطوي عليها اللغة بعيدا عن الثنائية الصارمة : الشعر /النثر.
لذا لن نبحث عن تعريفات للشعر وللنثر، ولا عن التقلبات المفاهيمية التي لحقتهما عبر مسيرة الأدب العربية الطويلة ، وانما سنسعي الى الاقتراب من الابدالات الايقاعية بينهما.
أي ما هي المتجليات الشعرية في جسد النثر العربي؟ ما هي المتجليات النثرية في جسد الشعر العربي؟ كيف حصل هذا التداخل حتى أصبحنا أمام أجناس أدبية تحمل أسماء لا تحيلنا لا على النثر ولا على الشعر، بل ترمي بنا وبمسلماتنا في منطقة التماس الصعبة حيث يصطدمان وينتج عن اصطدامهما شرر مستطير؟
من منهما (الشعر والنثر) تخلى عن بعضه أكثر من الأخر؟ ماذا فقد الشعر حتى عد قريبا من النثر؟ ماذا فقد النثر حتى عد قريبا من الشعر؟ ثم لماذا حين حصل هذا التداخل أصبحنا أمام نص سلمنا بشعريته ، رغم أنه تخل عن كثير من مواصفات الشعر المتداولة والمتعارفة ؟ هل لأن الأفضلية في تراثنا الأدبي كانت دائما للشعر، وأن النثر مهما يكن فنيا، فانه يبقى في منزلة دون الشعر؟
سنتوقف قليلا عند معنى كلمة "نثر" حتى نستجلي حقلها الدلالي ، لأن المتأمل في المصطلحات التي منحتها الأشكال التي سبقت قصيدة النثر في الزمن أو جايلتها ، سيرى كيف تبرز صفة النثرية كخاصية مشتركة بين أكثر هذه المصطلحات تداولا: الشعر المنثور - النثر الشعري - قصيدة النثر.
يعرف القاموس المحيط للفيروز آبادي كلمة "نثر" هكذا نثر الشي ء ينثره وينثره نثرا ونثارا رماه متفرقا كنثره فانتثر وتنثر وتناثر والنثارة بالضم والنثر بالتحريك ما تناثر منه أو الأولى تخص ما ينتثر من المائدة فيؤكل للثواب . وتناثروا مرضوا فماتوا والنثور الكثيرة الولد والشاة تطرح من أنفها كالدود كالناثر والواسعة الإحليل .
والنيثران كريهتان وككتف ومنبر الكثير الكلام ونثر الكلام والولد أكثره والنشرة ´الخيشوم وما والاه أو الفرجة بين الشاربين حيال وترة الأنف ، وكوكبان بينهما قدر شبر وفيهما لطخ بياض كأنه قطعة سحاب وهي أنف الأسد والدرع السلسة الملبس أو الواسعة . والعطسة والنثير للدواب كالعطاس لنا. نثر ينثر نثرا أو استنثر استنشق الماء ثم استخرج ذلك بنفس الأنف كانتثر والمنشار نخلة يتناثر بسرها أو أنثره أرعفه وألقاه على خيشوما والرجل أخرج ما في أنفه أو خرج نفسه من أنفه وأدخل الماء في أنفه كانتثر وا ستنثر والمنشر كعظم الضعيف لا خير فيه "(19).
يجمع بين هذه المعاني جميعا معنى الشتات واللاتناسق : رمي الشيء متفرقا - تناشر الشيء - المرض - كثرة الكلام - العطاس - الرعاف - العظم (الشخص الذي لا خير فيه ) ... والشتات اللاتناسق هما الصفتان اللتان جعلتا العرب قديما، يسمون النثر نثرا لأن شكله يوحي بالتبعثر عكس الشعر الذي يسيجه سياج الوزن والقافية والتشطير فيجعله ذا شكل بين واضح .
من هنا نفهم لماذا ظلت الشعرية تحتفظ بشرطي الوزن والقافية كشرطين ضروريين لا محيد عنهما رغم انتقال هذه الشعرية من طور تعريف الشعر بالوزن والقافية والمعنى، الى طور تعريفا بالوزن والقافية والتخييل درءا منها لكل (تسيب ) قد يلحق الشكل الشعري فيفقد تناسقه ويصبح نثرا.
هذا الهاجس هو ذاته الذي سيجعل العرب المحدثين يمنحون الأشكال الجديدة الناتجة عن قرع النهضة العربية باب الحداثة ، يمنحونها صفة النثرية كأنما فاض الشعر عن ضفتيه فتناثر فأصبح نثرا ،وأخذ يغطي بياض الورق كأي نثر عادي.
قد يكون هذا تفسيرا شكليا محضا، لأن الشعر ليس مجرد هيئة على الورق ولكنه علاقات ودينامية وصراع وأخيلة وايقاع ، لكننا ملزمون ، ونحن فروم تدقيق المصطلح بهذه الاشارة لأن التسمية التي منحها هذا الشكل أو ذاك تحمل من الدلالات الحضارية والسياسية أكثر مما تحمل من دلالات شعرية .
تتفق جل الدراسات المنجزة حول بدايات تململ قارتي الشعر والنثر في الأدب العربي الحديث واقترابهما من بعضيهما حول كون أمين الريحاني ومي زيادة وجبران خليل جبران أول من كتب نصومعا أدبية استدعت إعادة النظر في مفهومي الشعر والنثر معا لكون هذه النصوص تحمل في أغلبها شكل النثر، لكنها، إيقاعيا ورؤيويا مختلفة عنه فقد برز فيها النبر بشكل يجعلها أكثر غنائية وحضرت فيه الذات الكاتبة بحدة جعلت إيقاعها منسجما متراصا، ومالت الى التصوير بطريقة غير مطروقة من ذي قبل في النثر العربي، واستفادت من تقنية السجع من غير إفراط ، مما جعل المتقبل يستعيض عن القافية والوزن والتشطير بتقنيات جديدة . واذا كانت هذه الكتابات قد أدرجت ، في باديء الأمر، في زخانة الشعر المنثور فإن كتابات جبران سرعان ما ستمنح اسما جديدا أكثر غموضا واستفلاقا "النثر الشعري".
هذان المصطلحان سينضاف اليهما، بعيد ذلك بقليل ، اسم ثالث سيزيد المسألة تشابكا، إذ سينعت ما كتبه أحمد باكثير، وغيره كثير، بالشعر المرسل ، قبل أن تتوسع دائرة المصطلحات لتشمل الشعر الحر وقصيدة النثر لاحقا.
يتبع //
من هنا الصعوبة الكبرى التي لقيتها هذه القصيدة في الانضمام للحقل الشعري العربي، والرفض الذي ووجهت به هي وأصحابها ، إذ لأول مرة في تاريخ الشعر العربي سيرفض نص ويحارب ، وينظر في ذات الآن ، الى الشاعر كشخص غريب الأطوار، بل وكمريض عصي على المعافاة ، والى قصيدة النثر كمؤشر على قساوة اليأس الذي أصاب الذات العربية(9).
إن مثل هذه الأحكام ، وهي كثيرة تجعل الشعرية في رتبة أدنى من الشعر، فتحكم على النصوص انطلاقا من الموضوعات التي تثيرها مستخلصة الجمالي من الوجودي(10)، في حين أن العكس هو المطلوب من كل عملية نقدية علمية تعتمد الملاحظة والاستقراء والرصد والمقارنة لا المناظرة والجدل ، وتسعي الى أن تشارك الابداع في تأسيس مذهب أدبي جديد زي أسس واضحة ، لأن الجنس الأدبي لا يولد كاملا، كما لا ينال فشله إن فشل ، من القيم الأدبية الراسخة (11).
فهذا النوع من (النقد) إنما يحجب ضوء النص ، ويحول دون الدنو منه لمساء لته فهو يسائل المضامين في غفلة عن علاقتها بالمستويات الايقاعية المتعددة للنص ، وهو لا يرى في اللغة إلا طريقا للوضوح والابانة غافلا عن كون الوضوح الايقاعي لا المعنوي هو المطلوب في النص الشعري، وهو نقد يسائل الشاعر أكثر مما يسائل النص ، وهو ينطلق من معيار شعري سابق يحاكم في ضوئه النص الجديد (12).
فإلى جانب الحيرة التي يدفع اليها ازدواجية الانتماء للشعر والنثر معا (قصيدة النثر) فإن الأشكال (اللاشكلية ) التي تتخذها هذه القصيدة بحرية بادية ، والموضوعات الصاعقة التي لم يخطر بمال ، يوما أنها ستصبح موضوعات شعرية وشخصية شاعرها القريبة من شخصية الصعلوك بمعنييه القديم والحديث معا، ولفتها التي تخلت عن كل (وقار)، وتنصل شاعرها من كل مسؤولية سياسية أو قومية مباشرة ساعيا الى تغيير الحياة بدل تغيير العالم ، مقتربا من رامبو ومعرضا عن ماركس ، حيث غدا الشاعر الحداثي يمارس نشاطه بغض النظر عن الشروط العامة التي تضمن لرسالته سلامة الوصول والفهم فهو قد أعاد النظر في مفهوم الشعر وفي وظيفته ، ومنح نفسه كشاعر، وضعا اعتباريا غريبا، وصدم المتلقي ولم يأبه بالمؤسسة الوسيطة التي تعين من يتكلم وتحدد له شروط الكلام (13) .، وملغيا بكثير من الكبرياء والعجرفة شجرة نسبه في مناخ يؤمن بتسلسل الأنساب ويقول بوراثة كل ذلك سهل عملية الهجوم على "قصيدة النثر" والمناداة بوأاها في المهد، ودفع النقاد الأكثر اعتدالا الى تقديم النصيحة لأصحابها بالبحث عن الشعر في مظانه لأنهم أخطأوا الطريق !
هذا المصطلح المركب (قصيدة - النثر) الذي زاد من صعوبة تقبل هذا النص لا يمكن فهمه الا في ضوء الحيثيات السابقة لأن صفة النثرية هنا تحمل حكم قيمة وتستدعي على الفور النص المضاد، أي (قصيدة الشعر) التي هي القصيدة الموزونة تقليدية أم تفعيلية (15).
ورغم أن كتاب (قصيدة النثر) عربيا هم أول من استعمل هذه التسمية وكتبوا تنظيراتهم الساخنة مرددينها فإن أعداء الشكل الجديد سرعان ما سيستغلونها (التسمية ) للطعن فيه ومهاجمته (16).
ويبدو أن مصطلح (قصيدة النثر) أطلق ، عربيا ، بنوع من الطمأنينة "رغبة في تسمية الأشياء بأسمائها للخروج من البلبلة والخلاص من تشويا الحقائق (17) كما كانت نية المتحمسين له ، في حين أنا مصطلح يفتح باب الجدل على مصراعيه بدل أن يفلقا فإضافة لكونه يستدعي تعميق النظر في مفهوم النثر وهي مهمة ليست سهلة أبدا فإنه يجعل من البحث عن علائق النص الجديد بالأشكال الشعرية السابقة عليه أو المحايثة له ضروريا كما يستعجل تحديد الأسس الشكلية والبنائية لقصيدة النثر التي مهما ادعت أنها ضد الأشكال كلها فإن لها شكلا .
هكذا ستضع قصيدة النشر الدرس النقدي في مأزق لأنها جمعت بهذا الشكل الفج بين الحقلين المكونين للعملية الأدبية كلها: الشعر والنثر. وهذا الجمع الذي يفاجئنا منذ البدء، سيبعثر المسلمات الاجناسية ويدفع الى اعادة النظر في استراتيجيات التلقي .. بتعبير أوجز نقول : إن قصيدة النثر جسدت كل الاشكاليات الشعرية العربية قديما وحديثا وحتمت إعادة النظر في القناعات النقدية والأدبية والبحث عن معرفة انسب لما يفرضه النص الجديد (18).
من هنا كان ضروريا النظر في العلائق بين الشعر والنثر للاقتراب ، ما أمكن من الفجوات التي يتسرب منها هذا لذاك والعكس ، واستقصاء الامكانيات الايقاعية التي تنطوي عليها اللغة بعيدا عن الثنائية الصارمة : الشعر /النثر.
لذا لن نبحث عن تعريفات للشعر وللنثر، ولا عن التقلبات المفاهيمية التي لحقتهما عبر مسيرة الأدب العربية الطويلة ، وانما سنسعي الى الاقتراب من الابدالات الايقاعية بينهما.
أي ما هي المتجليات الشعرية في جسد النثر العربي؟ ما هي المتجليات النثرية في جسد الشعر العربي؟ كيف حصل هذا التداخل حتى أصبحنا أمام أجناس أدبية تحمل أسماء لا تحيلنا لا على النثر ولا على الشعر، بل ترمي بنا وبمسلماتنا في منطقة التماس الصعبة حيث يصطدمان وينتج عن اصطدامهما شرر مستطير؟
من منهما (الشعر والنثر) تخلى عن بعضه أكثر من الأخر؟ ماذا فقد الشعر حتى عد قريبا من النثر؟ ماذا فقد النثر حتى عد قريبا من الشعر؟ ثم لماذا حين حصل هذا التداخل أصبحنا أمام نص سلمنا بشعريته ، رغم أنه تخل عن كثير من مواصفات الشعر المتداولة والمتعارفة ؟ هل لأن الأفضلية في تراثنا الأدبي كانت دائما للشعر، وأن النثر مهما يكن فنيا، فانه يبقى في منزلة دون الشعر؟
سنتوقف قليلا عند معنى كلمة "نثر" حتى نستجلي حقلها الدلالي ، لأن المتأمل في المصطلحات التي منحتها الأشكال التي سبقت قصيدة النثر في الزمن أو جايلتها ، سيرى كيف تبرز صفة النثرية كخاصية مشتركة بين أكثر هذه المصطلحات تداولا: الشعر المنثور - النثر الشعري - قصيدة النثر.
يعرف القاموس المحيط للفيروز آبادي كلمة "نثر" هكذا نثر الشي ء ينثره وينثره نثرا ونثارا رماه متفرقا كنثره فانتثر وتنثر وتناثر والنثارة بالضم والنثر بالتحريك ما تناثر منه أو الأولى تخص ما ينتثر من المائدة فيؤكل للثواب . وتناثروا مرضوا فماتوا والنثور الكثيرة الولد والشاة تطرح من أنفها كالدود كالناثر والواسعة الإحليل .
والنيثران كريهتان وككتف ومنبر الكثير الكلام ونثر الكلام والولد أكثره والنشرة ´الخيشوم وما والاه أو الفرجة بين الشاربين حيال وترة الأنف ، وكوكبان بينهما قدر شبر وفيهما لطخ بياض كأنه قطعة سحاب وهي أنف الأسد والدرع السلسة الملبس أو الواسعة . والعطسة والنثير للدواب كالعطاس لنا. نثر ينثر نثرا أو استنثر استنشق الماء ثم استخرج ذلك بنفس الأنف كانتثر والمنشار نخلة يتناثر بسرها أو أنثره أرعفه وألقاه على خيشوما والرجل أخرج ما في أنفه أو خرج نفسه من أنفه وأدخل الماء في أنفه كانتثر وا ستنثر والمنشر كعظم الضعيف لا خير فيه "(19).
يجمع بين هذه المعاني جميعا معنى الشتات واللاتناسق : رمي الشيء متفرقا - تناشر الشيء - المرض - كثرة الكلام - العطاس - الرعاف - العظم (الشخص الذي لا خير فيه ) ... والشتات اللاتناسق هما الصفتان اللتان جعلتا العرب قديما، يسمون النثر نثرا لأن شكله يوحي بالتبعثر عكس الشعر الذي يسيجه سياج الوزن والقافية والتشطير فيجعله ذا شكل بين واضح .
من هنا نفهم لماذا ظلت الشعرية تحتفظ بشرطي الوزن والقافية كشرطين ضروريين لا محيد عنهما رغم انتقال هذه الشعرية من طور تعريف الشعر بالوزن والقافية والمعنى، الى طور تعريفا بالوزن والقافية والتخييل درءا منها لكل (تسيب ) قد يلحق الشكل الشعري فيفقد تناسقه ويصبح نثرا.
هذا الهاجس هو ذاته الذي سيجعل العرب المحدثين يمنحون الأشكال الجديدة الناتجة عن قرع النهضة العربية باب الحداثة ، يمنحونها صفة النثرية كأنما فاض الشعر عن ضفتيه فتناثر فأصبح نثرا ،وأخذ يغطي بياض الورق كأي نثر عادي.
قد يكون هذا تفسيرا شكليا محضا، لأن الشعر ليس مجرد هيئة على الورق ولكنه علاقات ودينامية وصراع وأخيلة وايقاع ، لكننا ملزمون ، ونحن فروم تدقيق المصطلح بهذه الاشارة لأن التسمية التي منحها هذا الشكل أو ذاك تحمل من الدلالات الحضارية والسياسية أكثر مما تحمل من دلالات شعرية .
تتفق جل الدراسات المنجزة حول بدايات تململ قارتي الشعر والنثر في الأدب العربي الحديث واقترابهما من بعضيهما حول كون أمين الريحاني ومي زيادة وجبران خليل جبران أول من كتب نصومعا أدبية استدعت إعادة النظر في مفهومي الشعر والنثر معا لكون هذه النصوص تحمل في أغلبها شكل النثر، لكنها، إيقاعيا ورؤيويا مختلفة عنه فقد برز فيها النبر بشكل يجعلها أكثر غنائية وحضرت فيه الذات الكاتبة بحدة جعلت إيقاعها منسجما متراصا، ومالت الى التصوير بطريقة غير مطروقة من ذي قبل في النثر العربي، واستفادت من تقنية السجع من غير إفراط ، مما جعل المتقبل يستعيض عن القافية والوزن والتشطير بتقنيات جديدة . واذا كانت هذه الكتابات قد أدرجت ، في باديء الأمر، في زخانة الشعر المنثور فإن كتابات جبران سرعان ما ستمنح اسما جديدا أكثر غموضا واستفلاقا "النثر الشعري".
هذان المصطلحان سينضاف اليهما، بعيد ذلك بقليل ، اسم ثالث سيزيد المسألة تشابكا، إذ سينعت ما كتبه أحمد باكثير، وغيره كثير، بالشعر المرسل ، قبل أن تتوسع دائرة المصطلحات لتشمل الشعر الحر وقصيدة النثر لاحقا.
يتبع //
الشعر المنثور والنثر الشعري:
يعرف أمين الريحاني "الشعر المنثور" بالقول : (هو آخر ما توصل اليه الارتقاء الشعري عند الافرنج وبالاخص عند الأمريكيين أو الانجليز، فملتون وشكسبير أطلقا الشعر الانجليزي من قيود العروض كالأوزان الاصطلاحية والابحرة العرفية . على أن لهذا الشعر المطلق وزنا جديدا مخصوصا وقد تجيء القصيدة فيه من أبحر عديدة متنوعة . ووالت ويتمان هو مخترع هز الطريقة وحامل لوائها، وقد انضم تحت لوائه بعد موته كثير من شعراء أوروبا العصريين المتخلقين بأخلاقه الديموقراطية المتشيعين لفلسفته الأمريكية ) (20).
ينطوي هذا التعريف على كثير من الحقائق تضيء كثيرا من جوانب المسألة الاصطلاحية التي نحن بصددها. "فالشعر المنثور" تسرب الى الرقعة الشعرية العربية من نافذة أمريكية مع مي وجبران والريحاني، ما يعني أن التقسيم الاستعماري للعالم العربي له دوره المباشر في تفعيل الغموض وتصارع الأشكال والرؤى في الشعر العربي الحديث ، ونحن سنرى لاحقا أن "قصيدة النثر" ستدخل الشعر العربي، تنظيرا، من نافذة فرنسية ويستفاد، ثانيا من هذا التعريف أن الريحاني وصحبه كانوا منشغلين بفكرة النهوض . وهم يعيشون في أمريكا ، فرأوا في العروض العربي عرقلة أمام النهوض الشعري. وكلمتا (ارتقاء) و(قيود) في نص التعريف يفسران مدى انشغال أمين بفكرة التقدم التي كانت انشغالا ثقافيا عربيا يومئذ، فقد دعا خليل مطران الى تحرر الشعر العربي شريطة أن يبقى شرقيا وعربيا ، ودعا بول شحادة الى تقليد الشعر الأوروبي والتخلي كلية عن القافية لأن ذلك يجعل النظم سهلا ويمكن الشاعر من التعبير بطلاقة أكبر كما دعا عبدالفتاح فرحات الى تحرير الشعر من الوزن والقافية حتى يتسع للملحمة وحتى يساير النهضة الغربية (21).
يستشف من خلال هذه الدعوات وغيرها كثير جدا، مدى انهمام الفكر والنقد العربيين بالآخر، وبفكرة التوفيق (التلفيق ) التي لا تلائم البتة الابداع الأدبي لأن هذا الأخير لا تنفع فيه الحلول الوسطى ، والابداع ليس تعديلا في بنية أدبية سابقة ، حذفا واضافة ، وانما هو خلق جديد واعادة تشكيل ، الشي ء الذي يبرر هشاشة هذا الشعر ولاشعريته ، في الغالب ، وهو ما يتم السكوت عنه ، في معظم الأحيان تحت ذريعة التقدم وزحزحة الثابت والبحث عن أشكال أكثر ملاءمة ومرونة . يقول الأب لويس شيخو:"... على أننا كثيرا ما لقينا في هذا الشعر المنثور قشرة مزرقة ليس تحتها لباب وربما قفز صاحبها من معنى لطيف الى قول بذيء سخيف أو كرر الالفاظ دون جدوى بل بتعسف ظاهر، ومن هذا الشكل كثير من المروجين للشعر المنثور من مصنفات الريحاني وجبران وتبعتهما فلا تكاد تجد في كتاباتهم شيئا مما تصبو اليه النفس في الشعر الموزون الحر من رقة وشعور وتأثير"(22).
وفكرة التقدم هذه إضاءة لما أوردناه سابقا عن كون أسماء الأشكال الشعرية في الأدب العربي الحديث ذات أبعاد حضارية وسياسية أكثر منها أدبية ونستشف من تعريف الريحاني كذلك الهاجس الشكلي الخارجي المتحكم في الدرس النقدي العربي يومئذ ، وهو هاجس يرى في كل نص لا يخضع للوزن والقافية شعرا منثورا، والدليل ورود اسم والت ويتمان ككاتب شعر منثور في حين أنه كتب الشعر الحر وهو من رواده الأوائل . وهذا الهاجس الشكلي سنراه لاحقا عند الحديث عن "قصيدة النثر " حيث أعتبر ويتمان ، في النقد العربي رائد هذه القصيدة لمجرد خروجه عن حدود الصرامة الوزنية والايقاعية للشعر الأمريكي السائد قبله .
إلا أن المهم في تعريف أمين الريحاني هو ايراده لما يميز الشعر المنثور عن الشعر التقليدي، وهو محاولة الخروج عن الوزن العروضي الواحد، والقافية المتكررة بالاستفادة من مزج البخور وتنويع القافية .
ويبقى الاشكال الأكبر هو هذا المتمثل في الفروقات بين الشعر المنثور والنثر الشعري. إن الباحث ليجد صعوبة في تعليل الخلط المذهل الذي يمزج بين الشكلين آنا، ويفصل بينهما آنا. في الشعر المنثور يأتي الشعر موصوفا وما النثر سوى صفة ، وفي النثر الشعري يحدث العكس . فهل كتابات جبران نثر ذو ميولات شعرية ، وكتابات الريحاني شعر أخرج مخرج نثر؟ لم تسعفنا الدراسات الشعرية العربية بحل لهذا الاشكال يقول أنيس المقدسي : (لابد من التمييز بين النثر الشعري والشعر المنثور، فالأول أسلوب من أساليب النثر تغلب فيه الروح الشعرية من قوة في العاطفة وبعد في الخيال ، وايقاع في التركيب وتوافر على المجاز، وقد عرف بذلك كثيرون في مقدمتهم جبران خليل جبران حتى صاروا يقولون الطريقة الجبرانية (....) على أن الشعر المنثور غير هذا النثر الخيالي وانما هو محاولة جديدة قام بها البعض محاكاة للشعر الافرنجي. وهمن فتحوا هذا الباب أمين الريحاني فإن في الجزء الثاني من ريحانياته عشر قطع وفي الجزء الرابع ثلاث عشرة قطعة تلمس فيها جميعها هذه النزعة الى النظم الحر من قيود الأبحر العروضية المعروفة ) (23).
قد يكون هذا التعريف أقرب الى الافتراض السابق حول كون النثر الشعري نثرا أولا، والشعر المنثور شعرا أولا. لكن يصعب ، عمليا، الاهتداء الى ما يجعل جبران مختلفا عن الريحاني، ما دام الهاجس عندهما، معا، واحدا وهو البحث عن أشكال جديدة . وليس البحث عما يجمع بينهما بأقل صعوبة ، لأن معرفة التشابه ، هنا معناها معرفة الاختلاف .
ولعل هذا هو ما جعل الدرس النقدي العربي حول الشعر يجمع بين الاسمين آنا، ويفرق بينهما آنا، والجمع بينهما أكثر ورودا، لأن النظر اليهما تم من خلال ما يجمع بينهما أي ما اختلقا فيه عن شعر النهضة العربية بنائيا ورؤيويا من غير دخول في التفاصيل .
فإذا نحن تأملنا كتابات جبران وجدناها تملأ الصفحة كأي نثر عادي، وتميل الى السرد في أغلبها، ويغلب عليها طابع القص الذي عادة ما ينتهي بحكمة ذات لبوس تنبؤي ديني، ولا تخرج عن مألوف البلاغة العربية ، لكنها في ذات الآن كتابات دينامية سرعان ما تجذب القاريء اليها بقيمها المغايرة ، وبتماسك أحداثها وتماديها ، وبجرها العاطفي وبعودتها الى الينابيع الأول للحياة مخاطبة النفس الانسانية بلغة رخوة مهمومة داعية الى انسان جديد يسمو على سقطات الحياة الانسانية الواهنة ، مؤسسة بذلك إيقاعا نابعا من الفكر أولا ومن اللغة ثانيا.
ليسرع في النثر الشعري ما قد يوحي بايلاء أهمية للغة لفظا وتركيبا، ما يفسر سيادة الخبر، والاحالة على العالم الخارجي والتفاضي عن جمالية اللغة الى جمالية الفكر حيث يطفى المدلول على الدال . لكن يجب الا ننخدع بتواري الهاجس اللغوي الذي كانت تفسره التقفية والوزن والتشطير والمظهر الخارجي للقصيدة ، فالنشر الشعري حتى وان لحان يذهب بالفكرة بعيدا حتى نهاياتها، وعبر أسطر عدة بحثا عن سلاسة أكبر وتراص
أكبر، فإنه في ذات الآن ، عكس النثر الخطابي يكسر ويرج الجملة قصد الحصول على قطيعة . يمنحها الايقاع دينامية بسريانه الخفي(24). بين هذا الايهام الشكلي الذي يوحي بكون النثر الشعري نثرا، وبين الايقاع الخفي الهاجع فيه ترقد أسئلة جوهرية قد تكون الاجابة عنها اقترابا ودنوا من الارتجاج العنيف الذي شهده جسد اللغة الابداعية العربية ودفع بالمسألة الاجناسية الى الامام وفتح باب قضية الشكل على مصراعيه ، وأثار استراتيجية القراءة . انه نثر قد نجد فيه ملامح من الشعر التفعيلي الموزون، ومن الشعر الحر الخالي من الوزن والقافية ، ومن قصيدة النثر الخالية من التفاصيل والوزن والقافية وتنامي الحدث لكنه رغم ذلك ، يبقى محتفظا بسمته التي تجعله قريبا من النثر وانما منح صفة الشعرية لأنه مخالف للنثر السابق عليه في الزمن وعن النثر المحايث له كذلك .
الدراسات التي تناولت النثر الشعري سادها قلق تحديد الشعرية فيه ، وهي التي (الدراسات ) انطلقت من كون هذه النصوص نصوصا شعرية لانثوية ، فانتجت خطابا نقديا زاد من تعقيد المسألة ، في (دمعة وابتسامة ) وهو الكتاب الذي فجر قضية النثر الشعري، أكثر من غيره ، لم يتناول قط بأدوات نقدية كفيلة بوضعه إما في خانة النثر أو في خانة الشعر ، وانما مورس عليه تحليل برو كستي يستعين بكلام يقول كل شيء ولا يقول أي شيء كتب عنه ميخائيل نعيمة :".. ينفث فيه نتفا فياضة من قلبه ، وشرارات وهاجة من فكره ، وألوانا مواجة من خياله ، وينثرها بقلم ناعم ، صادق ، سخي، يحاول في الكثير من نبراته محاكاة مزامير داوود ونشيد سليمان وسفر أيوب ومراثي أرميا (25)..".
وهذا القلق يأتي بدرجة أقل عند تناول الشعر المنثور ، لأن هذا الأخير ظل محتفظا بكثير من مواصفات البيت العربي.
يتبع //
يعرف أمين الريحاني "الشعر المنثور" بالقول : (هو آخر ما توصل اليه الارتقاء الشعري عند الافرنج وبالاخص عند الأمريكيين أو الانجليز، فملتون وشكسبير أطلقا الشعر الانجليزي من قيود العروض كالأوزان الاصطلاحية والابحرة العرفية . على أن لهذا الشعر المطلق وزنا جديدا مخصوصا وقد تجيء القصيدة فيه من أبحر عديدة متنوعة . ووالت ويتمان هو مخترع هز الطريقة وحامل لوائها، وقد انضم تحت لوائه بعد موته كثير من شعراء أوروبا العصريين المتخلقين بأخلاقه الديموقراطية المتشيعين لفلسفته الأمريكية ) (20).
ينطوي هذا التعريف على كثير من الحقائق تضيء كثيرا من جوانب المسألة الاصطلاحية التي نحن بصددها. "فالشعر المنثور" تسرب الى الرقعة الشعرية العربية من نافذة أمريكية مع مي وجبران والريحاني، ما يعني أن التقسيم الاستعماري للعالم العربي له دوره المباشر في تفعيل الغموض وتصارع الأشكال والرؤى في الشعر العربي الحديث ، ونحن سنرى لاحقا أن "قصيدة النثر" ستدخل الشعر العربي، تنظيرا، من نافذة فرنسية ويستفاد، ثانيا من هذا التعريف أن الريحاني وصحبه كانوا منشغلين بفكرة النهوض . وهم يعيشون في أمريكا ، فرأوا في العروض العربي عرقلة أمام النهوض الشعري. وكلمتا (ارتقاء) و(قيود) في نص التعريف يفسران مدى انشغال أمين بفكرة التقدم التي كانت انشغالا ثقافيا عربيا يومئذ، فقد دعا خليل مطران الى تحرر الشعر العربي شريطة أن يبقى شرقيا وعربيا ، ودعا بول شحادة الى تقليد الشعر الأوروبي والتخلي كلية عن القافية لأن ذلك يجعل النظم سهلا ويمكن الشاعر من التعبير بطلاقة أكبر كما دعا عبدالفتاح فرحات الى تحرير الشعر من الوزن والقافية حتى يتسع للملحمة وحتى يساير النهضة الغربية (21).
يستشف من خلال هذه الدعوات وغيرها كثير جدا، مدى انهمام الفكر والنقد العربيين بالآخر، وبفكرة التوفيق (التلفيق ) التي لا تلائم البتة الابداع الأدبي لأن هذا الأخير لا تنفع فيه الحلول الوسطى ، والابداع ليس تعديلا في بنية أدبية سابقة ، حذفا واضافة ، وانما هو خلق جديد واعادة تشكيل ، الشي ء الذي يبرر هشاشة هذا الشعر ولاشعريته ، في الغالب ، وهو ما يتم السكوت عنه ، في معظم الأحيان تحت ذريعة التقدم وزحزحة الثابت والبحث عن أشكال أكثر ملاءمة ومرونة . يقول الأب لويس شيخو:"... على أننا كثيرا ما لقينا في هذا الشعر المنثور قشرة مزرقة ليس تحتها لباب وربما قفز صاحبها من معنى لطيف الى قول بذيء سخيف أو كرر الالفاظ دون جدوى بل بتعسف ظاهر، ومن هذا الشكل كثير من المروجين للشعر المنثور من مصنفات الريحاني وجبران وتبعتهما فلا تكاد تجد في كتاباتهم شيئا مما تصبو اليه النفس في الشعر الموزون الحر من رقة وشعور وتأثير"(22).
وفكرة التقدم هذه إضاءة لما أوردناه سابقا عن كون أسماء الأشكال الشعرية في الأدب العربي الحديث ذات أبعاد حضارية وسياسية أكثر منها أدبية ونستشف من تعريف الريحاني كذلك الهاجس الشكلي الخارجي المتحكم في الدرس النقدي العربي يومئذ ، وهو هاجس يرى في كل نص لا يخضع للوزن والقافية شعرا منثورا، والدليل ورود اسم والت ويتمان ككاتب شعر منثور في حين أنه كتب الشعر الحر وهو من رواده الأوائل . وهذا الهاجس الشكلي سنراه لاحقا عند الحديث عن "قصيدة النثر " حيث أعتبر ويتمان ، في النقد العربي رائد هذه القصيدة لمجرد خروجه عن حدود الصرامة الوزنية والايقاعية للشعر الأمريكي السائد قبله .
إلا أن المهم في تعريف أمين الريحاني هو ايراده لما يميز الشعر المنثور عن الشعر التقليدي، وهو محاولة الخروج عن الوزن العروضي الواحد، والقافية المتكررة بالاستفادة من مزج البخور وتنويع القافية .
ويبقى الاشكال الأكبر هو هذا المتمثل في الفروقات بين الشعر المنثور والنثر الشعري. إن الباحث ليجد صعوبة في تعليل الخلط المذهل الذي يمزج بين الشكلين آنا، ويفصل بينهما آنا. في الشعر المنثور يأتي الشعر موصوفا وما النثر سوى صفة ، وفي النثر الشعري يحدث العكس . فهل كتابات جبران نثر ذو ميولات شعرية ، وكتابات الريحاني شعر أخرج مخرج نثر؟ لم تسعفنا الدراسات الشعرية العربية بحل لهذا الاشكال يقول أنيس المقدسي : (لابد من التمييز بين النثر الشعري والشعر المنثور، فالأول أسلوب من أساليب النثر تغلب فيه الروح الشعرية من قوة في العاطفة وبعد في الخيال ، وايقاع في التركيب وتوافر على المجاز، وقد عرف بذلك كثيرون في مقدمتهم جبران خليل جبران حتى صاروا يقولون الطريقة الجبرانية (....) على أن الشعر المنثور غير هذا النثر الخيالي وانما هو محاولة جديدة قام بها البعض محاكاة للشعر الافرنجي. وهمن فتحوا هذا الباب أمين الريحاني فإن في الجزء الثاني من ريحانياته عشر قطع وفي الجزء الرابع ثلاث عشرة قطعة تلمس فيها جميعها هذه النزعة الى النظم الحر من قيود الأبحر العروضية المعروفة ) (23).
قد يكون هذا التعريف أقرب الى الافتراض السابق حول كون النثر الشعري نثرا أولا، والشعر المنثور شعرا أولا. لكن يصعب ، عمليا، الاهتداء الى ما يجعل جبران مختلفا عن الريحاني، ما دام الهاجس عندهما، معا، واحدا وهو البحث عن أشكال جديدة . وليس البحث عما يجمع بينهما بأقل صعوبة ، لأن معرفة التشابه ، هنا معناها معرفة الاختلاف .
ولعل هذا هو ما جعل الدرس النقدي العربي حول الشعر يجمع بين الاسمين آنا، ويفرق بينهما آنا، والجمع بينهما أكثر ورودا، لأن النظر اليهما تم من خلال ما يجمع بينهما أي ما اختلقا فيه عن شعر النهضة العربية بنائيا ورؤيويا من غير دخول في التفاصيل .
فإذا نحن تأملنا كتابات جبران وجدناها تملأ الصفحة كأي نثر عادي، وتميل الى السرد في أغلبها، ويغلب عليها طابع القص الذي عادة ما ينتهي بحكمة ذات لبوس تنبؤي ديني، ولا تخرج عن مألوف البلاغة العربية ، لكنها في ذات الآن كتابات دينامية سرعان ما تجذب القاريء اليها بقيمها المغايرة ، وبتماسك أحداثها وتماديها ، وبجرها العاطفي وبعودتها الى الينابيع الأول للحياة مخاطبة النفس الانسانية بلغة رخوة مهمومة داعية الى انسان جديد يسمو على سقطات الحياة الانسانية الواهنة ، مؤسسة بذلك إيقاعا نابعا من الفكر أولا ومن اللغة ثانيا.
ليسرع في النثر الشعري ما قد يوحي بايلاء أهمية للغة لفظا وتركيبا، ما يفسر سيادة الخبر، والاحالة على العالم الخارجي والتفاضي عن جمالية اللغة الى جمالية الفكر حيث يطفى المدلول على الدال . لكن يجب الا ننخدع بتواري الهاجس اللغوي الذي كانت تفسره التقفية والوزن والتشطير والمظهر الخارجي للقصيدة ، فالنشر الشعري حتى وان لحان يذهب بالفكرة بعيدا حتى نهاياتها، وعبر أسطر عدة بحثا عن سلاسة أكبر وتراص
أكبر، فإنه في ذات الآن ، عكس النثر الخطابي يكسر ويرج الجملة قصد الحصول على قطيعة . يمنحها الايقاع دينامية بسريانه الخفي(24). بين هذا الايهام الشكلي الذي يوحي بكون النثر الشعري نثرا، وبين الايقاع الخفي الهاجع فيه ترقد أسئلة جوهرية قد تكون الاجابة عنها اقترابا ودنوا من الارتجاج العنيف الذي شهده جسد اللغة الابداعية العربية ودفع بالمسألة الاجناسية الى الامام وفتح باب قضية الشكل على مصراعيه ، وأثار استراتيجية القراءة . انه نثر قد نجد فيه ملامح من الشعر التفعيلي الموزون، ومن الشعر الحر الخالي من الوزن والقافية ، ومن قصيدة النثر الخالية من التفاصيل والوزن والقافية وتنامي الحدث لكنه رغم ذلك ، يبقى محتفظا بسمته التي تجعله قريبا من النثر وانما منح صفة الشعرية لأنه مخالف للنثر السابق عليه في الزمن وعن النثر المحايث له كذلك .
الدراسات التي تناولت النثر الشعري سادها قلق تحديد الشعرية فيه ، وهي التي (الدراسات ) انطلقت من كون هذه النصوص نصوصا شعرية لانثوية ، فانتجت خطابا نقديا زاد من تعقيد المسألة ، في (دمعة وابتسامة ) وهو الكتاب الذي فجر قضية النثر الشعري، أكثر من غيره ، لم يتناول قط بأدوات نقدية كفيلة بوضعه إما في خانة النثر أو في خانة الشعر ، وانما مورس عليه تحليل برو كستي يستعين بكلام يقول كل شيء ولا يقول أي شيء كتب عنه ميخائيل نعيمة :".. ينفث فيه نتفا فياضة من قلبه ، وشرارات وهاجة من فكره ، وألوانا مواجة من خياله ، وينثرها بقلم ناعم ، صادق ، سخي، يحاول في الكثير من نبراته محاكاة مزامير داوود ونشيد سليمان وسفر أيوب ومراثي أرميا (25)..".
وهذا القلق يأتي بدرجة أقل عند تناول الشعر المنثور ، لأن هذا الأخير ظل محتفظا بكثير من مواصفات البيت العربي.
يتبع //
الشعر المرسل :
أما الشعر المرسل فيوصف به عادة ما كتبه أحمد باكثير في مصر، كأول من ابتدع هذا الشكل بعد اطلاعه على نماذج منه في الشعر الانجليزي يعرفه س - موريه بالقول :
"الشعر المرسل في الانجليزية يتكون من أبيات غير مقفاة من الوزن الايامبي ذي التفعيلات الخمس ، ويستخدم أساسا للشعر الملحمي والدرامي، وثمة تميز واضح بين هذا وبين المزدوج المقفى الذي هو دائما مكون من الأبيات الثنائية المتساويه المقفاة "(26)
الشعر المرسل تخلى عن القافية فيما بقي موزونا ولهذا فهو شعر أولا ومرسل ثانيا . هاجس الشكل الخارجي الذي تحكم في صياغة المصطلح الشعري العربي الحديث . إن البحث عن شعرية نص باللجوء الى مقارنته بنص آخر يجعل ، ضمنيا المعالم الخارجية للنص مكونا أساسيا لشعرية النص ، وهذا عين الخطل .
ولقد رأينا أن النثر الشعري نثر أولا، وشر ثانيا، في حين أن الشعر المنثور شعر أولا ونثر ثانيا . الشعر المرسل ، نتيجة أقرب الى الشعر المنثور منه الى النثر الشعري ، وما الفرق الا في كون الأول تخلى عن القافية طية واحتفظ بالوزن ، في حين تتخلل القافية الثاني والوزن .
هكذا نظر الى الأشكال نظرة خارجية بختة فألصقت بها أسماء تبعا للشكل الذي تأخذه على بياض الورق أولا، وتبعا لحضور الوزن والقافية وهما المحددان الخارجيان للشعر في النقد السائد حينئذ، وتم تأجيل الأسئلة الصبة التي تمس شعرية هذه النصوص بعيدا عن الوعي النهضوي السائد.
ويتضح هذا من الفروقات الجوهرية الكامنة بين الشعر المرسل الانجليزي والشعر المرسل العربي.
فالشعراء الانجليز اعتمدوا الكلام اليومي في كتابتهم للشعر المرسل في حين عارض الشاعر العربي في مطلع القرن لفة زمانه ويومه واغترف من لغة التراث والشاعر الانجليزي إذ يتخلى عن القافية فإنما ليعوضها بمجموعة أبيات طيعة يمتد معناها ويتواصل في سيرورة إيقاعية متدفقة ، ستخلا في ذلك أنواعا شتى من التضمين إذ لا ينهي، عادة المخي بنهاية البيت ، بل ينهيه وسط السطر الشعري فتبرز إمكانيات أكثر للنبر والتنغيم والتوازي الصوتي والتكرار (27).
أما في الشعر العربي فقد ظل (الشعر المرسل ) محتفظا باستقلال البيت وبنظام التشطير ما جعله غاية لا وسيلة وجعله أبعد من أن يعكس دينامية الخيال وتوتر الذات ، ومجرد محاولة للتخلي عن هو امة البيت التقليدي لكن من غير رج للعملية الشعرية من أساسها من هنا تبقى التجربة مجرد خدوش بسيطة على وجه القصيدة العربية حتى وان فسر الشعراء صنيعهم بوجود الشعر المرسل في التراث العربي مستشهدين بـ"إعجازالقران " للباقلاني، و "الموشح " للمرزباني (28).
إن هذا الخروج المحتشم عن قوانين البيت العربي الذي مارسه الكتاب العرب في مطلع هذا القرن ، يفسر النظرية القبلية الى أعمالهم ، وكون هذه الأعمال توكيدا لفعل النهوض لا توكيدا لفعل الشعر، وهذا ما جعل محاولاتهم لم تزحزح بما فيه الكفاية صلادة هذا البيت . وتبقى تجربة جبران خليل جبران العمل الأكثر ثورية لأنها تجربة رأت الى العملية الابداعية بعيدا عن ثنائية الشعر/ النثر، ولم تسع فقط ، الى إلحاق تغيير بسيط ببنية البيت وانما استعانت بنبض الذات وايقاع النفس فجاء عمله مقدمة ضرورية للاختراق الأجناسي الذي سيكبر بعده وهو ما سيصل الكتابة العربية بما كانت الرمزية قد دشنته منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
يتبع //
أما الشعر المرسل فيوصف به عادة ما كتبه أحمد باكثير في مصر، كأول من ابتدع هذا الشكل بعد اطلاعه على نماذج منه في الشعر الانجليزي يعرفه س - موريه بالقول :
"الشعر المرسل في الانجليزية يتكون من أبيات غير مقفاة من الوزن الايامبي ذي التفعيلات الخمس ، ويستخدم أساسا للشعر الملحمي والدرامي، وثمة تميز واضح بين هذا وبين المزدوج المقفى الذي هو دائما مكون من الأبيات الثنائية المتساويه المقفاة "(26)
الشعر المرسل تخلى عن القافية فيما بقي موزونا ولهذا فهو شعر أولا ومرسل ثانيا . هاجس الشكل الخارجي الذي تحكم في صياغة المصطلح الشعري العربي الحديث . إن البحث عن شعرية نص باللجوء الى مقارنته بنص آخر يجعل ، ضمنيا المعالم الخارجية للنص مكونا أساسيا لشعرية النص ، وهذا عين الخطل .
ولقد رأينا أن النثر الشعري نثر أولا، وشر ثانيا، في حين أن الشعر المنثور شعر أولا ونثر ثانيا . الشعر المرسل ، نتيجة أقرب الى الشعر المنثور منه الى النثر الشعري ، وما الفرق الا في كون الأول تخلى عن القافية طية واحتفظ بالوزن ، في حين تتخلل القافية الثاني والوزن .
هكذا نظر الى الأشكال نظرة خارجية بختة فألصقت بها أسماء تبعا للشكل الذي تأخذه على بياض الورق أولا، وتبعا لحضور الوزن والقافية وهما المحددان الخارجيان للشعر في النقد السائد حينئذ، وتم تأجيل الأسئلة الصبة التي تمس شعرية هذه النصوص بعيدا عن الوعي النهضوي السائد.
ويتضح هذا من الفروقات الجوهرية الكامنة بين الشعر المرسل الانجليزي والشعر المرسل العربي.
فالشعراء الانجليز اعتمدوا الكلام اليومي في كتابتهم للشعر المرسل في حين عارض الشاعر العربي في مطلع القرن لفة زمانه ويومه واغترف من لغة التراث والشاعر الانجليزي إذ يتخلى عن القافية فإنما ليعوضها بمجموعة أبيات طيعة يمتد معناها ويتواصل في سيرورة إيقاعية متدفقة ، ستخلا في ذلك أنواعا شتى من التضمين إذ لا ينهي، عادة المخي بنهاية البيت ، بل ينهيه وسط السطر الشعري فتبرز إمكانيات أكثر للنبر والتنغيم والتوازي الصوتي والتكرار (27).
أما في الشعر العربي فقد ظل (الشعر المرسل ) محتفظا باستقلال البيت وبنظام التشطير ما جعله غاية لا وسيلة وجعله أبعد من أن يعكس دينامية الخيال وتوتر الذات ، ومجرد محاولة للتخلي عن هو امة البيت التقليدي لكن من غير رج للعملية الشعرية من أساسها من هنا تبقى التجربة مجرد خدوش بسيطة على وجه القصيدة العربية حتى وان فسر الشعراء صنيعهم بوجود الشعر المرسل في التراث العربي مستشهدين بـ"إعجازالقران " للباقلاني، و "الموشح " للمرزباني (28).
إن هذا الخروج المحتشم عن قوانين البيت العربي الذي مارسه الكتاب العرب في مطلع هذا القرن ، يفسر النظرية القبلية الى أعمالهم ، وكون هذه الأعمال توكيدا لفعل النهوض لا توكيدا لفعل الشعر، وهذا ما جعل محاولاتهم لم تزحزح بما فيه الكفاية صلادة هذا البيت . وتبقى تجربة جبران خليل جبران العمل الأكثر ثورية لأنها تجربة رأت الى العملية الابداعية بعيدا عن ثنائية الشعر/ النثر، ولم تسع فقط ، الى إلحاق تغيير بسيط ببنية البيت وانما استعانت بنبض الذات وايقاع النفس فجاء عمله مقدمة ضرورية للاختراق الأجناسي الذي سيكبر بعده وهو ما سيصل الكتابة العربية بما كانت الرمزية قد دشنته منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
يتبع //
الشعر الحر:
وكما حدث للشعر المنثور وللنثر الشعري، فإن مصطلح "الشعر الحر" سيكتنفه الكثير من الغموض الناتج عن عدم التدقيق والاسراع في إلصاق الأسماء بالأشكال الأدبية تحت تأثير الانبهار بالمغامرة الخروجية التي ما انفكت دائرتها تتسع خاصة منذ القصائد التفعيلية الأولى القادمة من العراق . هذا الانبهار بالشكل الخارجي للنصوص الجديدة هو ما جعل نازك الملائكة تدرج الشعر التفعيلي تحت تسمية "الشعر الحر" التي أخذتها من الانجليزية ((Free Verseوالتي تعني الشعر الخالي من الوزن والقافية والذي قد تأتي بعض القصائد فيه مزيجا من بحور عدة لكن بطريقة عفوية . وواضح أن الروح العاطفية الهجومية الشديدة التي كتب بها "ظاهرة الشعر المعاصر" هو ما جعل فازن الملائكة تصف الشعر التفعيلي بالحرية ، وهي الحرية التي استكثرتها عليه فيما بعد، داعية اياه للرجوع الى العروض العربي. ويصل الخلط بين المصطلحين لدرجة استعمالهما بمعنى واحد، فهي ترى أن شعر التفعيلة يشبه الشر الحر لأنهما معا حطما استقلالية البيت العربي، وخرجا عن قانون تساوي الأسطر، ونبذا القافية وأتيا بشعر مرسل . تتحدث ، على سبيل المثال لا الحصر عن "الشعر الحر الموزون ":
"وما يهمنا في هذا الموضوع ، أن نثرهم هذا الذي يقدمونه للقراء باسم الشعر الحر قد أحدث كثيرا من الالتباس في أذهان القراء غير المختصين فأصبحوا يخلطون بينه وبين الشعر الحر الموزون الذي يبدو ظاهريا وكأنه مثله ، وخيل اليهم نتيجة لذلك أن الشر الحر نثر اعتيادي لا وزن له"(29)
زاد هذا الغموض ترسيخا أن بعض الشعراء والنقاد قبل نازك منحوا مصطلح "الشعر الحر" مرادفات كثيرة كما فعل أحمد زكي أبو شادي، وهو من الأوائل الذين دعوا الى إدخال هذا النوع الشعري الى الأدب العربي، حيث يسميه النظم الحر و"الشعر المرسل الحر" يقول في مقدمته لقصيدة الفنان ".
"وفي القصيدة التالية مثل لهذا الشعر المرسل مقترنا بنوع آخر يسمى بالشعر الحر (Free Vel-se) حيث لا يكتفي الشاعر بإطلاق القافية بل يجيز مزج البخور حسب مناسبات التأثير"(30).
إن الجمع بين "الشعر الحر الموزون " و"الشعر الحر" عند نازك الملائكة وبين "الشعر المرسى" و "الشعر الحر"، عند أبي شادي يعكس مدى القلق الاصطلاحي الذي ساد الممارسة النقدية والشعرية العربية الحديثة .
يعرفه جبرا ابراهيم جبرا بالقول :
"الشعر الحر، ترجمة حرفية لمصطلح غربي هو (Free Verse) بالانجليزية (Vers Libre)بالفرنسية . وقد أطلقوه على شعر خال من الوزن والقافية كليهما. إنه الشعر الذي كتبه والت ويتمان ، وتلاه فيه شعراء كثيرون في أدب أمم محيرة فكتاب الشعر الحر بين شعراء العرب اليوم ، هم أمثال محمد الماغوط وتوفيق صايغ وكاتب هذه الكلمات ، في حين أن "قصيدة النثر" هي "القصيدة " التي يكون قوامها نثرا متوصلا في فقرات كفقرات أي نثر عادي"(31).
يحظى هذا التعريف بأهمية كبرى لاعتبارات شتى. فهو أولا وضع يده على مكمن الداء بالاشارة الى أن الشعر الحر تخل عن الوزن والقافية معا، ومن هنا وسم بالحرية ، وليس لأن الشاعر منح حرية الخلط بين التشكيلات الوزنية ، والخلط بين الوحدات المتساوية شكلا، ووقع في أخطاء التدوير وتلاعب بالقافية مهملا إياها في كثير من الأحيان كما ترى نازك الملائكة (32). ثم إنه (التعريف ) وضع شعر والت ويتمان في مكانه الحقيقي، أي الشعر الحر. لقد دأب النقد العربي الحديث على القول إن الشاعر الأمريكي هو مبتدع "قصيدة النثر"، كما أسلفنا ويكفي أن نشير الى ما جره عليه شعره في أمريكا ، من ويلات وصلت الى حد المطالبة بحرمانه من الجنسية الأمريكية و...والسبب هو وضوح شعره والوضوح خاصية من خاصيات الشعر الحر "الذي تخلى عن الوزن والقافية ، واعتمد الصورة أكثر، فيما عانى قراء "قصيدة النثر" من "غموضها" و"مجانيتها".
وهذا التعريف أخيرا، وضع بعض الأسماء الشعرية العربية في مكانها الحقيقي، إذ طالما اعتبر محمد الماغوط وتوفيق صايغ شاعري "قصيدة النثر" بل نظر الى الماغوط كمؤسس لها من خلال النماذج التي قرأ هام في "خميس شعر"، وضمها بعد ذلك "حزن في ضوء القمر" (33).
تعريف جبرا ، الذي نراه التعريف الصحيح والعلمي، نعثر على ما يطابقه تماما في "شعر" فقد كتبت المجلة في زاوية "أخبار وقضايا" ترد على نازك الملائكة التي اعتبرت "حزن في ضوء القمر" قصائد نثرية في هين أنه "شعر حر" ذاهبة الى أن نازك الملائكة تفهم الشعر الحر كما تكتبه هي. وترى المجلة أن هناك ثلاثة أنواع من الشعر في الأدب العربي الحديث :
- شعر الوزن ويضم شعر التفعيلة .
- الشعر الحر وهو المجرد من الوزن والقافية مع الحفاظ على نسق البيت.
- قصيدة النثر (34).
لن نقف عند الخصائص الشعرية للشعر الحر ولا عند التمويهات الشكلية التي تخفي داخل نصوص من هذا الشكل قصائد نثر حقيقية لم يستطع الشكل الخارجي إخفاءها، وهي ملاحظة تنسحب حتى على النصوص التي ألحقت بالنثر الشعري وهي قصائد نثر، والعكس .
فالتمايزات جمة والفروق واسعة بين شاعر وشاعر، وبين نصوص الشاعر الواحد حتى. شعر جبرا ابراهيم جبرا المتشبع بالتصوف المسيحي الانجلوسكسوني ، ليس هو شعر محمد الماغوط الذي اكتفى بالاطلاع على الشعر الغربي من خلال الترجمات ، وهما معا مختلفان عن توفيق صايغ المتمثل لأسلوب الكتاب المقدس .
قصيدة النثر:
سترث "قصيدة النثر " أو بالأحرى الخطاب النقدي حول "قصيدة النثر" هذا الخلط المفاهيمي والتشابك الاصطلاحي ، وسيحول ذلك كما سنرى دون قراءة هذا النص حتى الآن ، قراءة شعرية بعيدا عن الأهواء والحسابات ، كما سيحول وهذا هو الأدهى دون معرفة الشكل معرفة حقة ". يقول سركون بولى، وهو الذي أعتبر من أبرز أساء قصيدة النثر العربية ، منذ الستينات : (نحن حين نقول قصيدة النثر فهذا تعبير خاطيء لأن قصيدة النثر في الشعر الأوروبي هي شي ء آخر وفي الشعر العربي عندما نقول قصيدة النثر نتحدث عن قصيدة مقطعة ، وهي مجرد تسمية خاطئة . وأنا أسمي هذا الشعر الذي أكتبه بالشعر الحر كما كان يكتبه ايليوت وأردن وكما يكتبه شعراء كثيرون في العالم الآن ، واذا كنت تسميها قصيدة النثر فأنت تبدي جهلك لأن قصيدة النثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالا رميه وتعرف 'Prose Poem) )أي قصيدة غير مقطعه ) (35) .. لا يخلو هذا التعريف من وهم الشكل الخارجي الذي وقعت فيه معظم التعريفات التي صاحبت تنامي الأشكال في الشعر العربي الحديث ، لكنه لا يخلو من جهة ثانية من قلق كبير وحيرة تجاه مصطلح "قصيدة النثر" وهذا ما يهمنا ، هنا أكثر.
ما عبر عنه سركون بولص يزيد من تعقيد مسؤولية الباحث الذي يسعى الى الاقتراب من إيقاع قصيدة النثر العربية ويجعل إعادة النظر في المسلمات ضروريا.
قد يكون من بين الأسباب المباشرة التي استدعت هذه الضبابية المفاهيمية أن كل جيل من أجيال الشعر العربي، منذ النهضة ، يبدأ من نقطة الصفر (اضطرارا أو عنادا) (36).
فلقد جعلت الصدمة الحضارية كل ما يرد من الغرب من أشكال أدبية حديثا وجديدا، والحق أنه ليس جديدا إلا على الثقافة العربية (37 ). ونحن نرى أن هذا التسابق عل الأشكال الشعرية دال على يأس وخيبة وليس على حيوية وفاعلية . يمكن أن نستدل على ذلك بكون سنة 1947 التي ظهرت فيها القصائد التفعيلية الأولى هي ذاتها السنة التي أصدر فيها جورج حنين بمساعدة رمسيس يرنان مجلة اختارا لها اسما مثيرا هو (حصة الرمل ) (La paet du sabl)جاء في تقديمها : (هذا الكراس (....) في وقت يبدو فيه الانتماء نفسه ليس أكثر بكثير من شكل من أشكال القنوط ) (38). وما هي الا سنوات قليلة حتى صدرت "شعر" التي أعادت كل الأسئلة الى بداياتها.
يتجلى العناد في طبيعة الخطاب النقدي الموازي الذي ظهر أصلا مع مجلة "شعر" ، وهو خطاب سجالي تبشيري يرى في السابق عليه من الشعر تكرارا ورتابة لاغير ، ويرى في الذي يدعو اليه خلاصا للشعر والذات معا. المتأمل للانتاج الشعري الذي رافق هذا الخطاب سيلاحظ المسافة بين المأمول والمنجز. ويسهل على الانسان هنا ، أن يستشف كون القبول الذي تلتاه الأشكال الجديدة من طرف قلة تعرف كيف ترفع صوتها عاليا ليس قبولا شعريا، جماليا بالضرورة بل قبول أت من الرفض الذي ترمز اليه هذه الأشكال ، فإضافة الى كون قصيدة النثر ضربا من الغنائية المجنحة المثقلة بالضجر من الحياة والغارقة في عالم قدري لا يملك الشاعر فيه إلا الانسياق وراء قوة تلهو به كيفما تشاء، فإن "الفوضى" الشكلية التي لا تستقر ولا تهدأ منحت الشاعر القاريء متنفسا يعكس من خلاله موقفا ضبابيا من واقعية العام والخاص . ولقد سكت النقد العربي حتى في أروع نماذجه ، عن تفسير هذه الحرية التي خمتها الأشكال الجديدة للشاعر وتبيان ماهيتها وابراز الامتيازات التي خولها له التخلي عن البيت التقليدي وكيف تعمل في النص وتصنع شعريته (وهنا مربط الفرس ) ، وحتى ان فعلت ، فإنما بدافع التمجيد والاشادة لا بدافع التسؤل والتقصي.
يتبع //
وكما حدث للشعر المنثور وللنثر الشعري، فإن مصطلح "الشعر الحر" سيكتنفه الكثير من الغموض الناتج عن عدم التدقيق والاسراع في إلصاق الأسماء بالأشكال الأدبية تحت تأثير الانبهار بالمغامرة الخروجية التي ما انفكت دائرتها تتسع خاصة منذ القصائد التفعيلية الأولى القادمة من العراق . هذا الانبهار بالشكل الخارجي للنصوص الجديدة هو ما جعل نازك الملائكة تدرج الشعر التفعيلي تحت تسمية "الشعر الحر" التي أخذتها من الانجليزية ((Free Verseوالتي تعني الشعر الخالي من الوزن والقافية والذي قد تأتي بعض القصائد فيه مزيجا من بحور عدة لكن بطريقة عفوية . وواضح أن الروح العاطفية الهجومية الشديدة التي كتب بها "ظاهرة الشعر المعاصر" هو ما جعل فازن الملائكة تصف الشعر التفعيلي بالحرية ، وهي الحرية التي استكثرتها عليه فيما بعد، داعية اياه للرجوع الى العروض العربي. ويصل الخلط بين المصطلحين لدرجة استعمالهما بمعنى واحد، فهي ترى أن شعر التفعيلة يشبه الشر الحر لأنهما معا حطما استقلالية البيت العربي، وخرجا عن قانون تساوي الأسطر، ونبذا القافية وأتيا بشعر مرسل . تتحدث ، على سبيل المثال لا الحصر عن "الشعر الحر الموزون ":
"وما يهمنا في هذا الموضوع ، أن نثرهم هذا الذي يقدمونه للقراء باسم الشعر الحر قد أحدث كثيرا من الالتباس في أذهان القراء غير المختصين فأصبحوا يخلطون بينه وبين الشعر الحر الموزون الذي يبدو ظاهريا وكأنه مثله ، وخيل اليهم نتيجة لذلك أن الشر الحر نثر اعتيادي لا وزن له"(29)
زاد هذا الغموض ترسيخا أن بعض الشعراء والنقاد قبل نازك منحوا مصطلح "الشعر الحر" مرادفات كثيرة كما فعل أحمد زكي أبو شادي، وهو من الأوائل الذين دعوا الى إدخال هذا النوع الشعري الى الأدب العربي، حيث يسميه النظم الحر و"الشعر المرسل الحر" يقول في مقدمته لقصيدة الفنان ".
"وفي القصيدة التالية مثل لهذا الشعر المرسل مقترنا بنوع آخر يسمى بالشعر الحر (Free Vel-se) حيث لا يكتفي الشاعر بإطلاق القافية بل يجيز مزج البخور حسب مناسبات التأثير"(30).
إن الجمع بين "الشعر الحر الموزون " و"الشعر الحر" عند نازك الملائكة وبين "الشعر المرسى" و "الشعر الحر"، عند أبي شادي يعكس مدى القلق الاصطلاحي الذي ساد الممارسة النقدية والشعرية العربية الحديثة .
يعرفه جبرا ابراهيم جبرا بالقول :
"الشعر الحر، ترجمة حرفية لمصطلح غربي هو (Free Verse) بالانجليزية (Vers Libre)بالفرنسية . وقد أطلقوه على شعر خال من الوزن والقافية كليهما. إنه الشعر الذي كتبه والت ويتمان ، وتلاه فيه شعراء كثيرون في أدب أمم محيرة فكتاب الشعر الحر بين شعراء العرب اليوم ، هم أمثال محمد الماغوط وتوفيق صايغ وكاتب هذه الكلمات ، في حين أن "قصيدة النثر" هي "القصيدة " التي يكون قوامها نثرا متوصلا في فقرات كفقرات أي نثر عادي"(31).
يحظى هذا التعريف بأهمية كبرى لاعتبارات شتى. فهو أولا وضع يده على مكمن الداء بالاشارة الى أن الشعر الحر تخل عن الوزن والقافية معا، ومن هنا وسم بالحرية ، وليس لأن الشاعر منح حرية الخلط بين التشكيلات الوزنية ، والخلط بين الوحدات المتساوية شكلا، ووقع في أخطاء التدوير وتلاعب بالقافية مهملا إياها في كثير من الأحيان كما ترى نازك الملائكة (32). ثم إنه (التعريف ) وضع شعر والت ويتمان في مكانه الحقيقي، أي الشعر الحر. لقد دأب النقد العربي الحديث على القول إن الشاعر الأمريكي هو مبتدع "قصيدة النثر"، كما أسلفنا ويكفي أن نشير الى ما جره عليه شعره في أمريكا ، من ويلات وصلت الى حد المطالبة بحرمانه من الجنسية الأمريكية و...والسبب هو وضوح شعره والوضوح خاصية من خاصيات الشعر الحر "الذي تخلى عن الوزن والقافية ، واعتمد الصورة أكثر، فيما عانى قراء "قصيدة النثر" من "غموضها" و"مجانيتها".
وهذا التعريف أخيرا، وضع بعض الأسماء الشعرية العربية في مكانها الحقيقي، إذ طالما اعتبر محمد الماغوط وتوفيق صايغ شاعري "قصيدة النثر" بل نظر الى الماغوط كمؤسس لها من خلال النماذج التي قرأ هام في "خميس شعر"، وضمها بعد ذلك "حزن في ضوء القمر" (33).
تعريف جبرا ، الذي نراه التعريف الصحيح والعلمي، نعثر على ما يطابقه تماما في "شعر" فقد كتبت المجلة في زاوية "أخبار وقضايا" ترد على نازك الملائكة التي اعتبرت "حزن في ضوء القمر" قصائد نثرية في هين أنه "شعر حر" ذاهبة الى أن نازك الملائكة تفهم الشعر الحر كما تكتبه هي. وترى المجلة أن هناك ثلاثة أنواع من الشعر في الأدب العربي الحديث :
- شعر الوزن ويضم شعر التفعيلة .
- الشعر الحر وهو المجرد من الوزن والقافية مع الحفاظ على نسق البيت.
- قصيدة النثر (34).
لن نقف عند الخصائص الشعرية للشعر الحر ولا عند التمويهات الشكلية التي تخفي داخل نصوص من هذا الشكل قصائد نثر حقيقية لم يستطع الشكل الخارجي إخفاءها، وهي ملاحظة تنسحب حتى على النصوص التي ألحقت بالنثر الشعري وهي قصائد نثر، والعكس .
فالتمايزات جمة والفروق واسعة بين شاعر وشاعر، وبين نصوص الشاعر الواحد حتى. شعر جبرا ابراهيم جبرا المتشبع بالتصوف المسيحي الانجلوسكسوني ، ليس هو شعر محمد الماغوط الذي اكتفى بالاطلاع على الشعر الغربي من خلال الترجمات ، وهما معا مختلفان عن توفيق صايغ المتمثل لأسلوب الكتاب المقدس .
قصيدة النثر:
سترث "قصيدة النثر " أو بالأحرى الخطاب النقدي حول "قصيدة النثر" هذا الخلط المفاهيمي والتشابك الاصطلاحي ، وسيحول ذلك كما سنرى دون قراءة هذا النص حتى الآن ، قراءة شعرية بعيدا عن الأهواء والحسابات ، كما سيحول وهذا هو الأدهى دون معرفة الشكل معرفة حقة ". يقول سركون بولى، وهو الذي أعتبر من أبرز أساء قصيدة النثر العربية ، منذ الستينات : (نحن حين نقول قصيدة النثر فهذا تعبير خاطيء لأن قصيدة النثر في الشعر الأوروبي هي شي ء آخر وفي الشعر العربي عندما نقول قصيدة النثر نتحدث عن قصيدة مقطعة ، وهي مجرد تسمية خاطئة . وأنا أسمي هذا الشعر الذي أكتبه بالشعر الحر كما كان يكتبه ايليوت وأردن وكما يكتبه شعراء كثيرون في العالم الآن ، واذا كنت تسميها قصيدة النثر فأنت تبدي جهلك لأن قصيدة النثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالا رميه وتعرف 'Prose Poem) )أي قصيدة غير مقطعه ) (35) .. لا يخلو هذا التعريف من وهم الشكل الخارجي الذي وقعت فيه معظم التعريفات التي صاحبت تنامي الأشكال في الشعر العربي الحديث ، لكنه لا يخلو من جهة ثانية من قلق كبير وحيرة تجاه مصطلح "قصيدة النثر" وهذا ما يهمنا ، هنا أكثر.
ما عبر عنه سركون بولص يزيد من تعقيد مسؤولية الباحث الذي يسعى الى الاقتراب من إيقاع قصيدة النثر العربية ويجعل إعادة النظر في المسلمات ضروريا.
قد يكون من بين الأسباب المباشرة التي استدعت هذه الضبابية المفاهيمية أن كل جيل من أجيال الشعر العربي، منذ النهضة ، يبدأ من نقطة الصفر (اضطرارا أو عنادا) (36).
فلقد جعلت الصدمة الحضارية كل ما يرد من الغرب من أشكال أدبية حديثا وجديدا، والحق أنه ليس جديدا إلا على الثقافة العربية (37 ). ونحن نرى أن هذا التسابق عل الأشكال الشعرية دال على يأس وخيبة وليس على حيوية وفاعلية . يمكن أن نستدل على ذلك بكون سنة 1947 التي ظهرت فيها القصائد التفعيلية الأولى هي ذاتها السنة التي أصدر فيها جورج حنين بمساعدة رمسيس يرنان مجلة اختارا لها اسما مثيرا هو (حصة الرمل ) (La paet du sabl)جاء في تقديمها : (هذا الكراس (....) في وقت يبدو فيه الانتماء نفسه ليس أكثر بكثير من شكل من أشكال القنوط ) (38). وما هي الا سنوات قليلة حتى صدرت "شعر" التي أعادت كل الأسئلة الى بداياتها.
يتجلى العناد في طبيعة الخطاب النقدي الموازي الذي ظهر أصلا مع مجلة "شعر" ، وهو خطاب سجالي تبشيري يرى في السابق عليه من الشعر تكرارا ورتابة لاغير ، ويرى في الذي يدعو اليه خلاصا للشعر والذات معا. المتأمل للانتاج الشعري الذي رافق هذا الخطاب سيلاحظ المسافة بين المأمول والمنجز. ويسهل على الانسان هنا ، أن يستشف كون القبول الذي تلتاه الأشكال الجديدة من طرف قلة تعرف كيف ترفع صوتها عاليا ليس قبولا شعريا، جماليا بالضرورة بل قبول أت من الرفض الذي ترمز اليه هذه الأشكال ، فإضافة الى كون قصيدة النثر ضربا من الغنائية المجنحة المثقلة بالضجر من الحياة والغارقة في عالم قدري لا يملك الشاعر فيه إلا الانسياق وراء قوة تلهو به كيفما تشاء، فإن "الفوضى" الشكلية التي لا تستقر ولا تهدأ منحت الشاعر القاريء متنفسا يعكس من خلاله موقفا ضبابيا من واقعية العام والخاص . ولقد سكت النقد العربي حتى في أروع نماذجه ، عن تفسير هذه الحرية التي خمتها الأشكال الجديدة للشاعر وتبيان ماهيتها وابراز الامتيازات التي خولها له التخلي عن البيت التقليدي وكيف تعمل في النص وتصنع شعريته (وهنا مربط الفرس ) ، وحتى ان فعلت ، فإنما بدافع التمجيد والاشادة لا بدافع التسؤل والتقصي.
يتبع //
هذه الحيرة تجاه قصيدة النشر ليست عربية فقط ، بل عرفتها الشعريات العالمية وان كان بحدة أقل ، نظرا لاختلاف الظروف الحضارية والثقافية لقد نظر الى قصيدة النثر باعتبارها جنسا أدبيا يتأبى عن كل تحديد ونظر الى محاولة التقعيد له عملا مجانيا محكوما بالاخفاق .
فكيف نقبض على (شكل) جاء ليخرق القواعد ويعلن العصيان على السلف وكيف نبحث عن لم في جمالية جنس أدبي يصعب تحديد قوانينه قبليا، فهو يحاول ، جاهدا الانفلات من كل تحديد وثبوت ، والا يخضع لمفاهيم جمالية ونقدية ، متحرك باستمرار زئبقي ما ينفقك في كل مرة يسفه مفهوم "البنية " ويضع كل محاوله للتنظير له في مأزق ! (39).
لقد وجد (النقد) العربي حول "قصيدة النثر" وهو، في أغلبيته ، انطباعي متسرع ، في مثل هذه الادعاءات متنفسا ومهربا من السؤال الأس : شعرية "قصيدة النثر" رغم كون النص "الجديد" ضد "النظام " و "التعقلن " و"المفهومية " ورغم كونه يجعل الابداع "مستمرا" متخذا "اللاتكرارية " والتجريب هدفا" (40) ، فإن له (النص الجديد) شكلا ينهض على تهشيم الأشكال كلها،. من هذه الجدلية بين تهشيم الأشكال لبناء (شكل لا شكل له !) سينبثق شكل قصيدة النثر ، يصعب بناء على ما سبق التسليم بكون قصيدة النثر تجسيدا واضحا للصراع بين حرية النثر وقوة الشعر التنظيمية ، بين فوضى الهدم وفنية البناء الجمالي وبين الرغبة في هجر اللغة وضرورة الاستعانة بها (41) لأن "قصيدة النثر" إما أن تكون شعرا أو لا
تكون ، وهي ليست مخيرة بين الفوضى والتنظيم وبين الهدم والبناء وبين اللغة واللالغة إذ لا مناص لها من التنظيم والبناء واللغة ، أي من قانون يسري عليها، وان كانت حرة فإن حريتها لا تختلف في شيء عن الحرية التي ينهض عليها النص الأدبي كيفما كان . من هنا تتحول (اللا قاعدة ) التي أريد لقصيدة النثر أن توسم بها الى (قاعدة )، أي أن الأحكام الجزافية والتنظيرات الرعناء التي رافقتها تعبير عن قلق وليست تعبيرا عن خصائص معينة لها. شكل النص الشعري ليس هو هيئته على الورقة ، وانما الطريقة التي يفرض علينا إيقاعه أن نقرأ بها، فلقد احتفظ امرؤ القيس وأبو تمام والمتنبي بأهميتهم الشعرية رغم أن الشكل الشعري لديهم (الشكل الظاهر - الخارجي) لا يختلف في شيء عن (شكل ) مئات القصائد الفاشلة التي لم يكتب لها البقاء والاستمرار . فبدل البحث عن شكل موجود ، خاضع لرؤية قبلية لتحديده ، سنبحث عن (شكل ) خفي لتحديده ، وبدل أن نسأل : ما هذا الشكل الجديد الذي رسخته قصيدة النثر؟ نسأل : ما هذا الشكل الذي تسعي قصيدة النثر الى ترسيخه ؟ أو : ما هذا الشكل الذي تحاول قصيدة النثر الانفلات منه ؟ سيقودنا إيقاع النص الى تحديد شكل لقصيدة النثر ، لأن تميزها عن أنواع الشر الأخرى ليس تميزا شكليا خارجيا، وانما هو تميز إيقاعي. ستكف هذه القصيدة ، إذن عن أن تكون عصية على القبض ، وسيكف النقد عن الاكتفاء بالقول إنها تعبر عن الحزن والتوتر والوحشيه (42) او ان فيها نوعا من "التشابك الواقعي والحلمي، وتداخل الأزمنة ، وشاعرية اللغة والرؤية ، والتباس الأسئلة ، وكسر النمطيه وتفتيت الشخوص والأحداث (43) ... أو إنها "نثر جميل " أو "عطاء جميل " أو "نثر رائع "(44) أو أنها (اكتشاف للشعر في الجزئي واليومي والعادي وغير المدهش ). (45). فقصيدة النثر مهما كانت غنائية وعنيفة فإنها مضطرة ، حتى تكون شعرا، لأن تجد إيقاعها ولأن تؤسس تقنيتها الصارمة والمحددة وأن تبحث عن شكل مهما يكن ، فإنه ليس فوضويا ولا زئبقيا بل هو بناء فني وسيرورة إيقاعية وهذا ما يجعل اتهام قصيدة النثر بالسقوط المبكر في "التنميط " نوعا من العداء المجاني لها، (46) لأن عملية الاستهلاك الجمالية ليست هى عملية التأمل العلمية ، والاستمتاع بالنص ليس هو معرفه النص ، (47) والمطلوب الان عربيا، هو الانتقال من الاستهلاك الى التأمل أو الجمع بينهما معا.
يجب التأكيد على كون قصيدة النثر لا تبتعد كثيرا عن الروح الايقاعية للشعر العربي في عمومه ، وان كانت الزمنية الكبرى، كما يسميها باختين ، قد فرضت اختلافا شكليا خارجيا عن الشكل الشعري التقليدي الموروث ، وبالتالي فإن قصيدة النثر ليست أرقي ما وصل اليه الشعر العربي، كما يحلو لكثير من الشعراء والنقاد القول ، بل هي امكانية إيقاعية ضمن إمكانيات أخرى تمنحها اللغة العربية للشاعر ، أما النواة الايقاعية فهي النواة ذاتها ، رغم أن استراتيجيات القراءة والتلقي والتناول سيلحقها تغير.
فالصبغة الخطية الكرونولوجية التي للأشكال في الأدب العربي الحديث ، إنما تفسرها معضلة الذات والآخر وأسئلة النهضة . والتقدم ، كما أسلفنا، في حين أن قصيدة النثر والنثر الشعري والشعر الحر، شهدت في الآداب الغربية (الفرنسية خاصة ) نوعا من تبادل الأدوار والأقنعة جعلت قصيدة النثر والنثر الشعري مهادا للشعر الحر عند المدرسة الرمزية مثلا(48) ورأى فيها غوستاف كاهن (Gustave Kahn) مجرد جسر للانتقال من التقليد العروضي الى عالم الشعر الحر نافيا أن تكون جنسا أو نوعا (49)، ويكتب (Dornis) في 1912: لقد أدركنا بسرعة أن البحث عن نثر إيقاعي لا يمكن أن يكون سوى طريق نقطعه لكن من غير مخرج (50).
لا يمكن الاحاطة بالدلالات الخفية لهذا المصطلح إلا اذا تم ربطه بالتعريف العام الذي أعطي للشعر في التراث العربي باعتباره (الكلام الموزون المقفى...) فغير خاف أن مصطلح "قصيدة النثر" يجعل بوعي، أو بغير وعي، من الوزن شرطا أساسيا لكل شعر ويجعل النثر عكس الوزن (51) ما يعني، في النهاية ان النثر هو الكلام الخالي من الوزن ، وهو ما يصعب تأييده لسببين اثنين :
- ان الوزن ليس هو الشرط الأساسي في الشعر. فشعرية النص تخلق وزن النص ، ولا يخلق الوزن بالضرورة شعرية النص .
- ان الوزن ليس عكس النثر، وحتى إذا سلمنا بكون الوزن هو الشعر فإن الشعر ليس عكس النثر ، والا حدث لنا ما حدث للسيد جوردان .
لقد نبه ياكوبسون في "قضايا الشعرية " الى ضرورة الانتباه لكون البحث في الشعرية بحثا في التزامني والتعاقبي معا. فالحوض في الشعرية المعا هوة يستلزم بالضرورة ، استحضار الشعرية القديمة ، لأن النص القديم ، تنظيرا وانجازا، يفعل في النص الجديد ويتحكم في تحديد بنيته لحما أن في كل حقبة أشكالا محافظة وأشكالا تجديدية ويجب أخذهما معا بالاعتبار لا الانسياق وراء التغيرات فقط (52).
نلحظ في المتابعات العربية لقصيدة النثر كثيرا من الاطمئنان لكون هذه القصيدة ثورة جذرية وخرقا للمألوف والسائد والموروث ، كأن الشعر انطلق ضعيفا وكلما تقدم في الزمن صار أقوى. تناول كهذا يعمد الى منهج الموازنة والمقارنة الذي يفضي للمفاضلة ، فتكون شعرية النص هي الغائبة ، إننا نرى أن الشعر يظل محتفظا بجوهر ما ، ببنية ما، وأن الذي يتغير بين الحقبة والحقبة ، هو العرضي كأنما يبحث الشعر عن شيء أضاعه مخترقا الأزمنة كلها وكلما يئس في العثور على ضألته اتخذ هيئة أخرى مغايرة للسابقة ، لكنه يظل هو هو، شعرا ذا هدف واحد هو أن يكون شعرا.
يصعب إذن القول إن الوزن قيد خارجي قبلي ارتأت قصيدة النثر ازالته لكونه يشكل عائقا أمام رغبات الذات والمعنى! بل هو (الوزن ) حاضر في الشعر لأنه جزء من جوهره الذي لا يفنى، أما المتغير فهو الشكل الخارجي للنص . هكذا تكون مهمة الباحث في قصيدة النثر صعبة لأنه مطالب بالقبض على البنية الايقاعية لنص ذي (شكل ) جديد تخلى عن معطيات ومؤشرات ألفتها الذائقة العربية وجعلتها المكون الأساسي للشعر.
تقول نازك الملائكة : (ويفتح القاريء تلك الكتب متوهما انه سيجد فيها قصائد مثل القصائد، فيها الوزن والايقاع والقافية ، غير أنه لا يجد من ذلك شيئا وإنما يطالعه في الكتاب نثر اعتيادي مما يقرأ في كتب النثر ، وسرعان ما يلاحظ أن الكتاب خلو من أي أثر للشعر ، فليس فيه لا بيت ولا شطر(53).
ليس في قصيدة النثر بيت ولا شطر .. وهذه هي المعضلة التي جعلت النقد السائد يتناولها باعتبارها قصيدة لا يوجد بيت فيها ولا شطر ، أي يقارنها بالسابق عليها من شعر فيسكت عن إيقاعها.
ويبدو أن رغبة القلة القليلة من أقطاب "شعر" لم تتحقق . لقد كانت النية ، في البدء هي البحث عن اللغة الشعرية الجديدة لهذا النص وعن كيفية مقاربته الأشياء والحياة ، أي أن الجدة والحداثة ليستا في الوزن ولا في النثر، وانما في طريقة الشعرنة ، ويبدو أن الدرس الشعري ما يزال عند هذه النقطة (54).
فإذا قيل إن مادة قصيدة النثر هي النثر ، غير أن غديتها هي الشعر وأن النثر فيها يصير شعرا فيتميز بذلك عن النثر العادي وما كلمة (نثر) التي ألحقت بالشعر فيه سوى لتبيان منشئها (55) فإن هذا التفسير الذي يعني أن النثر يتضمن ، بالضرورة شعرا ، بل شعرا قويا يفوق شعرية النظم ، قد يكون عكس ما يبدو، محسوبا على قصيدة النشر لا لها. إن الأخذ بهذه الفكرة وهي وجيهة تفترض إمكانية إخلاء النثر من العناصر غير الشعرية حتى يستقيم النص ويصير شعريا، لكن النص الشعري يكون كذلك منذ البدء. وكل تعديل يلحق النص النثري يبقيه نصا نثريا ليس إلا. هناك عقلية نهضوية وضعانية في الحقل النقدي العربي الحديث رأت الى الأشكال كتطور متعاقب . وهي عقلية تحول دون الانفراد بالنص لمساءلة شعريته لأنها ترى في الشكل نقطة أو محطة ضمن محطات كثر، ومن ثمة تنبري لوصف أوجه التشابه والاختلاف . يتحدث حاتم المكر عن قصيدة النثر فيرى فيها مجرد نتيجة لتمرينات سابقة : (وقد كانت تتويجا لسلسلة من الخاشات على سطح البنى الشعرية السائدة فالشعر المقطعي والمنثور والحر وسراها ليست الا محاولات جزئية بإزاء ما اقترحته قصيدة النثر من مفارقة للصيغ السائدة ) (56) . ثم يرى فيها نهاية لممهدت عدة كالشعر المترجم والمزج بين البحور العروضية وتقنية التدوير وفنية النثر والكلام اليومي الدارج (57).
يختزن هذا التعليل ،وهو مشترك بين جل الأصوات النقدية تعريفا للشعر لا يقل عن التعريف المأثور الذي يربط الشعر بالوزن ، وهو ما سعى منظرو قصيدة النثر ، أنفسهم لاثبات خطله ، ومن هنا الاستسهال الذي أصاب قصيدة النثر وجعلنا نعتبر جل الكتابات القديمة التي فيها نفحات أو تأملات شعرية "قصائد نثر" وهو، من جهة ثانية ما جعل كل ما يكتب الأن بعيدا عن الوزن والقافية قصائد نثر، حتى كثر الشعراء وقل الشعر! لقد غدا اللامتناسق واللاشعوري والهذيان والضعف اللغوي شروطا شعرية ، ويتحمل النقد المسؤولية العظمي في كل ذلك لأنه برر ما يحدث بدل أن يحاكمه .
يتبع //
فكيف نقبض على (شكل) جاء ليخرق القواعد ويعلن العصيان على السلف وكيف نبحث عن لم في جمالية جنس أدبي يصعب تحديد قوانينه قبليا، فهو يحاول ، جاهدا الانفلات من كل تحديد وثبوت ، والا يخضع لمفاهيم جمالية ونقدية ، متحرك باستمرار زئبقي ما ينفقك في كل مرة يسفه مفهوم "البنية " ويضع كل محاوله للتنظير له في مأزق ! (39).
لقد وجد (النقد) العربي حول "قصيدة النثر" وهو، في أغلبيته ، انطباعي متسرع ، في مثل هذه الادعاءات متنفسا ومهربا من السؤال الأس : شعرية "قصيدة النثر" رغم كون النص "الجديد" ضد "النظام " و "التعقلن " و"المفهومية " ورغم كونه يجعل الابداع "مستمرا" متخذا "اللاتكرارية " والتجريب هدفا" (40) ، فإن له (النص الجديد) شكلا ينهض على تهشيم الأشكال كلها،. من هذه الجدلية بين تهشيم الأشكال لبناء (شكل لا شكل له !) سينبثق شكل قصيدة النثر ، يصعب بناء على ما سبق التسليم بكون قصيدة النثر تجسيدا واضحا للصراع بين حرية النثر وقوة الشعر التنظيمية ، بين فوضى الهدم وفنية البناء الجمالي وبين الرغبة في هجر اللغة وضرورة الاستعانة بها (41) لأن "قصيدة النثر" إما أن تكون شعرا أو لا
تكون ، وهي ليست مخيرة بين الفوضى والتنظيم وبين الهدم والبناء وبين اللغة واللالغة إذ لا مناص لها من التنظيم والبناء واللغة ، أي من قانون يسري عليها، وان كانت حرة فإن حريتها لا تختلف في شيء عن الحرية التي ينهض عليها النص الأدبي كيفما كان . من هنا تتحول (اللا قاعدة ) التي أريد لقصيدة النثر أن توسم بها الى (قاعدة )، أي أن الأحكام الجزافية والتنظيرات الرعناء التي رافقتها تعبير عن قلق وليست تعبيرا عن خصائص معينة لها. شكل النص الشعري ليس هو هيئته على الورقة ، وانما الطريقة التي يفرض علينا إيقاعه أن نقرأ بها، فلقد احتفظ امرؤ القيس وأبو تمام والمتنبي بأهميتهم الشعرية رغم أن الشكل الشعري لديهم (الشكل الظاهر - الخارجي) لا يختلف في شيء عن (شكل ) مئات القصائد الفاشلة التي لم يكتب لها البقاء والاستمرار . فبدل البحث عن شكل موجود ، خاضع لرؤية قبلية لتحديده ، سنبحث عن (شكل ) خفي لتحديده ، وبدل أن نسأل : ما هذا الشكل الجديد الذي رسخته قصيدة النثر؟ نسأل : ما هذا الشكل الذي تسعي قصيدة النثر الى ترسيخه ؟ أو : ما هذا الشكل الذي تحاول قصيدة النثر الانفلات منه ؟ سيقودنا إيقاع النص الى تحديد شكل لقصيدة النثر ، لأن تميزها عن أنواع الشر الأخرى ليس تميزا شكليا خارجيا، وانما هو تميز إيقاعي. ستكف هذه القصيدة ، إذن عن أن تكون عصية على القبض ، وسيكف النقد عن الاكتفاء بالقول إنها تعبر عن الحزن والتوتر والوحشيه (42) او ان فيها نوعا من "التشابك الواقعي والحلمي، وتداخل الأزمنة ، وشاعرية اللغة والرؤية ، والتباس الأسئلة ، وكسر النمطيه وتفتيت الشخوص والأحداث (43) ... أو إنها "نثر جميل " أو "عطاء جميل " أو "نثر رائع "(44) أو أنها (اكتشاف للشعر في الجزئي واليومي والعادي وغير المدهش ). (45). فقصيدة النثر مهما كانت غنائية وعنيفة فإنها مضطرة ، حتى تكون شعرا، لأن تجد إيقاعها ولأن تؤسس تقنيتها الصارمة والمحددة وأن تبحث عن شكل مهما يكن ، فإنه ليس فوضويا ولا زئبقيا بل هو بناء فني وسيرورة إيقاعية وهذا ما يجعل اتهام قصيدة النثر بالسقوط المبكر في "التنميط " نوعا من العداء المجاني لها، (46) لأن عملية الاستهلاك الجمالية ليست هى عملية التأمل العلمية ، والاستمتاع بالنص ليس هو معرفه النص ، (47) والمطلوب الان عربيا، هو الانتقال من الاستهلاك الى التأمل أو الجمع بينهما معا.
يجب التأكيد على كون قصيدة النثر لا تبتعد كثيرا عن الروح الايقاعية للشعر العربي في عمومه ، وان كانت الزمنية الكبرى، كما يسميها باختين ، قد فرضت اختلافا شكليا خارجيا عن الشكل الشعري التقليدي الموروث ، وبالتالي فإن قصيدة النثر ليست أرقي ما وصل اليه الشعر العربي، كما يحلو لكثير من الشعراء والنقاد القول ، بل هي امكانية إيقاعية ضمن إمكانيات أخرى تمنحها اللغة العربية للشاعر ، أما النواة الايقاعية فهي النواة ذاتها ، رغم أن استراتيجيات القراءة والتلقي والتناول سيلحقها تغير.
فالصبغة الخطية الكرونولوجية التي للأشكال في الأدب العربي الحديث ، إنما تفسرها معضلة الذات والآخر وأسئلة النهضة . والتقدم ، كما أسلفنا، في حين أن قصيدة النثر والنثر الشعري والشعر الحر، شهدت في الآداب الغربية (الفرنسية خاصة ) نوعا من تبادل الأدوار والأقنعة جعلت قصيدة النثر والنثر الشعري مهادا للشعر الحر عند المدرسة الرمزية مثلا(48) ورأى فيها غوستاف كاهن (Gustave Kahn) مجرد جسر للانتقال من التقليد العروضي الى عالم الشعر الحر نافيا أن تكون جنسا أو نوعا (49)، ويكتب (Dornis) في 1912: لقد أدركنا بسرعة أن البحث عن نثر إيقاعي لا يمكن أن يكون سوى طريق نقطعه لكن من غير مخرج (50).
لا يمكن الاحاطة بالدلالات الخفية لهذا المصطلح إلا اذا تم ربطه بالتعريف العام الذي أعطي للشعر في التراث العربي باعتباره (الكلام الموزون المقفى...) فغير خاف أن مصطلح "قصيدة النثر" يجعل بوعي، أو بغير وعي، من الوزن شرطا أساسيا لكل شعر ويجعل النثر عكس الوزن (51) ما يعني، في النهاية ان النثر هو الكلام الخالي من الوزن ، وهو ما يصعب تأييده لسببين اثنين :
- ان الوزن ليس هو الشرط الأساسي في الشعر. فشعرية النص تخلق وزن النص ، ولا يخلق الوزن بالضرورة شعرية النص .
- ان الوزن ليس عكس النثر، وحتى إذا سلمنا بكون الوزن هو الشعر فإن الشعر ليس عكس النثر ، والا حدث لنا ما حدث للسيد جوردان .
لقد نبه ياكوبسون في "قضايا الشعرية " الى ضرورة الانتباه لكون البحث في الشعرية بحثا في التزامني والتعاقبي معا. فالحوض في الشعرية المعا هوة يستلزم بالضرورة ، استحضار الشعرية القديمة ، لأن النص القديم ، تنظيرا وانجازا، يفعل في النص الجديد ويتحكم في تحديد بنيته لحما أن في كل حقبة أشكالا محافظة وأشكالا تجديدية ويجب أخذهما معا بالاعتبار لا الانسياق وراء التغيرات فقط (52).
نلحظ في المتابعات العربية لقصيدة النثر كثيرا من الاطمئنان لكون هذه القصيدة ثورة جذرية وخرقا للمألوف والسائد والموروث ، كأن الشعر انطلق ضعيفا وكلما تقدم في الزمن صار أقوى. تناول كهذا يعمد الى منهج الموازنة والمقارنة الذي يفضي للمفاضلة ، فتكون شعرية النص هي الغائبة ، إننا نرى أن الشعر يظل محتفظا بجوهر ما ، ببنية ما، وأن الذي يتغير بين الحقبة والحقبة ، هو العرضي كأنما يبحث الشعر عن شيء أضاعه مخترقا الأزمنة كلها وكلما يئس في العثور على ضألته اتخذ هيئة أخرى مغايرة للسابقة ، لكنه يظل هو هو، شعرا ذا هدف واحد هو أن يكون شعرا.
يصعب إذن القول إن الوزن قيد خارجي قبلي ارتأت قصيدة النثر ازالته لكونه يشكل عائقا أمام رغبات الذات والمعنى! بل هو (الوزن ) حاضر في الشعر لأنه جزء من جوهره الذي لا يفنى، أما المتغير فهو الشكل الخارجي للنص . هكذا تكون مهمة الباحث في قصيدة النثر صعبة لأنه مطالب بالقبض على البنية الايقاعية لنص ذي (شكل ) جديد تخلى عن معطيات ومؤشرات ألفتها الذائقة العربية وجعلتها المكون الأساسي للشعر.
تقول نازك الملائكة : (ويفتح القاريء تلك الكتب متوهما انه سيجد فيها قصائد مثل القصائد، فيها الوزن والايقاع والقافية ، غير أنه لا يجد من ذلك شيئا وإنما يطالعه في الكتاب نثر اعتيادي مما يقرأ في كتب النثر ، وسرعان ما يلاحظ أن الكتاب خلو من أي أثر للشعر ، فليس فيه لا بيت ولا شطر(53).
ليس في قصيدة النثر بيت ولا شطر .. وهذه هي المعضلة التي جعلت النقد السائد يتناولها باعتبارها قصيدة لا يوجد بيت فيها ولا شطر ، أي يقارنها بالسابق عليها من شعر فيسكت عن إيقاعها.
ويبدو أن رغبة القلة القليلة من أقطاب "شعر" لم تتحقق . لقد كانت النية ، في البدء هي البحث عن اللغة الشعرية الجديدة لهذا النص وعن كيفية مقاربته الأشياء والحياة ، أي أن الجدة والحداثة ليستا في الوزن ولا في النثر، وانما في طريقة الشعرنة ، ويبدو أن الدرس الشعري ما يزال عند هذه النقطة (54).
فإذا قيل إن مادة قصيدة النثر هي النثر ، غير أن غديتها هي الشعر وأن النثر فيها يصير شعرا فيتميز بذلك عن النثر العادي وما كلمة (نثر) التي ألحقت بالشعر فيه سوى لتبيان منشئها (55) فإن هذا التفسير الذي يعني أن النثر يتضمن ، بالضرورة شعرا ، بل شعرا قويا يفوق شعرية النظم ، قد يكون عكس ما يبدو، محسوبا على قصيدة النشر لا لها. إن الأخذ بهذه الفكرة وهي وجيهة تفترض إمكانية إخلاء النثر من العناصر غير الشعرية حتى يستقيم النص ويصير شعريا، لكن النص الشعري يكون كذلك منذ البدء. وكل تعديل يلحق النص النثري يبقيه نصا نثريا ليس إلا. هناك عقلية نهضوية وضعانية في الحقل النقدي العربي الحديث رأت الى الأشكال كتطور متعاقب . وهي عقلية تحول دون الانفراد بالنص لمساءلة شعريته لأنها ترى في الشكل نقطة أو محطة ضمن محطات كثر، ومن ثمة تنبري لوصف أوجه التشابه والاختلاف . يتحدث حاتم المكر عن قصيدة النثر فيرى فيها مجرد نتيجة لتمرينات سابقة : (وقد كانت تتويجا لسلسلة من الخاشات على سطح البنى الشعرية السائدة فالشعر المقطعي والمنثور والحر وسراها ليست الا محاولات جزئية بإزاء ما اقترحته قصيدة النثر من مفارقة للصيغ السائدة ) (56) . ثم يرى فيها نهاية لممهدت عدة كالشعر المترجم والمزج بين البحور العروضية وتقنية التدوير وفنية النثر والكلام اليومي الدارج (57).
يختزن هذا التعليل ،وهو مشترك بين جل الأصوات النقدية تعريفا للشعر لا يقل عن التعريف المأثور الذي يربط الشعر بالوزن ، وهو ما سعى منظرو قصيدة النثر ، أنفسهم لاثبات خطله ، ومن هنا الاستسهال الذي أصاب قصيدة النثر وجعلنا نعتبر جل الكتابات القديمة التي فيها نفحات أو تأملات شعرية "قصائد نثر" وهو، من جهة ثانية ما جعل كل ما يكتب الأن بعيدا عن الوزن والقافية قصائد نثر، حتى كثر الشعراء وقل الشعر! لقد غدا اللامتناسق واللاشعوري والهذيان والضعف اللغوي شروطا شعرية ، ويتحمل النقد المسؤولية العظمي في كل ذلك لأنه برر ما يحدث بدل أن يحاكمه .
يتبع //
يقول بروتون (ما من شيء أصعب هذه الأيام من أن يكون الانسان شاعر قصيدة نثر) (58) ويضيف "إذا كان الشعر هو كتاب حكاية لا متجانسة وبلا خاتمة وتسطير صيحات ثورية وكتابة جمل من غير تتمات فمن لا يقدر إذن أن يكون شاعرا (59)"
ويبدو اقتراح تسميتها "قصيدة دلالية " لكونها تستعيض عن الجانب الصوتي بالجانب الدلالي ، ولكون الجانب المعنوي فيها أبرز وأظهر، اقتراحا يزيد الطين بلة لأن المعنى وحده لا يصنع القصيدة ولأن المعنى في الشعر لا ينقل الا من خلال اللغة ، أي من خلال الصوت .
هذا افتراض صاحب ميلاد الأشكال الشعرية الجديدة عند الشعريات طها وهو ما أشار اليه فيكتور فيكو، في فرنسا سنة 1822 بالقول ان الشعر لم يعد يقطن شكل الأفكار بل الأفكار ذاتها(60) .
مرة أخرى أتاح تواري القافية بتكرارها الصوتي البارز لمثل هذه الأفكار أن تنمو ، كما أتاح للتفسير الاجتماعي للشكل أن يأخذ الصدارة ، هكذا يرى أنسي الحاج في زوال القافية (هل زالت ؟!)ا استجابة لدواعي العصر الذي يملك إنسانه إحساسا متغايرا (61)، كما يرى يوسف الخال في صخب الحياة المعاصرة سببا لاختفاتها (62).
تفسيرات كهذه لا تفيد الشعرية في شيء إذ هي في النهاية تفسير غامض بغامض ، فما الذي يمنعنا من القول إن صخب الحياة الواهنة يتطلب قافية تحد من سيلان النص الشعري وتحول دون أن يصير الشعر بدوره ، صخبا؟ إن معنى الخطاب هو الذي يحدد شكله وما هم بعد ذلك أكتبه الشاعر بيتا أم مقطعا أم نثرا؟ والخطاب لا مفر له من الصوت .
ضرورة تناول المستوى الصوتي في قصيدة النثر ، حتى رغم تخليها الكلي عن البناء الظاهري للبيت العربي يجعل من الايقاع الداخلي (ايقاع التجربة) الذي طالما فسرت به شعرية هذه القصيدة مجرد حل جزئي ومؤقت في انتظار السؤال الجدي عن مكامن الشعرية وتجليات الايقاع فيها، كما يدفع بفكرة امتلاك كل قصيدة نثر لايقاع مخالف لايقاعات القصائد النثرية الأخرى الى حافة الشك . وهذه الفكرة التي أوصلها موريس شابلان الي أقصدها بزعمه أن (قصيدة النثر لا تحدد إنها موجودة )(63) وجدت صدى كبيرا لها في النقد العربي، وهي فكرة إنما أوجدها الافتقار لتنظير شاف وواضح حول قصيدة النثر ليجلو القلق الذي أوجده الشكل الجديد بخروجه الفجائي عن المشكل الخارجي للبيت الشعري العربي، ويبدو أن مفهوم (ايقاع التجربة ) برر بساطة التناول النقدي العربي لقصيدة النثر. نقرأ تمثيلا لا حصرا في "حداثة النمط " لسامي مهدي (اعتمدنا في شرح مفهوم الايقاع على معلوماتنا العامة وآرائنا الخاصة وقد كان بيننا وبين الشاعر خالد علي مصطفى حوار حول وظيفة الايقاع التقت فيه أردؤنا حول ما جاء في البحث بشأنها فنحن مدينون له بذلك ) (64).
ويتناول السعيد الورقي "إيقاع " قصيدة النثر في صفحتين اثنتين لا أكثر قائلا (بدأت قصيدة النثر كتعبير شعري يعتمد على الايقاع النفسي في الشعر العربي الحديث منذ أواخر الستينات كما تذكر الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي) (65).
الوعي النقدي السائد الذي يرى في الوزن والقافية مرهن العملية الشعرية يستصغر كل نص خال منهما، والحق أن هذه الأخيرة أصعب . فالتكرار والتوازي صوتيا ومعنويا يظلان حاضرين وبقوة في قصيدة النثر رغم زوال القافية بمعناها القديم ولا تستطيع مقولة "الايقاع الداخلي اخفاءهما ، ان الذين يسخرون من هذه القولة كلما سمعوها بقولهم : إننا لا نسمع هذا الايقاع الداخلي ! هم على حق لأن الايقاع لا يمر إلا من خلال الصوت ونحن لا نملك إلا أن نقرأ الشعر أجهرا أم همسا. ليست القصيدة لوحة نكتفي بتأملها.
النقد ، إذن مطالب بالبحث عن إيقاع القصيدة النشوية ، والذي ليس بالخارجي ولا بالداخلي إنه إيقاع وكفى. لقد استندت فكرة داخلية الايقاع على كون التجربة أسبق على الصنعة في قصيدة النثر ، والتجربة لا تمر لتصير شعرا إلا من خلال اللغة أي من خلال الصوت .
يتبع //
ويبدو اقتراح تسميتها "قصيدة دلالية " لكونها تستعيض عن الجانب الصوتي بالجانب الدلالي ، ولكون الجانب المعنوي فيها أبرز وأظهر، اقتراحا يزيد الطين بلة لأن المعنى وحده لا يصنع القصيدة ولأن المعنى في الشعر لا ينقل الا من خلال اللغة ، أي من خلال الصوت .
هذا افتراض صاحب ميلاد الأشكال الشعرية الجديدة عند الشعريات طها وهو ما أشار اليه فيكتور فيكو، في فرنسا سنة 1822 بالقول ان الشعر لم يعد يقطن شكل الأفكار بل الأفكار ذاتها(60) .
مرة أخرى أتاح تواري القافية بتكرارها الصوتي البارز لمثل هذه الأفكار أن تنمو ، كما أتاح للتفسير الاجتماعي للشكل أن يأخذ الصدارة ، هكذا يرى أنسي الحاج في زوال القافية (هل زالت ؟!)ا استجابة لدواعي العصر الذي يملك إنسانه إحساسا متغايرا (61)، كما يرى يوسف الخال في صخب الحياة المعاصرة سببا لاختفاتها (62).
تفسيرات كهذه لا تفيد الشعرية في شيء إذ هي في النهاية تفسير غامض بغامض ، فما الذي يمنعنا من القول إن صخب الحياة الواهنة يتطلب قافية تحد من سيلان النص الشعري وتحول دون أن يصير الشعر بدوره ، صخبا؟ إن معنى الخطاب هو الذي يحدد شكله وما هم بعد ذلك أكتبه الشاعر بيتا أم مقطعا أم نثرا؟ والخطاب لا مفر له من الصوت .
ضرورة تناول المستوى الصوتي في قصيدة النثر ، حتى رغم تخليها الكلي عن البناء الظاهري للبيت العربي يجعل من الايقاع الداخلي (ايقاع التجربة) الذي طالما فسرت به شعرية هذه القصيدة مجرد حل جزئي ومؤقت في انتظار السؤال الجدي عن مكامن الشعرية وتجليات الايقاع فيها، كما يدفع بفكرة امتلاك كل قصيدة نثر لايقاع مخالف لايقاعات القصائد النثرية الأخرى الى حافة الشك . وهذه الفكرة التي أوصلها موريس شابلان الي أقصدها بزعمه أن (قصيدة النثر لا تحدد إنها موجودة )(63) وجدت صدى كبيرا لها في النقد العربي، وهي فكرة إنما أوجدها الافتقار لتنظير شاف وواضح حول قصيدة النثر ليجلو القلق الذي أوجده الشكل الجديد بخروجه الفجائي عن المشكل الخارجي للبيت الشعري العربي، ويبدو أن مفهوم (ايقاع التجربة ) برر بساطة التناول النقدي العربي لقصيدة النثر. نقرأ تمثيلا لا حصرا في "حداثة النمط " لسامي مهدي (اعتمدنا في شرح مفهوم الايقاع على معلوماتنا العامة وآرائنا الخاصة وقد كان بيننا وبين الشاعر خالد علي مصطفى حوار حول وظيفة الايقاع التقت فيه أردؤنا حول ما جاء في البحث بشأنها فنحن مدينون له بذلك ) (64).
ويتناول السعيد الورقي "إيقاع " قصيدة النثر في صفحتين اثنتين لا أكثر قائلا (بدأت قصيدة النثر كتعبير شعري يعتمد على الايقاع النفسي في الشعر العربي الحديث منذ أواخر الستينات كما تذكر الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي) (65).
الوعي النقدي السائد الذي يرى في الوزن والقافية مرهن العملية الشعرية يستصغر كل نص خال منهما، والحق أن هذه الأخيرة أصعب . فالتكرار والتوازي صوتيا ومعنويا يظلان حاضرين وبقوة في قصيدة النثر رغم زوال القافية بمعناها القديم ولا تستطيع مقولة "الايقاع الداخلي اخفاءهما ، ان الذين يسخرون من هذه القولة كلما سمعوها بقولهم : إننا لا نسمع هذا الايقاع الداخلي ! هم على حق لأن الايقاع لا يمر إلا من خلال الصوت ونحن لا نملك إلا أن نقرأ الشعر أجهرا أم همسا. ليست القصيدة لوحة نكتفي بتأملها.
النقد ، إذن مطالب بالبحث عن إيقاع القصيدة النشوية ، والذي ليس بالخارجي ولا بالداخلي إنه إيقاع وكفى. لقد استندت فكرة داخلية الايقاع على كون التجربة أسبق على الصنعة في قصيدة النثر ، والتجربة لا تمر لتصير شعرا إلا من خلال اللغة أي من خلال الصوت .
يتبع //
سؤالان اثنان يبرزان اذا نحن سلمنا بكون إيقاع هذا النص إيقاع تجربة وبكون كل قصيدة ذات إيقاع خاص بها:
1- هل القصائد العربية منذ العصر الجاهلي الى عصر النهضة كانت كلها ذات ايقاع واحد؟ هذا ما تختزنه الفكرة أعلاه . الحق ان الأخذ بالفوارق الشكلية الظاهرة بين الأشكال الشعرية أوقع في قلاقل كهذه ، لأن النص الواحد قابل لقراءات مختلفة يضمنها المعنى والنبر والتنغيم قبل الوزن والقافية ، دون إغفال ما لهذين الأخيرين من دور في خلق نوع من التصدي بين القراءات .
2- إذا كان لكل قصيدة نثر إيقاعها الخاص ، فلم نسمي كل هذه القصائد مختلفة الايقاع قصائد نشر؟ إن الذي في اعتقادنا يجعلها تحمل نفس الاسم هو وحدة الايقاع فيها مع احتفاظ كل قصيدة بإيقاعها الخاص في نفس الوقت.
وشبيه بهذا ما ردده شعراء قصيدة النثر والنقاد المشايعون لهم حول كون قصيدة النثر قطيعة مطلقة مع الشعر العربي السابق عليها ، قديما وحديثا، بكثير من الاطمئنان انبنى أصلا على تعداد الفوارق الظاهرة بين هذه القصيدة وذلك الشعر من دون بحث عن تقاطعات إيقاعية بينهما (وهي كثيرة ) بل تحت تأثير المغايرة البنائية الخارجية الخداعة . وفي هذا استسلام بين مركزية الوزن والقافية من غير وعي لأن تحديد الشعر بالوزن والقافية ، أو تحديده بانعدامهما شي ء واحد في نهاية الأمر تكمن خطورة هذه المقاربات في كونها تنظر ال القصيدة النثرية من زاوية اختلافها مع الأشكال الشعرية الأخرى لا من حيث هي كل متكامل وعالم ايقاعي منسجم . إن التحرر من الاكراهات الشكلية لا يعني زوال الاكراهات . ما أن فروم كتابة قصيدة حتى نضع أنفسنا تحت رحمة شروطها. القصيدة شيء مصنوع بغض النظر عن النوديا ، فهي لا تصنعها النوايا، بل مجموعة علائقها التي تمنحها ، في النهاية شكلا من هنا فليس صعبا اكتشاف القوانين المنظمة لقصيدة النثر والتي جعلت منها كلا متكاملا أي نصا شعريا. فالصفة التركيبية التي للمصطلح (قصيدة النثر) لا تعني أن النص مركب من شعر ونثر في ذات الآن لأن التسمية مجرد تمية حددتها الحيثيات الحضارية والثقافية أكثر مما هي وصف دقيق لمكونات النص ولهويته الأجناسية . قصيدة النثر ليست شكلا أضاف أجمل ما في النثر لأجمل ما في الشعر،(66) كما انها ليست مزيجا من فوضى النثر وتجانس الشعر (67) ، وليست قصيدة النثر حمارا سهل الامتطاء، تماما كما أن إكراهات القصيدة التقليدية لا تحجب الشعرية وليست عائقا أمام ماء النص وطلا وته ، لا تقيم "قصيدة النثر" في منطقة التماس الصعبة بين الشعر والنثر فهي شعر لا يجاور النثر ويلامسه الا فيما تجاور فيه الأشكال الشعرية الأخرى النثر وتلامسه . لقد دفعت الصفة التركيبية للمصطلح بعض الباحثين الى حد الزعم بكون طموح "قصيدة النثر"، الوحيد هو بلبلة الأنواع الأدبيه (68)! وهذا الزعم يتذرع عادة بتوافر "قصيدة النثر" على إيقاع ما ، لكنه ليس إيقاع الشعر بالضرورة ! (69) . ( هذا القول نوع من الهروب الى الامام فهو لا يضع هذا النص في مكان ، بينما يوهم بعلميته مؤكدا على "إيقاع ما".
أما (النثرية ) في المصطلح ، فقد فرضتها الطريقة الطباعية لهذه القصيدة التي تكتب كما يكتب أي نثر عادي. وكل حديث عن امكانية تحول النثر الى شعر، في نظرنا ، حديث على هامش المعضلة الايقاعية التي هي النافذة الوحيدة لتجنيس هذا النص .
مثل هذا الحديث عن ،"شعرية النثر" لم يسلم منه أشد الشعراء والنقاد تعصبا لقصيدة النثر، وهو في الأخير يسىء اليها من جهتين :
أ - لأنه يسهل المأمورية على أعدائها الذين يكتفون بترديد: كيف يخرج من النثر شعر؟
ب - ولانه ، ثانيا، لايقني لاية نتائر علمية دقيقة ، بقدرها يخفي قلقا معرفيا.
يبدو أن النقد العربي أخذ من سوزان برنار فكرة "قطبية " قصيدة النثر وتأرجحها بين النظام والفوضى واكتفى بذلك ، دون الانتباه الى تأكيدها، في أطروحتها الضخمة على ضرورة أن تكون "قصيدة النثر" كلا، أي شكلا بحيث يتضح أن حديثها عن القطبية مجرد وسيلة للتأكيد على ضرورة الشكل تقول :
(لتكن قصيدة النثر "فنية " أو فوضوية " فإنها لا تمتلك كينونتها الا اذا أصبحت قصيدة أي "شكلا" ، كلا عضويا منغلقا على نفسه . ليس بالرجوع الى أحكام نقدية قبلية سنحدد قصيدة نثر ناجحة من أخرى فاشلة ، إن الذي يهم هنا هو الوفاء لمنطق داخلي ، أي ايجاد واستعمال أدوات مورفولوجية مكونة لعالم النص : الكلمات - الجمل - الصور ... أي ما يسميه بودلير "القانون الأكبر للنسق العام " الذي يمنح لوحة وحدتها ومعناها . أو كما يقول ماكس جاكوب عن قصيدته النثرية وهو حكم يمكن تعميمه : لا يهمنا سوى النص الشعري نفسه ، أي ترابط الكلمات والصور وتعالقها .. وهذا يمكن اكتشافه بسهولة في قصيدة النظام وليس في قصيدة الثورة والغزو).
لكن النجاحات الأكثر صعوبة هي نفسها النجاحات الأكثر إثارة . إذا كانت قصيدة النثر الفنية تعود لانتصارات مضمونة ، فانها مهددة بالسقوط في الاعتيادي قصيدة النثر "الفوضوية " بالمقابل ، لا تمنح أي تحديد سهل : انها كل شيء أو لا شيء (il est tout ou rien) ونجد قولة ماكس جاكوب ذات دلالة كبرى هنا : "لتكون شاعرا حديثا فيجب أن تكون شاعرا كبيرا
"(70) تحيلنا كلمة "قصيدة " ذاتها على كون "قصيدة النثر" شكلا شعريا يأتيه الشاعر عن قصد وعن حسن نية ، مدفوعا برغبة كتابة الشعر، لا النثر أو مزيج من الشعر والنثر، جاء في لسان العرب :
(... وقيل سمي قصيدا لأن صاحبه احتفل له فنقحه باللفظ الجيد والمعنى المختار وأصله من القصيدة (....)
يتبع //
1- هل القصائد العربية منذ العصر الجاهلي الى عصر النهضة كانت كلها ذات ايقاع واحد؟ هذا ما تختزنه الفكرة أعلاه . الحق ان الأخذ بالفوارق الشكلية الظاهرة بين الأشكال الشعرية أوقع في قلاقل كهذه ، لأن النص الواحد قابل لقراءات مختلفة يضمنها المعنى والنبر والتنغيم قبل الوزن والقافية ، دون إغفال ما لهذين الأخيرين من دور في خلق نوع من التصدي بين القراءات .
2- إذا كان لكل قصيدة نثر إيقاعها الخاص ، فلم نسمي كل هذه القصائد مختلفة الايقاع قصائد نشر؟ إن الذي في اعتقادنا يجعلها تحمل نفس الاسم هو وحدة الايقاع فيها مع احتفاظ كل قصيدة بإيقاعها الخاص في نفس الوقت.
وشبيه بهذا ما ردده شعراء قصيدة النثر والنقاد المشايعون لهم حول كون قصيدة النثر قطيعة مطلقة مع الشعر العربي السابق عليها ، قديما وحديثا، بكثير من الاطمئنان انبنى أصلا على تعداد الفوارق الظاهرة بين هذه القصيدة وذلك الشعر من دون بحث عن تقاطعات إيقاعية بينهما (وهي كثيرة ) بل تحت تأثير المغايرة البنائية الخارجية الخداعة . وفي هذا استسلام بين مركزية الوزن والقافية من غير وعي لأن تحديد الشعر بالوزن والقافية ، أو تحديده بانعدامهما شي ء واحد في نهاية الأمر تكمن خطورة هذه المقاربات في كونها تنظر ال القصيدة النثرية من زاوية اختلافها مع الأشكال الشعرية الأخرى لا من حيث هي كل متكامل وعالم ايقاعي منسجم . إن التحرر من الاكراهات الشكلية لا يعني زوال الاكراهات . ما أن فروم كتابة قصيدة حتى نضع أنفسنا تحت رحمة شروطها. القصيدة شيء مصنوع بغض النظر عن النوديا ، فهي لا تصنعها النوايا، بل مجموعة علائقها التي تمنحها ، في النهاية شكلا من هنا فليس صعبا اكتشاف القوانين المنظمة لقصيدة النثر والتي جعلت منها كلا متكاملا أي نصا شعريا. فالصفة التركيبية التي للمصطلح (قصيدة النثر) لا تعني أن النص مركب من شعر ونثر في ذات الآن لأن التسمية مجرد تمية حددتها الحيثيات الحضارية والثقافية أكثر مما هي وصف دقيق لمكونات النص ولهويته الأجناسية . قصيدة النثر ليست شكلا أضاف أجمل ما في النثر لأجمل ما في الشعر،(66) كما انها ليست مزيجا من فوضى النثر وتجانس الشعر (67) ، وليست قصيدة النثر حمارا سهل الامتطاء، تماما كما أن إكراهات القصيدة التقليدية لا تحجب الشعرية وليست عائقا أمام ماء النص وطلا وته ، لا تقيم "قصيدة النثر" في منطقة التماس الصعبة بين الشعر والنثر فهي شعر لا يجاور النثر ويلامسه الا فيما تجاور فيه الأشكال الشعرية الأخرى النثر وتلامسه . لقد دفعت الصفة التركيبية للمصطلح بعض الباحثين الى حد الزعم بكون طموح "قصيدة النثر"، الوحيد هو بلبلة الأنواع الأدبيه (68)! وهذا الزعم يتذرع عادة بتوافر "قصيدة النثر" على إيقاع ما ، لكنه ليس إيقاع الشعر بالضرورة ! (69) . ( هذا القول نوع من الهروب الى الامام فهو لا يضع هذا النص في مكان ، بينما يوهم بعلميته مؤكدا على "إيقاع ما".
أما (النثرية ) في المصطلح ، فقد فرضتها الطريقة الطباعية لهذه القصيدة التي تكتب كما يكتب أي نثر عادي. وكل حديث عن امكانية تحول النثر الى شعر، في نظرنا ، حديث على هامش المعضلة الايقاعية التي هي النافذة الوحيدة لتجنيس هذا النص .
مثل هذا الحديث عن ،"شعرية النثر" لم يسلم منه أشد الشعراء والنقاد تعصبا لقصيدة النثر، وهو في الأخير يسىء اليها من جهتين :
أ - لأنه يسهل المأمورية على أعدائها الذين يكتفون بترديد: كيف يخرج من النثر شعر؟
ب - ولانه ، ثانيا، لايقني لاية نتائر علمية دقيقة ، بقدرها يخفي قلقا معرفيا.
يبدو أن النقد العربي أخذ من سوزان برنار فكرة "قطبية " قصيدة النثر وتأرجحها بين النظام والفوضى واكتفى بذلك ، دون الانتباه الى تأكيدها، في أطروحتها الضخمة على ضرورة أن تكون "قصيدة النثر" كلا، أي شكلا بحيث يتضح أن حديثها عن القطبية مجرد وسيلة للتأكيد على ضرورة الشكل تقول :
(لتكن قصيدة النثر "فنية " أو فوضوية " فإنها لا تمتلك كينونتها الا اذا أصبحت قصيدة أي "شكلا" ، كلا عضويا منغلقا على نفسه . ليس بالرجوع الى أحكام نقدية قبلية سنحدد قصيدة نثر ناجحة من أخرى فاشلة ، إن الذي يهم هنا هو الوفاء لمنطق داخلي ، أي ايجاد واستعمال أدوات مورفولوجية مكونة لعالم النص : الكلمات - الجمل - الصور ... أي ما يسميه بودلير "القانون الأكبر للنسق العام " الذي يمنح لوحة وحدتها ومعناها . أو كما يقول ماكس جاكوب عن قصيدته النثرية وهو حكم يمكن تعميمه : لا يهمنا سوى النص الشعري نفسه ، أي ترابط الكلمات والصور وتعالقها .. وهذا يمكن اكتشافه بسهولة في قصيدة النظام وليس في قصيدة الثورة والغزو).
لكن النجاحات الأكثر صعوبة هي نفسها النجاحات الأكثر إثارة . إذا كانت قصيدة النثر الفنية تعود لانتصارات مضمونة ، فانها مهددة بالسقوط في الاعتيادي قصيدة النثر "الفوضوية " بالمقابل ، لا تمنح أي تحديد سهل : انها كل شيء أو لا شيء (il est tout ou rien) ونجد قولة ماكس جاكوب ذات دلالة كبرى هنا : "لتكون شاعرا حديثا فيجب أن تكون شاعرا كبيرا
"(70) تحيلنا كلمة "قصيدة " ذاتها على كون "قصيدة النثر" شكلا شعريا يأتيه الشاعر عن قصد وعن حسن نية ، مدفوعا برغبة كتابة الشعر، لا النثر أو مزيج من الشعر والنثر، جاء في لسان العرب :
(... وقيل سمي قصيدا لأن صاحبه احتفل له فنقحه باللفظ الجيد والمعنى المختار وأصله من القصيدة (....)
يتبع //
وقالوا شعر قصد اذا نقح وجود وهذب . وقيل سمي الشعر التام قصيدا لأن قائله جعله من باله فقصد له قصدا ولم يحتسه حسيا على ما خطر بباله وجرى عل لسانه ، بل روى فيه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتضبه اقتضابا فهو فعيل من القصد.....)(71)
هكذا لن يطمئن هذا البحث للتعاريف التي أعطيت لقصيدة النثر انطلاقا من طريقة طباعتها أو من حجمها تعرفها (موسوعة برنستون للشعر) هكذا: (فقصيدة النثر تأليف له بعض أو كل ما للقصيدة الغنائية القصيرة من خصائص مع استثناء واحد هو أنها تطبع على الصفحة كما يطبع النثر)
(72) ثم ترى أن الفرق بينهما وبين النثر كامن في قوها وكثافتها ، وأنا تتميز عن الشعر الحر بانعدام وقفات نهايات الأسطر فيها ! (73) ان هذا التعريف يجعل الشكل الكاليغرافي الطباعي للنص هو المتحكم في معناه ! في حين أن كثيرا من "النصوص الشعرية " التي كتبت بوصفها شعرا وبطريقة "نثرية لا تحمل من الشعر إلا الاسم ، أي أنها سقطت في وهم الشكل والمغايرة ، والشعر رؤية وطريقة قبل أن يكون "شكلا". وتصنيف النصوص انطلاقا من هيئتها الطباعية أساء كثيرا للتجربة الشعرية العربية الحديثة ، وجعل كثيرا من الكلام البسيط العادي يدرج في اطار الشعر وما هو بشعر. وهذه مسألة تنبه اليها كمال خيربك .
(.. كما أن تقديمها على الصفحة (إخراجها) لم يكن إلا ليزيد في صعوبة تصنيفها بين الأنواع الأدبية المعروفة .
فتارة تتم كتابتها على شاكلة النثر العادي أي بصورة ملتحمة ومتصلة وتارة على هيئة أبيات منفصلة مجردة من القافية ومن الايقاع الخارجي، وتحتل قسما من السطر أو سطرا كاملا أو عدة أسطر..)(74)
ما الذي يمنع من أن أكتب قصيدة تقليدية كما يكتب النثر؟ لا شيء! لكن القراءة لن تكن نثرية لأن النص ، أصلا شعر وليس نثرا. من هنا خطورة مثل هذه التعريفات . فما المانع من أن تكون قصيدة النثر طويلة ؟ ثم : ما مفهوم القصر؟ وما هذا الذي تفقده القصيدة حين تطول ؟ هل يخشى عليها، إن طالت ، أن تصير شيئا آخر؟ وهل القصر هو صانع شعرية النص ؟ يدافع أدونيس في "صدمة الحداثة " عن قصر قصيدة النثر وايحائيتها ، عكس النثر الشعري المطنب والمسهب معللا قصرها بايحائيتها مسترشدا بمبادي، سوزان برنار مدافعا عن النظريه لا عن النص ، ` لكنه في سيرته الثقافية الشعرية (هاأنت أيها الوقت ) يتخلى عن مجمل الطروحات المندفعة التي ضمتها كتبه السابقة رادا الاعتبار للنص قبل النظرية ، وهذا موقف علمي لن يتأسس الخطاب النقدي حول قصيدة النثر إلا به ، وانطلاقا منه :
("قصيدة النثر"، في اللغة العربية و" قصيدة النثر" في اللغة الفرنسية أو غيرها ، يجمع بينهما الاسم الواحد، أو "النوع " الأدبي الواحد. لكن ما أعظم الفروقات الشعرية بينهما وما أكثر التباينات الفنية وأعمقها ! إنهما تفترقان بخواص ومزايد يفرضها، بائيا فرق اللغة و"العمل اللغوي" (كالخاتم والخاتم يجمعهما جنس واحد، ثم يكون بينهما الاختلاف الشديد في الصنعة والعمل ). الجر جاني - دلائل الاعجاز. (ص 388) . (...) بعبارة أخرى: إن كان الاختلاف حتميا ، ضمن "المعنى الواحد" عندما ينقل من "صورة " الى "صورة" فكيف لا يكون هذا الاختلاف حتميا بين "قصيدة نثر" عربية و" قصيدة نثر" بلغة أخرى ، وليس بينهما أية "صورة " مشتركة أو أي "معنى" مشترك ؟ ولنن صح منطق القائلين بأن "قصيدة النثر" العربية انتحال أو "سرقة " فلن يكون عند العرب ، اليوم في مختلف المجالات إلا المسروق أو "المنتحل")(76)
يسقط الخطاب النقدي حول "قصيدة النثر" في تناقض صريح اذ يجمع بين "الكثافة " و"القصر" و"السردية " في ذات الأن . ويحار المرء في معرفة كيف يكون النص الشعري "كثيفا" و"سرديا" مرة واحدة . وحتى اذا سلمنا بوجود "قصيدة نثر" تشبه الحكاية "كما يقول أنسي الحاج ، نقلا عن سوزان برنار،(77) فإن السود ليس مكونا شعريا . أي استسهال هذا أن نرى في قصيدة النثر عودة الى السود، أو بالأحرى مصالحة مع السرد في حين أن السرد يسكن كل مظاهر حياتنا اليومية . قد يكون هذا الاستسهال مقدمة لملوح السؤال الذي لابد منه : إذا كان السرد سمة بارزة في قصيدة النثر، فأين تختلف هذه الأخيرة عن بقية الخطابات السردية ؟ ثم تنبثق الأسئلة . فالذي حدد قصيدة الشعر (الوزن ) تاريخيا هو ما سيحدد قصيدة النثر أي اقصاء السرد(78) عكس ما هو رائج من كلام حول كبون السرد أهم ملمح في النص الجديد. إنما، مرة أخرى، أوقع الشكل الظاهري للنص ، في مثل هذا المأزق ، إذ لم تتم ، حتى الأن ، قراءة "قصيدة النثر" قراءة إيقاعية كفيلة بوضع اليد على ما يجعلها شعرا لا نثرا ولا سردا.
تستثمر الدراسات التي تقول بحضور السرد في "قصيدة النثر مقولات أضحت شائعة ومكرورة من فرط استعمالها كقولة دوجردان : "لقد كانت القصيدة النثرية محاولة لتحرر الشعر انطلاقا من النثر. أما الشعر الحر فقد استهد.ف الغاية نفسها ، ولكن انطلاقا من الشعر" (79) وهذا افتراض يجعل قصيدة النثر أقرب الى النثر، والشعر الحر أقرب الى الشعر: أي أن قصيدة النثر تخلت عما ليس شعرا في النثر فاستوت شعرا، وأن الشعر الحر تخلى عما ليس شعرا في النظم فاستوى شعرا. لقد بينا سابقا أن "قصيدة النثر" تكون "قصيدة نثر" منذ البداية ويجب تفادي مثل هذه الفرضيات بالتأكيد على كون الايقاع هو الدال الأكبر في النص الشعري وأن القصيدة لا تنمو من جهة معينة ، بل من نفسها تأتي واليها تعود، وأن "الطول " أو "القصر" ليس لهما كبير أهمية في تحديد شعرية النص وأن "قصيدة النثر" لم تتخل عن جوهر البنية الايقاعية للشعر العربي رغم أنها احتمت بتقنيات أخرى، دون أن يعني هذا أن تناولها ممكن بالركون فقط الى العدة النقدية القديمة .
"قصيدة النثر" العربية مدعوة لتأسيس قوانينها الخاصة وعلى النقد أن يستنبط هذه القوانين من بنية النص ذاته لا البحث عن قوانين لاسقاطها عليها، ليس لأن النقد العربي أخذ تقريبا كل ما استثمره حول هذ0القصيدة من كتاب "قصيدة النثر" من بودلير حتى أيامنا "لسوزان برنار"، بل لأن الشروط التي حددها هذا الكتاب قابلة لكثير من الأخذ والرد.
تتحدث سوزان برنار عن شروط ثلاثة(80) بدون أحدها يستحيل الحديث عن قصيدة نثر، وكل شرط من هذه الشروط يستدعي ملازما له على هذا النحو:
1- الايجاز : الكثافة
2- التوهج : الاشراق
3- المجانية : اللازمنية
فعلى قصيدة النثر أن تكون كلا متكاملا، عالما مغلقا، والا فقدت فوعيتها كقصيدة . إنها نظام جمالي مكتف بذاته ، موجز، وما أن تكف عن أن تكون موجزة حتى تصير حكاية أو رواية أو بحثا ، مهما كانت هذه الأخيرة (شعرية ) وعلى قصيدة النثر أن تنجب الاستطرادات الذهنية أو غيرها وكذلك التوسيعات التفسيرية أي كل ما قد يدفع بها صوب الأجناس الأخرى، كل ما قد يحرمها من وحدتها وكثافتها. (81)
وعلى "قصيدة النثر" الا تحيل على خارج أبدا، والا تبحث عن تتمات لها خارج النص . قصيدة النثر لا تتطور نحو هدف ما، وليست فيها سيرورة لأفكار - أو أحدث أو لمواقف ، انها (شيء) و(كتلة لا زمنية ) . انها قصيدة تثور ضد منطق الأشياء وتخرق المواضعات الاجتماعية والشروط الانسانية تختار من الأشكال أكثرها فوضوية ، بوأ قلها انضباطا ، فتكف بذلك عن أن تكون أداة توصيل إنساني، أو عقدا اجتماعيا لتصير آلة جهنمية (Machine lnfernale)يرمي بها الشخص في وجه العالم .(82)وهي قصيدة ذات وقع صاعق ، يأتي مرة واحدة ، لا ينمو ولا يتطور ، وهي تتأسس بعيدا عن كل قاعدة قبلية .. وتتيح كل هذه المواصفات لقصيدة النثر أن تبتكر شروطا لم تسبق اليها كالغرائبية والدعابة السوداء والسخرية"(83)
هذه بايجاز هي الشروط التي انتهت اليها برنار وهي تستقريه التطورات التي شهدتها الشعرية الفرنسية منذ مطلع القرن التاسع عشر. لكن : هل احترم الشعر الفرنسي نفسه ، بعد برنار(1959) هذه الشروط ؟ ولماذا تحمس لها الشعراء العرب الى حد أن صارت مقياسا فتحولت الينبغيات الى شروط قبلية اسقطتهم في نظرة قبلية الى النص ، طالما حاولوا انتقادها:
تكمن لا علمية الشروط أعلاه في كونها غير مرتبطة بشعرية النص بالضرورة ، فقد يكون في النص ايجاز وتوهج ومجانية ، ولا يكون فيه شعر. وقد يكون في النص دعابة سوداء وسخرية وغرائبية ولا يكون فيه شعر. ويعزز هذا الادعاء أن جل ما كتب تحت يافطة "قصيدة النثر"، في الشعر العربي، خاصة في البدايات الأول ، مجرد، هلوسات تحتمي بفوضويتها و"ثوريتها" فيما هي خالية ، تماما ، من أية نفحة شعرية متذرعة في ذلك بكونها سوريالية ، أو عبثية ، أو دادائية تختار الكتابة الآلية
وسيله(84) حيث انهالت على الساحه الادبيه العربيه ادبيات الحركات الثورية العالمية وطفا على السطح مفهوم للشعر يرى في العملية كلها رفضا للعالم وقيمه ، وصادف ذلك في العالم العربي أوضاعا سياسية واجتماعية وثقافية ذات قابلية لاستيعاب مثل هذه الدعوات .. تكتب سوزان برنار:
( إنها (قصيدة النثر) نوع شعري ولد مم الثورة الرومانسية ، من قوة الرغبة التحررية لهدم البيت الكلاسيكي. تحطي قصيدة النثر في ثناياها، منذ البداية مفهوما فوضويا وشخصا نيا، ومتدفع الحيثيات هذا المفهوم الى التطور أكثر فأكثر.
الشعراء وجدوا أنفسهم في خضم حضارة ميكانيكية وفي
يتبع //
هكذا لن يطمئن هذا البحث للتعاريف التي أعطيت لقصيدة النثر انطلاقا من طريقة طباعتها أو من حجمها تعرفها (موسوعة برنستون للشعر) هكذا: (فقصيدة النثر تأليف له بعض أو كل ما للقصيدة الغنائية القصيرة من خصائص مع استثناء واحد هو أنها تطبع على الصفحة كما يطبع النثر)
(72) ثم ترى أن الفرق بينهما وبين النثر كامن في قوها وكثافتها ، وأنا تتميز عن الشعر الحر بانعدام وقفات نهايات الأسطر فيها ! (73) ان هذا التعريف يجعل الشكل الكاليغرافي الطباعي للنص هو المتحكم في معناه ! في حين أن كثيرا من "النصوص الشعرية " التي كتبت بوصفها شعرا وبطريقة "نثرية لا تحمل من الشعر إلا الاسم ، أي أنها سقطت في وهم الشكل والمغايرة ، والشعر رؤية وطريقة قبل أن يكون "شكلا". وتصنيف النصوص انطلاقا من هيئتها الطباعية أساء كثيرا للتجربة الشعرية العربية الحديثة ، وجعل كثيرا من الكلام البسيط العادي يدرج في اطار الشعر وما هو بشعر. وهذه مسألة تنبه اليها كمال خيربك .
(.. كما أن تقديمها على الصفحة (إخراجها) لم يكن إلا ليزيد في صعوبة تصنيفها بين الأنواع الأدبية المعروفة .
فتارة تتم كتابتها على شاكلة النثر العادي أي بصورة ملتحمة ومتصلة وتارة على هيئة أبيات منفصلة مجردة من القافية ومن الايقاع الخارجي، وتحتل قسما من السطر أو سطرا كاملا أو عدة أسطر..)(74)
ما الذي يمنع من أن أكتب قصيدة تقليدية كما يكتب النثر؟ لا شيء! لكن القراءة لن تكن نثرية لأن النص ، أصلا شعر وليس نثرا. من هنا خطورة مثل هذه التعريفات . فما المانع من أن تكون قصيدة النثر طويلة ؟ ثم : ما مفهوم القصر؟ وما هذا الذي تفقده القصيدة حين تطول ؟ هل يخشى عليها، إن طالت ، أن تصير شيئا آخر؟ وهل القصر هو صانع شعرية النص ؟ يدافع أدونيس في "صدمة الحداثة " عن قصر قصيدة النثر وايحائيتها ، عكس النثر الشعري المطنب والمسهب معللا قصرها بايحائيتها مسترشدا بمبادي، سوزان برنار مدافعا عن النظريه لا عن النص ، ` لكنه في سيرته الثقافية الشعرية (هاأنت أيها الوقت ) يتخلى عن مجمل الطروحات المندفعة التي ضمتها كتبه السابقة رادا الاعتبار للنص قبل النظرية ، وهذا موقف علمي لن يتأسس الخطاب النقدي حول قصيدة النثر إلا به ، وانطلاقا منه :
("قصيدة النثر"، في اللغة العربية و" قصيدة النثر" في اللغة الفرنسية أو غيرها ، يجمع بينهما الاسم الواحد، أو "النوع " الأدبي الواحد. لكن ما أعظم الفروقات الشعرية بينهما وما أكثر التباينات الفنية وأعمقها ! إنهما تفترقان بخواص ومزايد يفرضها، بائيا فرق اللغة و"العمل اللغوي" (كالخاتم والخاتم يجمعهما جنس واحد، ثم يكون بينهما الاختلاف الشديد في الصنعة والعمل ). الجر جاني - دلائل الاعجاز. (ص 388) . (...) بعبارة أخرى: إن كان الاختلاف حتميا ، ضمن "المعنى الواحد" عندما ينقل من "صورة " الى "صورة" فكيف لا يكون هذا الاختلاف حتميا بين "قصيدة نثر" عربية و" قصيدة نثر" بلغة أخرى ، وليس بينهما أية "صورة " مشتركة أو أي "معنى" مشترك ؟ ولنن صح منطق القائلين بأن "قصيدة النثر" العربية انتحال أو "سرقة " فلن يكون عند العرب ، اليوم في مختلف المجالات إلا المسروق أو "المنتحل")(76)
يسقط الخطاب النقدي حول "قصيدة النثر" في تناقض صريح اذ يجمع بين "الكثافة " و"القصر" و"السردية " في ذات الأن . ويحار المرء في معرفة كيف يكون النص الشعري "كثيفا" و"سرديا" مرة واحدة . وحتى اذا سلمنا بوجود "قصيدة نثر" تشبه الحكاية "كما يقول أنسي الحاج ، نقلا عن سوزان برنار،(77) فإن السود ليس مكونا شعريا . أي استسهال هذا أن نرى في قصيدة النثر عودة الى السود، أو بالأحرى مصالحة مع السرد في حين أن السرد يسكن كل مظاهر حياتنا اليومية . قد يكون هذا الاستسهال مقدمة لملوح السؤال الذي لابد منه : إذا كان السرد سمة بارزة في قصيدة النثر، فأين تختلف هذه الأخيرة عن بقية الخطابات السردية ؟ ثم تنبثق الأسئلة . فالذي حدد قصيدة الشعر (الوزن ) تاريخيا هو ما سيحدد قصيدة النثر أي اقصاء السرد(78) عكس ما هو رائج من كلام حول كبون السرد أهم ملمح في النص الجديد. إنما، مرة أخرى، أوقع الشكل الظاهري للنص ، في مثل هذا المأزق ، إذ لم تتم ، حتى الأن ، قراءة "قصيدة النثر" قراءة إيقاعية كفيلة بوضع اليد على ما يجعلها شعرا لا نثرا ولا سردا.
تستثمر الدراسات التي تقول بحضور السرد في "قصيدة النثر مقولات أضحت شائعة ومكرورة من فرط استعمالها كقولة دوجردان : "لقد كانت القصيدة النثرية محاولة لتحرر الشعر انطلاقا من النثر. أما الشعر الحر فقد استهد.ف الغاية نفسها ، ولكن انطلاقا من الشعر" (79) وهذا افتراض يجعل قصيدة النثر أقرب الى النثر، والشعر الحر أقرب الى الشعر: أي أن قصيدة النثر تخلت عما ليس شعرا في النثر فاستوت شعرا، وأن الشعر الحر تخلى عما ليس شعرا في النظم فاستوى شعرا. لقد بينا سابقا أن "قصيدة النثر" تكون "قصيدة نثر" منذ البداية ويجب تفادي مثل هذه الفرضيات بالتأكيد على كون الايقاع هو الدال الأكبر في النص الشعري وأن القصيدة لا تنمو من جهة معينة ، بل من نفسها تأتي واليها تعود، وأن "الطول " أو "القصر" ليس لهما كبير أهمية في تحديد شعرية النص وأن "قصيدة النثر" لم تتخل عن جوهر البنية الايقاعية للشعر العربي رغم أنها احتمت بتقنيات أخرى، دون أن يعني هذا أن تناولها ممكن بالركون فقط الى العدة النقدية القديمة .
"قصيدة النثر" العربية مدعوة لتأسيس قوانينها الخاصة وعلى النقد أن يستنبط هذه القوانين من بنية النص ذاته لا البحث عن قوانين لاسقاطها عليها، ليس لأن النقد العربي أخذ تقريبا كل ما استثمره حول هذ0القصيدة من كتاب "قصيدة النثر" من بودلير حتى أيامنا "لسوزان برنار"، بل لأن الشروط التي حددها هذا الكتاب قابلة لكثير من الأخذ والرد.
تتحدث سوزان برنار عن شروط ثلاثة(80) بدون أحدها يستحيل الحديث عن قصيدة نثر، وكل شرط من هذه الشروط يستدعي ملازما له على هذا النحو:
1- الايجاز : الكثافة
2- التوهج : الاشراق
3- المجانية : اللازمنية
فعلى قصيدة النثر أن تكون كلا متكاملا، عالما مغلقا، والا فقدت فوعيتها كقصيدة . إنها نظام جمالي مكتف بذاته ، موجز، وما أن تكف عن أن تكون موجزة حتى تصير حكاية أو رواية أو بحثا ، مهما كانت هذه الأخيرة (شعرية ) وعلى قصيدة النثر أن تنجب الاستطرادات الذهنية أو غيرها وكذلك التوسيعات التفسيرية أي كل ما قد يدفع بها صوب الأجناس الأخرى، كل ما قد يحرمها من وحدتها وكثافتها. (81)
وعلى "قصيدة النثر" الا تحيل على خارج أبدا، والا تبحث عن تتمات لها خارج النص . قصيدة النثر لا تتطور نحو هدف ما، وليست فيها سيرورة لأفكار - أو أحدث أو لمواقف ، انها (شيء) و(كتلة لا زمنية ) . انها قصيدة تثور ضد منطق الأشياء وتخرق المواضعات الاجتماعية والشروط الانسانية تختار من الأشكال أكثرها فوضوية ، بوأ قلها انضباطا ، فتكف بذلك عن أن تكون أداة توصيل إنساني، أو عقدا اجتماعيا لتصير آلة جهنمية (Machine lnfernale)يرمي بها الشخص في وجه العالم .(82)وهي قصيدة ذات وقع صاعق ، يأتي مرة واحدة ، لا ينمو ولا يتطور ، وهي تتأسس بعيدا عن كل قاعدة قبلية .. وتتيح كل هذه المواصفات لقصيدة النثر أن تبتكر شروطا لم تسبق اليها كالغرائبية والدعابة السوداء والسخرية"(83)
هذه بايجاز هي الشروط التي انتهت اليها برنار وهي تستقريه التطورات التي شهدتها الشعرية الفرنسية منذ مطلع القرن التاسع عشر. لكن : هل احترم الشعر الفرنسي نفسه ، بعد برنار(1959) هذه الشروط ؟ ولماذا تحمس لها الشعراء العرب الى حد أن صارت مقياسا فتحولت الينبغيات الى شروط قبلية اسقطتهم في نظرة قبلية الى النص ، طالما حاولوا انتقادها:
تكمن لا علمية الشروط أعلاه في كونها غير مرتبطة بشعرية النص بالضرورة ، فقد يكون في النص ايجاز وتوهج ومجانية ، ولا يكون فيه شعر. وقد يكون في النص دعابة سوداء وسخرية وغرائبية ولا يكون فيه شعر. ويعزز هذا الادعاء أن جل ما كتب تحت يافطة "قصيدة النثر"، في الشعر العربي، خاصة في البدايات الأول ، مجرد، هلوسات تحتمي بفوضويتها و"ثوريتها" فيما هي خالية ، تماما ، من أية نفحة شعرية متذرعة في ذلك بكونها سوريالية ، أو عبثية ، أو دادائية تختار الكتابة الآلية
وسيله(84) حيث انهالت على الساحه الادبيه العربيه ادبيات الحركات الثورية العالمية وطفا على السطح مفهوم للشعر يرى في العملية كلها رفضا للعالم وقيمه ، وصادف ذلك في العالم العربي أوضاعا سياسية واجتماعية وثقافية ذات قابلية لاستيعاب مثل هذه الدعوات .. تكتب سوزان برنار:
( إنها (قصيدة النثر) نوع شعري ولد مم الثورة الرومانسية ، من قوة الرغبة التحررية لهدم البيت الكلاسيكي. تحطي قصيدة النثر في ثناياها، منذ البداية مفهوما فوضويا وشخصا نيا، ومتدفع الحيثيات هذا المفهوم الى التطور أكثر فأكثر.
الشعراء وجدوا أنفسهم في خضم حضارة ميكانيكية وفي
يتبع //
عالم ما انفك يتطور، مجبرين على استعمال لغة أكثر فردانية . منذ قرن تقريبا ، نشهد، شعريا احتداما بين النظام والفوضى حيث نرى انجذابا نحو الحقيقة وتقربا منها، مع ابتعاد عن الاجتماعي:
الشاعر يخوض حربا ضد عالم كريه مرفوض ، فيدفع عنه ، ليس الشكل فقط ، بل حتى المنطق ، أصبح لا يعير اهتماما مهما قل هذا الاهتمام ، لرغبات المتلقي ، منهمكا في اكتشاف عالمه الغريب ، باحثا عن حقيقته الذاتية لا الموضوعية وقصيدة النثر، في فوضويتها العارمة ، إنما تترجم الثورة هذه ، هذه القوة الخالقة التي تدفع نحو ايجاد لفة جديدة ) (85)
إن قراءة ايقاعية في جسد قصيدة النثر العربية وحدها ستبرهن على أن شعرية النص لا تصنعها الا شعرية النص ، وأن كثيرا من النصوص فيها رفض وعبثية وسريالية وغرائبية وسخرية لكنها ليست شعرا، يرى عبدالقادر الجنابي، وهو ذو ثقافة شعرية سوريالية عالية ، وأحد المدافعين (الأشاوس ) عن قصيدة النثر في نص من "طوق الحمامة " لابن حزم الظاهري قصيدة نثرمة يندر العثور عليها كما يرى في كتابات التوحيدي التي وصفت في أماكن عدة ، بكونها التباشير الأولى لقصيدة النثر في الشعر العربي (86):
(.. وكنت بين يدي أبي الفتح والدي رحمه الله ، وقد أمرني بكتاب أكتبه ، إذ لمحت عيني جارية كنت أكلف بها، فلم أملك نفسي ورميت الكتاب عن يدي وبادرت نحوها وبهت أبي وظن أنه عرض لي عارض ، ثم راجعني عقلي فمسحت وجهي ثم عدت واعتذرت بأنه غلبني رعاف ).
لا يخلو هذا المقطع من ابداعية : ابداعية انبثقت أساسا من هذه الهشاشة المذهلة التي يتصف بها الكائن أمام الجمال ، ومن هذا الانخطاف الفجائي الذي يزو بع الانسان ويجعله ضعيفا وقويا في ذات الآن . لكن يصعب جدا اعتبار هذا المقطع قصيدة نثر لأن الجنابي بحث فيه عن شروط موريس شابلان وسوزان بر نار أكثر مما بحث فيه عن الشعرية .
من هنا نعت كتاب "حرف الحاء" لبدر الديب (1957) -"قصائد نثر" كما نظر الى مجمل ما يكتب الآن عربيا، من نصوص تخترق الحدود الاجناسية المتعارفة باعتبارها قصائد نثر، دون الانتباه الى الفرق الشاسع بين "قصيدة نثر" وقصيدة مكتوبة بالنثر(87).
لن تترك مهمة تحديد "قصيدة نثر" من أخرى غير "نثرية " لحساسية القاريء وذكائه وحدهما ، لأن الدرس النقدي حول الشعر مطالب بشحذ أدواته لتأسيس خطاب علمي حول هذا النص يكون كفيلا بتوحيد الرؤية اليه وحوله ، وكفيلا بالقبض على الوحدة في الاختلاف ، وحدة الايقاع والشكل والتجربة في اختلاف الممارسة الابداعية .
أوردنا هذه الملاحظة للاشارة الى ما قد يعترضنا من مشات في تحديد المتن الذي سنتعامل معه فإذا نحن احترمنا الحدود بين هذا الشكل الشعري وذاك ، وأخذنا بالاعتبار ما سعت قصيدة النثر الى انجازه ،وكذا الدوافع العامة التي أفرزتها، فإن الأمانة العلمية تقتضي منا لمبحث عن قصائد نثرية داخل الأعمال الكاملة لكل شاعر على حدة ، إذ يصعب تماما، الحديث عن شاعر اختص في هذا النوع الشعري والتزم بقواعده . نمثل لذلك بأنسي الحاج الذي إن اعتبرنا ديوانيه الأولين "قصائد نثر" فانه يصعب إلصاق ذات الاسم بمجموعاته اللاحقة الا فيما ندر. كما يصعب اعتبار سركون بولص شاعر قصيدة نثر بامتياز، لأن مجموعاته الشعرية التي هي من "الشعر الحر" إنما تخترقها قلة من نصوص نثرية ..
هكذا وبناء على ما سبق ينبغي التعامل مع قصيدة النثر كظاهرة ، من دون اختيار نماذج درءا لخلط اجناسي نسعي الى تفاديه .
تتبنى سوزان بر نار دعوة موريس شابلان الى التعامل مع "قصائد النثر" التي كتبت بنية كونها كذلك ، خشية التكدس والوفرة ، والى اعتبار القصائد النثرية الفاشلة التي فتبت عن قصيدة واضحة أكثر أهمية من قصائد نثر ناجحة كتبت من غير قصد (88)هذه فكرة وجيهه تنسجم وما سعت بر نار للقيام به وهو التأريخ لقصيدة النثر الفرنسية وتتبع خطواتها، أكثر من التحليل النصي. لكن هذا البحث الذي يروم الاقتراب من مكامن الايقاع في "قصيدة النثر" سيجافي هذه النظرة كثيرا ، ويسائل النصوص التي كتبت بنية كونها قصائد نثرية ، شريطة توافرها على ما يجعلها واقعة جمالية . هنا لا مفر من المأزق ، الفصل بين الحكم والوصف ، لأن علم الجمال يستوجب عمليتين : الاختيار والملاحظة . (89)
يتبع //
الشاعر يخوض حربا ضد عالم كريه مرفوض ، فيدفع عنه ، ليس الشكل فقط ، بل حتى المنطق ، أصبح لا يعير اهتماما مهما قل هذا الاهتمام ، لرغبات المتلقي ، منهمكا في اكتشاف عالمه الغريب ، باحثا عن حقيقته الذاتية لا الموضوعية وقصيدة النثر، في فوضويتها العارمة ، إنما تترجم الثورة هذه ، هذه القوة الخالقة التي تدفع نحو ايجاد لفة جديدة ) (85)
إن قراءة ايقاعية في جسد قصيدة النثر العربية وحدها ستبرهن على أن شعرية النص لا تصنعها الا شعرية النص ، وأن كثيرا من النصوص فيها رفض وعبثية وسريالية وغرائبية وسخرية لكنها ليست شعرا، يرى عبدالقادر الجنابي، وهو ذو ثقافة شعرية سوريالية عالية ، وأحد المدافعين (الأشاوس ) عن قصيدة النثر في نص من "طوق الحمامة " لابن حزم الظاهري قصيدة نثرمة يندر العثور عليها كما يرى في كتابات التوحيدي التي وصفت في أماكن عدة ، بكونها التباشير الأولى لقصيدة النثر في الشعر العربي (86):
(.. وكنت بين يدي أبي الفتح والدي رحمه الله ، وقد أمرني بكتاب أكتبه ، إذ لمحت عيني جارية كنت أكلف بها، فلم أملك نفسي ورميت الكتاب عن يدي وبادرت نحوها وبهت أبي وظن أنه عرض لي عارض ، ثم راجعني عقلي فمسحت وجهي ثم عدت واعتذرت بأنه غلبني رعاف ).
لا يخلو هذا المقطع من ابداعية : ابداعية انبثقت أساسا من هذه الهشاشة المذهلة التي يتصف بها الكائن أمام الجمال ، ومن هذا الانخطاف الفجائي الذي يزو بع الانسان ويجعله ضعيفا وقويا في ذات الآن . لكن يصعب جدا اعتبار هذا المقطع قصيدة نثر لأن الجنابي بحث فيه عن شروط موريس شابلان وسوزان بر نار أكثر مما بحث فيه عن الشعرية .
من هنا نعت كتاب "حرف الحاء" لبدر الديب (1957) -"قصائد نثر" كما نظر الى مجمل ما يكتب الآن عربيا، من نصوص تخترق الحدود الاجناسية المتعارفة باعتبارها قصائد نثر، دون الانتباه الى الفرق الشاسع بين "قصيدة نثر" وقصيدة مكتوبة بالنثر(87).
لن تترك مهمة تحديد "قصيدة نثر" من أخرى غير "نثرية " لحساسية القاريء وذكائه وحدهما ، لأن الدرس النقدي حول الشعر مطالب بشحذ أدواته لتأسيس خطاب علمي حول هذا النص يكون كفيلا بتوحيد الرؤية اليه وحوله ، وكفيلا بالقبض على الوحدة في الاختلاف ، وحدة الايقاع والشكل والتجربة في اختلاف الممارسة الابداعية .
أوردنا هذه الملاحظة للاشارة الى ما قد يعترضنا من مشات في تحديد المتن الذي سنتعامل معه فإذا نحن احترمنا الحدود بين هذا الشكل الشعري وذاك ، وأخذنا بالاعتبار ما سعت قصيدة النثر الى انجازه ،وكذا الدوافع العامة التي أفرزتها، فإن الأمانة العلمية تقتضي منا لمبحث عن قصائد نثرية داخل الأعمال الكاملة لكل شاعر على حدة ، إذ يصعب تماما، الحديث عن شاعر اختص في هذا النوع الشعري والتزم بقواعده . نمثل لذلك بأنسي الحاج الذي إن اعتبرنا ديوانيه الأولين "قصائد نثر" فانه يصعب إلصاق ذات الاسم بمجموعاته اللاحقة الا فيما ندر. كما يصعب اعتبار سركون بولص شاعر قصيدة نثر بامتياز، لأن مجموعاته الشعرية التي هي من "الشعر الحر" إنما تخترقها قلة من نصوص نثرية ..
هكذا وبناء على ما سبق ينبغي التعامل مع قصيدة النثر كظاهرة ، من دون اختيار نماذج درءا لخلط اجناسي نسعي الى تفاديه .
تتبنى سوزان بر نار دعوة موريس شابلان الى التعامل مع "قصائد النثر" التي كتبت بنية كونها كذلك ، خشية التكدس والوفرة ، والى اعتبار القصائد النثرية الفاشلة التي فتبت عن قصيدة واضحة أكثر أهمية من قصائد نثر ناجحة كتبت من غير قصد (88)هذه فكرة وجيهه تنسجم وما سعت بر نار للقيام به وهو التأريخ لقصيدة النثر الفرنسية وتتبع خطواتها، أكثر من التحليل النصي. لكن هذا البحث الذي يروم الاقتراب من مكامن الايقاع في "قصيدة النثر" سيجافي هذه النظرة كثيرا ، ويسائل النصوص التي كتبت بنية كونها قصائد نثرية ، شريطة توافرها على ما يجعلها واقعة جمالية . هنا لا مفر من المأزق ، الفصل بين الحكم والوصف ، لأن علم الجمال يستوجب عمليتين : الاختيار والملاحظة . (89)
يتبع //
الهوامش
1 - هذه مسألة مشتركة بين جميع الشعريات . إن للشكل الخارجي دورا أوليا في الاخبار عن كون النص شعرا أو نثرا
2- وهذا ما يفسره بوضوع تحمس بعض رواد الشعر التفعيلي لقصيدة `لنثر وانفتاحهم عليها، تنظيرا وابداعا.
3- سوزان برنار - قصيدة النثر من بودلير الى أيامنا الطبعة 1- (1959) ص 20.
4- بنية الثورات العلمية 143- 144. الطبعة الأولى - الترجمة العربية (سلسلة عالم المعرفة ). عدد 168- ص 143- 144.
5- لنتأمل النصوص الأولى لقصيدة النثر وكذا الأبيات المرافقة لها. وانظر ، تمثيلا لا حصرا : رفعت سلام - حوار-العالم الثقافي - السبت 24 يونيو 1995 السنة .26
6- أدونيس - الصوفانية والسوريالية - الطبعة الأولى - دار الساقي - لندن - ص 143 - 144.
7- عكس هذا جليا ، الصراع بين مجلة "الآداب " ذات الاتجاه القومي و"شعر" حاملة لواء الحداثة وذات الميولات الليبرالية الغربية .
8- نشير ، ضمن مواقف أخرى الى موقف العقاد، في مصر، من شعر أحمد عبدالمعطي حجازي واختيارنا لموقف العقاد له دلالة لأنه من المدافعين الكبار عن "الحداثة الشعرية " في الثلاثينات والأربعينات ، لكنه سرعان ما انقلب ضدها، وفي هذا مؤشر على التسارع الذي أضحت تشهده
الأشكال الشعرية العربية حتى أن مناصري الحداثة باتوا يتوجسون من جريانها السريع شرا.
9- يهاجم صبري حافظ أنسي الحاج بشراسة مطالبا باجراء فحص طبي عليه ومتشككا في سلامة عقله ، ويسهل أن نعثر على مثل هذه المواقف هنا وهناك .
10 - جان كوهن بنية اللغة الشعرية ترجمة محمد العمري ومحمد الولي - دار توبقال - الطبعة الأولى – 1986-ص39 - شعر - ع 22 سنة 6ربيع 1962- 128 أخبار وقضايا.
12- أدونيس - كلام البدايات - الطبعة الأولى دار الآداب - بيروت 1989 - ص 15.
13 - بورديو - الرمز والسلطة ترجمة عبدالسلام بنعبد العالي - توبقال - المغرب - ص 67.
14- محمد الأسعد - بحثا عن الحداثة 64- 65 الطبعة الأولى .
15 - دون أن يعني ذلك أن قراءتنا لقصيدة النثر ستكون بالمقارنة بينها وبين شعر التفعيلة أو القصيدة التقليدية .
16 - هذا مشترك بين جميع الشعريات - انظر ميشونيك - نقد الايقاع - الطبعة الأولى ص 593.
17 - شعر - ع 22 - سنة 6- ربيع 1962- 130 - 131 (أخبار وقضايا).
18 - عبدالفتاح اسماعيل - مواقف 37/ 38 ربيع وصيف 1980 (حوار أجراه أدونيس والخطيبي ) .
19 - القاموس المحيط - مادة ق . ص .د
20- أمين الريحاني - عن الحداثة الأولى لمحمد جمال باروت الطبعة الأولى - ص 142.
21- محمد الأسعد بحثا عن الحداثة ص - 14 .
22- لويس شيخو - الطبعة الأولى - ص 41 .
23 - أنيس المقدسي - الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث - ط 2- 1960 ص 19أ - 420.
24- برنار- 426.
25- ميخائيل نعيمة - جبران في آثاره العربية - المجوعة ص 19 .
26 - س موريه - حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث -
ترجمة سعد مملوح - الطبعة الأولى القاهرة ( 1969) ص 23.
27- نفسه - 59.
28- نفسه13.
29- نازك الملائكة 157 ظاهرة الشعر المعاصر - الطبعة 3- ص
30- س - موريه - ص 84.
31- جبرا ابراهيم جبرا عن الحداثة الأولى . 2
32 - نازك الملائكة - ص 177.
33- انظر تفاصيل ذلك في خيربك – حركة الحداثة في الشعر العربي الحديث - ط 1- 1982 .
34- شعر ع 22 سنة 6ربيع 62- 132.
35- سركون بولص - نزوى ع 6- ابريل 1996- 188.
36- محمد شكري عياد - المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين
(سلسلة عالم المعرفة ) الطبعة الأولى - ص 78.
37- نفسه 97.
38- نفسه - 60.
39- برنار – 439-0 44.
40 - أدرنيس - زمن الشعر - الطبعة الخامسة - (1986) دار الفكر - ص 258.
41 - برنار 08 4.
42 - على جعفر العلاق - في حداثة النص الشعري - الطبعة الأولى – دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1990 ص 154.
43 - إدرار الخراط - الكتابة عبر ازعية - الطبعة الأولى ص 73. 44 44- شعر - س 2- ع 6- 152- اخبار وقضايا.
45 - محمد جمال باروت - الحدات الأولى الطبعة الأولى ص 224.
46 - سامي مهدي - حداثة النمط . الطبعة الأولى ص 14 1.
47 - جان كوهن25.
48 - بر نار - 771.
49 - نفسه - 468.
50 - نفسه - 468.
51- سعيد الغانمي - 67.
52 - ياكوبسون - قضايا الشعرية - ترجمة محمد الولي ومبارك حنون
- دار توبقال - الطبعة الأولى 1988- ص 26.
53 - نازك الملائكة - 13 2.
54- أدونيس - ها أنت أيها الوقت - 90.
55 - شعر - ع 22 سنة 6ربيع 1962- 130- 131(أخبار وقضايا).
56 - حاتم المكر - ما لا تؤديه الصفة - مجلة "المربد " 1989 - بغداد ص 17.
57- نفسه 20-21.
58- عن برنار - 770.
59- نفسه - 770.
60- نفسه 44.
61- أنسي الحاج - لن - المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع
- الطبعة الثانية - 1982- ص 62.
62- كمال خيريك
63- بر نار ،
64- سامي مهدي - 131 ،
65- السعيد الورقي - 262.
66- أحمد بسام الساعي - الأقلاع - 122.
67- برنار - 14.
68- شربل داغر - الشعرية الحربية الحديثة - تحليل نصي - دار توبقال الطبعة الأول - 6988 - 64.
69- نفسه - 64.
70- بر نار 465.
71- ابن منظور - لسان العرب .
72- عن علي جعفر العلاق - 679.
73- نفسه - 139.
74- كمال خيريك –265.
75- أدونيس - صدمة الحداثة - 207.
76- أدونيس - ها أنت أيها الوقت - 669- 670.
77- أنسي الحاج 14.
78- دومينيك كومب – 94jose corte ,(pceie et Recit)
باريس - الطبعة الأولى 6989 ص 94.
79- برنار - عن حاتم الصكر - ما لا تؤديه الصفة - 71.
80- برنار - 15.
86- نفسه - 15.
82- نفسه 446.
83- نفسه - 437.
84- مثالا على ذلك نورد هذا المتع لكامل زهيري وهو من جماعة "الفن
والحرية " : لايناع رجل على كرسيين وفمه في أبعد محيط / في الحلقوم
مسرح / في المسرح نهر/ القلق بن القلق / الضحك بن الضحك بن
الضحك بن الضحك / كالشعر في الماء أحس الوحدة / من يد جديدة تمر
على الوجه المتعب / الأبيض أمام الأبيض أمام الأبيني / شديدك أبيضان
كالسيف / أحبك / أضحك / . ..) عن : عصام محفوظ - السوريالية
وتفاعلاتها العربية - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - الطبعة الأولى 1987 ص 51.
85- برنار 464.
86-عبدالقادر الجنابي - رسالة أدونيس - الطبعة الأولى - دار الجديد - بيروت ص 91- 52.
87- برنار 428.
88- نفسه - 13.
89- جان كومن -19.
1 - هذه مسألة مشتركة بين جميع الشعريات . إن للشكل الخارجي دورا أوليا في الاخبار عن كون النص شعرا أو نثرا
2- وهذا ما يفسره بوضوع تحمس بعض رواد الشعر التفعيلي لقصيدة `لنثر وانفتاحهم عليها، تنظيرا وابداعا.
3- سوزان برنار - قصيدة النثر من بودلير الى أيامنا الطبعة 1- (1959) ص 20.
4- بنية الثورات العلمية 143- 144. الطبعة الأولى - الترجمة العربية (سلسلة عالم المعرفة ). عدد 168- ص 143- 144.
5- لنتأمل النصوص الأولى لقصيدة النثر وكذا الأبيات المرافقة لها. وانظر ، تمثيلا لا حصرا : رفعت سلام - حوار-العالم الثقافي - السبت 24 يونيو 1995 السنة .26
6- أدونيس - الصوفانية والسوريالية - الطبعة الأولى - دار الساقي - لندن - ص 143 - 144.
7- عكس هذا جليا ، الصراع بين مجلة "الآداب " ذات الاتجاه القومي و"شعر" حاملة لواء الحداثة وذات الميولات الليبرالية الغربية .
8- نشير ، ضمن مواقف أخرى الى موقف العقاد، في مصر، من شعر أحمد عبدالمعطي حجازي واختيارنا لموقف العقاد له دلالة لأنه من المدافعين الكبار عن "الحداثة الشعرية " في الثلاثينات والأربعينات ، لكنه سرعان ما انقلب ضدها، وفي هذا مؤشر على التسارع الذي أضحت تشهده
الأشكال الشعرية العربية حتى أن مناصري الحداثة باتوا يتوجسون من جريانها السريع شرا.
9- يهاجم صبري حافظ أنسي الحاج بشراسة مطالبا باجراء فحص طبي عليه ومتشككا في سلامة عقله ، ويسهل أن نعثر على مثل هذه المواقف هنا وهناك .
10 - جان كوهن بنية اللغة الشعرية ترجمة محمد العمري ومحمد الولي - دار توبقال - الطبعة الأولى – 1986-ص39 - شعر - ع 22 سنة 6ربيع 1962- 128 أخبار وقضايا.
12- أدونيس - كلام البدايات - الطبعة الأولى دار الآداب - بيروت 1989 - ص 15.
13 - بورديو - الرمز والسلطة ترجمة عبدالسلام بنعبد العالي - توبقال - المغرب - ص 67.
14- محمد الأسعد - بحثا عن الحداثة 64- 65 الطبعة الأولى .
15 - دون أن يعني ذلك أن قراءتنا لقصيدة النثر ستكون بالمقارنة بينها وبين شعر التفعيلة أو القصيدة التقليدية .
16 - هذا مشترك بين جميع الشعريات - انظر ميشونيك - نقد الايقاع - الطبعة الأولى ص 593.
17 - شعر - ع 22 - سنة 6- ربيع 1962- 130 - 131 (أخبار وقضايا).
18 - عبدالفتاح اسماعيل - مواقف 37/ 38 ربيع وصيف 1980 (حوار أجراه أدونيس والخطيبي ) .
19 - القاموس المحيط - مادة ق . ص .د
20- أمين الريحاني - عن الحداثة الأولى لمحمد جمال باروت الطبعة الأولى - ص 142.
21- محمد الأسعد بحثا عن الحداثة ص - 14 .
22- لويس شيخو - الطبعة الأولى - ص 41 .
23 - أنيس المقدسي - الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث - ط 2- 1960 ص 19أ - 420.
24- برنار- 426.
25- ميخائيل نعيمة - جبران في آثاره العربية - المجوعة ص 19 .
26 - س موريه - حركات التجديد في موسيقى الشعر العربي الحديث -
ترجمة سعد مملوح - الطبعة الأولى القاهرة ( 1969) ص 23.
27- نفسه - 59.
28- نفسه13.
29- نازك الملائكة 157 ظاهرة الشعر المعاصر - الطبعة 3- ص
30- س - موريه - ص 84.
31- جبرا ابراهيم جبرا عن الحداثة الأولى . 2
32 - نازك الملائكة - ص 177.
33- انظر تفاصيل ذلك في خيربك – حركة الحداثة في الشعر العربي الحديث - ط 1- 1982 .
34- شعر ع 22 سنة 6ربيع 62- 132.
35- سركون بولص - نزوى ع 6- ابريل 1996- 188.
36- محمد شكري عياد - المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين
(سلسلة عالم المعرفة ) الطبعة الأولى - ص 78.
37- نفسه 97.
38- نفسه - 60.
39- برنار – 439-0 44.
40 - أدرنيس - زمن الشعر - الطبعة الخامسة - (1986) دار الفكر - ص 258.
41 - برنار 08 4.
42 - على جعفر العلاق - في حداثة النص الشعري - الطبعة الأولى – دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1990 ص 154.
43 - إدرار الخراط - الكتابة عبر ازعية - الطبعة الأولى ص 73. 44 44- شعر - س 2- ع 6- 152- اخبار وقضايا.
45 - محمد جمال باروت - الحدات الأولى الطبعة الأولى ص 224.
46 - سامي مهدي - حداثة النمط . الطبعة الأولى ص 14 1.
47 - جان كوهن25.
48 - بر نار - 771.
49 - نفسه - 468.
50 - نفسه - 468.
51- سعيد الغانمي - 67.
52 - ياكوبسون - قضايا الشعرية - ترجمة محمد الولي ومبارك حنون
- دار توبقال - الطبعة الأولى 1988- ص 26.
53 - نازك الملائكة - 13 2.
54- أدونيس - ها أنت أيها الوقت - 90.
55 - شعر - ع 22 سنة 6ربيع 1962- 130- 131(أخبار وقضايا).
56 - حاتم المكر - ما لا تؤديه الصفة - مجلة "المربد " 1989 - بغداد ص 17.
57- نفسه 20-21.
58- عن برنار - 770.
59- نفسه - 770.
60- نفسه 44.
61- أنسي الحاج - لن - المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع
- الطبعة الثانية - 1982- ص 62.
62- كمال خيريك
63- بر نار ،
64- سامي مهدي - 131 ،
65- السعيد الورقي - 262.
66- أحمد بسام الساعي - الأقلاع - 122.
67- برنار - 14.
68- شربل داغر - الشعرية الحربية الحديثة - تحليل نصي - دار توبقال الطبعة الأول - 6988 - 64.
69- نفسه - 64.
70- بر نار 465.
71- ابن منظور - لسان العرب .
72- عن علي جعفر العلاق - 679.
73- نفسه - 139.
74- كمال خيريك –265.
75- أدونيس - صدمة الحداثة - 207.
76- أدونيس - ها أنت أيها الوقت - 669- 670.
77- أنسي الحاج 14.
78- دومينيك كومب – 94jose corte ,(pceie et Recit)
باريس - الطبعة الأولى 6989 ص 94.
79- برنار - عن حاتم الصكر - ما لا تؤديه الصفة - 71.
80- برنار - 15.
86- نفسه - 15.
82- نفسه 446.
83- نفسه - 437.
84- مثالا على ذلك نورد هذا المتع لكامل زهيري وهو من جماعة "الفن
والحرية " : لايناع رجل على كرسيين وفمه في أبعد محيط / في الحلقوم
مسرح / في المسرح نهر/ القلق بن القلق / الضحك بن الضحك بن
الضحك بن الضحك / كالشعر في الماء أحس الوحدة / من يد جديدة تمر
على الوجه المتعب / الأبيض أمام الأبيض أمام الأبيني / شديدك أبيضان
كالسيف / أحبك / أضحك / . ..) عن : عصام محفوظ - السوريالية
وتفاعلاتها العربية - المؤسسة العربية للدراسات والنشر - الطبعة الأولى 1987 ص 51.
85- برنار 464.
86-عبدالقادر الجنابي - رسالة أدونيس - الطبعة الأولى - دار الجديد - بيروت ص 91- 52.
87- برنار 428.
88- نفسه - 13.
89- جان كومن -19.
العودة إلى “المقالات والشعر العامِّي”
الموجودون الآن
المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: Google [Bot] و 17 زائراً