منـــــازل الشعـــــر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
اخي الكريم الكويتي:
الابيات في القسم الرابع هي فعلا كما ذكرت مشكورا للشاعر أبو البقاء الرّندي احد شعراء الاندلس، يرثي فيها تتالي سقوط ممالك العرب والمسلمين الاندلسية في ايدي الاعداء.
يدعوا فيها العرب والمسلمين في المغرب لنصرة اخوانهم ويصور لهم ماحدث لاخوانهم ببكائية تدمي القلوب لاحظ آخر ابيات القصيدة.
وتظل القصيدة تضم افضل تصوير لحال الزمان وتغيره ومن افضل قصائد الحكمة
وقد وردت في معجم الأبيات الشهيرة ص 233، وايضا في معجم لآلئ الشعر ص 395، ملاجظة ممتازة وذكية منك ;).
واليك القصيدة كاملة:
لكل شئ إذا ما تم نقصان
فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن سائته أزمان
وهذه الدار لا تبقى على أحد
ولا يدوم على حال لها شان
يمزق الدهر حتما كل سابغه
إذا نبت مشرفيات وحرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو
كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوي التيجان من يمن
وأين منهم أكاليل وتيجان
وأين ما شاده شداد في إرم
وأين ما ساسه في الفرس ساسان
وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عاد وشداد وقطان
أتى على الكل أمر لا مرد له
حتى قضوا فكان القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلك
كما حكى عن خيال الطيف وسنان
دار الزمان على دارا وقاتله
وأم كسرى فما آواه غيوان
كأنما الصعب لم يسهل له
سبب يوماً ولا ملك الدنيا سليمان
فجائع الدنيا أنواع منوعة
وللزمان مسرات وأحزان
وللحوادث سلوان يسهلها
وما لما حل بالإسلام سلوان
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له
هوى له أحد وأنهد ثهلان
اصابها العين في الإسلام فارتزأت
حتى خلت منه أقطار وبلدان
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية
وأين شاطبة أم أيم جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم
من عالم قد سما فيها له شان
وأين حمص وما تحويه من نزه
ونهرها العذب فياض وملآن
قواعد كن أركان البلاد فما
عسى البقاء إذا لم تبق أركان
تبكي الخيفية البيضاء من أسفٍ
كما بقى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خاليةٌ
قد أقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كنائس
ما فيهن إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة
حتى المنابر تبكي وهي عيدان
يا غافلاً وله في الدهر موعظة
إن كنت في سنةٍ فالدهر يقظان
وماشياً مرحاً يلهيه موطنه
أبعد حمص تغر المرء أوطان
تلك المصيبة أنست ما تقدمها
وما لها من طوال الدهر نسيان
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة
كأنها في مجال السبق عقبان
وحاملين سيوف الهند مرفهة
كأنها في ظلام النقع نيران
وراتعين وراء البحر في دعةٍ
لهم بأوطانهم عز وسلطان
أعندكم نبأ من أهل أندلس
فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتز إنسان
لماذا التقاطع في الإسلام بينكم
وأنتم يا عباد الله إخوان
يا من لذلة قوم بعد عزتهم
أحال حالهم جور وطغيان
بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم
اليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم
عليهم في ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم
لهالك الأمر واستهوتك أحزان
يا رب أمٍ وطفلٍ حيل بينهما
كما تفرق أرواح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ
طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلح للمكروه مكرهةً
والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يبكي القلب من كمدٍ
إن كان في القلب إسلام وإيمان
اما بالنسبة لبيتين التوقيع، فهي ابيات شهيرة للشاعر الكبير بابا طاهر، (ديوانه ص 3)، وهي بالغة الفارسية الفصحى وتعني:
مررتُ قليلا وكثيرا بالمقابر، ورأيت حال الغني والفقير، فلم أرَ فقيرا في تربة بلا كفن، ولم أرَ غنيا حمل أكثر من كفن.
تحياتي لك وشكرا على التواصل الجميل
مرورك اسعدني
وكلمات نورت صفحتي
اخي الكريم الكويتي:
الابيات في القسم الرابع هي فعلا كما ذكرت مشكورا للشاعر أبو البقاء الرّندي احد شعراء الاندلس، يرثي فيها تتالي سقوط ممالك العرب والمسلمين الاندلسية في ايدي الاعداء.
يدعوا فيها العرب والمسلمين في المغرب لنصرة اخوانهم ويصور لهم ماحدث لاخوانهم ببكائية تدمي القلوب لاحظ آخر ابيات القصيدة.
وتظل القصيدة تضم افضل تصوير لحال الزمان وتغيره ومن افضل قصائد الحكمة
وقد وردت في معجم الأبيات الشهيرة ص 233، وايضا في معجم لآلئ الشعر ص 395، ملاجظة ممتازة وذكية منك ;).
واليك القصيدة كاملة:
لكل شئ إذا ما تم نقصان
فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن سائته أزمان
وهذه الدار لا تبقى على أحد
ولا يدوم على حال لها شان
يمزق الدهر حتما كل سابغه
إذا نبت مشرفيات وحرصان
وينتضي كل سيف للفناء ولو
كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذوي التيجان من يمن
وأين منهم أكاليل وتيجان
وأين ما شاده شداد في إرم
وأين ما ساسه في الفرس ساسان
وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عاد وشداد وقطان
أتى على الكل أمر لا مرد له
حتى قضوا فكان القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلك
كما حكى عن خيال الطيف وسنان
دار الزمان على دارا وقاتله
وأم كسرى فما آواه غيوان
كأنما الصعب لم يسهل له
سبب يوماً ولا ملك الدنيا سليمان
فجائع الدنيا أنواع منوعة
وللزمان مسرات وأحزان
وللحوادث سلوان يسهلها
وما لما حل بالإسلام سلوان
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له
هوى له أحد وأنهد ثهلان
اصابها العين في الإسلام فارتزأت
حتى خلت منه أقطار وبلدان
فاسأل بلنسية ما شأن مرسية
وأين شاطبة أم أيم جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم
من عالم قد سما فيها له شان
وأين حمص وما تحويه من نزه
ونهرها العذب فياض وملآن
قواعد كن أركان البلاد فما
عسى البقاء إذا لم تبق أركان
تبكي الخيفية البيضاء من أسفٍ
كما بقى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خاليةٌ
قد أقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كنائس
ما فيهن إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة
حتى المنابر تبكي وهي عيدان
يا غافلاً وله في الدهر موعظة
إن كنت في سنةٍ فالدهر يقظان
وماشياً مرحاً يلهيه موطنه
أبعد حمص تغر المرء أوطان
تلك المصيبة أنست ما تقدمها
وما لها من طوال الدهر نسيان
يا راكبين عتاق الخيل ضامرة
كأنها في مجال السبق عقبان
وحاملين سيوف الهند مرفهة
كأنها في ظلام النقع نيران
وراتعين وراء البحر في دعةٍ
لهم بأوطانهم عز وسلطان
أعندكم نبأ من أهل أندلس
فقد سرى بحديث القوم ركبان
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتز إنسان
لماذا التقاطع في الإسلام بينكم
وأنتم يا عباد الله إخوان
يا من لذلة قوم بعد عزتهم
أحال حالهم جور وطغيان
بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم
اليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم
عليهم في ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم
لهالك الأمر واستهوتك أحزان
يا رب أمٍ وطفلٍ حيل بينهما
كما تفرق أرواح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ
طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلح للمكروه مكرهةً
والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يبكي القلب من كمدٍ
إن كان في القلب إسلام وإيمان
اما بالنسبة لبيتين التوقيع، فهي ابيات شهيرة للشاعر الكبير بابا طاهر، (ديوانه ص 3)، وهي بالغة الفارسية الفصحى وتعني:
مررتُ قليلا وكثيرا بالمقابر، ورأيت حال الغني والفقير، فلم أرَ فقيرا في تربة بلا كفن، ولم أرَ غنيا حمل أكثر من كفن.
تحياتي لك وشكرا على التواصل الجميل
مرورك اسعدني
وكلمات نورت صفحتي
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
-
- بوح دائم
- مشاركات: 173
- اشترك في: 03-13-2002 01:28 PM
- اتصال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
(12) احمد مطر يحاورك بقصائده:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
حاولت أن أحاوره مرارا، لكنه رفض، وتوارى مؤثرا صمته وسكوته؛ إذ ما عاد يجدي الكلام. أطرقت مليا حائرا في أمر هذا النورس العراقي، علّي أجد حيلة تدفعه إلى الكلام ومحاورتي لكن دونما فائدة؛ فقررت الانصراف يائسا من محاولاتي. وعندما لجأت إلى دواوينه التي اجتازت العيون بصعوبة حتى وصلتني وجدته يحاورني: أسأله فيجيبني، وفاض سيل الكلام حتى كان الحوار التالي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
قبلَ أن نبدأ.. أريد أن أعرف أحمد مطر الإنسان؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
الفَرْدُ في بِلادِنا
مُواطِنٌ.. أو سُلطان
لَيسَ لَدَيْنا إنسان!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وماذا عن لافتاتك؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
سَبعونَ طَعنةً هُنا.. مَوصولةَ النَزْفِ
تُبدي.. ولا تُخْفي
تغتالُ خَوْفَ الموتِ في الخوفِ
سَمَّيْتها قصائدي
وَسَمِّها يا قارئي: حتفي!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
كم مضى من عمرك؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لا أدري
هل أعرِف وَجْهي؟
لا أدري
كم أَصْبحَ عُمْري؟
لا أدري
عُمري لا يَدري كم عُمْري!
كَيف سَيَدري؟!
مِن أوَّلِ ساعة ميلادي
وأنا هِجْرِي!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
انت مقيم في المهجر.. أليس كذلك؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
قَلَمي يَجْري
وَدَمي يجري
وأنا ما بَيْنَهُما أجري
الجَرْيُ تَعَثَّرَ في إثْرِي!
وأنا أجري
والصَّبْرُ تَصَبَّرَ لي حتّى
لم يُطِقِ الصَّبْرُ على صَبْري!
وأنا أجري
أجري، أجري، أجري..
أوطاني شُغْلي.. والغُربةُ أجْري!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
غريب أمرك أيها الشاعر، تشكو البعد والغربة ولا تعود إلى بلادك؟!!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
رَبِّ طالَتْ غُربَتي
واستنْزَفَ اليأسُ عنادي
وفؤادي
طَمَّ فيه الشَّوقُ حتى
بَقِيَ الشّوقُ ولم يَبْقَ فؤادي!
أنا حيٌّ مَيِّتٌ
دونَ حَياة أو مَعادِ
وأنا خَيطٌ من المطّاطِ مَشدودٌ
إلى فَرعٍ ثُنائيٍّ أحادي
كُلَّما ازدَدْتُ اقتراباً
زادَ في القُربِ ابتعادي!
أنا في عاصفةِ الغُربةِ نارٌ
يَستوي فيها انحيازي وحيادي
فإذا سَلَّمتُ أمري أطفأتْني
وإذا واجهتُها زادَ اتّقادي
ليسَ لي في المُنتهى إلاّ رَمادي!
وطناً للّه يا مُحسِنُ
حتّى لو بحُلْمٍ..
أكثيرٌ هُوَ أن يَطمعَ مَيْتٌ
في الرُّقادِ؟!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أخبرني، كيف تقسم يومك مع بداية كل نهار؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
هكذا أقسِم يومي:
سِتُّ ساعاتٍ.. لِهَمِّي
سِتُّ ساعاتٍ.. لِغَمِّي
سِتُ ساعاتٍ.. لِضَيمي
سِتُّ ساعاتٍ..
لِهَمِّي وَلِغَمِّي وَلِضَيْمي!
لَحْظَةُ واحِدَةٌ مِنْ يَومي التالي..
لِكيْ أبدأَ في تَقسيمِ يَومي!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ترتاد عيادة الطبيب مراراً.. فما هي علتك؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
جَسَّ الطبيبُ خافقي
وقالَ لي:
هَلْ ها هُنا الأَلمْ؟
قلتُ له: نَعَمْ
فَشَقَّ بالمِشرَطِ جيبَ مِعْطفي
وأخْرجَ القَلَمْ!
هَزَّ الطبيبُ رأسَهُ.. وَمالَ وابتَسَمْ
وَقالَ لي:
ليسَ سِوى قَلَمْ
فَقلتُ: لا يا سيّدي
هذا يَدٌ.. وَفَمْ
رَصاصةٌ.. وَدَمْ
وَتُهمَةٌ سافِرَةٌ.. تَمشي بلا قَدَمْ!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لو أنك هجرت الشعر لما أوقعت نفسك في المتاعب وجلبت عليها المشقة والعنت، فلماذا الشعر يا مطر؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لماذا الشِعْرُ يا مطرُ؟!!
أتسألني
لماذا يَبزغ القمرُ؟
لماذا يَهطلُ المطرُ؟
لماذا العطرُ ينتشرُ؟
أتسألُني: لماذا ينزِلُ القدرُ؟!
أنا نَبْتُ الطبيعة
طائِرٌ حُرٌ…
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لا نرى منك سوى الكلام.. تماما كحكامك الذين تهجوهم، كلاكما لن يعيد لنا القدس.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
يا قدسُ معذرةً ومثلي ليسَ يعتذرُ
ما لي يدٌ فيما جرى فالأمرُ ما أمروا
وأنا ضعيفٌ ليسَ لي أثرُ
عارٌ عليَّ السمعُ والبَصَرُ
وأنا بسيفِ الحرفِ أنتحرُ
وأنا اللهيبُ.. وقادَني المطرُ
فمتى سأستعرُ؟!
هُزِّي إليك بجذع مُؤتمرٍ
يسّاقط حَولَكِ الهَذَرُ:
عاشَ اللهيبُ
.. ويسقطُ المطرُ!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أجدك مهموماً حائراً وأخشى ألا يشجعني ذلك على الاسترسال في الكلام، ما الذي يجعلك شارد الذهن كهائم في صحراء التيه؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أصابعي تفرُّ من أصابعي
وأدمُعي حجارةٌ تسدُّ مجرى أدمعي
وخلف سور أضلعي
مجمرةٌ تفور بالضرامْ
تحمل في ثانيةٍ كلامَ ألف عامْ
لكنّني بيني وبيني تائهٌ
فها أنا من فوق قبري واقفٌ
وها أنا في جوفه أنام
وأحرُفي مصلوبةٌ بين فمي ومسمعي
ما أصعبَ الكلامْ
ما أصعبَ الكلامْ
يا ليتني مثلي أنا أقوى على المنامْ
يا ليتني مثلي أنا أقوى على القيامْ
حيران بين موقفي ومضجعي
يا ليتني.. كنتُ معي!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
صدقت، ما أصعب الكلام.. هذا هو حال الدنيا يا مطر، وكأني أرى فيك ذاك الرابض وسط الحِمى تماما كالشهيد ناجي العلي الذي أنطقت رسمه شعرا..
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
عفواً، فلا تروي أسـاي قصيدةٌ
إن لم تكن مكتوبةً بدمائي
عفواً، فإنّني إن رثيتُ فإنما
أرثي بفاتحة الرثاء رثائي
عفواً، فإنّي ميِّتٌ يا أيها
الموتى، و"ناج" آخر الأحياء
"ناجي العليُّ" لقد نجوتَ بقدرةٍ
من عارنا، وعلوتَ للعلياءِ
اصعد، فموطنك السماءُ، وخلّنا
في الأرض، إنَّ الأرضَ للجبناءِ
مَنْ لَمْ يَمُتْ بالسـيف مات بطلقةٍ
من عاش فينا عيشة الشرفاء
ماذا يضيرك أن تفارقَ أمّةً
ليست سوى خطأ من الأخطاء
فمدامعٌ تبكيك لو هي أدركَتْ
لبكت على حدقاتها العمياءِ
ومطابعٌ ترثيك لو هـي أنصفتْ
لرثتْ صحافةَ أهلهـا الأُجراءِ
تلك التي فَتَحَتْ لنعْيكَ صدرَها
وتفنّنت بروائع الإنشاءِ
لكنّها لم تمتلِكْ شـرَفاً لكي
ترضى بنشْرِ رسومك العذراءِ
ونَعَتْك من قبل الممات، وأغلقت
باب الرجاءِ بأوجه القُرّاءِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
بالمناسبة.. لكثرة ما "يتغزل" إعلامنا بالأصوليين فلا بد أن لك رأيا فيهم، فماذا تقول في الأصوليين؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
الأُصُوليّون قومٌ لا يُحبّونَ المحبَّةْ
ملئوا الأَوطان بالإرهابِ
حتّى امتلأَ الإرهابُ رَهبةْ!
وَيلهُمْ!
مِنْ أينَ جاءوا؟!
كيفَ جاءوا؟!
قَبْلَهُمْ كانت حياةُ الناس رَحْبَةْ
قَبْلَهُمْ ما كانَ للحاكمِ أن يَعطِسَ
إلاّ حينَ يستأذِنُ شَعْبَهُ!
وإذا داهَمَهُ العَطْسُ بلا إذن
تَنَحى.
ورجا الأُمَّةَ أن تَغفرَ ذَنَبهْ!
لم يَكُنْ مِن قَبلهم رُعْبٌ
ولا قَهْرٌ..
ولا قَتلٌ..
ولا كانتْ لدى الأوطان غُربةْ
كان طَعْمُ المُرِّ حُلواً
وهَواءُ الخَنْقِ طَلْقاً
وكؤوسُ السُّمِّ عَذْبَةْ!
كانتِ الأوضاعُ حَقَاً.. مُسْتَتبَّةْ!
ثُمَّ جاءوا...
فإذا النَّكْسَةُ
تَأتينا على آثار نَكْبَةْ
وإذا الإرْهابُ
يَنْقَّضُّ على انقضاضنا من كُلِّ شُعْبَةْ:
واحدٌ.. يقرأُ في المسجد خُطْبَةْ!
واحدٌ.. يَشرَحُ بالقرآن قَلْبَهْ!
واحدٌ.. يَعْبُدُ رَبَّهْ!
واحدٌ.. يحْمِلُ "مِسْواكاً" مُريباً!
واحدٌ.. يَلْبَسُ جُبُّةْ!
آهِ مِنْهُمْ
يَستفزّونَ الحُكوماتِ
إنْ فَزَّتْ عَلَيْهِمْ
جَعلوا الحبَّة قُبَّةْ!
فإذا ألقتْ بِهِمْ في الحَبسِ
قالوا أصبحَ الموطِنُ عُلْبَةْ
وإذا ما ضَرَبَتْهُمْ مَرَّةً
رَدّوا على الضَّرب.. بِسُبّةْ!
وإذا ما شَنَقتهمْ واجَهوا الشَّنقَ بِضربَةْ!
وإذا مَدَّتْ إليهم مِدْفَعاً
مَدّوا لها في الحالِ.. حَربَةْ!
وإذا ما حَصَلوا
في الانتخابات على أَعظَمِ نِسبَةْ
زَعَموا أنَّ لَهُمْ حَقاً
بأنْ يَسْتَلموا الحُكْمَ..
كأنَّ الحكمَ لُعْبَةْ!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أينما كان الحديث مع شاعر اقترن بالحرية فحدثنا عنها يا مطر.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لا تطْلُبي حُريَّةً أَيّتُها الرعيَّةْ
لا تَطلبي حُريةً..
بَلْ مارسي الحُريَّةْ
إن رَضيَ الرّاعي.. فألْفُ مَرْحَبا
وإنْ أبى
فحاولي إقناعهُ باللطُّف والرَّوِيَّة..
قولي له أن يَشربَ البَحرَ
وأن يبلعَ نِصْفَ الكُرةِ الأَرضيةْ!
ما كانتِ الحُريّةُ اختراعَهُ
أو إرْثَ مَنْ خَلَّفَهُ
لكي يَضُمَّها إلى أملاكه الشَّخصية
إنْ شاءَ أن يمنعها عنكِ
زَواها جانباً
أو شاءَ أن يمنحها.. قَدَّمها هَديَّةْ
قُولي لَهُ: إنِّي وُلدتُ حُرَّةً
قولي له: إني أنا الحُريّة
إن لم يُصدِّقك فَهاتي شاهداً
ويَنبغي في هذه القَضيَّةْ
أن تَجعلي الشاهدَ.. بُندقيَّةْ!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
دعنا من السياسة.. أنت متهم بأن أحاسيسك مقتولة، وأمانيك مأسورة، أو بأنك بقايا من رماد وشظايا تعصْف الريح بها.. باختصار: أنت لا تعرف ما الحبُّ؟!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
رحمةُ الله على قلبك يا أُنثى
ولا أُبدي اعتذارا
أعرفُ الحبَّ.. ولكنْ
لم أكن أملكُ في الأمر اختيارا
كان طُوفانُ الأسى يَهْدِرُ في صدري
وكان الحبُّ نارا
فتوارى!
كان شمساً..
واختفى لما طوى اللّيلُ النهارا
كان عُصفوراً يُغنّي فوق أهدابي
فَلَّما أقبل الصيَّاد طارا!
آه لو لم يُطلق الحُكَّامُ
في جلْدي كلاباً تَتَبارى
آه لو لم يملئوا مجرى دمي زيتاً
وأنفاسي غُبارا
آه لو لم يزرعوا الدَّمعَ
جَواسيسَ على عيني بعيني
ويُقيموا حاجزاً بيني وبيني
آه لو لم يُطْبِقوا حَوْلي الحصارا
ولو احْتَلتُ على النَفسِ فَجاريتُ الصَّغارا
وتناسيتُ الصِّغارا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
قبل أن نختم، كيف تصف واقعنا العربي مع "إسرائيل"؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
النَّملَةُ قالتْ للفيلْ:
قُمْ دَلّكْني
ومُقابل ذلكَ.. ضَحِّكني!
وإذا لم أضحكْ عوِّضني
بالتّقبيل وبالتمويلْ
وإذا لم أقنَعْ.. قدّمْ لي
كُلّ صباح ألفَ قتيلْ!
ضَحك الفيلُ
فشاطتْ غضباً:
تسخر مني يا برميلْ؟
ما المُضحك فيما قد قيلْ؟!
غيري أصغرُ..
لكنْ طلبتْ أكثر مني
غَيركَ أكبرُ..
لكنْ لبّى وَهْوَ ذليلْ
أيّ دليلْ؟
أكبَرُ منكَ بلادُ العُرْبِ،
وأصغرُ منِّي إسرائيل!.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
منصر مرعي
عمان
(12) احمد مطر يحاورك بقصائده:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
حاولت أن أحاوره مرارا، لكنه رفض، وتوارى مؤثرا صمته وسكوته؛ إذ ما عاد يجدي الكلام. أطرقت مليا حائرا في أمر هذا النورس العراقي، علّي أجد حيلة تدفعه إلى الكلام ومحاورتي لكن دونما فائدة؛ فقررت الانصراف يائسا من محاولاتي. وعندما لجأت إلى دواوينه التي اجتازت العيون بصعوبة حتى وصلتني وجدته يحاورني: أسأله فيجيبني، وفاض سيل الكلام حتى كان الحوار التالي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
قبلَ أن نبدأ.. أريد أن أعرف أحمد مطر الإنسان؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
الفَرْدُ في بِلادِنا
مُواطِنٌ.. أو سُلطان
لَيسَ لَدَيْنا إنسان!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وماذا عن لافتاتك؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
سَبعونَ طَعنةً هُنا.. مَوصولةَ النَزْفِ
تُبدي.. ولا تُخْفي
تغتالُ خَوْفَ الموتِ في الخوفِ
سَمَّيْتها قصائدي
وَسَمِّها يا قارئي: حتفي!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
كم مضى من عمرك؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لا أدري
هل أعرِف وَجْهي؟
لا أدري
كم أَصْبحَ عُمْري؟
لا أدري
عُمري لا يَدري كم عُمْري!
كَيف سَيَدري؟!
مِن أوَّلِ ساعة ميلادي
وأنا هِجْرِي!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
انت مقيم في المهجر.. أليس كذلك؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
قَلَمي يَجْري
وَدَمي يجري
وأنا ما بَيْنَهُما أجري
الجَرْيُ تَعَثَّرَ في إثْرِي!
وأنا أجري
والصَّبْرُ تَصَبَّرَ لي حتّى
لم يُطِقِ الصَّبْرُ على صَبْري!
وأنا أجري
أجري، أجري، أجري..
أوطاني شُغْلي.. والغُربةُ أجْري!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
غريب أمرك أيها الشاعر، تشكو البعد والغربة ولا تعود إلى بلادك؟!!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
رَبِّ طالَتْ غُربَتي
واستنْزَفَ اليأسُ عنادي
وفؤادي
طَمَّ فيه الشَّوقُ حتى
بَقِيَ الشّوقُ ولم يَبْقَ فؤادي!
أنا حيٌّ مَيِّتٌ
دونَ حَياة أو مَعادِ
وأنا خَيطٌ من المطّاطِ مَشدودٌ
إلى فَرعٍ ثُنائيٍّ أحادي
كُلَّما ازدَدْتُ اقتراباً
زادَ في القُربِ ابتعادي!
أنا في عاصفةِ الغُربةِ نارٌ
يَستوي فيها انحيازي وحيادي
فإذا سَلَّمتُ أمري أطفأتْني
وإذا واجهتُها زادَ اتّقادي
ليسَ لي في المُنتهى إلاّ رَمادي!
وطناً للّه يا مُحسِنُ
حتّى لو بحُلْمٍ..
أكثيرٌ هُوَ أن يَطمعَ مَيْتٌ
في الرُّقادِ؟!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أخبرني، كيف تقسم يومك مع بداية كل نهار؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
هكذا أقسِم يومي:
سِتُّ ساعاتٍ.. لِهَمِّي
سِتُّ ساعاتٍ.. لِغَمِّي
سِتُ ساعاتٍ.. لِضَيمي
سِتُّ ساعاتٍ..
لِهَمِّي وَلِغَمِّي وَلِضَيْمي!
لَحْظَةُ واحِدَةٌ مِنْ يَومي التالي..
لِكيْ أبدأَ في تَقسيمِ يَومي!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ترتاد عيادة الطبيب مراراً.. فما هي علتك؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
جَسَّ الطبيبُ خافقي
وقالَ لي:
هَلْ ها هُنا الأَلمْ؟
قلتُ له: نَعَمْ
فَشَقَّ بالمِشرَطِ جيبَ مِعْطفي
وأخْرجَ القَلَمْ!
هَزَّ الطبيبُ رأسَهُ.. وَمالَ وابتَسَمْ
وَقالَ لي:
ليسَ سِوى قَلَمْ
فَقلتُ: لا يا سيّدي
هذا يَدٌ.. وَفَمْ
رَصاصةٌ.. وَدَمْ
وَتُهمَةٌ سافِرَةٌ.. تَمشي بلا قَدَمْ!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لو أنك هجرت الشعر لما أوقعت نفسك في المتاعب وجلبت عليها المشقة والعنت، فلماذا الشعر يا مطر؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لماذا الشِعْرُ يا مطرُ؟!!
أتسألني
لماذا يَبزغ القمرُ؟
لماذا يَهطلُ المطرُ؟
لماذا العطرُ ينتشرُ؟
أتسألُني: لماذا ينزِلُ القدرُ؟!
أنا نَبْتُ الطبيعة
طائِرٌ حُرٌ…
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لا نرى منك سوى الكلام.. تماما كحكامك الذين تهجوهم، كلاكما لن يعيد لنا القدس.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
يا قدسُ معذرةً ومثلي ليسَ يعتذرُ
ما لي يدٌ فيما جرى فالأمرُ ما أمروا
وأنا ضعيفٌ ليسَ لي أثرُ
عارٌ عليَّ السمعُ والبَصَرُ
وأنا بسيفِ الحرفِ أنتحرُ
وأنا اللهيبُ.. وقادَني المطرُ
فمتى سأستعرُ؟!
هُزِّي إليك بجذع مُؤتمرٍ
يسّاقط حَولَكِ الهَذَرُ:
عاشَ اللهيبُ
.. ويسقطُ المطرُ!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أجدك مهموماً حائراً وأخشى ألا يشجعني ذلك على الاسترسال في الكلام، ما الذي يجعلك شارد الذهن كهائم في صحراء التيه؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أصابعي تفرُّ من أصابعي
وأدمُعي حجارةٌ تسدُّ مجرى أدمعي
وخلف سور أضلعي
مجمرةٌ تفور بالضرامْ
تحمل في ثانيةٍ كلامَ ألف عامْ
لكنّني بيني وبيني تائهٌ
فها أنا من فوق قبري واقفٌ
وها أنا في جوفه أنام
وأحرُفي مصلوبةٌ بين فمي ومسمعي
ما أصعبَ الكلامْ
ما أصعبَ الكلامْ
يا ليتني مثلي أنا أقوى على المنامْ
يا ليتني مثلي أنا أقوى على القيامْ
حيران بين موقفي ومضجعي
يا ليتني.. كنتُ معي!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
صدقت، ما أصعب الكلام.. هذا هو حال الدنيا يا مطر، وكأني أرى فيك ذاك الرابض وسط الحِمى تماما كالشهيد ناجي العلي الذي أنطقت رسمه شعرا..
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
عفواً، فلا تروي أسـاي قصيدةٌ
إن لم تكن مكتوبةً بدمائي
عفواً، فإنّني إن رثيتُ فإنما
أرثي بفاتحة الرثاء رثائي
عفواً، فإنّي ميِّتٌ يا أيها
الموتى، و"ناج" آخر الأحياء
"ناجي العليُّ" لقد نجوتَ بقدرةٍ
من عارنا، وعلوتَ للعلياءِ
اصعد، فموطنك السماءُ، وخلّنا
في الأرض، إنَّ الأرضَ للجبناءِ
مَنْ لَمْ يَمُتْ بالسـيف مات بطلقةٍ
من عاش فينا عيشة الشرفاء
ماذا يضيرك أن تفارقَ أمّةً
ليست سوى خطأ من الأخطاء
فمدامعٌ تبكيك لو هي أدركَتْ
لبكت على حدقاتها العمياءِ
ومطابعٌ ترثيك لو هـي أنصفتْ
لرثتْ صحافةَ أهلهـا الأُجراءِ
تلك التي فَتَحَتْ لنعْيكَ صدرَها
وتفنّنت بروائع الإنشاءِ
لكنّها لم تمتلِكْ شـرَفاً لكي
ترضى بنشْرِ رسومك العذراءِ
ونَعَتْك من قبل الممات، وأغلقت
باب الرجاءِ بأوجه القُرّاءِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
بالمناسبة.. لكثرة ما "يتغزل" إعلامنا بالأصوليين فلا بد أن لك رأيا فيهم، فماذا تقول في الأصوليين؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
الأُصُوليّون قومٌ لا يُحبّونَ المحبَّةْ
ملئوا الأَوطان بالإرهابِ
حتّى امتلأَ الإرهابُ رَهبةْ!
وَيلهُمْ!
مِنْ أينَ جاءوا؟!
كيفَ جاءوا؟!
قَبْلَهُمْ كانت حياةُ الناس رَحْبَةْ
قَبْلَهُمْ ما كانَ للحاكمِ أن يَعطِسَ
إلاّ حينَ يستأذِنُ شَعْبَهُ!
وإذا داهَمَهُ العَطْسُ بلا إذن
تَنَحى.
ورجا الأُمَّةَ أن تَغفرَ ذَنَبهْ!
لم يَكُنْ مِن قَبلهم رُعْبٌ
ولا قَهْرٌ..
ولا قَتلٌ..
ولا كانتْ لدى الأوطان غُربةْ
كان طَعْمُ المُرِّ حُلواً
وهَواءُ الخَنْقِ طَلْقاً
وكؤوسُ السُّمِّ عَذْبَةْ!
كانتِ الأوضاعُ حَقَاً.. مُسْتَتبَّةْ!
ثُمَّ جاءوا...
فإذا النَّكْسَةُ
تَأتينا على آثار نَكْبَةْ
وإذا الإرْهابُ
يَنْقَّضُّ على انقضاضنا من كُلِّ شُعْبَةْ:
واحدٌ.. يقرأُ في المسجد خُطْبَةْ!
واحدٌ.. يَشرَحُ بالقرآن قَلْبَهْ!
واحدٌ.. يَعْبُدُ رَبَّهْ!
واحدٌ.. يحْمِلُ "مِسْواكاً" مُريباً!
واحدٌ.. يَلْبَسُ جُبُّةْ!
آهِ مِنْهُمْ
يَستفزّونَ الحُكوماتِ
إنْ فَزَّتْ عَلَيْهِمْ
جَعلوا الحبَّة قُبَّةْ!
فإذا ألقتْ بِهِمْ في الحَبسِ
قالوا أصبحَ الموطِنُ عُلْبَةْ
وإذا ما ضَرَبَتْهُمْ مَرَّةً
رَدّوا على الضَّرب.. بِسُبّةْ!
وإذا ما شَنَقتهمْ واجَهوا الشَّنقَ بِضربَةْ!
وإذا مَدَّتْ إليهم مِدْفَعاً
مَدّوا لها في الحالِ.. حَربَةْ!
وإذا ما حَصَلوا
في الانتخابات على أَعظَمِ نِسبَةْ
زَعَموا أنَّ لَهُمْ حَقاً
بأنْ يَسْتَلموا الحُكْمَ..
كأنَّ الحكمَ لُعْبَةْ!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أينما كان الحديث مع شاعر اقترن بالحرية فحدثنا عنها يا مطر.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لا تطْلُبي حُريَّةً أَيّتُها الرعيَّةْ
لا تَطلبي حُريةً..
بَلْ مارسي الحُريَّةْ
إن رَضيَ الرّاعي.. فألْفُ مَرْحَبا
وإنْ أبى
فحاولي إقناعهُ باللطُّف والرَّوِيَّة..
قولي له أن يَشربَ البَحرَ
وأن يبلعَ نِصْفَ الكُرةِ الأَرضيةْ!
ما كانتِ الحُريّةُ اختراعَهُ
أو إرْثَ مَنْ خَلَّفَهُ
لكي يَضُمَّها إلى أملاكه الشَّخصية
إنْ شاءَ أن يمنعها عنكِ
زَواها جانباً
أو شاءَ أن يمنحها.. قَدَّمها هَديَّةْ
قُولي لَهُ: إنِّي وُلدتُ حُرَّةً
قولي له: إني أنا الحُريّة
إن لم يُصدِّقك فَهاتي شاهداً
ويَنبغي في هذه القَضيَّةْ
أن تَجعلي الشاهدَ.. بُندقيَّةْ!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
دعنا من السياسة.. أنت متهم بأن أحاسيسك مقتولة، وأمانيك مأسورة، أو بأنك بقايا من رماد وشظايا تعصْف الريح بها.. باختصار: أنت لا تعرف ما الحبُّ؟!
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
رحمةُ الله على قلبك يا أُنثى
ولا أُبدي اعتذارا
أعرفُ الحبَّ.. ولكنْ
لم أكن أملكُ في الأمر اختيارا
كان طُوفانُ الأسى يَهْدِرُ في صدري
وكان الحبُّ نارا
فتوارى!
كان شمساً..
واختفى لما طوى اللّيلُ النهارا
كان عُصفوراً يُغنّي فوق أهدابي
فَلَّما أقبل الصيَّاد طارا!
آه لو لم يُطلق الحُكَّامُ
في جلْدي كلاباً تَتَبارى
آه لو لم يملئوا مجرى دمي زيتاً
وأنفاسي غُبارا
آه لو لم يزرعوا الدَّمعَ
جَواسيسَ على عيني بعيني
ويُقيموا حاجزاً بيني وبيني
آه لو لم يُطْبِقوا حَوْلي الحصارا
ولو احْتَلتُ على النَفسِ فَجاريتُ الصَّغارا
وتناسيتُ الصِّغارا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
قبل أن نختم، كيف تصف واقعنا العربي مع "إسرائيل"؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
النَّملَةُ قالتْ للفيلْ:
قُمْ دَلّكْني
ومُقابل ذلكَ.. ضَحِّكني!
وإذا لم أضحكْ عوِّضني
بالتّقبيل وبالتمويلْ
وإذا لم أقنَعْ.. قدّمْ لي
كُلّ صباح ألفَ قتيلْ!
ضَحك الفيلُ
فشاطتْ غضباً:
تسخر مني يا برميلْ؟
ما المُضحك فيما قد قيلْ؟!
غيري أصغرُ..
لكنْ طلبتْ أكثر مني
غَيركَ أكبرُ..
لكنْ لبّى وَهْوَ ذليلْ
أيّ دليلْ؟
أكبَرُ منكَ بلادُ العُرْبِ،
وأصغرُ منِّي إسرائيل!.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
منصر مرعي
عمان
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
(13) ماذا خط بنان هاشم الرفاعي؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
كتب "هاشم الرفاعي" على لسان مناضل ما في زمان ما رسالة إلى والده قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه قائلاً:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني
والحبل والجلاد منتظران
هذا الكتاب إليك من زنزانة
مقرورة صخرية الجدران
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ليراجع دوافعه التي جعلته يسير منتصبًا ضد تيار الإذعان:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
ويدور همس في الجوانح: ما الذي
بالثورة الحمقاء قد أغراني؟
أولم يكن خيرًا لنفسي أن أُرى
مثل الجموع أسير في إذعان
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويعلن في النهاية عن الموقف الذي انحاز له، رغم ما يلاقيه:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
لو لم أكن في ثورتي متطلبًا
غير الضياء لأمتي لكفاني
أهوى الحياة كريمة، لا قيد، لا
إرهاب، لا استخفاف بالإنسان
فإذا سقطتُ، سقطتُ أحمل عزتي
يغلي دم الأحرار في شرياني
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
حينما تحاول القصيدة مناقشة الهمّ العام انطلاقًا من داخل الفرد، تصبح تجربة ثرية لا تلبث أن ينفك ارتباطها بالزمان والمكان لتصلح للتعبير عن مشاعر وقيم مناضلي ومقاومي كل ظرف، وذلك من بين ما تلمسه رؤية واضحة للشاعر هاشم الرفاعي (1935- 1959)، التي وقف بها في وجه محاولات إذابة الفرد في الجماعة بدعوى الواقعية، والتعبير عن آمال وآلام الجماعة؛ فكان يرى أن الجماعة تتكون من أفراد، وأن آمالها وآلامها يعبر عنها آمال وآلام هؤلاء الأفراد الذين لا يحس بهم أحد، ولعلها هي رؤيته التي ضمنت له التميز وسط مبدعي عصره جميعًا.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
الى عوالمه الشعرية:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فإذا ما قررنا الدخول إلى عالم الرفاعي الشعري لنلامس ملامح تجربته، يمكننا أن ندرك انقسام حياة هاشم الرفاعي الشعرية القصيرة إلى مرحلتين أساسيتين:
الأولى: مرحلة وجوده في معهد الزقازيق الديني.
والثانية: مرحلة طلب العلم في كلية دار العلوم.
وإن لم يكن هناك فرق كبير واضح بين المرحلتين، فإن هذا التقسيم التاريخي يمكن أن يفيد في فهم منطلقات الشاعر، والأسس الفكرية التي بنى عليها قصائده التي لم تتمايز فنيًا على مستوى المرحلتين، مع الأخذ في الاعتبار أن نهاية المرحلة الأولى تزامنت تقريبًا مع قيام ثورة يوليو.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
المرحلة الأولى:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويتضح فيها فنيًا الاهتمام الشديد بغرابة اللغة، غير المستخدمة، في نوع من محاولة التأكيد على سيطرته على هذه اللغة، وكذلك في ناتج واضح للتأثر بالقراءات التراثية المتعددة. وهو ما أدى إلى أن تكون اللغة في حد ذاتها هدفًا من الكتابة في بعض الأحيان، خاصة إذا لاحظنا محاولات الشاعر الدائمة للبحث عن هوية تراثية، الأمر الذي تمثل في اعتماده على الأغراض التقليدية للشعر العربي.
إن غرابة اللفظ، نعني بها هنا استخدامه لألفاظ شاعت في الجاهلية، وشعرها، وقل استخدامها بل اندثر أحيانًا. يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
إذا ما جن ليلكم اجتمعتم
وقد بسط الهناء لكم سبيله
إلى أن تقطعوا في اللهو شطرًا
من الليل الذي أرخى سدوله
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وهنا نلاحظ أن الشاعر لم يستخدم فقط اللفظ الجاهلي "سدوله" بل إنه تجاوز في ذلك استخدام المعنى الذي ابتدعه امرؤ القيس كاملاً حين قال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
وليلٍ كموج البحر أرخى سُدُولَه
عليَّ بأنواع الهموم لِيَبتلي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ونلاحظ أن هذه السمة تتواتر في القصائد المكتوبة قبل عام 1953، في هذه الفترة لم يكن هاشم الرفاعي قد أتم السابعة عشرة من عمره، كما تتواتر في القصائد التي كتبها، في مناسبات دينية. يقول، في ذكرى المولد النبوي عام 1952:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
أولئك قوم عظّم الله أجرهم
فما وجدوا أشهى من الأجر مطلبًا
تزلزل ملك الروم تحت سيوفهم
وخرت بلاد الفرس من وطأة الشبا
(والشبًا جمع شَبَاة وهي حد كل شيء)
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويقول في القصيدة ذاتها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
فقوض عرش البغي في مصر وانثنى
يريد بنا من حندس الذل مهربًا
(والحِنْدِس: هو الليل شديد الظلمة)
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
إن تكرار هذه الظاهرة في كثير من قصائد هذه الفترة في حياة هاشم الرفاعي يجعل منها سمة، تشير بشيء غير قليل إلى تأثر شاعرنا بالمناخ الصوفي الذي تربى فيه، وبقراءاته التراثية.
ويمكن أن نضيف إليها نزعته الحماسية المتأثرة بحداثة السن، إضافة إلى رؤيته لكل الأمور السياسية والاجتماعية على أساس ديني وأخلاقي؛ ولعل هذا ما يميز رؤية وإبداع هاشم الرفاعي عمومًا.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
المرحلة الثاني:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
في المرحلة الثانية اتجه هاشم الرفاعي إلى دار العلوم ودرس الأدب العربي والنقد على يد صفوة ممن أسسوا لهذه العلوم في مصر، ومنهم د. محمد غنيمي هلال، ود. أحمد الحوفي، والأستاذ علي الجندي، ود. كمال بشر، كما ينص في مذكراته، كما أن هذه الفترة قد توازت مع النواتج القومية لثورة يوليو وارتفاع النبرة الواقعية في الأدب، وهنا تخلى شاعرنا عن كثير من إغراقه في الأشكال التراثية، ليتجه إلى أشكال جديدة معبرة عن واقعه حسبما يراه، وكان ذلك على ثلاثة محاور:
- فمن حيث الألفاظ اتجه إلى الألفاظ السهلة والشائعة بين العامة، بما يعني إضفاء روح شعرية جمالية، مع عدم إهدار صحة اللغة واستقامتها كشرط أساسي للإبداع الشعري.
- ومن حيث الأوزان بدأ الشاعر في الاتجاه إلى التخلي عن الأشكال الخليلية للعروض القديم، محاولاً استخدام أنماط متباينة موسيقيًا في القصيدة الواحدة، لكن مع عدم نفي العروض الخليلية تمامًا، وهو ما أدى إلى ظهور الرباعيات، والثنائيات، والقصائد التي تقترب موسيقيًا من شكل الموشح الأندلسي.
- ومن حيث الموضوعات فإن الشاعر قد بدأ جزئيًا في التخلي عن الأغراض القديمة في محاولة منه للاقتراب من نبض الشارع، وبدا مسايرًا للقضايا السياسية في العالم العربي كله، وهو ما يجعله يفرد العديد من قصائده لثورة الجزائر والسودان ونضال الشام عمومًا، بخلاف مسايرته للأحداث السياسية المهمة في مصر مثل تأميم قناة السويس، والجلاء... إلخ.
ومن الواضح أنه لا يمكن الفصل تمامًا بين المرحلتين، نظرًا لقصر الفترة الزمنية التي عاشها الشاعر شاعرًا من ناحية؛ ولأن سمات المرحلتين تتداخل دائمًا، وإنما كان التميز بينهما على أساس شيوع سمة ما في إحدى المرحلتين أكثر من الأخرى.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
شعريته.. الوسام الأكبر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وعلى امتداد المرحلتين تعد أهم الروافد التي أثرت شاعرنا وأثّرت فيه ملخصة في اتجاه أسرته الديني، وقربه من مواقع الأحداث ومراكزها، يضاف إلى ذلك افتتانه منذ صغره بالريف المصري ذي الطبيعة الفطرية الأصيلة التي تجعل المتأمل بها قريبًا من لمس جوهر الأشياء بخفة ظل لا يتمتع بها إلا الفلاح المصري الساخر الأسيان في آن واحد.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك حبه لجلسات شاعر الربابة، الذي ظهر في حفظه للسيرة الهلالية وسيرة "عنترة بن شداد"، وهو لم يزل بعدُ ابن عشر سنوات، وأهم هذه الروافد هو إتمامه لحفظ القرآن الكريم في سن ثماني سنوات، وهو ما أهله ليكون ذا لغة سليمة، مستقيمة، وإحساس مرهف بجماليات اللغة.
ولعل قصر حياة الشاعر -حيث توفي على يد خصومه السياسيين في الرابعة والعشرين من عمره- هو ما جعل الأسى يشتد حين مقتله، فيصفه شيوخ الأدب والشعر في عصره بصفات لا تستقيم إلا لشاعر حقيقي، ويبقى وسامه الأكبر هو شاعريته التي استطاعت بشفافيتها أن تنفذ إلى المستقبل حين عالجت الواقع، فأشهر قصائد هاشم الرفاعي هي ملحمة "رسالة في ليلة التنفيذ" التي يتحدث فيها على لسان مناضل عربي ضد الاستعمار يحكم عليه بالإعدام لنضاله، وهي كذلك في مجمل معانيها تصف ما يمكن أن يقوله الشاعر عن نفسه بعد استشهاده
(13) ماذا خط بنان هاشم الرفاعي؟
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
كتب "هاشم الرفاعي" على لسان مناضل ما في زمان ما رسالة إلى والده قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه قائلاً:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني
والحبل والجلاد منتظران
هذا الكتاب إليك من زنزانة
مقرورة صخرية الجدران
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ليراجع دوافعه التي جعلته يسير منتصبًا ضد تيار الإذعان:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
ويدور همس في الجوانح: ما الذي
بالثورة الحمقاء قد أغراني؟
أولم يكن خيرًا لنفسي أن أُرى
مثل الجموع أسير في إذعان
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويعلن في النهاية عن الموقف الذي انحاز له، رغم ما يلاقيه:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
لو لم أكن في ثورتي متطلبًا
غير الضياء لأمتي لكفاني
أهوى الحياة كريمة، لا قيد، لا
إرهاب، لا استخفاف بالإنسان
فإذا سقطتُ، سقطتُ أحمل عزتي
يغلي دم الأحرار في شرياني
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
حينما تحاول القصيدة مناقشة الهمّ العام انطلاقًا من داخل الفرد، تصبح تجربة ثرية لا تلبث أن ينفك ارتباطها بالزمان والمكان لتصلح للتعبير عن مشاعر وقيم مناضلي ومقاومي كل ظرف، وذلك من بين ما تلمسه رؤية واضحة للشاعر هاشم الرفاعي (1935- 1959)، التي وقف بها في وجه محاولات إذابة الفرد في الجماعة بدعوى الواقعية، والتعبير عن آمال وآلام الجماعة؛ فكان يرى أن الجماعة تتكون من أفراد، وأن آمالها وآلامها يعبر عنها آمال وآلام هؤلاء الأفراد الذين لا يحس بهم أحد، ولعلها هي رؤيته التي ضمنت له التميز وسط مبدعي عصره جميعًا.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
الى عوالمه الشعرية:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فإذا ما قررنا الدخول إلى عالم الرفاعي الشعري لنلامس ملامح تجربته، يمكننا أن ندرك انقسام حياة هاشم الرفاعي الشعرية القصيرة إلى مرحلتين أساسيتين:
الأولى: مرحلة وجوده في معهد الزقازيق الديني.
والثانية: مرحلة طلب العلم في كلية دار العلوم.
وإن لم يكن هناك فرق كبير واضح بين المرحلتين، فإن هذا التقسيم التاريخي يمكن أن يفيد في فهم منطلقات الشاعر، والأسس الفكرية التي بنى عليها قصائده التي لم تتمايز فنيًا على مستوى المرحلتين، مع الأخذ في الاعتبار أن نهاية المرحلة الأولى تزامنت تقريبًا مع قيام ثورة يوليو.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
المرحلة الأولى:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويتضح فيها فنيًا الاهتمام الشديد بغرابة اللغة، غير المستخدمة، في نوع من محاولة التأكيد على سيطرته على هذه اللغة، وكذلك في ناتج واضح للتأثر بالقراءات التراثية المتعددة. وهو ما أدى إلى أن تكون اللغة في حد ذاتها هدفًا من الكتابة في بعض الأحيان، خاصة إذا لاحظنا محاولات الشاعر الدائمة للبحث عن هوية تراثية، الأمر الذي تمثل في اعتماده على الأغراض التقليدية للشعر العربي.
إن غرابة اللفظ، نعني بها هنا استخدامه لألفاظ شاعت في الجاهلية، وشعرها، وقل استخدامها بل اندثر أحيانًا. يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
إذا ما جن ليلكم اجتمعتم
وقد بسط الهناء لكم سبيله
إلى أن تقطعوا في اللهو شطرًا
من الليل الذي أرخى سدوله
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وهنا نلاحظ أن الشاعر لم يستخدم فقط اللفظ الجاهلي "سدوله" بل إنه تجاوز في ذلك استخدام المعنى الذي ابتدعه امرؤ القيس كاملاً حين قال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
وليلٍ كموج البحر أرخى سُدُولَه
عليَّ بأنواع الهموم لِيَبتلي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ونلاحظ أن هذه السمة تتواتر في القصائد المكتوبة قبل عام 1953، في هذه الفترة لم يكن هاشم الرفاعي قد أتم السابعة عشرة من عمره، كما تتواتر في القصائد التي كتبها، في مناسبات دينية. يقول، في ذكرى المولد النبوي عام 1952:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
أولئك قوم عظّم الله أجرهم
فما وجدوا أشهى من الأجر مطلبًا
تزلزل ملك الروم تحت سيوفهم
وخرت بلاد الفرس من وطأة الشبا
(والشبًا جمع شَبَاة وهي حد كل شيء)
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويقول في القصيدة ذاتها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
فقوض عرش البغي في مصر وانثنى
يريد بنا من حندس الذل مهربًا
(والحِنْدِس: هو الليل شديد الظلمة)
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
إن تكرار هذه الظاهرة في كثير من قصائد هذه الفترة في حياة هاشم الرفاعي يجعل منها سمة، تشير بشيء غير قليل إلى تأثر شاعرنا بالمناخ الصوفي الذي تربى فيه، وبقراءاته التراثية.
ويمكن أن نضيف إليها نزعته الحماسية المتأثرة بحداثة السن، إضافة إلى رؤيته لكل الأمور السياسية والاجتماعية على أساس ديني وأخلاقي؛ ولعل هذا ما يميز رؤية وإبداع هاشم الرفاعي عمومًا.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
المرحلة الثاني:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
في المرحلة الثانية اتجه هاشم الرفاعي إلى دار العلوم ودرس الأدب العربي والنقد على يد صفوة ممن أسسوا لهذه العلوم في مصر، ومنهم د. محمد غنيمي هلال، ود. أحمد الحوفي، والأستاذ علي الجندي، ود. كمال بشر، كما ينص في مذكراته، كما أن هذه الفترة قد توازت مع النواتج القومية لثورة يوليو وارتفاع النبرة الواقعية في الأدب، وهنا تخلى شاعرنا عن كثير من إغراقه في الأشكال التراثية، ليتجه إلى أشكال جديدة معبرة عن واقعه حسبما يراه، وكان ذلك على ثلاثة محاور:
- فمن حيث الألفاظ اتجه إلى الألفاظ السهلة والشائعة بين العامة، بما يعني إضفاء روح شعرية جمالية، مع عدم إهدار صحة اللغة واستقامتها كشرط أساسي للإبداع الشعري.
- ومن حيث الأوزان بدأ الشاعر في الاتجاه إلى التخلي عن الأشكال الخليلية للعروض القديم، محاولاً استخدام أنماط متباينة موسيقيًا في القصيدة الواحدة، لكن مع عدم نفي العروض الخليلية تمامًا، وهو ما أدى إلى ظهور الرباعيات، والثنائيات، والقصائد التي تقترب موسيقيًا من شكل الموشح الأندلسي.
- ومن حيث الموضوعات فإن الشاعر قد بدأ جزئيًا في التخلي عن الأغراض القديمة في محاولة منه للاقتراب من نبض الشارع، وبدا مسايرًا للقضايا السياسية في العالم العربي كله، وهو ما يجعله يفرد العديد من قصائده لثورة الجزائر والسودان ونضال الشام عمومًا، بخلاف مسايرته للأحداث السياسية المهمة في مصر مثل تأميم قناة السويس، والجلاء... إلخ.
ومن الواضح أنه لا يمكن الفصل تمامًا بين المرحلتين، نظرًا لقصر الفترة الزمنية التي عاشها الشاعر شاعرًا من ناحية؛ ولأن سمات المرحلتين تتداخل دائمًا، وإنما كان التميز بينهما على أساس شيوع سمة ما في إحدى المرحلتين أكثر من الأخرى.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
شعريته.. الوسام الأكبر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وعلى امتداد المرحلتين تعد أهم الروافد التي أثرت شاعرنا وأثّرت فيه ملخصة في اتجاه أسرته الديني، وقربه من مواقع الأحداث ومراكزها، يضاف إلى ذلك افتتانه منذ صغره بالريف المصري ذي الطبيعة الفطرية الأصيلة التي تجعل المتأمل بها قريبًا من لمس جوهر الأشياء بخفة ظل لا يتمتع بها إلا الفلاح المصري الساخر الأسيان في آن واحد.
ويمكن أن نضيف إلى ذلك حبه لجلسات شاعر الربابة، الذي ظهر في حفظه للسيرة الهلالية وسيرة "عنترة بن شداد"، وهو لم يزل بعدُ ابن عشر سنوات، وأهم هذه الروافد هو إتمامه لحفظ القرآن الكريم في سن ثماني سنوات، وهو ما أهله ليكون ذا لغة سليمة، مستقيمة، وإحساس مرهف بجماليات اللغة.
ولعل قصر حياة الشاعر -حيث توفي على يد خصومه السياسيين في الرابعة والعشرين من عمره- هو ما جعل الأسى يشتد حين مقتله، فيصفه شيوخ الأدب والشعر في عصره بصفات لا تستقيم إلا لشاعر حقيقي، ويبقى وسامه الأكبر هو شاعريته التي استطاعت بشفافيتها أن تنفذ إلى المستقبل حين عالجت الواقع، فأشهر قصائد هاشم الرفاعي هي ملحمة "رسالة في ليلة التنفيذ" التي يتحدث فيها على لسان مناضل عربي ضد الاستعمار يحكم عليه بالإعدام لنضاله، وهي كذلك في مجمل معانيها تصف ما يمكن أن يقوله الشاعر عن نفسه بعد استشهاده
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
(14) شعر الجهاد الأفغاني.. وإرهاصات المحنة:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أهم موضوعات الشعر الأفغاني هي الدعوة للإسلام أو للجهاد، ومن ثَمَّ فإن شعر الجهاد يتخذ لنفسه مساحة كبيرة في الصدارة من الشعر الأفغاني منذ ظَهَرَ الشعر بعد اعتناق الأفغان الإسلام، مرورًا بالدولة الغزنوية التي كانت تجاهد من أجل نشر الإسلام في بلاد الهند وبالغور والإلخانيين والأبداليين والغلزائيين، وحتى الاستقلال، ثم في مواجهة الشيوعيين.
ولسنا بصدد الحديث عن هذا كله، وإنما يكفينا أن نعرض لشعر الجهاد المعاصر كنموذج لهذا النوع من الشعر، وما عبر عنه من تداعيات حتى إرهاصات المحنة.
الحق أن دعوة الشعر للجهاد في مواجهة قوات الاحتلال السوفييتية لم تكن دعوة للثورة المطلقة التي ألقت بظلالها على أفغانستان بعد خروج القوات السوفييتية منها، بل كانت دعوة محددة بالأطر التي ينبغي أن يلتزم بها الشعب الأفغاني المسلم، وهي أطر إسلامية مستقاة من القرآن الكريم.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر كمال الدين أحد الشعراء الأفغان:
أيها المسلمون، إن أساس حربنا القرآن
وإن صيحة "الله أكبر" هي خنجرنا الحاد
وإن سورة "إنا فتحنا" هي من الله في شأننا
وإزاءها هذه روحنا وقف على الدين المبين
لا تضع قطن الغفلة في أذن الرأس المثقلة بالنوم
فالثورةَ الثورة...
تعالي أيتها الثورة
لقد قال الحق تعالى في كتابه" "وجاهد الكفار"
وصرح لنا بقوله في آية "واغلظ عليهم"
وتوعد الكفار بالبأس ودخول النار
وقال بأن مكاننا جنات تجري تحتها الأنهار
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد اتخذ شعر الجهاد اتجاهًا متطورًا، يُعنَى بالجهاد الإسلامي ضد الكفر، خاصة الشيوعية التي خربت مقومات الإنسان الأفغاني، وكذلك ضد قوات الاحتلال السوفييتية، ثم يتطور فتنعكس فيه حركة الأحداث في أفغانستان بعد سقوط الحكم الشيوعي، وانسحاب القوات السوفييتية، وإعلان الجمهورية الإسلامية، ثم تصارع النفوذ بين الجماعات الجهادية المختلفة وتأثيره على الأفغان وإرهاصات المحنة.
وإذا كان شعر الجهاد قد تطرق إلى كل الموضوعات من سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية، مبرزًا مضامينها في اهتمام بالغ، فإنه لم يعطِ العناية ذاتها للأسلوب؛ حيث غلبت الروح التقليدية للإنسان الأفغاني على أسلوب الشعر الجهادي؛ فاتخذ القوالب التقليدية، وهجر القوالب الجديدة التي ابتكرها الشعراء المحدثون.
ولكن نظرًا لطبيعة موضوعات هذا الشعر الحماسية؛ فقد اهتم الشعراء بموسيقى الوزن والقافية اهتمامًا كبيرًا إلى الحدِّ الذي يمكن القول معه بأن أشعارهم بمثابة أناشيد ملحنة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "برات محمد سودا":
لقد كان خريف الجهاد عند أهل العقل
أروع وأفضل من ربيع الاستعمار
وقد أدى المجاهدون المحبون لله امتحان الجهاد
بيد خالية وقدم حافية وشفاه جافة
فهُزِمَ مَنْ لم يكن يقبل الهزيمة في العالم
هُزِمَ عدو الإسلام وعدو البلاد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
القوالب الشعرية:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد كان المثنوي القالب صاحب الحظوة عند جميع الشعراء؛ نظرًا لقدرته على استيعاب المنظومات الحماسية التي تتفق مع روح المقاومة والحرب، وحيث إنه متحرر القافية إلى حدٍّ كبير، فقد تخلَّص من محدودية القوالب الأخرى؛ وهو ما سهَّل استخدامه في رواية قصص البطولات والمعارك، ونظم الدعوة للجهاد، وصياغة المبادئ والقيم الإسلامية المساعدة على استمرار المقاومة.
ولا شك أن الشخصية القومية الأفغانية تُعتبر من أهم الأسباب التي دعت الشعراء إلى التمسك بالقالب التقليدي وعدم مجاراة شعر شعوب المنطقة، وخاصة الشعر الإيراني القريب من الشعر الأفغاني في الأخذ بالقوالب الجديدة أو نظم الشعر الأبيض، حتى إن الشعر الأفغاني الذي نُظِّم من خلال القوالب الجديدة يحتل المرتبة الثالثة أو دونها عند النقد من حيث تذوقه والاهتمام بنشره وقراءته، ولم يحظَ الشعراء الذين اهتموا به، أمثال: "عبد الله نايبي"، و"واصف باختري"، و"حيدر لهيب"، و"عبد القهار ماض"، بالشهرة التي حظي بها أقرانهم ممن نظموا في القوالب التقليدية.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "مستمند":
نحن في أرض معركة السيف والمجن
نضرم النار في بيدر العدو بسيف الحق
نحن في حرب حُبًّا في الوطن حتى ألف عام
ولو بالسهم والمشعل والفيل والفأس
إننا أتباع الإسلام وعزته حراس يقظون طوال الليل حتى السحر
لقد غسلنا أيدينا جميعًا من الحياة حُبًّا في الوطن
فاحمل ماءك أيها الخضر، وخذه للآخرين
إننا ندمر دنيا الظالمين البالية
ونرسي مشروعًا جديدًا لعالم آخر
ليس فيه فقر ولا كفر أحمر
ولا عبادة القوة ولا خداع الذهب الحقير
عندئذ تصبح القوة والذهب متاعًا حقيرًا بغيضًا
ولا يُعبَد أحد من البشر غير الله بعد ذلك
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
الحرية والشعر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد حفلت الصحف والمجلات الأفغانية -وخاصة تلك التي أنشأتها الجماعات الجهادية- بشعر الجهاد، وأفسحت له العديد من صفحاتها، ليس لأنه العنصر الفعال في رواج الصحيفة أو المجلة فحسب؛ بل لقيمته العالية لدى القراء والمجاهدين؛ مثقفين ونصف مثقفين وعامة، ولتميزه أيضًا في المعاني والمضامين، وقدرته على النفاذ إلى وجدان الجماهير.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "جلال فرهيخته":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
مَنْ كان الله له معينًا فأي خوف له من الأعداء
حتى لو كان عدوه قويًّا سفاكًا للغاية؟
مَنْ يفتح الطريق وفي كفه مشعل الإيمان
لا يستطيع جبل أو هاوية أن تسد عليه الطريق
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
عندما ظهرت جماعة طالبان وسط الاختلاف الدائر بين الجماعات الجهادية التي تنتمي إلى أعراق مختلفة، ارتدَّت هذه الجماعات بذاكرتها إلى الأوضاع التي سادت أفغانستان قبل الاحتلال السوفيتي والحكومة الشيوعية؛ حيث كان الباشتون منذ عهد "عبد الرحمن خان" يسيطرون على كل شيء في أفغانستان، ويضغطون بشدة على الأعراق الأخرى، ولمَّا كانت الجماعات الجهادية غير راغبة في أن يعيد حكم طالبان الكرَّة، خاصة بعد أن تبيَّن من أسلوبهم أنهم يعودون للعصور السابقة؛ فقد تحالفت ضد طالبان، وكثر في شعر الجهاد الحديث عن الحرية والعدالة؛ حيث أدرك الشعراء أنه ما من سبيل إلى إصلاح الأمور في أفغانستان خير من الوحدة بين المجاهدين على اختلاف انتماءاتهم من خلال هدفين، هما: الحفاظ على الحرية، ونشر العدالة الاجتماعية. ولا شك أن تحقيق هذين الهدفين منوط بتشكيل حكومة تضم كل الأعراق لتتولى أمر البلاد.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "م. حنيف":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
ذلك الرجل الذي يشتري برأسه اسم الوطن وحرية هذا البلد العريق وعمرانه..
ذلك الرجل الذي يريق وجوده كله وماله وكيانه في سبيل حرية البلاد..
ذلك الرجل الذي يجعل أحجار الصحارى والخرائب خضراء كالربيع بفيض جهاده..
ذلك الحافي القدم.. ذلك البطل محطم القيد..
نعتبره أصل الفخر
ويقول الشاعر "پيغام":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
إن عالم الحرية أجمل عالم
نسيمه يدلل الروح في وادي القلوب
ليلته قدر وبراءة، ونهاره عيد
وحريمه كعبة آمال الروح
ويقول الشاعر "برات محمد سودا":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
لسنا طالبي سلطة في الزمان بغير الإسلام
ولسنا بشرًا إن حاربنا باسم الفرد
لسنا أفغانًا إن طلبنا المنصب والجاه
ولسنا مسلمين إن كان هدفنا الشهرة
وسوف يكون نور الإسلام مصباح بلادنا عما قريب
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
بعد الجهاد:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
كان من المتوقع بعد نجاح جماعات الجهاد في طرد المحتل السوفيتي وإسقاط الحكومة الشيوعية أن تسود القيم الإسلامية في بلاد الأفغان، وأن تلتزم الجماعات بروح الجهاد، وأن تحقق الشعارات التي رفعتها خلال سنوات الجهاد، وأن تعمل يدًا واحدة من أجل الحفاظ على استقلال البلاد وإعادة تعميرها؛ حيث كان من الضروري إعادة بناء كل شيء في أفغانستان؛ سواء كان ماديًّا، أو معنويًّا من المدرسة إلى نظام التعليم، ومن البيت إلى نظام الإدارة، ومن المزرعة إلى نظام التعاون الزراعي، ومن المصنع إلى نظام اقتصاد السوق، ومن البيئة الطبيعية إلى الإنسان.
لكن تصارع الجماعات جعل هذه الأولويات تتراجع، وهذه الآمال تتبدد، ويزداد اليأس ويستشري الفساد، وأحال المجتمع الأفغاني إلى أطلال نفوس، كما أحال البلاد الأفغانية إلى أطلال منازل، وقد انعكس ذلك كله في الشعر فطغت ظاهرة الاغتراب عليه؛ لأن الاغتراب أصبح حقيقة بين الأفغان؛ سواء بالهجرة خارج البلاد، وخاصة إلى الدول المجاورة، أو اغترابًا داخل البلاد الأفغانية ذاتها في الجبال والصحارى، أو اغترابًا نفسيًّا داخل المجتمع.
ولقد أنتجت هذه الظاهرة شعرًا رقيقًا عذبًا يعبر عن هول هذه المأساة، وأنضجت تجربة الهجرة شعراء كثيرين أجادوا التعبير عن المحنة؛ مثل: "محمد كاظم"، و"سيد أبو طالب مظفري"، و"إسماعيل بلخي"، و"سيد زكريا راحل"، وغيرهم.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "سيد زكريا راحل":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
آهٍ يا وطني المر
إنك وحيد مثلي وأنا وحيد مثلك
غريبان في الأرض
ويقول الشاعر "يد فضل الله قدسي":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
إنني مثل بلبل ابتعد عن الحديقة
وليس لي ميل للطيران خارج العش
صدقوني.. ليس في قلبي شوق لإنشاد غزل العشق
هنا تتفتح البراعم
ولكن منذ زمن ليس في بلادنا علامة على حضور الربيع
ليس من شعر الربيع هناك في ذهن الحديقة
سوى خاطرات مريرة لآلاف الشباب
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد كان لتعدد مراكز السلطة في أفغانستان أثر سلبي على الأوضاع، خاصة مع الاشتباكات المتلاحقة بين الفصائل، والقصف المستمر للعاصمة، ووقوع آلاف القتلى والجرحى من المدنيين والعسكريين، وتخريب المدن والمزارع والأبنية العامة والتاريخية، وتداعي المرافق وسقوط البنية التحتية، مع تشدد طالبان في الحكم والإدارة.. وقد انعكس هذا على شعر الجهاد؛ فتحوَّل إلى شعر يعبر عن المحنة ويرهص بقدوم محنة أكبر.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "علي دهقاني":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
بسط الشتاء ظله على الأفغان
وذاق العصفور ألم الهجران
وتمزق جسد (محافظة) بدخشان
التي كانت أرض الربيع بخنجر الأحباء
ويقول الشاعر "سيد أبو طالب مظفري":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
شكواي المريرة هي تاريخ قبيلتي المنحوسة
حديقة عزتنا القديمة جفت وجف حقل الأماني
محا الريح الاسم فصار العار
وصار جواد صاحبنا الميت حجرًا
صرنا متحجري القلب
وسرنا خلفه نسوق لسنوات حصانًا خشبيًّا
صارت أيدينا سُخرة للصقور
وأضاعت متاهتنا الكعبة
وُلد الخنجر والقيد معنا
وآهٍ من جرح ابن أمي
عميت عين أمل شفائي
وصار جرح ابن أمي غير قابل للشفاء
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وإذا كان الإحساس بالمحنة قد جعل شعراء الجهاد يستسلمون للحزن والألم فإن الكثيرين منهم -خاصة الشعراء الفرسان الذين شاركوا في معارك الجهاد- ما زالوا على يقينهم بأن هذه المحنة مؤقتة، وسرعان ما تعود أفغانستان إلى سابق عهدها موطنًا للعزة والكرامة، وبلد الجهاد والحرية والبطولة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "عبد القهّار عاصي":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
هذا شعبي الذي طوَّق بيده شعاع الشمس
وهذه قبضاته التي تدق بيقين أبواب القرن الشكوكة المغلقة
تيقنوا أن هذا شعبي
حيث تتكرر المعجزة باسم الإنسان بمصطلح الحب
(14) شعر الجهاد الأفغاني.. وإرهاصات المحنة:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أهم موضوعات الشعر الأفغاني هي الدعوة للإسلام أو للجهاد، ومن ثَمَّ فإن شعر الجهاد يتخذ لنفسه مساحة كبيرة في الصدارة من الشعر الأفغاني منذ ظَهَرَ الشعر بعد اعتناق الأفغان الإسلام، مرورًا بالدولة الغزنوية التي كانت تجاهد من أجل نشر الإسلام في بلاد الهند وبالغور والإلخانيين والأبداليين والغلزائيين، وحتى الاستقلال، ثم في مواجهة الشيوعيين.
ولسنا بصدد الحديث عن هذا كله، وإنما يكفينا أن نعرض لشعر الجهاد المعاصر كنموذج لهذا النوع من الشعر، وما عبر عنه من تداعيات حتى إرهاصات المحنة.
الحق أن دعوة الشعر للجهاد في مواجهة قوات الاحتلال السوفييتية لم تكن دعوة للثورة المطلقة التي ألقت بظلالها على أفغانستان بعد خروج القوات السوفييتية منها، بل كانت دعوة محددة بالأطر التي ينبغي أن يلتزم بها الشعب الأفغاني المسلم، وهي أطر إسلامية مستقاة من القرآن الكريم.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر كمال الدين أحد الشعراء الأفغان:
أيها المسلمون، إن أساس حربنا القرآن
وإن صيحة "الله أكبر" هي خنجرنا الحاد
وإن سورة "إنا فتحنا" هي من الله في شأننا
وإزاءها هذه روحنا وقف على الدين المبين
لا تضع قطن الغفلة في أذن الرأس المثقلة بالنوم
فالثورةَ الثورة...
تعالي أيتها الثورة
لقد قال الحق تعالى في كتابه" "وجاهد الكفار"
وصرح لنا بقوله في آية "واغلظ عليهم"
وتوعد الكفار بالبأس ودخول النار
وقال بأن مكاننا جنات تجري تحتها الأنهار
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد اتخذ شعر الجهاد اتجاهًا متطورًا، يُعنَى بالجهاد الإسلامي ضد الكفر، خاصة الشيوعية التي خربت مقومات الإنسان الأفغاني، وكذلك ضد قوات الاحتلال السوفييتية، ثم يتطور فتنعكس فيه حركة الأحداث في أفغانستان بعد سقوط الحكم الشيوعي، وانسحاب القوات السوفييتية، وإعلان الجمهورية الإسلامية، ثم تصارع النفوذ بين الجماعات الجهادية المختلفة وتأثيره على الأفغان وإرهاصات المحنة.
وإذا كان شعر الجهاد قد تطرق إلى كل الموضوعات من سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية، مبرزًا مضامينها في اهتمام بالغ، فإنه لم يعطِ العناية ذاتها للأسلوب؛ حيث غلبت الروح التقليدية للإنسان الأفغاني على أسلوب الشعر الجهادي؛ فاتخذ القوالب التقليدية، وهجر القوالب الجديدة التي ابتكرها الشعراء المحدثون.
ولكن نظرًا لطبيعة موضوعات هذا الشعر الحماسية؛ فقد اهتم الشعراء بموسيقى الوزن والقافية اهتمامًا كبيرًا إلى الحدِّ الذي يمكن القول معه بأن أشعارهم بمثابة أناشيد ملحنة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "برات محمد سودا":
لقد كان خريف الجهاد عند أهل العقل
أروع وأفضل من ربيع الاستعمار
وقد أدى المجاهدون المحبون لله امتحان الجهاد
بيد خالية وقدم حافية وشفاه جافة
فهُزِمَ مَنْ لم يكن يقبل الهزيمة في العالم
هُزِمَ عدو الإسلام وعدو البلاد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
القوالب الشعرية:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد كان المثنوي القالب صاحب الحظوة عند جميع الشعراء؛ نظرًا لقدرته على استيعاب المنظومات الحماسية التي تتفق مع روح المقاومة والحرب، وحيث إنه متحرر القافية إلى حدٍّ كبير، فقد تخلَّص من محدودية القوالب الأخرى؛ وهو ما سهَّل استخدامه في رواية قصص البطولات والمعارك، ونظم الدعوة للجهاد، وصياغة المبادئ والقيم الإسلامية المساعدة على استمرار المقاومة.
ولا شك أن الشخصية القومية الأفغانية تُعتبر من أهم الأسباب التي دعت الشعراء إلى التمسك بالقالب التقليدي وعدم مجاراة شعر شعوب المنطقة، وخاصة الشعر الإيراني القريب من الشعر الأفغاني في الأخذ بالقوالب الجديدة أو نظم الشعر الأبيض، حتى إن الشعر الأفغاني الذي نُظِّم من خلال القوالب الجديدة يحتل المرتبة الثالثة أو دونها عند النقد من حيث تذوقه والاهتمام بنشره وقراءته، ولم يحظَ الشعراء الذين اهتموا به، أمثال: "عبد الله نايبي"، و"واصف باختري"، و"حيدر لهيب"، و"عبد القهار ماض"، بالشهرة التي حظي بها أقرانهم ممن نظموا في القوالب التقليدية.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "مستمند":
نحن في أرض معركة السيف والمجن
نضرم النار في بيدر العدو بسيف الحق
نحن في حرب حُبًّا في الوطن حتى ألف عام
ولو بالسهم والمشعل والفيل والفأس
إننا أتباع الإسلام وعزته حراس يقظون طوال الليل حتى السحر
لقد غسلنا أيدينا جميعًا من الحياة حُبًّا في الوطن
فاحمل ماءك أيها الخضر، وخذه للآخرين
إننا ندمر دنيا الظالمين البالية
ونرسي مشروعًا جديدًا لعالم آخر
ليس فيه فقر ولا كفر أحمر
ولا عبادة القوة ولا خداع الذهب الحقير
عندئذ تصبح القوة والذهب متاعًا حقيرًا بغيضًا
ولا يُعبَد أحد من البشر غير الله بعد ذلك
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
الحرية والشعر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد حفلت الصحف والمجلات الأفغانية -وخاصة تلك التي أنشأتها الجماعات الجهادية- بشعر الجهاد، وأفسحت له العديد من صفحاتها، ليس لأنه العنصر الفعال في رواج الصحيفة أو المجلة فحسب؛ بل لقيمته العالية لدى القراء والمجاهدين؛ مثقفين ونصف مثقفين وعامة، ولتميزه أيضًا في المعاني والمضامين، وقدرته على النفاذ إلى وجدان الجماهير.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "جلال فرهيخته":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
مَنْ كان الله له معينًا فأي خوف له من الأعداء
حتى لو كان عدوه قويًّا سفاكًا للغاية؟
مَنْ يفتح الطريق وفي كفه مشعل الإيمان
لا يستطيع جبل أو هاوية أن تسد عليه الطريق
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
عندما ظهرت جماعة طالبان وسط الاختلاف الدائر بين الجماعات الجهادية التي تنتمي إلى أعراق مختلفة، ارتدَّت هذه الجماعات بذاكرتها إلى الأوضاع التي سادت أفغانستان قبل الاحتلال السوفيتي والحكومة الشيوعية؛ حيث كان الباشتون منذ عهد "عبد الرحمن خان" يسيطرون على كل شيء في أفغانستان، ويضغطون بشدة على الأعراق الأخرى، ولمَّا كانت الجماعات الجهادية غير راغبة في أن يعيد حكم طالبان الكرَّة، خاصة بعد أن تبيَّن من أسلوبهم أنهم يعودون للعصور السابقة؛ فقد تحالفت ضد طالبان، وكثر في شعر الجهاد الحديث عن الحرية والعدالة؛ حيث أدرك الشعراء أنه ما من سبيل إلى إصلاح الأمور في أفغانستان خير من الوحدة بين المجاهدين على اختلاف انتماءاتهم من خلال هدفين، هما: الحفاظ على الحرية، ونشر العدالة الاجتماعية. ولا شك أن تحقيق هذين الهدفين منوط بتشكيل حكومة تضم كل الأعراق لتتولى أمر البلاد.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "م. حنيف":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
ذلك الرجل الذي يشتري برأسه اسم الوطن وحرية هذا البلد العريق وعمرانه..
ذلك الرجل الذي يريق وجوده كله وماله وكيانه في سبيل حرية البلاد..
ذلك الرجل الذي يجعل أحجار الصحارى والخرائب خضراء كالربيع بفيض جهاده..
ذلك الحافي القدم.. ذلك البطل محطم القيد..
نعتبره أصل الفخر
ويقول الشاعر "پيغام":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
إن عالم الحرية أجمل عالم
نسيمه يدلل الروح في وادي القلوب
ليلته قدر وبراءة، ونهاره عيد
وحريمه كعبة آمال الروح
ويقول الشاعر "برات محمد سودا":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
لسنا طالبي سلطة في الزمان بغير الإسلام
ولسنا بشرًا إن حاربنا باسم الفرد
لسنا أفغانًا إن طلبنا المنصب والجاه
ولسنا مسلمين إن كان هدفنا الشهرة
وسوف يكون نور الإسلام مصباح بلادنا عما قريب
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
بعد الجهاد:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
كان من المتوقع بعد نجاح جماعات الجهاد في طرد المحتل السوفيتي وإسقاط الحكومة الشيوعية أن تسود القيم الإسلامية في بلاد الأفغان، وأن تلتزم الجماعات بروح الجهاد، وأن تحقق الشعارات التي رفعتها خلال سنوات الجهاد، وأن تعمل يدًا واحدة من أجل الحفاظ على استقلال البلاد وإعادة تعميرها؛ حيث كان من الضروري إعادة بناء كل شيء في أفغانستان؛ سواء كان ماديًّا، أو معنويًّا من المدرسة إلى نظام التعليم، ومن البيت إلى نظام الإدارة، ومن المزرعة إلى نظام التعاون الزراعي، ومن المصنع إلى نظام اقتصاد السوق، ومن البيئة الطبيعية إلى الإنسان.
لكن تصارع الجماعات جعل هذه الأولويات تتراجع، وهذه الآمال تتبدد، ويزداد اليأس ويستشري الفساد، وأحال المجتمع الأفغاني إلى أطلال نفوس، كما أحال البلاد الأفغانية إلى أطلال منازل، وقد انعكس ذلك كله في الشعر فطغت ظاهرة الاغتراب عليه؛ لأن الاغتراب أصبح حقيقة بين الأفغان؛ سواء بالهجرة خارج البلاد، وخاصة إلى الدول المجاورة، أو اغترابًا داخل البلاد الأفغانية ذاتها في الجبال والصحارى، أو اغترابًا نفسيًّا داخل المجتمع.
ولقد أنتجت هذه الظاهرة شعرًا رقيقًا عذبًا يعبر عن هول هذه المأساة، وأنضجت تجربة الهجرة شعراء كثيرين أجادوا التعبير عن المحنة؛ مثل: "محمد كاظم"، و"سيد أبو طالب مظفري"، و"إسماعيل بلخي"، و"سيد زكريا راحل"، وغيرهم.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "سيد زكريا راحل":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
آهٍ يا وطني المر
إنك وحيد مثلي وأنا وحيد مثلك
غريبان في الأرض
ويقول الشاعر "يد فضل الله قدسي":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
إنني مثل بلبل ابتعد عن الحديقة
وليس لي ميل للطيران خارج العش
صدقوني.. ليس في قلبي شوق لإنشاد غزل العشق
هنا تتفتح البراعم
ولكن منذ زمن ليس في بلادنا علامة على حضور الربيع
ليس من شعر الربيع هناك في ذهن الحديقة
سوى خاطرات مريرة لآلاف الشباب
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد كان لتعدد مراكز السلطة في أفغانستان أثر سلبي على الأوضاع، خاصة مع الاشتباكات المتلاحقة بين الفصائل، والقصف المستمر للعاصمة، ووقوع آلاف القتلى والجرحى من المدنيين والعسكريين، وتخريب المدن والمزارع والأبنية العامة والتاريخية، وتداعي المرافق وسقوط البنية التحتية، مع تشدد طالبان في الحكم والإدارة.. وقد انعكس هذا على شعر الجهاد؛ فتحوَّل إلى شعر يعبر عن المحنة ويرهص بقدوم محنة أكبر.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "علي دهقاني":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
بسط الشتاء ظله على الأفغان
وذاق العصفور ألم الهجران
وتمزق جسد (محافظة) بدخشان
التي كانت أرض الربيع بخنجر الأحباء
ويقول الشاعر "سيد أبو طالب مظفري":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
شكواي المريرة هي تاريخ قبيلتي المنحوسة
حديقة عزتنا القديمة جفت وجف حقل الأماني
محا الريح الاسم فصار العار
وصار جواد صاحبنا الميت حجرًا
صرنا متحجري القلب
وسرنا خلفه نسوق لسنوات حصانًا خشبيًّا
صارت أيدينا سُخرة للصقور
وأضاعت متاهتنا الكعبة
وُلد الخنجر والقيد معنا
وآهٍ من جرح ابن أمي
عميت عين أمل شفائي
وصار جرح ابن أمي غير قابل للشفاء
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وإذا كان الإحساس بالمحنة قد جعل شعراء الجهاد يستسلمون للحزن والألم فإن الكثيرين منهم -خاصة الشعراء الفرسان الذين شاركوا في معارك الجهاد- ما زالوا على يقينهم بأن هذه المحنة مؤقتة، وسرعان ما تعود أفغانستان إلى سابق عهدها موطنًا للعزة والكرامة، وبلد الجهاد والحرية والبطولة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
يقول الشاعر "عبد القهّار عاصي":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=purple face=
هذا شعبي الذي طوَّق بيده شعاع الشمس
وهذه قبضاته التي تدق بيقين أبواب القرن الشكوكة المغلقة
تيقنوا أن هذا شعبي
حيث تتكرر المعجزة باسم الإنسان بمصطلح الحب
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
-
- بوح دائم
- مشاركات: 173
- اشترك في: 03-13-2002 01:28 PM
- اتصال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
(15) الشعراء الزنوج: بأيادينا السوداء سنحرر البشر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
تمثل قضية اللون أو العنصر هاجسًا بالنسبة للمثقفين الأفارقة على اختلاف أماكنهم واتجاهاتهم، ونظرًا لفظاعة الأحداث والوقائع التي خبروها، ظلّت القضية همًا يقض مضاجع الأدباء، ولم يجدوا بُدًّا من ترجمتها في أعمالهم وإنتاجهم الأدبي والفني؛ تمشيًا مع ما يعرف في الدراسات الأدبية "بالتجربة الشعورية".
وقد كان الشعراء الزنوج أكثر من عبّر عن ذلك من خلال القصائد والأعمال الملحمية المختلفة، ومن خلال استعراض سريع فقد حظيت قضية اللون باهتمام كبير واستحوذت على حيز أوسع في وجدان الشعراء السود، حيث تتواجد فيما يزيد عن 60% من إنتاجهم.
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال عن المبررات التي تسوغ هذا التواجد الكبير في خلد الإنسان الإفريقي.
معروف أن الجلد هو أكبر عضو في الجسم ويعتبر من علامات العنصر المميزة، وقد عانى الإنسان الزنجي عميقًا؛ بسبب لونه الأسود عبر التاريخ، فقد كان دائمًا هو العبد المستغل والأقل شأنًا الذي لا يصلح إلا للسخرة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
الضغط يولّد الإبداع:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولعل من القصص التي أثارت ضجة عند الشعراء الزنوج قصة "مغامرة الأرنب الأسود"، الذي تزوج في ضوء القمر من أرنبة بيضاء، والتي أقام البيض الدنيا بسببها ونجحت ضغوط البيض في منع ومصادرة الكتاب من جميع المكتبات؛ بدعوى أن ما يصلح للأرانب يمكن أن يصلح للناس، وكتبت جميع الصحف العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية متسائلة: "أنه إذا حدث أن تزوّج زنجي بامرأة بيضاء، فإلى أين يكون مصيرنا إذن؟".
أيقظت تلك الممارسات لدى الإنسان الأسود والأدباء منهم خاصة حالة من الاعتزاز بعنصرهم، وتوقد وجدانهم، سواء لدى المقيمين على أرض أفريقيا أو في المهجر، فالمواضيع التي حواها الشعر والرواية والقضية الزنجية في أمريكا وأوروبا وغيرها هي ذاتها التي ترنم بها الأدباء الموجودون على أرض الوطن مع فارق بسيط.
أيضًا الشعراء الزنوج من الأمريكان، ومن بينهم الشاعر "لا نجستون هبوز"، والشاعرة "حويندولين بروكس"، قد شاركوا في ردة الفعل تلك ضد عنصرية البيض.
وفي القارة السمراء يعد الشعراء بالمئات ممن عنوا بالقضية، أمثال شعراء "الأنتيل" وشعراء "جيانا" من المناطق الأفريقية الناطقة بالفرنسية، ويأتي في عداد هؤلاء الشاعر الكونغولي "تيشكابا أوتاسمي" والشاعر الجياتي "لون داماس" والشاعر "جي تيرولبان" والشاعر "مارسيل شيدا".
كما أسهم كل من "جيمس" و"أيفي" و"سنفور" و"يول بنجر" في إثراء الأدب الأفريقي بإنتاجهم الغزير في هذا المجال، ويعد الشاعر السنغالي الشهير "دافيد ديوب" والشاعرة الغانية "أيفوا مورج" ونظيرهما التوغولي "راج ارماتو"، من أكثرهم حماسة ودفاعًا عن اللون الأسود والتغني بجماله.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
نماذج من أعمال هؤلاء الشعراء:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
في قصيدة بعنوان "الأبيض قال لي" يقول الشاعر السنغالى "دافيد ديوب":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ما أنت إلا زنجي
زنجي قذر
فقلبك إسفنجة مُعدَّة لتشرب من جنون السائل المسمم بالرذيلة
ولونك يجيش دمك في العبودية الخالدة أبدًا
فَقَدَ طبعك حديد العدالة المحمي طبع جسدك بالفسق
وطريقك متعرج بالإذلال ومستقبلك أيها الوحش الملعون
هو حاضرك المليء بالخزي والعار.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وفي قصيدة بعنوان "السماء الأفريقية" للشاعر الغاني "ف.ا. كوبينا باركز" يقول واحدة من أروع آيات المديح التي قيلت لتمجيد اللون الأسود جاء فيها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أعطني أرواحًا سوداء.
ودعهم كما هم سودًا في سواد الشيكولاتة
أو اصبغهم بلون التراب حتى يصبحوا ترابًا
ولكني إذا استطعت فإني أتوسل إليك
في أن تحفظ عليهم سوادهم ليبقوا سودًا.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويذهب الشاعر "مارسيل شيدا" بعيدًا ليعطي لونًا جديدًا عصريًا في وصف جمال المرأة السوداء والتغني به، وهو المقارنة بين الطبيعي والصناعي، ويقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أيتها الأميرة السوداء
إنني أتغنى بك وأتغنى بمفاتنك
يا آلهة الجمال الطبيعي التي لا يدانيها أحد
أما أنت أيها التمثال الصغير الأبيض يا ذات الشفاه الحمراء
كلا -حقًا إن جمالك صناعي ـ صناعي للغاية.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
التجاوز من فرط الحساسية:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقد بالغ وتجاوز بعض الشعراء الزنوج لحد الخروج من نطاق الغزل العفيف بجمال المرأة السوداء إلى الغزل الصريح، مثل: قصيدة "فينوس السمراء" للشاعر "جي تيرولبان"، وقصيدة "الجواهر عشيقة الأزهار" للشاعر "لبودلير"، وقصيدة "حبيبة سوداء" "لدافيد ديوب" السنغالي.
وقد بلغت الحساسية عند الشعراء الزنوج حيال قضية اللون لدرجة أن هاجموا الكنائس المسيحية؛ بسبب بعض الميول التي أبدتها نحو التفرقة العنصرية، فنرى الشاعر الأمريكي الزنجي "لا نجستون هيوز" يكتب بأسلوب لاذع في ذلك، ويقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
آه كم كان اسم يسوع المسيح غاليًا ثمينًا في ذلك الوقت الماضي
وقد انقضى هذا الوقت وإني على يقين من أن المسيح لن يموت من أجلي
ولكني أعلم أن بيدي هاتين السوداوين في لون الطين أستطيع بهما تحرير البشرية السوداء.
هيا أيها العالم الكائن إنك لن تستطيع بعد الآن أن تقول لي
إنك ملكي أيها الزنجي القذر.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويرى لانجستون هبوز أن اللون الأسود عنصرًا متأهلاً ليس في الإنسان فقط، بل في الأشياء والكائنات الطبيعية أيضًا؛ حيث قال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لقد عرفت الأنهار
عرفت الأنهار منذ خلق الكون
والتي جرت مياهها ـ قبل تدفق الدم الإنساني في عروق البشر
لقد سمعت أهازيج نهر المسيسبي
عندما توجه "إبراهام لينكولن" إلى"نيو أورليانز"
وعند الأصيل رأيت صدر النهر
يتحول من لون الطمي إلى لون الذهب
لقد عرفت الأنهار
ومياه الأنهار العتيقة ذات اللون الأسود
لقد نمتْ روحي كما شقت الأنهار مجراها العميق
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وفي المقابل من ذلك هناك البعض من الشعراء الزنوج يمثلون الطرف النقيض، ويعادون اللون الأسود، ويريدون تحطيم كل ما يربطهم بسوادهم، وأفريقيتهم، محاولين بذلك أن يذوبوا في كل ما هو أوروبي، ومن هؤلاء هذا الشاعر الأوغندي "أوكوت بيبتيك"، الذي قال في إحدى قصائده ـ في ديوانه الشهير ـ "أنشودة أوكول".
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ما أفريقيا عندي؟
سواد سواد عميق عميق
بعيد الغور
أفريقيا
عملاق صعلوك
يستدفئ بالشمس
يغط في النوم والشخير
وينتفض في أحلامه
مصاب بمرض مزمن
مختنق بالجهل الأسود
مقيد إلى صخرة
الفقر
أماه أماه
لماذا ولدت أسود؟
(15) الشعراء الزنوج: بأيادينا السوداء سنحرر البشر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
تمثل قضية اللون أو العنصر هاجسًا بالنسبة للمثقفين الأفارقة على اختلاف أماكنهم واتجاهاتهم، ونظرًا لفظاعة الأحداث والوقائع التي خبروها، ظلّت القضية همًا يقض مضاجع الأدباء، ولم يجدوا بُدًّا من ترجمتها في أعمالهم وإنتاجهم الأدبي والفني؛ تمشيًا مع ما يعرف في الدراسات الأدبية "بالتجربة الشعورية".
وقد كان الشعراء الزنوج أكثر من عبّر عن ذلك من خلال القصائد والأعمال الملحمية المختلفة، ومن خلال استعراض سريع فقد حظيت قضية اللون باهتمام كبير واستحوذت على حيز أوسع في وجدان الشعراء السود، حيث تتواجد فيما يزيد عن 60% من إنتاجهم.
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال عن المبررات التي تسوغ هذا التواجد الكبير في خلد الإنسان الإفريقي.
معروف أن الجلد هو أكبر عضو في الجسم ويعتبر من علامات العنصر المميزة، وقد عانى الإنسان الزنجي عميقًا؛ بسبب لونه الأسود عبر التاريخ، فقد كان دائمًا هو العبد المستغل والأقل شأنًا الذي لا يصلح إلا للسخرة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
الضغط يولّد الإبداع:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولعل من القصص التي أثارت ضجة عند الشعراء الزنوج قصة "مغامرة الأرنب الأسود"، الذي تزوج في ضوء القمر من أرنبة بيضاء، والتي أقام البيض الدنيا بسببها ونجحت ضغوط البيض في منع ومصادرة الكتاب من جميع المكتبات؛ بدعوى أن ما يصلح للأرانب يمكن أن يصلح للناس، وكتبت جميع الصحف العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية متسائلة: "أنه إذا حدث أن تزوّج زنجي بامرأة بيضاء، فإلى أين يكون مصيرنا إذن؟".
أيقظت تلك الممارسات لدى الإنسان الأسود والأدباء منهم خاصة حالة من الاعتزاز بعنصرهم، وتوقد وجدانهم، سواء لدى المقيمين على أرض أفريقيا أو في المهجر، فالمواضيع التي حواها الشعر والرواية والقضية الزنجية في أمريكا وأوروبا وغيرها هي ذاتها التي ترنم بها الأدباء الموجودون على أرض الوطن مع فارق بسيط.
أيضًا الشعراء الزنوج من الأمريكان، ومن بينهم الشاعر "لا نجستون هبوز"، والشاعرة "حويندولين بروكس"، قد شاركوا في ردة الفعل تلك ضد عنصرية البيض.
وفي القارة السمراء يعد الشعراء بالمئات ممن عنوا بالقضية، أمثال شعراء "الأنتيل" وشعراء "جيانا" من المناطق الأفريقية الناطقة بالفرنسية، ويأتي في عداد هؤلاء الشاعر الكونغولي "تيشكابا أوتاسمي" والشاعر الجياتي "لون داماس" والشاعر "جي تيرولبان" والشاعر "مارسيل شيدا".
كما أسهم كل من "جيمس" و"أيفي" و"سنفور" و"يول بنجر" في إثراء الأدب الأفريقي بإنتاجهم الغزير في هذا المجال، ويعد الشاعر السنغالي الشهير "دافيد ديوب" والشاعرة الغانية "أيفوا مورج" ونظيرهما التوغولي "راج ارماتو"، من أكثرهم حماسة ودفاعًا عن اللون الأسود والتغني بجماله.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
نماذج من أعمال هؤلاء الشعراء:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
في قصيدة بعنوان "الأبيض قال لي" يقول الشاعر السنغالى "دافيد ديوب":
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ما أنت إلا زنجي
زنجي قذر
فقلبك إسفنجة مُعدَّة لتشرب من جنون السائل المسمم بالرذيلة
ولونك يجيش دمك في العبودية الخالدة أبدًا
فَقَدَ طبعك حديد العدالة المحمي طبع جسدك بالفسق
وطريقك متعرج بالإذلال ومستقبلك أيها الوحش الملعون
هو حاضرك المليء بالخزي والعار.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وفي قصيدة بعنوان "السماء الأفريقية" للشاعر الغاني "ف.ا. كوبينا باركز" يقول واحدة من أروع آيات المديح التي قيلت لتمجيد اللون الأسود جاء فيها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أعطني أرواحًا سوداء.
ودعهم كما هم سودًا في سواد الشيكولاتة
أو اصبغهم بلون التراب حتى يصبحوا ترابًا
ولكني إذا استطعت فإني أتوسل إليك
في أن تحفظ عليهم سوادهم ليبقوا سودًا.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويذهب الشاعر "مارسيل شيدا" بعيدًا ليعطي لونًا جديدًا عصريًا في وصف جمال المرأة السوداء والتغني به، وهو المقارنة بين الطبيعي والصناعي، ويقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أيتها الأميرة السوداء
إنني أتغنى بك وأتغنى بمفاتنك
يا آلهة الجمال الطبيعي التي لا يدانيها أحد
أما أنت أيها التمثال الصغير الأبيض يا ذات الشفاه الحمراء
كلا -حقًا إن جمالك صناعي ـ صناعي للغاية.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
التجاوز من فرط الحساسية:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقد بالغ وتجاوز بعض الشعراء الزنوج لحد الخروج من نطاق الغزل العفيف بجمال المرأة السوداء إلى الغزل الصريح، مثل: قصيدة "فينوس السمراء" للشاعر "جي تيرولبان"، وقصيدة "الجواهر عشيقة الأزهار" للشاعر "لبودلير"، وقصيدة "حبيبة سوداء" "لدافيد ديوب" السنغالي.
وقد بلغت الحساسية عند الشعراء الزنوج حيال قضية اللون لدرجة أن هاجموا الكنائس المسيحية؛ بسبب بعض الميول التي أبدتها نحو التفرقة العنصرية، فنرى الشاعر الأمريكي الزنجي "لا نجستون هيوز" يكتب بأسلوب لاذع في ذلك، ويقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
آه كم كان اسم يسوع المسيح غاليًا ثمينًا في ذلك الوقت الماضي
وقد انقضى هذا الوقت وإني على يقين من أن المسيح لن يموت من أجلي
ولكني أعلم أن بيدي هاتين السوداوين في لون الطين أستطيع بهما تحرير البشرية السوداء.
هيا أيها العالم الكائن إنك لن تستطيع بعد الآن أن تقول لي
إنك ملكي أيها الزنجي القذر.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويرى لانجستون هبوز أن اللون الأسود عنصرًا متأهلاً ليس في الإنسان فقط، بل في الأشياء والكائنات الطبيعية أيضًا؛ حيث قال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لقد عرفت الأنهار
عرفت الأنهار منذ خلق الكون
والتي جرت مياهها ـ قبل تدفق الدم الإنساني في عروق البشر
لقد سمعت أهازيج نهر المسيسبي
عندما توجه "إبراهام لينكولن" إلى"نيو أورليانز"
وعند الأصيل رأيت صدر النهر
يتحول من لون الطمي إلى لون الذهب
لقد عرفت الأنهار
ومياه الأنهار العتيقة ذات اللون الأسود
لقد نمتْ روحي كما شقت الأنهار مجراها العميق
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وفي المقابل من ذلك هناك البعض من الشعراء الزنوج يمثلون الطرف النقيض، ويعادون اللون الأسود، ويريدون تحطيم كل ما يربطهم بسوادهم، وأفريقيتهم، محاولين بذلك أن يذوبوا في كل ما هو أوروبي، ومن هؤلاء هذا الشاعر الأوغندي "أوكوت بيبتيك"، الذي قال في إحدى قصائده ـ في ديوانه الشهير ـ "أنشودة أوكول".
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ما أفريقيا عندي؟
سواد سواد عميق عميق
بعيد الغور
أفريقيا
عملاق صعلوك
يستدفئ بالشمس
يغط في النوم والشخير
وينتفض في أحلامه
مصاب بمرض مزمن
مختنق بالجهل الأسود
مقيد إلى صخرة
الفقر
أماه أماه
لماذا ولدت أسود؟
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
(15) موريتانيا.. بلد المليون شاعر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
يقول الأديب اللبناني "متى خليل" واصفًا العلاقة الحميمة بين الموريتانيين والشعر: "الشعر خبز جوهري لأبناء شنقيط، يأكلون منه ولا يشبعون، وينهلون من نبعه ولا يرتوون، فهم والشاعرية توءم وجود، تحدرت معهم من أصلاب جدودهم، وعايشتهم في طفولتهم وشبابهم ورجولتهم واكتهالهم، فأنى لهم أن يتقبلوا الحياة دون قافية تدندن.. الشعر هو كيمياء السعادة لدى كل فرد موريتاني وفاعل المعجزات في نفسه".
لكن هذه العلاقة الحميمة مع الشعر لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة مجهود (المحاظر) أو الجامعات المتنقلة التي كانت ترافق الموريتانيين في حلهم وترحالهم لتخرج أجيالا من المثقفين والعلماء والشعراء، وتشيع في أرجاء الصحراء الموريتانية نهضة علمية شاملة في نفس الفترة التي كان فيها معظم العالم العربي والإسلامي يعيش فترة انحطاط ثقافي لا مثيل لها.
لقد كانت هذه المحاظر تدرس القرآن والفقه والشعر (المعلقات السبع) والعلوم العربية والمنطق... إلخ، وكان لخريجها الذين هاجروا إلى المشرق صيتهم وسمعتهم وتميزهم. وتكفينا هنا شهادة الأديب المصري الكبير أحمد حسن الزيات عن الشيخ محمد محمود ولد التلاميذ الشنقيطي (المتوفى 1904) الذي عمل في مصر أستاذًا في الأزهر، وهو محقق كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الاصفهاني، والقاموس المحيط للفيروزآبادي وغيرهما من أمهات الكتب، حيث يقول عنه الزيات: "كان ابن التلاميذ آية من آيات الله في حفظ اللغة والحديث والشعر والأخبار والأمثال والأنساب، لا يند عن ذهنه من كل ذلك نص ولا سند ولا رواية.. لقد وعي في صدره الضيق معاجم اللغة وصحاح السنة ودواوين الشعراء وعلوم الأدب".
وقد كان لهذه المحاظر دورها في إثارة (حركة إحياء وتجدد ذاتي في الأدب العربي كان لأصحابه حظ لا ينكر في إحياء الشعر العربي وابتعاث أساليبه بما يعنيه ذلك الابتعاد من قراءة ثانية وتصرف خصيب)، ولعل حركة الأحياء هذه هي التي جعلت الأديب العراقي "الدليشي الخالد" يصف الشعراء الموريتانيين في القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين بأنهم "شعراء فحول لا يقلون عن أمثال المتنبي والبحتري وشوقي والرصافي". ويضيف: "وذلك لكثرة ما يجد الباحث من هؤلاء الشعراء الفحول المجيدين العريقين في الجزالة اللغوية والصور الشعرية الجميلة المبتكرة في شتى الأغراض".
ويرى الكاتب والناقد المصري طه الحاجري أن دراسة الشعر الموريتاني كفيلة بأن تعيد النظر فيما تعارف عليه مؤرخو الأدب العربي من وصف أدب القرون المتأخرة بأنه أدب منحط؛ إذ يقول: "إن الصورة التي أتيح لنا أن نراها لشنقيط في هذين القرنين (يقصد القرنين 12-13) جديرة بأن تعدل الحكم الذي اتفق مؤرخو الأدب العربي على إطلاقه على الأدب العربي عامة في هذه الفترة، فهو عندهم ـ وكما تقضي آثاره التي بين أيديهم ـ أدب يمثل الضعف والركاكة، والفسولة في صياغته وصوره ومعانيه؛ إذ كانت هذه الصور تمثل الأدب وفي وضع مختلف يأبى هذا الحكم أشد الإباء، فهو في جملته أدب جزل بعيد عن التهافت والفسولة".
لقد استطاع الشعراء الموريتانيون في القرون الثلاثة الأخيرة إحياء شكل القصيدة العربية القديمة في بحورها الطويلة، مبتعثين بذلك أعرق مستويات المعجم في القدم وهو المعجم الجاهلي، ومبتعدين عن التجنيس والصناعة اللفظية التي هيمنت على أدب عصور الانحطاط، وبذلك كانوا سباقين إلى ولوج التجديد وصياغة شروط النهضة الحديثة.
وبينما يرى مؤرخو الأدب أن "محمود سامي البارودي" هو (أول من رد الديباجة إلى بهائها وصفائها القديمين، وأنه صاحب الفضل في تجديد أسلوب الشعر وإنقاذه من الصناعة والتكلف العقيم) نجد أن الدكتور "أحمد ولد الحسن" يؤكد على أن المجددين الموريتانيين كانوا أسبق إلى هذا الفضل؛ إذ يقول: "نحن لا نملك أمام هذه الأحكام إلا أن نذكر بمعطيات تاريخية أولية منها أن ابن الطلبة اليعقوبي (محيى الشعر الجاهلي ومعارض الأعشى وحميد والشماخ) قد ولد عام 1774، أي قبل البارودي بـ 64 سنة، وتوفي عام 1856 والباردوي ابن 18 سنة، وذلك قبل ميلاد أحمد شوقي بـ 13 سنة.
ومن هذه المعطيات التاريخية أن ابن الشيخ سيديا قد ولد قبل البارودي بـ 6 سنين وتوفي سنة ميلاد أحمد شوقي).. ويختم كلامه قائلا: "إن الأحكام المتداولة في تاريخ الأدب العربي قائمة على تدوين ناقص ينطلق من المركز ويتجاهل الأطراف"، وهذا يعني أن الشعراء الموريتانيين قاموا بإحياء الشعر الجاهلي والأندلسي قبل مدرسة البعث والأحياء في المشرق العربي، ولكن جهودهم كانت ضحية (مؤامرة صمت) حسب تعبير الدكتور أحمد ولد الحسن.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
نظرة عامة إلى الشعر الموريتاني:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
رغم أن عمر الشعر في موريتانيا يزيد على عشرة قرون فإن ما وصلنا منه على شكل دواوين ونصوص كاملة لا يتجاوز عمره الثلاثة قرون والنصف، ولكن النصوص الشعرية في هذه الفترة تميزت بجزالة لا يمكن الوصول إليها إلا بعد تطور عبر فترة زمنية طويلة.
وإذا قسمنا إجرائيًا الشعر الموريتاني إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الاستقلال، ومرحلة ما بعد الاستقلال فسنجد ما يلي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
1- مرحلة ما قبل الاستقلال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وهي تمثل كل التراث الشعري لموريتانيا، واعتمادا على الدكتور أحمد ولد الحسين يمكننا تصنيف أساليب الشعراء إلى نموذجين:
نموذج أسلوبي يقوم على المعجم الجاهلي المبتعث، والتشبيه الحسي مع عدم الالتزام بموضوع واحد في النص الشعري؛ حيث تتداعى الأفكار تداعيًا حرًا، ويتجول الشاعر بين الأطلال والظعائن والصحراء والناقة والقبيلة. ونموذج أسلوبي يقوم على المعجم الإسلامي والعلمي مع وحدة موضوعية؛ حيث تتشكل القصيدة من مقدمة وعرض رئيسي، ويستخدم هذا الأسلوب في الغالب في المدائح والقصائد الجدالية.
وقد انقسم الشعراء في موريتانيا بين منحيين أساسيين هما:
- منحى شعري يخلص الشعر من وظيفته المرجعية الدينية ويخضعه لوظيفته الشعرية عبر الارتباط بالقصيدة الجاهلية.
- ومنحى يخضع الشعر لمقتضيات الإبلاغ الديني والعلمي دون أن يهمل خصائصه الأسلوبية.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
2- مرحلة ما بعد الاستقلال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أدى قيام الدولة الحديثة والانفتاح على العالم الخارجي إلى تأثر الشعراء بالقاموس المهجري ممثلاً في جبران خليل جبران، كما حاول الشعراء التعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية متأثرين بالشعارات القومية والإسلامية واليسارية، غير أن المعجم ظل كلاسيكيًا إلى حد كبير.
ومنذ السبعينيات بدأت تظهر نصوص شعرية تحاول كسر حاجز العمود الشعري والبناء الخليلي الموسيقي وتجنح إلى الشعر الحر، ولكنها كانت مع ذلك أكثر مباشرة من الشعر العمودي نفسه. وفي الثمانينيات والتسعينيات ظهرت نزعات شعرية رمزية أسطورية في القصيدة الكلاسيكية أكثر من القصيدة الحرة أو الجديدة محاكاة لشعراء المشرق مثل السياب ونازك الملائكة وغيرهما.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
3- نموذج من الشعر الموريتاني:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
سنتعرض هنا لقصيدتين للشاعر الكبير الشيخ سيديا (1869-1932):
النموذج الأول: ويتحدث فيه الشاعر عن الأزمة البيئية من خلال اعتذار شعري يقدمه لبئر تسمى "ميمونة السعدي"؛ بسبب تركه وأصحابه تجديد حفرها بعد أن حاولوا ذلك مرارًا دون جدوى.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
لعمرك ما ترتاب ميمونة السعدى
بأن تركنا السعي في أمرها عمدا
ألم تر أنا قد رعينا عهودها
على حين لا يرعى سوانا لها عهدا
حبسنا عليها وهي جدب سوامنا
فما صدنا السعدان عنها ولا صـدا
ويظعن عنها الناس حال انتجاعهم
ولم ننتجع برقا يلوح ولا رعدا
وإن غدرت فانفض من كان حولها
وفينا فلم نغدر ولم نخلف الوعدا
نظل وقوفًا صائمين على الظما
نخال سموم القيظ في جنبها بردا
وتذري علينا الرامسات غبارها
فننشقه من حب إصلاحها وردا
ويشرب كل الناس صفو مياههم
ونشرب منها الطين نحسبه شهدا
بهذا ترى ميمونة أن تركنا
لها لم يكن منا اختيارا ولا زهدا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أما القصيدة الثانية: فهي تعبر عن أزمة التجديد في الشعر العربي؛ حيث إن حاول محاكاة القدماء من الشعراء فإنه يكرر نفسه، ومن حاول الخروج على منهجهم يخرج من نطاق الشعر ذاته وهي دعوة إلى التجديد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
يا معشر البلغاء هل من لوذع
يهدي حجاه لمقصد لم يبدع
إني هممت بأن أقول قصيدة
بكرًا فأعياني وجود المطلع
وحذار من خلع العذار على الديار
ووقفـة الزوار بين الأربع
وإفاضة العبرات في عرصاتها
وتردد الزفرات بين الأضلع
ودعوا السوانح والبوارح واتركوا
ذكر الحمامة والغراب الأبقع
وبكاء أصحاب الهوى يوم النوى
والقوم بين مودع ومشيَّع
وتحادث السمار بالأخبار من
أعصار دولة قيصر أو تُبَّع
وتداعي الأبطال في وهج القتال
إلى النزال بكل لدن مسرع
فجميع هذا قد تداوله الورى
حتى غدا ما فيه موضع إصبع
هل غادر الشعراء في بحر
القصيد لوارد من مشرع
والحول ممكثة زهير حجة
إن القوافي لسن طوع الإمع
إن القريض مزلة من دامه
فهو المكلف جمع ما لم يجمع
إن يتبع القدما أعاد حديثهم
بعد الفشو وضل إن لم يتبع
(15) موريتانيا.. بلد المليون شاعر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
يقول الأديب اللبناني "متى خليل" واصفًا العلاقة الحميمة بين الموريتانيين والشعر: "الشعر خبز جوهري لأبناء شنقيط، يأكلون منه ولا يشبعون، وينهلون من نبعه ولا يرتوون، فهم والشاعرية توءم وجود، تحدرت معهم من أصلاب جدودهم، وعايشتهم في طفولتهم وشبابهم ورجولتهم واكتهالهم، فأنى لهم أن يتقبلوا الحياة دون قافية تدندن.. الشعر هو كيمياء السعادة لدى كل فرد موريتاني وفاعل المعجزات في نفسه".
لكن هذه العلاقة الحميمة مع الشعر لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة مجهود (المحاظر) أو الجامعات المتنقلة التي كانت ترافق الموريتانيين في حلهم وترحالهم لتخرج أجيالا من المثقفين والعلماء والشعراء، وتشيع في أرجاء الصحراء الموريتانية نهضة علمية شاملة في نفس الفترة التي كان فيها معظم العالم العربي والإسلامي يعيش فترة انحطاط ثقافي لا مثيل لها.
لقد كانت هذه المحاظر تدرس القرآن والفقه والشعر (المعلقات السبع) والعلوم العربية والمنطق... إلخ، وكان لخريجها الذين هاجروا إلى المشرق صيتهم وسمعتهم وتميزهم. وتكفينا هنا شهادة الأديب المصري الكبير أحمد حسن الزيات عن الشيخ محمد محمود ولد التلاميذ الشنقيطي (المتوفى 1904) الذي عمل في مصر أستاذًا في الأزهر، وهو محقق كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الاصفهاني، والقاموس المحيط للفيروزآبادي وغيرهما من أمهات الكتب، حيث يقول عنه الزيات: "كان ابن التلاميذ آية من آيات الله في حفظ اللغة والحديث والشعر والأخبار والأمثال والأنساب، لا يند عن ذهنه من كل ذلك نص ولا سند ولا رواية.. لقد وعي في صدره الضيق معاجم اللغة وصحاح السنة ودواوين الشعراء وعلوم الأدب".
وقد كان لهذه المحاظر دورها في إثارة (حركة إحياء وتجدد ذاتي في الأدب العربي كان لأصحابه حظ لا ينكر في إحياء الشعر العربي وابتعاث أساليبه بما يعنيه ذلك الابتعاد من قراءة ثانية وتصرف خصيب)، ولعل حركة الأحياء هذه هي التي جعلت الأديب العراقي "الدليشي الخالد" يصف الشعراء الموريتانيين في القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين بأنهم "شعراء فحول لا يقلون عن أمثال المتنبي والبحتري وشوقي والرصافي". ويضيف: "وذلك لكثرة ما يجد الباحث من هؤلاء الشعراء الفحول المجيدين العريقين في الجزالة اللغوية والصور الشعرية الجميلة المبتكرة في شتى الأغراض".
ويرى الكاتب والناقد المصري طه الحاجري أن دراسة الشعر الموريتاني كفيلة بأن تعيد النظر فيما تعارف عليه مؤرخو الأدب العربي من وصف أدب القرون المتأخرة بأنه أدب منحط؛ إذ يقول: "إن الصورة التي أتيح لنا أن نراها لشنقيط في هذين القرنين (يقصد القرنين 12-13) جديرة بأن تعدل الحكم الذي اتفق مؤرخو الأدب العربي على إطلاقه على الأدب العربي عامة في هذه الفترة، فهو عندهم ـ وكما تقضي آثاره التي بين أيديهم ـ أدب يمثل الضعف والركاكة، والفسولة في صياغته وصوره ومعانيه؛ إذ كانت هذه الصور تمثل الأدب وفي وضع مختلف يأبى هذا الحكم أشد الإباء، فهو في جملته أدب جزل بعيد عن التهافت والفسولة".
لقد استطاع الشعراء الموريتانيون في القرون الثلاثة الأخيرة إحياء شكل القصيدة العربية القديمة في بحورها الطويلة، مبتعثين بذلك أعرق مستويات المعجم في القدم وهو المعجم الجاهلي، ومبتعدين عن التجنيس والصناعة اللفظية التي هيمنت على أدب عصور الانحطاط، وبذلك كانوا سباقين إلى ولوج التجديد وصياغة شروط النهضة الحديثة.
وبينما يرى مؤرخو الأدب أن "محمود سامي البارودي" هو (أول من رد الديباجة إلى بهائها وصفائها القديمين، وأنه صاحب الفضل في تجديد أسلوب الشعر وإنقاذه من الصناعة والتكلف العقيم) نجد أن الدكتور "أحمد ولد الحسن" يؤكد على أن المجددين الموريتانيين كانوا أسبق إلى هذا الفضل؛ إذ يقول: "نحن لا نملك أمام هذه الأحكام إلا أن نذكر بمعطيات تاريخية أولية منها أن ابن الطلبة اليعقوبي (محيى الشعر الجاهلي ومعارض الأعشى وحميد والشماخ) قد ولد عام 1774، أي قبل البارودي بـ 64 سنة، وتوفي عام 1856 والباردوي ابن 18 سنة، وذلك قبل ميلاد أحمد شوقي بـ 13 سنة.
ومن هذه المعطيات التاريخية أن ابن الشيخ سيديا قد ولد قبل البارودي بـ 6 سنين وتوفي سنة ميلاد أحمد شوقي).. ويختم كلامه قائلا: "إن الأحكام المتداولة في تاريخ الأدب العربي قائمة على تدوين ناقص ينطلق من المركز ويتجاهل الأطراف"، وهذا يعني أن الشعراء الموريتانيين قاموا بإحياء الشعر الجاهلي والأندلسي قبل مدرسة البعث والأحياء في المشرق العربي، ولكن جهودهم كانت ضحية (مؤامرة صمت) حسب تعبير الدكتور أحمد ولد الحسن.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
نظرة عامة إلى الشعر الموريتاني:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
رغم أن عمر الشعر في موريتانيا يزيد على عشرة قرون فإن ما وصلنا منه على شكل دواوين ونصوص كاملة لا يتجاوز عمره الثلاثة قرون والنصف، ولكن النصوص الشعرية في هذه الفترة تميزت بجزالة لا يمكن الوصول إليها إلا بعد تطور عبر فترة زمنية طويلة.
وإذا قسمنا إجرائيًا الشعر الموريتاني إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الاستقلال، ومرحلة ما بعد الاستقلال فسنجد ما يلي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
1- مرحلة ما قبل الاستقلال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وهي تمثل كل التراث الشعري لموريتانيا، واعتمادا على الدكتور أحمد ولد الحسين يمكننا تصنيف أساليب الشعراء إلى نموذجين:
نموذج أسلوبي يقوم على المعجم الجاهلي المبتعث، والتشبيه الحسي مع عدم الالتزام بموضوع واحد في النص الشعري؛ حيث تتداعى الأفكار تداعيًا حرًا، ويتجول الشاعر بين الأطلال والظعائن والصحراء والناقة والقبيلة. ونموذج أسلوبي يقوم على المعجم الإسلامي والعلمي مع وحدة موضوعية؛ حيث تتشكل القصيدة من مقدمة وعرض رئيسي، ويستخدم هذا الأسلوب في الغالب في المدائح والقصائد الجدالية.
وقد انقسم الشعراء في موريتانيا بين منحيين أساسيين هما:
- منحى شعري يخلص الشعر من وظيفته المرجعية الدينية ويخضعه لوظيفته الشعرية عبر الارتباط بالقصيدة الجاهلية.
- ومنحى يخضع الشعر لمقتضيات الإبلاغ الديني والعلمي دون أن يهمل خصائصه الأسلوبية.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
2- مرحلة ما بعد الاستقلال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أدى قيام الدولة الحديثة والانفتاح على العالم الخارجي إلى تأثر الشعراء بالقاموس المهجري ممثلاً في جبران خليل جبران، كما حاول الشعراء التعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية متأثرين بالشعارات القومية والإسلامية واليسارية، غير أن المعجم ظل كلاسيكيًا إلى حد كبير.
ومنذ السبعينيات بدأت تظهر نصوص شعرية تحاول كسر حاجز العمود الشعري والبناء الخليلي الموسيقي وتجنح إلى الشعر الحر، ولكنها كانت مع ذلك أكثر مباشرة من الشعر العمودي نفسه. وفي الثمانينيات والتسعينيات ظهرت نزعات شعرية رمزية أسطورية في القصيدة الكلاسيكية أكثر من القصيدة الحرة أو الجديدة محاكاة لشعراء المشرق مثل السياب ونازك الملائكة وغيرهما.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
3- نموذج من الشعر الموريتاني:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
سنتعرض هنا لقصيدتين للشاعر الكبير الشيخ سيديا (1869-1932):
النموذج الأول: ويتحدث فيه الشاعر عن الأزمة البيئية من خلال اعتذار شعري يقدمه لبئر تسمى "ميمونة السعدي"؛ بسبب تركه وأصحابه تجديد حفرها بعد أن حاولوا ذلك مرارًا دون جدوى.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
لعمرك ما ترتاب ميمونة السعدى
بأن تركنا السعي في أمرها عمدا
ألم تر أنا قد رعينا عهودها
على حين لا يرعى سوانا لها عهدا
حبسنا عليها وهي جدب سوامنا
فما صدنا السعدان عنها ولا صـدا
ويظعن عنها الناس حال انتجاعهم
ولم ننتجع برقا يلوح ولا رعدا
وإن غدرت فانفض من كان حولها
وفينا فلم نغدر ولم نخلف الوعدا
نظل وقوفًا صائمين على الظما
نخال سموم القيظ في جنبها بردا
وتذري علينا الرامسات غبارها
فننشقه من حب إصلاحها وردا
ويشرب كل الناس صفو مياههم
ونشرب منها الطين نحسبه شهدا
بهذا ترى ميمونة أن تركنا
لها لم يكن منا اختيارا ولا زهدا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أما القصيدة الثانية: فهي تعبر عن أزمة التجديد في الشعر العربي؛ حيث إن حاول محاكاة القدماء من الشعراء فإنه يكرر نفسه، ومن حاول الخروج على منهجهم يخرج من نطاق الشعر ذاته وهي دعوة إلى التجديد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
يا معشر البلغاء هل من لوذع
يهدي حجاه لمقصد لم يبدع
إني هممت بأن أقول قصيدة
بكرًا فأعياني وجود المطلع
وحذار من خلع العذار على الديار
ووقفـة الزوار بين الأربع
وإفاضة العبرات في عرصاتها
وتردد الزفرات بين الأضلع
ودعوا السوانح والبوارح واتركوا
ذكر الحمامة والغراب الأبقع
وبكاء أصحاب الهوى يوم النوى
والقوم بين مودع ومشيَّع
وتحادث السمار بالأخبار من
أعصار دولة قيصر أو تُبَّع
وتداعي الأبطال في وهج القتال
إلى النزال بكل لدن مسرع
فجميع هذا قد تداوله الورى
حتى غدا ما فيه موضع إصبع
هل غادر الشعراء في بحر
القصيد لوارد من مشرع
والحول ممكثة زهير حجة
إن القوافي لسن طوع الإمع
إن القريض مزلة من دامه
فهو المكلف جمع ما لم يجمع
إن يتبع القدما أعاد حديثهم
بعد الفشو وضل إن لم يتبع
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
(16) الإمام الشافعي.. شاعرًا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
عُرف الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي كإمام من أئمة الفقه الأربعة، لكنَّ الكثيرين قد لا يعرفون عنه أنه كان شاعرًا أيضًا.
تقول عنه موسوعة المورد الحديثة:" محمد بن إدريس الشافعي (767-820م) فقيه، وإمام مسلم، صاحب المذهب الشافعي أحد المذاهب السُّنية الأربعة، تتلمذ على مالك بن أنس في المدينة المنورة، ثم على بعض أقطاب الحنفية في العراق، ولكنه لم يلتزم بطريقة أيٍّ من هذين الفريقين، ومن هنا كان مذهبه خطةً وسطًا بين منهج أهل الحديث، ومنهج أهل الرأي، أشهر آثاره كتاب (الأمّ)".
أمّا الشافعي الشاعر؛ فقد تفرقت أشعاره في كتب التراث حتى جمعها "زهدي يكن"، ونشرها في بيروت، ثم جمعها "محمد عفيف الزغبي" منذ أكثر من ربع قرن؛ فاستدرك بها ما فات زهدي يكن".
يتميز الشافعي الشاعر بأنه لم يكن يتكسب بالشعر، ولم يأخذه وسيلة للتقرب إلى ذي جاه، أو مال، أو سلطان؛ فقد كان الشعر يصدر عنه تلقائيًّا معبرًا عما يدور في ذهنه؛ لذلك انتشر شعره بين الناس، وأصبح كثير منه من الأمثال السائرة التي يتداولها الناس، ولا يعرف معظمهم أنها من شعره، ومن أمثلة ذلك قوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ
فَتَوَلَّ أنتَ جميعَ أَمرِكَ
مَا طَارَ طَيرٌ وَارتَفَع
إلاَّ كَمَا طَارَ وَقَع
ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُهَا
فرَجَتْ وكُنْتُ أَظُنُّهَا لا تُفْرَجُ
نَعيبُ زَمَانَنَا وَالعَيبُ فينَا
وَمَا لِزَمَانِنَا عَيبٌ سِوَانَا
وَعَينُ الرِّضَا عنْ كُلِّ عيبٍ كَلِيْلَةٌ
وَلَكِنَّ عينَ السُّخْطِ تُبدِي المَسَاوِيَا
تَغَرَّبْ عَنِ الأوطانِ في طَلَبِ العُلا
وَسَافِرْ فَفِي الأسفارِ خمسُ فَوَائِد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويُعتبر معظم شعر الإمام الشافعي من شعر التأمل، والسمات الغالبة على هذا الضرب من الشعر هي "التجريد، والتعميم، و"ضغط" التعبير، وهى سمات كلاسيكية؛ إذ إن مادتها "فكرية" في المقام الأول، وتجلياتها الفنية هي: المقابلات، والمفارقات، التي تجعل من الكلام ما يشبه الأمثال السائرة، أو الحِكَم التي يتداولها الناس.. وإذا كان شعر التأمل ينزع إلى التجريد والتعميم؛ فليس معنى ذلك أنه خالٍ تمامًا من الصور، والتشبيهات الكلاسيكية؛ ولكنها تشبيهات عامة لا تنم عن تجربة شعرية خاصة؛ فشعر التأمل ينفر من الصور الشعرية ذات الدلالة الفردية، ويفضل الصور التي يستجيب لها الجميع؛ فالشافعي يقدم لنا أقوالاً، نصفها اليوم بأنها تقريرية".. وسوف نعرض هنا بعض نماذج من شعر الإمام الشافعي قالها في مواقف وأغراض مختلفة؛ ليتعرف القارئ بنفسه على هذا الكنز من الحكم التأملية الصادرة عن عقل كبير، ومفكر، ونفس صافية؛ متوجهة إلى الله وحده.
نماذج من أشعار الإمام الشافعي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وَدِينُكَ مَوفُورٌ وَعِرْضُكَ صيّنُ
إذَا رُمْتَ أَنْ تَحيَا سليمًا مِنَ الرَّدَى
فَلا يَنطِقَن مِنْكَ اللسان بِسَوءةٍ
فَكلكَ سَوْءَاتٌ وللنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنَاكَ إِنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايبًا
فَدَعْهَا، وَقُلْ يَا عَيْنُ للنَّاسِ أَعْيُنُ
وَعَاشِرْ بِمَعْرُوفٍ وَسَامِحْ مَنِ اعْتَدَى
وَدَافِعْ وَلَكِنْ بِالَّتي هِيَ أحْسَنُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
كَمْ ضَاحِكٍ والمَنَايَا فَوْقَ هَامَتِهِ
لَوْ كَانَ يَعْلَمُ غَيبًا مَاتَ مِنْ كَمَدِ
مَنْ كَانَ لَمْ يُؤْتَ عِلْمًا فِي بَقَاءِ غَدٍ
مَـاذَا تَفَكُّرُهُ في رزق بعد غَدِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
عفُّوا تَعِف نساؤكم في المحرم
وتجنبوا مالا يليق بمسلم
إن الزنا دَيْن فإن أقرضته
كان الوفاً من أهل بيتك فاعلم
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
يا هاتكاً حُرَمَ الرجال وقاطعاً
سُبُلَ المَوَدَّةِ عِشْتَ غَيْرَ مكرمِ
لو كنتَ حرًّا من سُلالَة مَاجدٍ
مَا كنتَ هتّاكًا لِحُرْمَةِ مُسْلِمِ
مَن يَزْنِ يُزن به ولو بِجِدَارِهِ
إِنْ كُنْتَ يَا هَذا لبيبًا فَافهَمِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
إنَّ الملوكَ بلاء حيثما حلوا
فلا يكن لك في أبوابهم ظل
مَاذَا تُؤمِّل من قومٍ إذا غضبوا
جاروا عليك وإن أرضيتهم ملّوا
فاستَغِنْ بالله عن أبوابهم كرمًا
إن الوقوف على أبوابهم ذل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
حدث الربيع بن سليمان قال: كُنَّا عند الشافعي إذا جاءه رجل برقعة؛ فنظر فيها، وتبسم، ثم كتب فيها، ودفعها إليه. قال: فقُلْنَا يسأل الشافعيَّ عن مسألة لا ننظر فيها وفي جوابها؟ فلحقنا الرجل، وأخذنا الرقعة فقرأناها وإذا فيها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
سـل المفتي المكي هل في تزاور
وضمةِ مشتاقِ الفؤادِ جُنَاَحُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
قال: وإذا إجابة أسفل من ذلك:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
معاذ اللهِ أن يُذهبَ التقى
تلاصقُ أكبادٍٍ بهنَّ جراحُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
قال الربيع: فأنكرتُ على الشافعي أن يفتي لحَدَثٍ بمثل هذا؛ فقلتُ: يا أبا عبد الله تفتي بهذا شاباً؟ فقال لي: يا أبا محمد، هذا رجل هاشمي قد عرس هذا الشهر -يعنى شهر رمضان- وهو حدث السن؛ فسأل هل عليه جناح أن يُقبِّل، أو يضم من غير وطء ؟ فأفتيته بهذه الفتيا.
قال الربيع: فتبعت الشاب؛ فسألته عن حاله فذكر لي أنه مثل ما قال الشافعي؛ فما رأيت فراسةً أحسن منها.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
الدَّهْرُ يَومَانِ ذَا أمْنٍ وذَا خَطَرٍ
أَمَا تَرَى البحرَ تَعلُو فوقه جِيَفٌ
وفِي السَّمَاءِ نجومٌ لا عدادَ لَهَا
والعيشُ عيشانِ ذا صفو وذا كدرُ
وتَسْتَقِرُّ بأقْصَى قاعِهِ الدُّرَرُُ
وليس يُكسَفُ إلا الشمس والقمر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أخي لن تنال العلمَ إلا بستةٍ
سَأُنْبيكَ عـن تفصيلها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبَلْغَةٍ
وصحبةُ أستاذٍٍ وطولُ زمانِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لم يفتأ الناسُ حتى أحدثوا بدعاً
في الدين بالرأي لم يبعث بهاالرسلُ
حتى استخف بحق الله أكثرُهم
وفي الـذي حملوا من حقه شُغلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
علمي معي حيثما يَمَّمْتُ ينفَعُنِي
قلبي وعاءٌ له لا بطن صندوقِ
وإذا كنتُ في البيت كان العلمُ فيه معي
أو كنتُ في السوقِ كان العلمُ في السوقِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أحبُ الصالحينَ ولستُ منهم
لعَلِّي أنْ أنَالَ بهم شَفَاعَةْ
وأكره مَن تِجَارتُهُ المعاصي
ولو كنَّا سواء في البِضاعة
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
روى ياقوت الحموي فقال: بَلَغَنِي أن رجلاً جاء الشافعي برقعة فيها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
سَلِ المفتي المكي من آلِ هاشمٍ
إذا اشتَدَّ وَجْدٌ بامرئٍ مَاذَا يَصْنَعُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
قال: فكتب الشافعي تحته:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
يُدَاوي هَوَاهُ ثم يَكتُمُ وَجْدَهُ
ويَصْبِرُ في كُلِّ الأمورِ وَيَخْضَعُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فأخذها صاحبها وذهب بها، ثم جاء وقد كتب:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
فكيفَ يُدَاوِي والهَوَى قَاتِلُ الفتى
وفي كُلِّ يومٍ غُصَّةً يتجرعُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فكتب الشافعي -رحمه الله تعالى-:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
فإنْ هُوَ لم يَصبِرْ عَلَى مَا أَصَابَهُ
فَلَيْسَ لَهُ شَيءٌ سِوَى المَوْتِ أنْفَعُ
(16) الإمام الشافعي.. شاعرًا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
عُرف الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي كإمام من أئمة الفقه الأربعة، لكنَّ الكثيرين قد لا يعرفون عنه أنه كان شاعرًا أيضًا.
تقول عنه موسوعة المورد الحديثة:" محمد بن إدريس الشافعي (767-820م) فقيه، وإمام مسلم، صاحب المذهب الشافعي أحد المذاهب السُّنية الأربعة، تتلمذ على مالك بن أنس في المدينة المنورة، ثم على بعض أقطاب الحنفية في العراق، ولكنه لم يلتزم بطريقة أيٍّ من هذين الفريقين، ومن هنا كان مذهبه خطةً وسطًا بين منهج أهل الحديث، ومنهج أهل الرأي، أشهر آثاره كتاب (الأمّ)".
أمّا الشافعي الشاعر؛ فقد تفرقت أشعاره في كتب التراث حتى جمعها "زهدي يكن"، ونشرها في بيروت، ثم جمعها "محمد عفيف الزغبي" منذ أكثر من ربع قرن؛ فاستدرك بها ما فات زهدي يكن".
يتميز الشافعي الشاعر بأنه لم يكن يتكسب بالشعر، ولم يأخذه وسيلة للتقرب إلى ذي جاه، أو مال، أو سلطان؛ فقد كان الشعر يصدر عنه تلقائيًّا معبرًا عما يدور في ذهنه؛ لذلك انتشر شعره بين الناس، وأصبح كثير منه من الأمثال السائرة التي يتداولها الناس، ولا يعرف معظمهم أنها من شعره، ومن أمثلة ذلك قوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ
فَتَوَلَّ أنتَ جميعَ أَمرِكَ
مَا طَارَ طَيرٌ وَارتَفَع
إلاَّ كَمَا طَارَ وَقَع
ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُهَا
فرَجَتْ وكُنْتُ أَظُنُّهَا لا تُفْرَجُ
نَعيبُ زَمَانَنَا وَالعَيبُ فينَا
وَمَا لِزَمَانِنَا عَيبٌ سِوَانَا
وَعَينُ الرِّضَا عنْ كُلِّ عيبٍ كَلِيْلَةٌ
وَلَكِنَّ عينَ السُّخْطِ تُبدِي المَسَاوِيَا
تَغَرَّبْ عَنِ الأوطانِ في طَلَبِ العُلا
وَسَافِرْ فَفِي الأسفارِ خمسُ فَوَائِد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويُعتبر معظم شعر الإمام الشافعي من شعر التأمل، والسمات الغالبة على هذا الضرب من الشعر هي "التجريد، والتعميم، و"ضغط" التعبير، وهى سمات كلاسيكية؛ إذ إن مادتها "فكرية" في المقام الأول، وتجلياتها الفنية هي: المقابلات، والمفارقات، التي تجعل من الكلام ما يشبه الأمثال السائرة، أو الحِكَم التي يتداولها الناس.. وإذا كان شعر التأمل ينزع إلى التجريد والتعميم؛ فليس معنى ذلك أنه خالٍ تمامًا من الصور، والتشبيهات الكلاسيكية؛ ولكنها تشبيهات عامة لا تنم عن تجربة شعرية خاصة؛ فشعر التأمل ينفر من الصور الشعرية ذات الدلالة الفردية، ويفضل الصور التي يستجيب لها الجميع؛ فالشافعي يقدم لنا أقوالاً، نصفها اليوم بأنها تقريرية".. وسوف نعرض هنا بعض نماذج من شعر الإمام الشافعي قالها في مواقف وأغراض مختلفة؛ ليتعرف القارئ بنفسه على هذا الكنز من الحكم التأملية الصادرة عن عقل كبير، ومفكر، ونفس صافية؛ متوجهة إلى الله وحده.
نماذج من أشعار الإمام الشافعي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وَدِينُكَ مَوفُورٌ وَعِرْضُكَ صيّنُ
إذَا رُمْتَ أَنْ تَحيَا سليمًا مِنَ الرَّدَى
فَلا يَنطِقَن مِنْكَ اللسان بِسَوءةٍ
فَكلكَ سَوْءَاتٌ وللنَّاسِ أَلْسُنُ
وَعَيْنَاكَ إِنْ أَبْدَتْ إِلَيْكَ مَعَايبًا
فَدَعْهَا، وَقُلْ يَا عَيْنُ للنَّاسِ أَعْيُنُ
وَعَاشِرْ بِمَعْرُوفٍ وَسَامِحْ مَنِ اعْتَدَى
وَدَافِعْ وَلَكِنْ بِالَّتي هِيَ أحْسَنُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
كَمْ ضَاحِكٍ والمَنَايَا فَوْقَ هَامَتِهِ
لَوْ كَانَ يَعْلَمُ غَيبًا مَاتَ مِنْ كَمَدِ
مَنْ كَانَ لَمْ يُؤْتَ عِلْمًا فِي بَقَاءِ غَدٍ
مَـاذَا تَفَكُّرُهُ في رزق بعد غَدِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
عفُّوا تَعِف نساؤكم في المحرم
وتجنبوا مالا يليق بمسلم
إن الزنا دَيْن فإن أقرضته
كان الوفاً من أهل بيتك فاعلم
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
يا هاتكاً حُرَمَ الرجال وقاطعاً
سُبُلَ المَوَدَّةِ عِشْتَ غَيْرَ مكرمِ
لو كنتَ حرًّا من سُلالَة مَاجدٍ
مَا كنتَ هتّاكًا لِحُرْمَةِ مُسْلِمِ
مَن يَزْنِ يُزن به ولو بِجِدَارِهِ
إِنْ كُنْتَ يَا هَذا لبيبًا فَافهَمِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
إنَّ الملوكَ بلاء حيثما حلوا
فلا يكن لك في أبوابهم ظل
مَاذَا تُؤمِّل من قومٍ إذا غضبوا
جاروا عليك وإن أرضيتهم ملّوا
فاستَغِنْ بالله عن أبوابهم كرمًا
إن الوقوف على أبوابهم ذل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
حدث الربيع بن سليمان قال: كُنَّا عند الشافعي إذا جاءه رجل برقعة؛ فنظر فيها، وتبسم، ثم كتب فيها، ودفعها إليه. قال: فقُلْنَا يسأل الشافعيَّ عن مسألة لا ننظر فيها وفي جوابها؟ فلحقنا الرجل، وأخذنا الرقعة فقرأناها وإذا فيها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
سـل المفتي المكي هل في تزاور
وضمةِ مشتاقِ الفؤادِ جُنَاَحُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
قال: وإذا إجابة أسفل من ذلك:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
معاذ اللهِ أن يُذهبَ التقى
تلاصقُ أكبادٍٍ بهنَّ جراحُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
قال الربيع: فأنكرتُ على الشافعي أن يفتي لحَدَثٍ بمثل هذا؛ فقلتُ: يا أبا عبد الله تفتي بهذا شاباً؟ فقال لي: يا أبا محمد، هذا رجل هاشمي قد عرس هذا الشهر -يعنى شهر رمضان- وهو حدث السن؛ فسأل هل عليه جناح أن يُقبِّل، أو يضم من غير وطء ؟ فأفتيته بهذه الفتيا.
قال الربيع: فتبعت الشاب؛ فسألته عن حاله فذكر لي أنه مثل ما قال الشافعي؛ فما رأيت فراسةً أحسن منها.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
الدَّهْرُ يَومَانِ ذَا أمْنٍ وذَا خَطَرٍ
أَمَا تَرَى البحرَ تَعلُو فوقه جِيَفٌ
وفِي السَّمَاءِ نجومٌ لا عدادَ لَهَا
والعيشُ عيشانِ ذا صفو وذا كدرُ
وتَسْتَقِرُّ بأقْصَى قاعِهِ الدُّرَرُُ
وليس يُكسَفُ إلا الشمس والقمر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أخي لن تنال العلمَ إلا بستةٍ
سَأُنْبيكَ عـن تفصيلها ببيانِ
ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبَلْغَةٍ
وصحبةُ أستاذٍٍ وطولُ زمانِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لم يفتأ الناسُ حتى أحدثوا بدعاً
في الدين بالرأي لم يبعث بهاالرسلُ
حتى استخف بحق الله أكثرُهم
وفي الـذي حملوا من حقه شُغلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
علمي معي حيثما يَمَّمْتُ ينفَعُنِي
قلبي وعاءٌ له لا بطن صندوقِ
وإذا كنتُ في البيت كان العلمُ فيه معي
أو كنتُ في السوقِ كان العلمُ في السوقِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وايضا:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أحبُ الصالحينَ ولستُ منهم
لعَلِّي أنْ أنَالَ بهم شَفَاعَةْ
وأكره مَن تِجَارتُهُ المعاصي
ولو كنَّا سواء في البِضاعة
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
روى ياقوت الحموي فقال: بَلَغَنِي أن رجلاً جاء الشافعي برقعة فيها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
سَلِ المفتي المكي من آلِ هاشمٍ
إذا اشتَدَّ وَجْدٌ بامرئٍ مَاذَا يَصْنَعُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
قال: فكتب الشافعي تحته:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
يُدَاوي هَوَاهُ ثم يَكتُمُ وَجْدَهُ
ويَصْبِرُ في كُلِّ الأمورِ وَيَخْضَعُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فأخذها صاحبها وذهب بها، ثم جاء وقد كتب:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
فكيفَ يُدَاوِي والهَوَى قَاتِلُ الفتى
وفي كُلِّ يومٍ غُصَّةً يتجرعُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فكتب الشافعي -رحمه الله تعالى-:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
فإنْ هُوَ لم يَصبِرْ عَلَى مَا أَصَابَهُ
فَلَيْسَ لَهُ شَيءٌ سِوَى المَوْتِ أنْفَعُ
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
(17) "بانت سعاد" في مدح الرسول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
مُتيَّمٌ إثرها لم يفد مكبولُ
وما سعاد غداةَ البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
أرجو وآمل أن تدنو مودتها
وما إخال لدينا منك تنويل
نُبئت أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
إن الرسول لنور يُستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
في عصبةٍ من قريش قال قائلهم
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
لا يقع الطعن إلا في نحورهم
وما لهم عن حياض الموت تهليل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
هذه بعض أبيات القصيدة العصماء التي أتى بها كعب بن زهير بن أبي سلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلمًا وتائبًا عَمَّا كان منه من هجاء للمسلمين، وقد عرفت تلك القصيدة في تاريخ الأدب العربي بـ"البردة" لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- عندما سمعها استحسنها وخلع على كعبٍ بردته لتكون وسامًا لكعب على قصيدته التي أصبحت مَعلمًا، نحاول في عجالة استعراض أهميتها وأثرها:
1 - قصيدة "بانت سعاد" تكتسب أهميتها من ملابساتها التاريخية بما يفوق قيمتها الفنية التي لا نشكك فيها بالطبع، ولكنها تندرج في إطار القوالب العامة لقصائد الشعر الجاهلي؛ حيث حملت من أغراضه الغزل والنسيب والوصف والحماسة والمدح والاعتذار والحِكَم والأمثال، ومن ملامحه فخامة الألفاظ وقوة الجرس الموسيقي، وتسودها ملامح الحياة الصحراوية فترى فيها الرياح والرمال والجمال والسيوف. وهنا ملاحظة لطيفة وهي أن مؤرخي الشعر العربي يقولون: إن الشعر العباسي كان شعرًا نباتيًّا لما فيه من وصف الورود والخمائل والرياحين والبساتين، بينما الشعر الجاهلي كان حيوانيًّا؛ لما يكثر فيه من ذكر الخيول والجمال والظباء والكلاب..إلخ. ويكفي أن تعلم أن هذه القصيدة التي يبلغ عدد أبياتها ستين بيتًا كان نصيب الإبل منها عشرين بيتًا أي الثُلث، فإذا أضفنا ما ذكر فيها من حيوانات أخرى -كالفيل والأسد والظبي وغيرها- لكانت قصيدة "بانت سعاد" مصداقًا لهذه المقولة.. كما ننوه بأن هذه القصيدة على وزنٍ من أكثر الأوزان شيوعًا عند شعراء الجاهلية وصدر الإسلام وهو بحر البسيط ووزنه (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) وقد نظم الشهابي هذا الوزن بقوله:"إذا بسطت يدي أدعو على فئةٍ .. لاموا عليك عسى تخلوا أماكنهم .. مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن .. فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم".
2 - قبل أن نتكلم عن تأثير القصيدة، نتكلم عن تأثرها. فإن "بانت سعاد" تمثل نمط القصيدة الجاهلية، كما أنها متأثرة أيضًا بصورة مباشرة بعدد من قصائد الشعراء السابقين والمعاصرين لكعب بن زهير فللأعشى قصيدة يقول مطلعها: بانت سعاد وأمسى حبلها رابا .. وأحدث النأي لي شوقًا وأوصابا. وللنابغة الذبياني قصيدة يقول فيها: بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما.. واحتلت الشرع فالأجزاع من إضما. ولطفيل الغنوي لامية يصف فيها محبوبته "شماء" بصفاتٍ تتطابق مع صفات سعاد كعب حيث يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
هل حبل شماء قبل البين موصول
أم ليس للصرم عن شماء معدول
إذ هي أحوى من الربعي حاجبه
والعين بالإثمد الحاري مكحول
إن تمسِ قد سمعت قيل الوشاة بنا
وكل ما نطق الواشون تضليل
فما تجود بموعود فتنجزه
أم لا فيأسٌ وإعراض وتجميلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولا نريد الاسترسال في هذا الميدان الذي تكثر فيه الشواهد؛ لأن التأثير المتبادل بين شعراء العصر الواحد ظاهرة محسوسة تمليها طبائع الأمور؛ حيث تتشابه البيئة وتشترك التجارب وتفرض الأوزان والقوافي صبغتها على الموضوعات.
3 - "بانت سعاد" تتفرد بين فرائد الشعر العربي بما أحدثته من تأثير على مر العصور. وظهر هذا التأثير في حرص عشرات الشعراء، إما على معارضة القصيدة أو الاستفادة من صورها أو ألفاظها حتى تكونت مكتبة شعرية وافرة وثرية بتأثير قصيدة كعب. ومن أشهر قصائد المدائح النبوية التي عارضت "بانت سعاد" لامية الحميدي التي مطلعها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
بانت سُليمى ففكر الصب مشغول
وقلبه من لظى الهجران مشغول
ولامية عبد الرحمن بن حسن:
لي في الهوى مذهبٌ ما عنه تحويل
وما لحبي تغيير وتبديل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولامية النابلسي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
هل في البروق عن الأحباب تعليل
لا والذي ماله في الحكم تعليلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أما أشهر هذه المعارضات فهي لامية البوصيري التي يقول مطلعها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
إلى متى أنت باللذات مشغول
وأنت عن كل ما قدمت مسئول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فقد أشار في قصيدته إلى أنه يعارض بها قصيدة كعب، وأنه وإن وازن بها قوله فإنها لا تعادله في حسنه ولا تناظره، إلا كما تناظر المثاقيل ما يوزن بها من الدر، وهذا معنى جميل لم يسبقه إليه أحد إذ يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
لم أنتحلها ولم أغصب معانيها
وغير مدحك مغصوب ومنحول
وما على قول كعبٍ أن توازنه
فربما وازن الدرَّ المثاقيلُ
وهل تعادله حسنًا ومنطقها
عن منطق العرب العرباء معدول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ثم يقول بعد هذه الأبيات: إنه لما كان غرضهما واحدًا -وهو مدح الرسول (ص)- فلا بأس من أن يغلبه كعب، فهو إنما يقفو أثره للبركة التي نالته بسببها؛ حيث استحق بها عفو الممدوح وصان بها دمه:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
وحيث كنا معًا نرمي إلى غرضٍ
فحبذا ناضلٌ منا ومنضولُ
إن أقف آثاره إني الغداة بها
على طريق نجاحٍ منك مدلولُ
لما غفرت له ذنبًا وصنت دمًا
لولا ذمامك أضحى وهو مطلولُ
رجوت غفران ذنبٍ موجبٍ تلفي
له من النفس إملاءٌ وتسويل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
4 – هناك أيضًا من هذه الألوان التأثير العلمي في ميدان الأدب والثقافة الإسلامية، ويتمثل في المؤلفات التي خصصت على مر العصور لشرح قصيدة "بانت سعاد" والتي بلغت عددًا كبيرًا تناثرت وتفرقت في مكتبات العالم بين المخطوط والمطبوع، ولم يبق منه سوى الذكر. على أية حال؛ فالمتوافر الآن من هذه الشروح حوالي خمسين، اختلفت في منطلقها ومنظورها إلى القصيدة؛ فمنها الشروح اللغوية مثل شرحِ السكري وشرح الخطيب التبريزي وشرح الأنباري وغيرها... والشروح النحوية كشرح البغدادي وشرح ابن هشام وغيرهما ... والشروح الأدبية وأهمها شرح السيوطي المسمى "كنه المراد في بيان بانت سعاد" وشرح جمال الدين بن هشام، ثم الشروح التي جنحت إلى النهج الصوفي مثل شرح الشيخ القدسي "الإسعاد في تحقيق بانت سعاد" وكذلك شرح محمد القاري وغيرهما... ولكم أن تتخيلوا حجم ما أضافته هذه الشروح للمكتبة العربية من مسائل وشواهد وآراء.
5 – من الأثر الشعري للقصيدة نجد، بالإضافة للمعارضة، تشطير أبيات القصيدة وتخميسها، ومن التشطير قول الشاعر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
مدله حائرٌ والعقل معقول
معذبٌ في هواها هائمٌ دنِفٌ
متيمٌ إثرها لم يفد مكبولُ
ومن التخميس قول الشاعر:
قلبي على حب من أهواه مجبول
ونقل شوقي لدى العشاق مقبول
يا لائمي خلني فالعقل مخبول
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فإذا انتقلنا إلى الطرائف الأدبية والمُلح الشعرية نجد العديد من أرباب الفنون قد وظفوا القصيدة لنظم علومهم؛ فعلى سبيل المثال نظم بعض علماء مصطلح الحديث:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
يا من حديث غرامي في محبتهم
مسلسل وفؤادي منه معلولُ
حبي صحيحٌ ومقطوعٌ به ألمي
عشقي حديثٌ قديم فيك منقول
ونظم بعض علماء النحو:
إن ميزوني بعطفٍ فهو بغيتهم
وإن هم خفضوا دمعي فمحمول
هم عرفوني وكان الحال نكرني
فكيف أصرف وجدي وهو معدولُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وهناك من استعرض سور القرآن الكريم من خلال لامية معارضةٍ لكعب فكان مما قال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
تجمعوا زمرًا في كل واقعةٍ
إلى القتال وجيش الكفر مخذولُ
وبالحديد فكم أبدوا مجادلةً
للكافرين وسيف البغي مفلول
تبارك الله سبحان الإله لقد
وافاه بالنصر عند الصف جبريلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
والحقيقة أن التوسع في ذكر الأمثلة يحتاج إلى مجلدات، ولكن لا يفوتني هنا -من باب الدعابة – أن أنقل للمشاهد مثالاً لقصيدة لامية شطر فيها "الخفاجي" "بانت سعاد" وحشد في تشطيره ألفاظًا معجميةً غريبة فكان مما قال :
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
ولن يبلغها إلا عذافرةٌ
صلخدمٌ عسلٌ سجحاء عيهول
قصية شيظمٌ علطوس ساهمةٌ
لها على الأين إرقالٌ وتبغيلُ
غلباء وجناء علكوم مذكرةٌ
عرفاس عرمس ما في اللحم ترهيل
هرجاب مائرة الضبعين عجلزةٌ
في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
6 – هناك شبهة مثارة حول العاطفة الدينية والروح الإسلامية لكعب بن زهير ومصدر إثارتها سببان: الأول المقارنة بينه وبين سائر شعراء الرسول -صلى الله عليه وسلم- كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما وهذه مقارنة غير منصفة لكعب، فهؤلاء من أصحاب السبق والصحبة أسلموا مبكرًا واقتربوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبوه طويلا وشهدوا مواقع الإسلام الكبرى وعاصروا نزول القرآن وأنشدوا الكثير من الأشعار التي تؤرخ لعصر النبوة، كانت العقيدة روحها، أما كعب فقد تأخر إسلامه إلى ما بعد الفتح، فلم ينل مثل ما نالوه من الشرف والرفعة، ولم يُتح له أن يسهم مثلما أسهموا بشعرهم في الدفاع عن الإسلام وبيان مبادئه.
أما السبب الثاني لهذه الشبهة فهو أن هؤلاء النقاد يحكمون على كعب فقط من خلال لاميته "بانت سعاد" بينما الرجل له أشعار أخرى تؤكد عاطفته الدينية؛ فهو القائل:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
فأقسمت بالرحمن لا شيء غيره
يمين امرئٍ برٍ ولا أتحللُ
لأستشعرن أعلى دريسي مسلمًا
لوجه الذي يحيي الأنام ويقتل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
أعلم أني متى ما يأتني قدري
فليس يحبسه شحٌ ولا شفقُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
لعمرك - لولا رحمة الله- إنني
لأمطو بجدٍ ما يريد ليرفعا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
كما أن البردة نفسها لا تخلو من تعبيراتٍ ومضامين إسلامية في مواطن عدة على رأسها تكرار وصفه ومناداته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وكان مقام الاعتذار والاسترحام يقتضي -ما لم يكن مؤمنًا صادقًا- أن يقول يا سيد العرب أو يا سيد قريش .. ثم انظر إلى حديثه عن القدر في قوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يومًا على آلة حدباء محمول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
"فكل ما قدر الرحمن مفعول"
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وحديثه عن جهاد الصحابة في عدة مواطن منها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
إن الرسول لسيف يُستضاء به
مُهند من سيوف الله مسلول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وتعرجه على ذكر الهجرة النبوية المباركة بقوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
في عصبةٍ من قريشٍ قال قائلهم
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
هذه فقط بعض الأدلة على بطلان الشبهة التي تقدح في حسن إسلام كعب بن زهيرٍ رضي الله عنه.
(17) "بانت سعاد" في مدح الرسول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
مُتيَّمٌ إثرها لم يفد مكبولُ
وما سعاد غداةَ البين إذ رحلوا
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
أرجو وآمل أن تدنو مودتها
وما إخال لدينا منك تنويل
نُبئت أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمول
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
إن الرسول لنور يُستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
في عصبةٍ من قريش قال قائلهم
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
لا يقع الطعن إلا في نحورهم
وما لهم عن حياض الموت تهليل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
هذه بعض أبيات القصيدة العصماء التي أتى بها كعب بن زهير بن أبي سلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلمًا وتائبًا عَمَّا كان منه من هجاء للمسلمين، وقد عرفت تلك القصيدة في تاريخ الأدب العربي بـ"البردة" لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- عندما سمعها استحسنها وخلع على كعبٍ بردته لتكون وسامًا لكعب على قصيدته التي أصبحت مَعلمًا، نحاول في عجالة استعراض أهميتها وأثرها:
1 - قصيدة "بانت سعاد" تكتسب أهميتها من ملابساتها التاريخية بما يفوق قيمتها الفنية التي لا نشكك فيها بالطبع، ولكنها تندرج في إطار القوالب العامة لقصائد الشعر الجاهلي؛ حيث حملت من أغراضه الغزل والنسيب والوصف والحماسة والمدح والاعتذار والحِكَم والأمثال، ومن ملامحه فخامة الألفاظ وقوة الجرس الموسيقي، وتسودها ملامح الحياة الصحراوية فترى فيها الرياح والرمال والجمال والسيوف. وهنا ملاحظة لطيفة وهي أن مؤرخي الشعر العربي يقولون: إن الشعر العباسي كان شعرًا نباتيًّا لما فيه من وصف الورود والخمائل والرياحين والبساتين، بينما الشعر الجاهلي كان حيوانيًّا؛ لما يكثر فيه من ذكر الخيول والجمال والظباء والكلاب..إلخ. ويكفي أن تعلم أن هذه القصيدة التي يبلغ عدد أبياتها ستين بيتًا كان نصيب الإبل منها عشرين بيتًا أي الثُلث، فإذا أضفنا ما ذكر فيها من حيوانات أخرى -كالفيل والأسد والظبي وغيرها- لكانت قصيدة "بانت سعاد" مصداقًا لهذه المقولة.. كما ننوه بأن هذه القصيدة على وزنٍ من أكثر الأوزان شيوعًا عند شعراء الجاهلية وصدر الإسلام وهو بحر البسيط ووزنه (مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) وقد نظم الشهابي هذا الوزن بقوله:"إذا بسطت يدي أدعو على فئةٍ .. لاموا عليك عسى تخلوا أماكنهم .. مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن .. فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم".
2 - قبل أن نتكلم عن تأثير القصيدة، نتكلم عن تأثرها. فإن "بانت سعاد" تمثل نمط القصيدة الجاهلية، كما أنها متأثرة أيضًا بصورة مباشرة بعدد من قصائد الشعراء السابقين والمعاصرين لكعب بن زهير فللأعشى قصيدة يقول مطلعها: بانت سعاد وأمسى حبلها رابا .. وأحدث النأي لي شوقًا وأوصابا. وللنابغة الذبياني قصيدة يقول فيها: بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما.. واحتلت الشرع فالأجزاع من إضما. ولطفيل الغنوي لامية يصف فيها محبوبته "شماء" بصفاتٍ تتطابق مع صفات سعاد كعب حيث يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
هل حبل شماء قبل البين موصول
أم ليس للصرم عن شماء معدول
إذ هي أحوى من الربعي حاجبه
والعين بالإثمد الحاري مكحول
إن تمسِ قد سمعت قيل الوشاة بنا
وكل ما نطق الواشون تضليل
فما تجود بموعود فتنجزه
أم لا فيأسٌ وإعراض وتجميلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولا نريد الاسترسال في هذا الميدان الذي تكثر فيه الشواهد؛ لأن التأثير المتبادل بين شعراء العصر الواحد ظاهرة محسوسة تمليها طبائع الأمور؛ حيث تتشابه البيئة وتشترك التجارب وتفرض الأوزان والقوافي صبغتها على الموضوعات.
3 - "بانت سعاد" تتفرد بين فرائد الشعر العربي بما أحدثته من تأثير على مر العصور. وظهر هذا التأثير في حرص عشرات الشعراء، إما على معارضة القصيدة أو الاستفادة من صورها أو ألفاظها حتى تكونت مكتبة شعرية وافرة وثرية بتأثير قصيدة كعب. ومن أشهر قصائد المدائح النبوية التي عارضت "بانت سعاد" لامية الحميدي التي مطلعها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
بانت سُليمى ففكر الصب مشغول
وقلبه من لظى الهجران مشغول
ولامية عبد الرحمن بن حسن:
لي في الهوى مذهبٌ ما عنه تحويل
وما لحبي تغيير وتبديل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولامية النابلسي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
هل في البروق عن الأحباب تعليل
لا والذي ماله في الحكم تعليلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أما أشهر هذه المعارضات فهي لامية البوصيري التي يقول مطلعها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
إلى متى أنت باللذات مشغول
وأنت عن كل ما قدمت مسئول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فقد أشار في قصيدته إلى أنه يعارض بها قصيدة كعب، وأنه وإن وازن بها قوله فإنها لا تعادله في حسنه ولا تناظره، إلا كما تناظر المثاقيل ما يوزن بها من الدر، وهذا معنى جميل لم يسبقه إليه أحد إذ يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
لم أنتحلها ولم أغصب معانيها
وغير مدحك مغصوب ومنحول
وما على قول كعبٍ أن توازنه
فربما وازن الدرَّ المثاقيلُ
وهل تعادله حسنًا ومنطقها
عن منطق العرب العرباء معدول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ثم يقول بعد هذه الأبيات: إنه لما كان غرضهما واحدًا -وهو مدح الرسول (ص)- فلا بأس من أن يغلبه كعب، فهو إنما يقفو أثره للبركة التي نالته بسببها؛ حيث استحق بها عفو الممدوح وصان بها دمه:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
وحيث كنا معًا نرمي إلى غرضٍ
فحبذا ناضلٌ منا ومنضولُ
إن أقف آثاره إني الغداة بها
على طريق نجاحٍ منك مدلولُ
لما غفرت له ذنبًا وصنت دمًا
لولا ذمامك أضحى وهو مطلولُ
رجوت غفران ذنبٍ موجبٍ تلفي
له من النفس إملاءٌ وتسويل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
4 – هناك أيضًا من هذه الألوان التأثير العلمي في ميدان الأدب والثقافة الإسلامية، ويتمثل في المؤلفات التي خصصت على مر العصور لشرح قصيدة "بانت سعاد" والتي بلغت عددًا كبيرًا تناثرت وتفرقت في مكتبات العالم بين المخطوط والمطبوع، ولم يبق منه سوى الذكر. على أية حال؛ فالمتوافر الآن من هذه الشروح حوالي خمسين، اختلفت في منطلقها ومنظورها إلى القصيدة؛ فمنها الشروح اللغوية مثل شرحِ السكري وشرح الخطيب التبريزي وشرح الأنباري وغيرها... والشروح النحوية كشرح البغدادي وشرح ابن هشام وغيرهما ... والشروح الأدبية وأهمها شرح السيوطي المسمى "كنه المراد في بيان بانت سعاد" وشرح جمال الدين بن هشام، ثم الشروح التي جنحت إلى النهج الصوفي مثل شرح الشيخ القدسي "الإسعاد في تحقيق بانت سعاد" وكذلك شرح محمد القاري وغيرهما... ولكم أن تتخيلوا حجم ما أضافته هذه الشروح للمكتبة العربية من مسائل وشواهد وآراء.
5 – من الأثر الشعري للقصيدة نجد، بالإضافة للمعارضة، تشطير أبيات القصيدة وتخميسها، ومن التشطير قول الشاعر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
مدله حائرٌ والعقل معقول
معذبٌ في هواها هائمٌ دنِفٌ
متيمٌ إثرها لم يفد مكبولُ
ومن التخميس قول الشاعر:
قلبي على حب من أهواه مجبول
ونقل شوقي لدى العشاق مقبول
يا لائمي خلني فالعقل مخبول
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فإذا انتقلنا إلى الطرائف الأدبية والمُلح الشعرية نجد العديد من أرباب الفنون قد وظفوا القصيدة لنظم علومهم؛ فعلى سبيل المثال نظم بعض علماء مصطلح الحديث:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
يا من حديث غرامي في محبتهم
مسلسل وفؤادي منه معلولُ
حبي صحيحٌ ومقطوعٌ به ألمي
عشقي حديثٌ قديم فيك منقول
ونظم بعض علماء النحو:
إن ميزوني بعطفٍ فهو بغيتهم
وإن هم خفضوا دمعي فمحمول
هم عرفوني وكان الحال نكرني
فكيف أصرف وجدي وهو معدولُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وهناك من استعرض سور القرآن الكريم من خلال لامية معارضةٍ لكعب فكان مما قال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
تجمعوا زمرًا في كل واقعةٍ
إلى القتال وجيش الكفر مخذولُ
وبالحديد فكم أبدوا مجادلةً
للكافرين وسيف البغي مفلول
تبارك الله سبحان الإله لقد
وافاه بالنصر عند الصف جبريلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
والحقيقة أن التوسع في ذكر الأمثلة يحتاج إلى مجلدات، ولكن لا يفوتني هنا -من باب الدعابة – أن أنقل للمشاهد مثالاً لقصيدة لامية شطر فيها "الخفاجي" "بانت سعاد" وحشد في تشطيره ألفاظًا معجميةً غريبة فكان مما قال :
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
ولن يبلغها إلا عذافرةٌ
صلخدمٌ عسلٌ سجحاء عيهول
قصية شيظمٌ علطوس ساهمةٌ
لها على الأين إرقالٌ وتبغيلُ
غلباء وجناء علكوم مذكرةٌ
عرفاس عرمس ما في اللحم ترهيل
هرجاب مائرة الضبعين عجلزةٌ
في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
6 – هناك شبهة مثارة حول العاطفة الدينية والروح الإسلامية لكعب بن زهير ومصدر إثارتها سببان: الأول المقارنة بينه وبين سائر شعراء الرسول -صلى الله عليه وسلم- كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما وهذه مقارنة غير منصفة لكعب، فهؤلاء من أصحاب السبق والصحبة أسلموا مبكرًا واقتربوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبوه طويلا وشهدوا مواقع الإسلام الكبرى وعاصروا نزول القرآن وأنشدوا الكثير من الأشعار التي تؤرخ لعصر النبوة، كانت العقيدة روحها، أما كعب فقد تأخر إسلامه إلى ما بعد الفتح، فلم ينل مثل ما نالوه من الشرف والرفعة، ولم يُتح له أن يسهم مثلما أسهموا بشعرهم في الدفاع عن الإسلام وبيان مبادئه.
أما السبب الثاني لهذه الشبهة فهو أن هؤلاء النقاد يحكمون على كعب فقط من خلال لاميته "بانت سعاد" بينما الرجل له أشعار أخرى تؤكد عاطفته الدينية؛ فهو القائل:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
فأقسمت بالرحمن لا شيء غيره
يمين امرئٍ برٍ ولا أتحللُ
لأستشعرن أعلى دريسي مسلمًا
لوجه الذي يحيي الأنام ويقتل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
أعلم أني متى ما يأتني قدري
فليس يحبسه شحٌ ولا شفقُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
لعمرك - لولا رحمة الله- إنني
لأمطو بجدٍ ما يريد ليرفعا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
كما أن البردة نفسها لا تخلو من تعبيراتٍ ومضامين إسلامية في مواطن عدة على رأسها تكرار وصفه ومناداته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وكان مقام الاعتذار والاسترحام يقتضي -ما لم يكن مؤمنًا صادقًا- أن يقول يا سيد العرب أو يا سيد قريش .. ثم انظر إلى حديثه عن القدر في قوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يومًا على آلة حدباء محمول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
"فكل ما قدر الرحمن مفعول"
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وحديثه عن جهاد الصحابة في عدة مواطن منها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
إن الرسول لسيف يُستضاء به
مُهند من سيوف الله مسلول
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وتعرجه على ذكر الهجرة النبوية المباركة بقوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
في عصبةٍ من قريشٍ قال قائلهم
ببطن مكة لما أسلموا زولوا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
هذه فقط بعض الأدلة على بطلان الشبهة التي تقدح في حسن إسلام كعب بن زهيرٍ رضي الله عنه.
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
(18) أبو تمام .. الشاعر المجود المجدد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
إنه حبيب بن أوس الطائي المولود بقرية جاسم من أعمال دمشق عام 804 م. سافر أبوه إلى دمشق ليحترف الحياكة وعندما ترعرع أبو تمام سافر إلى مصر فكان يسقي الماء بجامع عمرو ويستقي من أدب العلماء والشعراء. حفظ الشعر منذ طفولته وصار يقلد الشعراء حتى أبدع في هذا المجال وتفرد فيه بعبقرية نادرة فأصبح شاعراً مطبوعا لطيف الفطنة دقيق المعنى له استخراجات عجائبية ومعان غريبة.
لم يتبع أبو تمام أساليب القدماء في بناء القصيدة وخرج بذلك على عمود الشعر وبلغ من الإجادة والروعة المبتكرة ما لم يبلغه شاعر آخر، وغادر مصر يغشى منازل الكرماء ويتفيأ ظل النعيم فأقبل عليه عشاق الأدب والمدح إقبالاً لم يترك لغيره مجالاً فيه، وله في ذلك مواقف طريفة تدل على ذكائه الحاد وسرعة بديهته ومن هذه المواقف أنه أنشد أحمد بن المعتصم فقال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
ما في وقوفك ساعة من بأس
تقضي ذمام الأربع الأدراس
إقدام عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء اياس
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فقال أبو يوسف الكندي الفيلسوف وكان حاضراً: "الأمير فوق ما وصفت وإنك شبهته بأجلاف العرب".
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
فأطرق أبو تمام قليلاً ثم قال فوراً:
لا تنكروا ضربي له مَن دونه
مثلا شروداً في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره
مثلا من المشكاة والنبراس
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فقال الخليفة أحمد بن المعتصم في دهشة: "مهما يطلب فأعطه فإن فكره يأكل جسمه كما يأكل السيف المهند غمده، ولا يعيش كثيراً وولاه بريد الموصل".
ومن يقرأ لأبي تمام يدرك أثر التقدم العلمي الذي ساد في عصره من العلوم المترجمة والفلسفة والحضارة الراقية فقد استوعب هذه الآثار واستنبط من ذلك طريقته في تجويد المعنى فجنح إلى الاستدلال بالأدلة العقلية والكنايات الخفية، وتلاحظ كذلك في شعره ألفاظا متخيرة ضمّنها من الأمثال والحكم مما زاد من ثروة الأدب العربي، وقد اختلف الناس حول شاعرية أبي تمام، منهم من تعصب له وأفرط حتى فضله على كل سلف، ومنهم من عمد إلى جيده فطواه والى رديئه فرواه، وقد فضله الرؤساء والزعماء والأمراء في المدح وأجزلوا له العطايا.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
ومن نصوصه المشهورة:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ومن قصائده التي تعتبر سجلاً لبطولة العرب وتاريخهم النضالي حين مدح المعتصم بعد فتح عَمّورية (إحدى حصون الروم) وكان المنجمون يدعون أن الزمان غير مناسب للفتح و كن لم يبال المعتصم وغزا المدينة وحقق نصراً كبيراً ولذلك قال أبو تمام:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حَدّه الحَدّ بين الجِدّ واللعبِ
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريَبِ
(18) أبو تمام .. الشاعر المجود المجدد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
إنه حبيب بن أوس الطائي المولود بقرية جاسم من أعمال دمشق عام 804 م. سافر أبوه إلى دمشق ليحترف الحياكة وعندما ترعرع أبو تمام سافر إلى مصر فكان يسقي الماء بجامع عمرو ويستقي من أدب العلماء والشعراء. حفظ الشعر منذ طفولته وصار يقلد الشعراء حتى أبدع في هذا المجال وتفرد فيه بعبقرية نادرة فأصبح شاعراً مطبوعا لطيف الفطنة دقيق المعنى له استخراجات عجائبية ومعان غريبة.
لم يتبع أبو تمام أساليب القدماء في بناء القصيدة وخرج بذلك على عمود الشعر وبلغ من الإجادة والروعة المبتكرة ما لم يبلغه شاعر آخر، وغادر مصر يغشى منازل الكرماء ويتفيأ ظل النعيم فأقبل عليه عشاق الأدب والمدح إقبالاً لم يترك لغيره مجالاً فيه، وله في ذلك مواقف طريفة تدل على ذكائه الحاد وسرعة بديهته ومن هذه المواقف أنه أنشد أحمد بن المعتصم فقال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
ما في وقوفك ساعة من بأس
تقضي ذمام الأربع الأدراس
إقدام عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء اياس
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فقال أبو يوسف الكندي الفيلسوف وكان حاضراً: "الأمير فوق ما وصفت وإنك شبهته بأجلاف العرب".
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
فأطرق أبو تمام قليلاً ثم قال فوراً:
لا تنكروا ضربي له مَن دونه
مثلا شروداً في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره
مثلا من المشكاة والنبراس
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فقال الخليفة أحمد بن المعتصم في دهشة: "مهما يطلب فأعطه فإن فكره يأكل جسمه كما يأكل السيف المهند غمده، ولا يعيش كثيراً وولاه بريد الموصل".
ومن يقرأ لأبي تمام يدرك أثر التقدم العلمي الذي ساد في عصره من العلوم المترجمة والفلسفة والحضارة الراقية فقد استوعب هذه الآثار واستنبط من ذلك طريقته في تجويد المعنى فجنح إلى الاستدلال بالأدلة العقلية والكنايات الخفية، وتلاحظ كذلك في شعره ألفاظا متخيرة ضمّنها من الأمثال والحكم مما زاد من ثروة الأدب العربي، وقد اختلف الناس حول شاعرية أبي تمام، منهم من تعصب له وأفرط حتى فضله على كل سلف، ومنهم من عمد إلى جيده فطواه والى رديئه فرواه، وقد فضله الرؤساء والزعماء والأمراء في المدح وأجزلوا له العطايا.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
ومن نصوصه المشهورة:
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ومن قصائده التي تعتبر سجلاً لبطولة العرب وتاريخهم النضالي حين مدح المعتصم بعد فتح عَمّورية (إحدى حصون الروم) وكان المنجمون يدعون أن الزمان غير مناسب للفتح و كن لم يبال المعتصم وغزا المدينة وحقق نصراً كبيراً ولذلك قال أبو تمام:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
السيف أصدق أنباء من الكتب
في حَدّه الحَدّ بين الجِدّ واللعبِ
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريَبِ
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
(19) من اعمال العرب
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
دأب العرب منذ عهد امرئ القيس، أو قد يكون قبله على تسطير الكثير من المواقع والأحداث من خلال أشعارهم التي حفظوها في صدورهم، وتناقلوها عبر الأجيال, فكانت زاداً أشبع الجياع في يوم ذي مسغبة، وشراباً أطفأ الظامئ من صدأ الصحاري، ولعل النغمة العليلة التي تشتف أذن السامع، وذلك النسيج البديع الذي يبهر الرائي ساعد على أن يكون الشعر سهل الحفظ ميسور الفهم, وتسابق القوم منذ ذلك العهد القديم على قول الشعر، وأمتطوه كأجود الجياد في الدفاع عن الحياض ورد الأعداء وشحذ الهمم، فتربع بجبروته على نظيره من الأدوات الإعلامية الأخرى كالنثر أو الخطابة أو الاتصال الشخصي، وظل كذلك ردحاً من الزمن لم يزاحمه قرقعة تلفاز، أو دندنة مذياع، أو صمت انترنت، وغنم الشعراء منه مغانم شخصية، كما غنمت قبائلهم به فضلاً على نظرائهم, والشعر العربي مليء بالحكم ومنه ما قال ابو إسحاق الغزي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
جحود فضيلة الشعراء رعي
وتفخيم المديح من الرشاد
محت بانت سعادُ ذنوبَ كعبٍ
وأعلن كعبه في كل واد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وتوسعت أغراضه فأصبحت لا تقتصر على الوصف، فكان المديح والهجاء، والفخر والغزل، والحكمة والرثاء, والحكمة ضالة المؤمن، والشعر العربي مليء بالحكم.
وقد أحسن الشاعر حيث قال:
كما ملأت معدتي بأطيب الطعام فعاتبني على عدم مبادرتي بمثل هذه المكارم فأجبته بقول الشافعي رحمه الله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
قالوا يزورك أحمد وتزوره
قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته
فلفضله فالفضل في الحالين له
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وجلنا قد سمع بقول المتنبي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وكم من عاتب قولا صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الآذان منه
على قدر القرائح والفهوم
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقال الآخر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
عود لسانك قلة اللفظ
واحفظ لسانك أيما حفظ
إياك أن تعظ الرجال وقد
أصبحت محتاجاً إلى الوعظ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقال آخر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
إن العداوة تستحيل مودة
بتدارك الهفوات بالحسنات
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقال آخر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظنها لا تفرج
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
هذا النسيج البديع الذي أورثه لنا بعضاً من شعرائنا، ينم على مدى ما يتمتع به العربي من عقل راجح، ورؤية ثاقبة للأمور، ولكن من منا معشر العرب يقرأ هذه الحكم ويعمل بها عملاً صادقاً مخلصاً؟ لعله الكثير، لست أدري......
(19) من اعمال العرب
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
دأب العرب منذ عهد امرئ القيس، أو قد يكون قبله على تسطير الكثير من المواقع والأحداث من خلال أشعارهم التي حفظوها في صدورهم، وتناقلوها عبر الأجيال, فكانت زاداً أشبع الجياع في يوم ذي مسغبة، وشراباً أطفأ الظامئ من صدأ الصحاري، ولعل النغمة العليلة التي تشتف أذن السامع، وذلك النسيج البديع الذي يبهر الرائي ساعد على أن يكون الشعر سهل الحفظ ميسور الفهم, وتسابق القوم منذ ذلك العهد القديم على قول الشعر، وأمتطوه كأجود الجياد في الدفاع عن الحياض ورد الأعداء وشحذ الهمم، فتربع بجبروته على نظيره من الأدوات الإعلامية الأخرى كالنثر أو الخطابة أو الاتصال الشخصي، وظل كذلك ردحاً من الزمن لم يزاحمه قرقعة تلفاز، أو دندنة مذياع، أو صمت انترنت، وغنم الشعراء منه مغانم شخصية، كما غنمت قبائلهم به فضلاً على نظرائهم, والشعر العربي مليء بالحكم ومنه ما قال ابو إسحاق الغزي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
جحود فضيلة الشعراء رعي
وتفخيم المديح من الرشاد
محت بانت سعادُ ذنوبَ كعبٍ
وأعلن كعبه في كل واد
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وتوسعت أغراضه فأصبحت لا تقتصر على الوصف، فكان المديح والهجاء، والفخر والغزل، والحكمة والرثاء, والحكمة ضالة المؤمن، والشعر العربي مليء بالحكم.
وقد أحسن الشاعر حيث قال:
كما ملأت معدتي بأطيب الطعام فعاتبني على عدم مبادرتي بمثل هذه المكارم فأجبته بقول الشافعي رحمه الله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
قالوا يزورك أحمد وتزوره
قلت الفضائل لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته
فلفضله فالفضل في الحالين له
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وجلنا قد سمع بقول المتنبي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وكم من عاتب قولا صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الآذان منه
على قدر القرائح والفهوم
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقال الآخر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
عود لسانك قلة اللفظ
واحفظ لسانك أيما حفظ
إياك أن تعظ الرجال وقد
أصبحت محتاجاً إلى الوعظ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقال آخر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
إن العداوة تستحيل مودة
بتدارك الهفوات بالحسنات
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقال آخر:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظنها لا تفرج
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
هذا النسيج البديع الذي أورثه لنا بعضاً من شعرائنا، ينم على مدى ما يتمتع به العربي من عقل راجح، ورؤية ثاقبة للأمور، ولكن من منا معشر العرب يقرأ هذه الحكم ويعمل بها عملاً صادقاً مخلصاً؟ لعله الكثير، لست أدري......
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
(20) ومن الحب ما قتل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
من قصص الشعراء العرب الذين قتلهم الحب هذا عبدالله بن علقمة بن رزارة أحد بني عامر بن عبد مناة بن كنانة، شاعر إسلامي جميل الوجه. أحب حبيش وقال فيها جل أشعاره.
فهي:حبيش بنت سعد بن أسلم من خديجة. شاعرة من شواعر العرب. أضاف أهلها مع والدته فأجلسوه في متحدث لهم وكان يرمي بكلمة هنا وبتعليق هناك وبجملة هنا وبشعر هناك، حتى خرجت حبيش وعلى وجهها سب أخضر لتحلب ناقة.
فوقع نظره عليها وقد ضرب الهواء السب كاشفاً عن وجهها ويديها. وكانت طويلة واسعة الصدر، كأن وجهها بدر. فجمدت الكلمات بين شفتيه وراحت الأفكار تطوف أمام عينه. ثم عاوده الشعور بعد حين فتماسك أو حاول ذلك خيفة أن يفطن له أحد.
ثم حدث أن جاءته باللبن ليشرب، فلما ناولته إرتعد حتى سقط من يده، ففطنت له به. وكان شاباً كأنه البدر، فداخلها ما داخله، وغزلت نظراتهما من الكلمات ما لا يمكن الإفصاح عنها جهراً، ومهرت الإبتسامة في الهواء ختم الرضا، ولم يكونا متقاربين في المنزل لأنهما من فخذين، فافترقا على ما داخلهما من الهوى.
وراح يرسل أمه بالهدايا إليها، ويذهب معها إليها فيتحدثا عن أمسهما وحاضرهما وغدهما. فيبني لها من الأحلام قصوراً تسكنها وقلاعاً تتحصن بها من صعاب الحياة، ثم يفترقان على أمل اللقاء.
وخرج ذات يوم من عندها ومعه أمه فرأى في طريقه ظبية على رابيه فقال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
يا أُمَّنا خَبّرينا غَيرَ كاذبةٍ
وَلا تَشوبي سؤولَ الخيرِ بالكِذبِ
حُبَيشُ أحسنُ أمْ ظَبْيٌ برابيةٍ
لا بل حُبيشةُ من درّ ومن ذهبِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
إنصرف من عندها مَرةً أخرى فأصابته ماء السماء فقال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
وما أدري إذا أَبْصرْتُ يوماً
أصَوْبَ القَطْر أَحْسَنُ أم حُبَيشُ
حُبَيشٌ والذي خَلَقَ البرايا
على أنْ ليسَ عِندَ حُبَيشٌ عَيشُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فلما كثر ذلك منه وشهر بها سارع القوم إلى أمه لتدارك أمره فقالوا لها:
ـ "إن هذا الغلام تيم، وإن أهل الفتاة يرغبون بأنفسهم عنكم، فانظري جارية من قومك ممن لا تمتنع عليك فزينيها واعرضيها عليه لعله يتعلقها ويسلى".
فامتثلت الأم لمشورة القوم وساعدتها نساء الحي فأخذن يعرضن عليه أجمل فتيات قبيلته ثم يسألنه: "يا عبدالله كيف ترى"؟
فيجيب:
ـ حسناً وجمالاً.
ـ فمن أحسن هي أم حبيش؟
ـ فيتنفس الصعداء ثم يقول:
ـ ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان. فمضى مثلاً في العرب ثم أنشد:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
إذا غُيّبتْ عني حُبيشةُ مرَّة
من الدهر لم أملك عزاءً ولا صبرا
كأن الحشى حرّ السعير يحشُّهُ
وقود الغضى والقلب مستعرا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وجعل يراسل الجارية وتراسله حتى أحبته كما أحبها وكثر قوله للشعر فيها فمن ذلك:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
حُبيشةُ هل جدّي وجَدُّك جَامعٌ
بشملكم شملي وأهلكم أهلي
وهل أنا ملتفٌ بثوبك مرّةً
بصحراءَ بين الأليتين إلى النخل
وهل اشتفي من ريق ثغرك مرة
كراحٍ ومسكٍ خالطاً ضرب النحل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فيئس منه وانصرفوا عنه إلى حبيش وطلبوا منها أن تتجهمه كلما أتاها وتغلظ له القول. ويكون هذا على مسمع منهم ومرأى.
فأتها فلم تكلمه بشيء مما قالوا، ولم تزد على أن نظرت إليه ونظر إليها ثم أرسلت عينيها بالبكاء، فعلم ما تختزله دمعتها من أحزان وما يبحر في خطوط وجهها من أسرار. فعاد إلى بيته محزوناً يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
لو قلتِ ما قالوا لَزِدتُ جَوَى بكم
عَلى أنه لم يبقَ سِترٌ ولا صبرُ
وما كانَ حُبّي عن نَوَال بَذَلْتِه
وليس بمُسليّ التّجهّمُ والهَجْرُ
سِوَى أنّ دائي مِنكِ مَوَدّةٍ
قَدِيماً، ولم يُمْزَجْ كما تُمزَج الخمرُ
ما أنسَى مِلْ الأشياء ولا أنسَ دمعَها
وَنَظَرْتَها حتى يُغَيّبني القَبْرُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقضى الحبيبان أياماً طويلة ما بين نشوة اللقاء ومرارة الفراق، ورقدت حياتهما هنيئة إلى أن حفر ليلهما الحالك جلبة الحرب، لما جاء جيش خالد بن الوليد في يوم العميصاء ماراً بديارهم فأسر رجل من الجيش عبدالله، وهم بقتله، فاستدركه عبدالله قائلاً: "ألم بي تلك البيوت أقضي إليهن حاجة، ثم أفعل ما بدا لك".
- فأقبل به الرجل حتى إنتهى إلى خيمة منها.
- فقال عبدالله: سلمت وحياك الله عشراً وتسعاً وتراً، وثلاثاً تترى، فلم أر مثلك يقتل صبراً.
خرجت إليه تلتف بخمار أسود يخفي وجهها البدري، ولما وقعت عين عبدالله عليها قال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
أرَيتُكِ إنْ طالَبتْكم فَوَجدتكمْ
ببرْْزَةَ، أو إن لم تَفُتْني الخَرَانق
أمَا كانَ حَقّاً أنْ يُنَوَّلَ عاشِقٌ
تكلَّّفَ إدلاجَ السُّرَى وهو رَاهقُ
فَإنيّ لا سِرّاً لدَيّ أضعتُهُ
ولا رَاقَ عَيني بعد وَجهِكَ رَائقُ
فلا ذنب لي قد قلتُ أنا هنا معا
أثيبي بودِّ قبل أخذ الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى
وتنأى الليالي بالحبيب المفارق
على أنّ ما باتَ العَشّيةَ شاغلٌ
فلا ذكرَ إلاّ أن تَكونَ تُوَامِقُ
فها أنا مأسُورٌ لَدَيْك مُكَبَّلٌ
وما أنا بَعْد اليوم بالعتبِ ناطقُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فأجابته بصوت سرقت منه أحلامه فجأة:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
أرَى لكَ أسْبَاباًَ أظنّكَ مُخْرِجاً
بها النفسَ من جَنبي والرّوحُ زَاهقُ
فاستمهلها:
فإن يقتلوني يا حبيشُ فلم يَدَعْ
هَوَاكِ لهُمْ مني سِوَى غُلَّةِ الصّدرِ
وأنتِ التي قَفّّلتِ ِلْدي على دَمي
وَعَظمي وأسبَلتِ الدموعَ على النّهرِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فأجابته:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
ونَحْنُ بَكَينا من فَرَاقكَ مَرَّةً
وأخرى وقايسنا لكَ العُسْرَ باليُسرِ
فأنتَ فلا تَبْعَدْ، فَنِعمَ أخُو النَّّدَى
جَميلُ المُحيّا في المُروءةِ والبِشْرِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ثم عاجله الغلام بضربة أودت بيده وعنقه.
تحجرت دموع حبيش في مآقيها، لم تبرحها، فتقحمت الخطر وحضنته فلثمت فاه وراحت تجمع بعضه بكفين تنسل منها الحياة رويداً رويداً، وتمسح بخمارها وجهه الذي خالط رمال الصحراء الممزوجة بدموعها وقد وضعته في حجرها وهي تقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
لا تَبْعدَنْ يا عمرو حيّاًَ وهالكاً
فحقِّّ بحسن المدح ومثلُك من مثلي
لا تَبْعَدن يا عمرو حيّا وهالكا
فقد عشتَ محمودَ الثنا ماجدَ الفعل
فمن لِطرَادِ الخيل تُشْجَرُ بالقنا
وللفخر يوماً عند قَرْقْرة البُزْل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وما هي لحظات حتى أسلمت روحها، فحضنت الرمال جسديهما وضمت السماء روحيهما، ولما خبروا رسول الله، قال: أما فيكم رجل رحيم.
(20) ومن الحب ما قتل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
من قصص الشعراء العرب الذين قتلهم الحب هذا عبدالله بن علقمة بن رزارة أحد بني عامر بن عبد مناة بن كنانة، شاعر إسلامي جميل الوجه. أحب حبيش وقال فيها جل أشعاره.
فهي:حبيش بنت سعد بن أسلم من خديجة. شاعرة من شواعر العرب. أضاف أهلها مع والدته فأجلسوه في متحدث لهم وكان يرمي بكلمة هنا وبتعليق هناك وبجملة هنا وبشعر هناك، حتى خرجت حبيش وعلى وجهها سب أخضر لتحلب ناقة.
فوقع نظره عليها وقد ضرب الهواء السب كاشفاً عن وجهها ويديها. وكانت طويلة واسعة الصدر، كأن وجهها بدر. فجمدت الكلمات بين شفتيه وراحت الأفكار تطوف أمام عينه. ثم عاوده الشعور بعد حين فتماسك أو حاول ذلك خيفة أن يفطن له أحد.
ثم حدث أن جاءته باللبن ليشرب، فلما ناولته إرتعد حتى سقط من يده، ففطنت له به. وكان شاباً كأنه البدر، فداخلها ما داخله، وغزلت نظراتهما من الكلمات ما لا يمكن الإفصاح عنها جهراً، ومهرت الإبتسامة في الهواء ختم الرضا، ولم يكونا متقاربين في المنزل لأنهما من فخذين، فافترقا على ما داخلهما من الهوى.
وراح يرسل أمه بالهدايا إليها، ويذهب معها إليها فيتحدثا عن أمسهما وحاضرهما وغدهما. فيبني لها من الأحلام قصوراً تسكنها وقلاعاً تتحصن بها من صعاب الحياة، ثم يفترقان على أمل اللقاء.
وخرج ذات يوم من عندها ومعه أمه فرأى في طريقه ظبية على رابيه فقال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
يا أُمَّنا خَبّرينا غَيرَ كاذبةٍ
وَلا تَشوبي سؤولَ الخيرِ بالكِذبِ
حُبَيشُ أحسنُ أمْ ظَبْيٌ برابيةٍ
لا بل حُبيشةُ من درّ ومن ذهبِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
إنصرف من عندها مَرةً أخرى فأصابته ماء السماء فقال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
وما أدري إذا أَبْصرْتُ يوماً
أصَوْبَ القَطْر أَحْسَنُ أم حُبَيشُ
حُبَيشٌ والذي خَلَقَ البرايا
على أنْ ليسَ عِندَ حُبَيشٌ عَيشُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فلما كثر ذلك منه وشهر بها سارع القوم إلى أمه لتدارك أمره فقالوا لها:
ـ "إن هذا الغلام تيم، وإن أهل الفتاة يرغبون بأنفسهم عنكم، فانظري جارية من قومك ممن لا تمتنع عليك فزينيها واعرضيها عليه لعله يتعلقها ويسلى".
فامتثلت الأم لمشورة القوم وساعدتها نساء الحي فأخذن يعرضن عليه أجمل فتيات قبيلته ثم يسألنه: "يا عبدالله كيف ترى"؟
فيجيب:
ـ حسناً وجمالاً.
ـ فمن أحسن هي أم حبيش؟
ـ فيتنفس الصعداء ثم يقول:
ـ ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان. فمضى مثلاً في العرب ثم أنشد:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
إذا غُيّبتْ عني حُبيشةُ مرَّة
من الدهر لم أملك عزاءً ولا صبرا
كأن الحشى حرّ السعير يحشُّهُ
وقود الغضى والقلب مستعرا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وجعل يراسل الجارية وتراسله حتى أحبته كما أحبها وكثر قوله للشعر فيها فمن ذلك:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
حُبيشةُ هل جدّي وجَدُّك جَامعٌ
بشملكم شملي وأهلكم أهلي
وهل أنا ملتفٌ بثوبك مرّةً
بصحراءَ بين الأليتين إلى النخل
وهل اشتفي من ريق ثغرك مرة
كراحٍ ومسكٍ خالطاً ضرب النحل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فيئس منه وانصرفوا عنه إلى حبيش وطلبوا منها أن تتجهمه كلما أتاها وتغلظ له القول. ويكون هذا على مسمع منهم ومرأى.
فأتها فلم تكلمه بشيء مما قالوا، ولم تزد على أن نظرت إليه ونظر إليها ثم أرسلت عينيها بالبكاء، فعلم ما تختزله دمعتها من أحزان وما يبحر في خطوط وجهها من أسرار. فعاد إلى بيته محزوناً يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
لو قلتِ ما قالوا لَزِدتُ جَوَى بكم
عَلى أنه لم يبقَ سِترٌ ولا صبرُ
وما كانَ حُبّي عن نَوَال بَذَلْتِه
وليس بمُسليّ التّجهّمُ والهَجْرُ
سِوَى أنّ دائي مِنكِ مَوَدّةٍ
قَدِيماً، ولم يُمْزَجْ كما تُمزَج الخمرُ
ما أنسَى مِلْ الأشياء ولا أنسَ دمعَها
وَنَظَرْتَها حتى يُغَيّبني القَبْرُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقضى الحبيبان أياماً طويلة ما بين نشوة اللقاء ومرارة الفراق، ورقدت حياتهما هنيئة إلى أن حفر ليلهما الحالك جلبة الحرب، لما جاء جيش خالد بن الوليد في يوم العميصاء ماراً بديارهم فأسر رجل من الجيش عبدالله، وهم بقتله، فاستدركه عبدالله قائلاً: "ألم بي تلك البيوت أقضي إليهن حاجة، ثم أفعل ما بدا لك".
- فأقبل به الرجل حتى إنتهى إلى خيمة منها.
- فقال عبدالله: سلمت وحياك الله عشراً وتسعاً وتراً، وثلاثاً تترى، فلم أر مثلك يقتل صبراً.
خرجت إليه تلتف بخمار أسود يخفي وجهها البدري، ولما وقعت عين عبدالله عليها قال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
أرَيتُكِ إنْ طالَبتْكم فَوَجدتكمْ
ببرْْزَةَ، أو إن لم تَفُتْني الخَرَانق
أمَا كانَ حَقّاً أنْ يُنَوَّلَ عاشِقٌ
تكلَّّفَ إدلاجَ السُّرَى وهو رَاهقُ
فَإنيّ لا سِرّاً لدَيّ أضعتُهُ
ولا رَاقَ عَيني بعد وَجهِكَ رَائقُ
فلا ذنب لي قد قلتُ أنا هنا معا
أثيبي بودِّ قبل أخذ الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى
وتنأى الليالي بالحبيب المفارق
على أنّ ما باتَ العَشّيةَ شاغلٌ
فلا ذكرَ إلاّ أن تَكونَ تُوَامِقُ
فها أنا مأسُورٌ لَدَيْك مُكَبَّلٌ
وما أنا بَعْد اليوم بالعتبِ ناطقُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فأجابته بصوت سرقت منه أحلامه فجأة:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
أرَى لكَ أسْبَاباًَ أظنّكَ مُخْرِجاً
بها النفسَ من جَنبي والرّوحُ زَاهقُ
فاستمهلها:
فإن يقتلوني يا حبيشُ فلم يَدَعْ
هَوَاكِ لهُمْ مني سِوَى غُلَّةِ الصّدرِ
وأنتِ التي قَفّّلتِ ِلْدي على دَمي
وَعَظمي وأسبَلتِ الدموعَ على النّهرِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فأجابته:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
ونَحْنُ بَكَينا من فَرَاقكَ مَرَّةً
وأخرى وقايسنا لكَ العُسْرَ باليُسرِ
فأنتَ فلا تَبْعَدْ، فَنِعمَ أخُو النَّّدَى
جَميلُ المُحيّا في المُروءةِ والبِشْرِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ثم عاجله الغلام بضربة أودت بيده وعنقه.
تحجرت دموع حبيش في مآقيها، لم تبرحها، فتقحمت الخطر وحضنته فلثمت فاه وراحت تجمع بعضه بكفين تنسل منها الحياة رويداً رويداً، وتمسح بخمارها وجهه الذي خالط رمال الصحراء الممزوجة بدموعها وقد وضعته في حجرها وهي تقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
لا تَبْعدَنْ يا عمرو حيّاًَ وهالكاً
فحقِّّ بحسن المدح ومثلُك من مثلي
لا تَبْعَدن يا عمرو حيّا وهالكا
فقد عشتَ محمودَ الثنا ماجدَ الفعل
فمن لِطرَادِ الخيل تُشْجَرُ بالقنا
وللفخر يوماً عند قَرْقْرة البُزْل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وما هي لحظات حتى أسلمت روحها، فحضنت الرمال جسديهما وضمت السماء روحيهما، ولما خبروا رسول الله، قال: أما فيكم رجل رحيم.
عذرا الى النادي العريق ابثه زفرات وجد قد ثوى بفؤادي
ياويح قلب وزعت أشواقه بين الحبيب وبين هذا النادي
مجدي خاشقجي
الموجودون الآن
المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 66 زائراً