( الشعر الحقيقي .. ما يأكـّل عيش ! )
أطلق سراح هذه العبارة الحادة من قفص شفتيه المهترئتين مختلطة بدخان سيجارته الكثيف ..
كان يرمي بنظره الى أفق محبط .. ويعدّل نظارته بشيء من التأفـّف !
وهذا الهذيان الجاد .. ليس فتحا في عالم التنظير .. وليس حصرا على الشعر كجنس أدبي خلا ّق .. بل ينسحب قطعا على كل فن حقيقي .. من رواية الى تشكيل أو غناء .
ولعل الإنسان الذي تعيش في داخله ( روح ) الفنان .. متنامية ً باتجاه الجمال المتسامق في فضاء الروعة والخلق الدائم .. والتجلـّي المتفرّد .. يظل متقدا متفانيا ً لايأبه بشيء .. يهدر سنون عمره في احتراقاته الفنية والكتابية .. متبعثرا كما يليق بصعلوك .. يمارس فوضويته المثمرة بشكل عفوي وانساني باذخ التفاصيل .. دون أن يعير اهتماما بسيطا لمقومات حياته الإجتماعية .. ويصل به الأمر الى مرحلة تتضاءل فيه كل معطيات الحرص والحذر والترتيب الممل والنظام المعلب !
وتبقى نظرية (الفن للفن ) هي المشنقة التي يسعى الفنان لشرف اعتناقها قبل أن يدركه الموت عبثا !
ولعل جل الذين أهملوا التزاماتهم الإجتماعية والأسرية .. وأخلصوا لقضاياهم الفنية أضحوا رموزا بارزين خلـّد التاريخ أسماءهم .
فهل هذا يعني بالضرورة أن نكون متطرفين للفن .. أو متصوفين للمجتمع بكل أدلجته المعقدة؟!
وكيف للفنان الحقييقي- الذي خلق لغيره - أن يكوّن معادلة الحياة الصعبة ؟!
وفيما قرأت في سيرة حياة (دستو فسكي ) الروائي الروسي .. الذي تزوج في سن متأخرة من عمره ورزق أطفالا .. أنه كتب لأحد أصدقائه يقول : ( نعم أني مريض .. وأخشى أن أموت فجأة .. وعندما أفكر في مصير الصغار أموت رعبا ) .
وبدون أن يضطر الفنان الحقيقي أن يقدّم تنازلات أو يتخلّى عن قيمه وقناعاته الأدبية والحياتية .. هل يستطيع أن يعيش حياة كريمة ماديا واجتماعيا في ظل هذا الواقع المحبط (بكسر الباء .. والخاطر ) !
هذا الواقع الذي أضحى فيه ( المطبّل ) شاعرا عظيما .. و( المنافق ) صوتا ثقافيا !
*****************
تساؤلات مريرة بدأت تنمو في حلقي .. وتندلق من فمي .. تبدو مشتّـتة وساخنة :
_ لماذا يجهل تسعة أعشار أبناء بلادنا شاعر عظيم مثل ( محمد الثبيتي , أو محمد جبر الحربي ) ؟!
_ الى متى يبقى شاعرا مبدعا مثل الحميدي الثقفي يتكبّد مشقة البحث عن ( شقة صغيرة ) تلم شتات أطفاله .. في حين أنه يملك ( بيوتا ) كثيرة سكنت وجدان الناس ؟!
_ ومن يتكفّل بتأمين متطلبات الحياتية البسيطة لفنان رائد من جيل فوزي محسون وسراج عمر يدعى ( يوسف رجب ) .. أفنى حياته – ولازال - في الفن المغتسل ببوح الحياة وأناشيد الوطن .. وهو الآ ن بصدق .. لايجد ثمن علبة السجائر !
فهل هذا هو مصير المبدعيــــــــــــــــــن ؟!!
_ أيها الأنقياء ..
تحـــروا عن أسباب سقوط ( طلال مداح ) الى أعــــــــلى !
وعن تفاصيل حياة الراحل الشجي ( فوزي محسون ) سلطان الأغنية !
ثم حاولوا فقط.. ربط جثة الكتابة الحارقة .. بأشلاء هذه الإستفهامات الخارقة.. وستنالون على الأقل شرف المحاولة .. وهذا يكفيكم ............. ويكفي !
قال أيش .. الفن .. لقمة عيش !
-
- همس جديد
- مشاركات: 16
- اشترك في: 09-24-2001 11:40 PM
- اتصال:
طالما أنك تحتفظ في قلبك بغصن أخضر.. تأكد أن طائرا ما سيحط عليه !
..................... غادة السمّـان
kh_gmmash@hotmail.com
..................... غادة السمّـان
kh_gmmash@hotmail.com
الموجودون الآن
المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 83 زائراً