إغتصاب وغيرة

النثر - الخواطر - القصة

المشرفون: مجدي، امل محمد

فؤاد زاديكه
همس جديد
مشاركات: 23
اشترك في: 08-17-2005 05:54 PM
مكان: ألمانيا
اتصال:

إغتصاب وغيرة

مشاركةبواسطة فؤاد زاديكه » 09-10-2005 03:14 PM

إغتصاب و غيرة

قدم إليّ ذات يوم صديق عزيز وهو يشكو من وضع بات يقلقه ويؤثّر على حياته العائلية سلباً وهو ما لم يكن في حسبانه في يوم من الأيام فهو وكما أعرف أحبّ زوجته كثيراً وهي الأخرى بادلته هذا الحبّ بالمزيد منه فعاشا معاً أحلى الأيام واستمتعا بأجمل لحظات الحب وهما أنجبا أطفالا وحقّقا الكثير من النجاح في حياتهما الأسرية وكانت جميع العراقيل والصعوبات التي تعترض طريق هذه الحياة الزوجية يقومان معاً بتذليلها وإيجاد الحلول الملائمة والكفيلة بأنْ تبقي هذا الحب على ألقه وهذه الحياة على ما هي عليه من تفاهم ومحبة وانسجام.
قدم إليّ في الصباح الباكر مذعوراً وهو كمن فقد شيئاً فأحسستُ الارتباك الظاهر عليه قبل أن يفاتحني بما جاء من أجله فسألته عمّا به؟ وهل من خلاف ما - لاسمح الله - قد وقع بينه وبين زوجته ؟ فأجاب بالنفي وهو يقول: "وهذا الذي يؤلمني أكثر فحياتنا هادئة ولا مشاكل تذكر وأنت تعلم أنه ما من عائلة إلا وتحصل فيها بعض المشاجرات وتقع بعض الخلافات ونحن يكون لدينا هذا النوع من المشاكل على الأغلب بسبب الأولاد أو أمور أخرى بسيطة سرعان ما نتداركها بحنكة وتعقّل فتتبدّد وتزول وتعود المياه إلى مجاريها صافية عذبة رقراقة" سألته : إذاً ماذا في الأمر؟ وهل هناك مصيبة وقعت؟ أو سمعت خبراً مزعجاً عن أهلك؟ أو أحد أقاربك؟ فقال: لا. فقلت له هل لن تتكلّم وتدع أعصابي تهدأ بعض الشيء؟ وكنت بالطبع أحبه كثيراً ونتعاون معاً في حلّ الكثير من القضايا والمواقف التي تتسبب لنا ببعض المتاعب اليوميّة.

قال لي هل تعرف ما الذي حصل لي البارحة؟ قلتُ: ومن أين سأعرف إن لم تقل لي؟ قال رأيت البارحة حلماً مزعجاً قلب حياتي رأساً على عقب وكدتُ أجنّ من القلق الذي أعاني منه ومن الشك الذي بات يساورني! فقلتُ له: ومن أجل حلم تفعل بنفسك كلّ هذا؟ ثمّ ألا تعلم أن الأحلام ليست من واقع الأشياء في شيء؟ قال أعرف لكني كلّما حاولتُ ذلك أراني أعود مجدداً إلى النقطة التي بدأتُ منها. إنه وضع أتعبني وخلخل ثقتي وهزّني بعنف قاهر فغلب عليّ إحساسٌ من نوع جديد لم أكن أعرفه. ولا أعلم هل سأستطيع تجاوز هذه المحنة أم لا؟

"أرجوك كفى..! هاتنا من الأول وقل لي ما هو هذا الحلم الذي رأيته ففعل بك كلّ هذا وقادك إلى هذه الحالة مما يشبه الهيستيريا الجنونيّة - الانفعالية؟" قال سأقول لك.
ثمّ بدأ يروي على مسامعي كيف أن زوجته مارست الجنس مع شخص غريب، وأنها هي التي أعلمته بذلك حين قالت له سيأتي اليوم أيضاً. فسألها الزوج: منْ الذي سيأتي اليوم أيضاً؟ فقالت: الرجل الذي اغتصبني البارحة. أجابها بدهشة واستغراب: الرجل الذي اغتصبك البارحة؟ قالت أجلْ! فقال لها: وها اتفقتِ معه على ذلك؟ أجابت: لم أتفق معه لكنّه أجبرني على قبول ذلك مثلما أجبرني على النوم معه!

جُنّ جنون الزوج وهو يقول: وكيف تقبلين؟ أجابتْ: قلتُ لك هو أجبرني وقد أعطيته نقوداً أيضاً! هنا لم يعد الرجل يتحمّل وطأة هذا الموقف المخزي والجنونيّ من زوجته فتوجّه إليها بالسؤال: أين ومتى وكيف تمّ كلّ هذا؟ قالت الزوجة: إنه رآني البارحة مع صديقتي ليلى ونحن نسير معاً لشراء بعض الحاجيات فأسرع إلينا، وهو بكامل فتوته وقوته طويل القامة، عريض الصدر لا يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر دفعنا إلى أمامه، وحيث لم نكن قد ابتعدنا كثيراً عن دار صديقتي ليلى، فأدخلنا الدار الذي كان خالياً إلاّ منّا نحن الثلاثة وهددنا بالقتل والتعذيب إن نحن لم نتركه يفعل بنا ما يريد، وطبعاً قصد بذلك الاتصال الجنسي، حاولتُ التمنّع ورغبتُ في المقاومة لكنّ صديقتي ليلى قالتْ: إنه لن يكون في صالحنا متى حاولنا المقاومة فهو قوي البنية ولن نتمكن من التغلّب عليه فلندعه يفعل بنا ما يريد وننجو بحياتنا بدل أن يقتلنا!
حاولتُ لملمة قوتي وانتشالها من وهدة الضعف الذي وضعنا فيه هذا الموقف العرضي والذي لم يخطر لي على بال وقررتُ بيني وبين نفسي عدم الاستسلام غير أن كلمات ليلى كان لايزال مفعولها شديداً وقلتُ: الاغتصابُ أفضل من الموت!

لقد أنهى عمله وأخذ ما بحوزتنا من نقود وودّعنا قائلا: إلى اللقاء في يوم الغد وفي تمام الساعة العاشرة صباحاً حيث سآتي إليكما هنا. وأردفت الزوجة تقول: وعندما أعلمتك في الحلم بذلك قررت أن تنتقم لشرفك وسألت إبننا جميل فيما إذا كان لديه مسدس أو هو يستطيع تأمين ذلك له، فأجابك إلى طلبك وأعطاك المسدس وعلمت أيضاً بموعد قدومه فجئت معي إلى دار صديقتي ليلى وهناك في الطريق التقينا الرجل فتقدّم مني بدون أية مقدّمات وكأنّ معرفة قديمة تربطه بي فبدأ في تقبيل وجهي وعنقي وأمسك يدي وأنا من هول الصدمة كنتُ كالدمية في يديه استسلمتُ له كلّية ولا أعرف لماذا؟ لم يكن منك في هذه الحالة وأنت تراه يفعل هذا معي إلا أن أخرجتَ المسدس من وسطك وأطلقتَ عليه عدّة عيارات نارية أصابت منه الرأس والبطن والصدر فسقط على الأرض مضرّجاً بدمائه التي ملأت الساحة وحين رأيتُ هذا خفتُ خوفاً شديداً وصرختُ فأفاقتْ زوجتي على صوت صراخي وحين سألتني عمّا أصابني أجبتها بصراحة كاملة دون زيادة أو نقصان وأنت تعلم علم اليقين أني أصارحها على الدوام وهي تصارحني أيضاً وشئتُ باديء الأمر أن أكذب عليها لأخفي عنها واقع هذا الحلم بيد أني قررتُ في النهاية وبشجاعة أن أعلمها به كي لا أعذب ضميري وتكون لذلك انعكاسات سلبية على استقرار نفسي وتصرفاتي التي سوف تلاحظها"

هذا ما ذكرته لجميلة يا صديقي وأنا أقدّر صراحتها لكن شعوراً غريباً انتابني منذ تلك اللحظة فصرتُ أحس بالغيرة عليها من كلّ شيء وأنا أعلم أن لهذا انعكاسات خطيرة على عقلي وسلوكي وعلاقتي مستقبلا بزوجتي لكني لا أستطيع تجاوز حدود التفكير في هذا الحلم وما دار فيه من أحداث. لم أر بداً من تهدئته ومن إقناعه أن ذلك كان حلماً فقط وعليه أن يكافيء زوجته الأمينة والعاقلة على هذه الروح الطيبة والعفة التي تلتزم بها، وأنا أعرف أدقّ تفاصيل هذه العلاقة فالزوجية امرأة تحترم حياتها الزوجية كثيراً وهي إنسانة مؤمنة لا تفكر في الإقدام على مثل هذه الحماقات وخاصة أن زوجها جيد معها بكلّ معنى الكلمة وهو يقوم بواجبه الزوجي على أفضل ما يكون الزوج.

لم تثن كل نصائحي وتوجيهاتي ولا رجاءاتي هذا الصديق ليحيد عن تفكيره وعزمه على عدم الخروج من هذه الدائرة الضيّقة وتأكدتُ أن نيران الغيرة ستحيل جمال حياتهما إلى رماد قاتم وقد ألمتُ لكلّ هذا وشئتُ مساعدته بما أستطيع لكنْ دون جدوى فالغيرة المفاجئة التي هبطتْ عليه من سماء ذلك الحلم غيّرت أموراً كثيرة في سلوكيته ونمط تفكيره وتصرفاته وخشيتُ من نتيجة هذا الطوفان القادم الذي سيكتسح من أمامه كلّ شيء.

ودّعني وهو يعود إلى بيته فألقيتُ بنظرة حنو حزين عليه واستعدتُ شريط حياته مع زوجته جميلة هذه الحياة النشيطة والمفعمة بالحبّ والحياة والأمل فسألتُ نفسي وأنا أودّعه من على باب غرفتي أليس من الحرام والخطيئة بل والجريمة أن تنهدّ أركانُ هذا البيت السعيد؟ وأن يعاني الأولاد من وجع النتائج التي قد تقود إليها وفي آخر محاولة لي وحيث لم أشأ الاستسلام قرّرتُ ومن باب الحرص الشديد على استمرار هذه العلاقة كما كانت عليها وخوفاً على صديقي من أن يصيب نفسه بأذى قررتُ أن أبعث إليه بقصيدة في اليوم التالي وكآخر محاولة لي ومسعى في اتقاء شرّ هذه المصيبة وانكببتُ على نظمها فور خروجه من عندي واستلمها في اليوم التالي وتقول أبياتها وقد أراحته وهدأت نفسه بعض الشيء:


[color=blue]كنتُ أخالُ بأنني ما عاشقٌ ** يوماً غيوراً جاء في إعلامي

وإذا بعقلي وانتفاض مشاعري ** تهوي عليّ مثل ضرب سهام ِ

إنّي أحبّك مثلما أحببتك ** لكنّ غيرتي بدتْ وضرامي

ليس من الأسباب ما هو عاقلٌ **هذا الأحسّ به مع الأيام ِ

هلْ من سبيل لاتّقاء أذية ** تسعى إلينا بجملة الآلام ِ؟

إني أخاف عليك من لمس الهوى ** من لمسة الأوراق و الأقلام ِ

إني أغارُ عليك من عصفورة ** تشكو إليك لهفة الأنغام ِ

إني أغار عليك من إغفاءة ** تحت الخميلة، هبّة الأنسام ِ

إني أغارُ عليك من أشعاريا ** حين تعبّر عن شعور هيامي

إني أغار عليك ممّا حولك ** فمتى أعود لراحتي وسلامي ؟

إني أخاف عليّ من لذع الهوى ** يا منيتي ومن احتمال سقامي

بتّ أغارُ عليك في أحلامي ** وحقيقة ليستْ من الأوهام ِ

ما الحبّ إنْ عاش بدون الغيرة ** إلا حزيناً بارد الأحلام ِ!

وهناك منْ يأتي يقولُ بأنها ** مهوى جنون ٍ، علة الأورام ِ!

أبقى أحبّك عازفاً عن غيرتي** ويشدّ مؤل ناظريك حزامي!

أبُعيدَ هذا العمر تأتي غيرةٌ؟ ** أم ذا شعورٌ لاختبار غرامي؟
وكتبت له في النهاية العبارة التالية: "صديقي العزيز ليكن في معلومك أن بناء الحبّ مهما كان متيناً قد تهدمه معاول الغيرة عندما تثقل من شدتها وأرجو أن تفهم هذا جيداً. مع تحيات صديقك الذي يريد لك كلّ الخير"

فؤاد زاديكه
ألمانيا في 7/9/2005 م[/color]

العودة إلى “النثر (بالفصحى)”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 37 زائراً