العلمانية في الشعر العربي الحديث

حوارات - مواضيع - شعرعامِّي

المشرف: مجدي

الصمصام
بوح دائم
مشاركات: 481
اشترك في: 06-21-2002 09:03 PM
اتصال:

العلمانية في الشعر العربي الحديث

مشاركةبواسطة الصمصام » 08-14-2002 07:29 PM

أحبتي:
كنت قد أدرجت هذا المقال في حوار الخيمة ومنتدى الشعر المعاصر
في موضوع علمنة الأدب للأخ يتيم الشعر
وبما أنه لا يخلو من فائدة رأيت أن أضعه أمامكم.

___________________________________
العلمانية في الشعر العربي الحديث
أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري
نقلا من كتابه:هكذا علمني وردزورث
__________________________________

في شعرنا العربي القديم إلى عهد النهضة الحديثة علمانية كثيرة تتجلى في خلاعة ومجون أبي نواس
والحمادين والخليع وأضرابهم كما تتجلى في كفريات أبي الطيب وابن هانيء وفي شكوك وجبرية أبي
العلاء وابن شبل ومدرستهما،ولكنها تفسر بحسن نية،لأنهما نتيجة مسلمة لإيمانهما بأن أكذب الشعر
أكذبه،وأن الشعراء يقولون مالايفعلون،وبأن اتخاذ الشعر رسالة لم يتبلور في تلك العصور وبأن
النشاط العلماني المعادي لتاريخنا عقيدة وسلوكا لم يتبلور مذهبا في الشعر،لأن الحماس الديني
قوي ،والجمهور ينددون بالهفوات العلمانية.
وبعكس ذلك تماما العلمانية في الشعر الحديث لأنها مرحلة نهائية لغزو فكري بعيد المدى ولا استثني
إلا هفوات يسيرة عن العلمانية الحديثة قد تفسر بحسن نية،والأغلب بعد ذلك وفق خطة محكمة مدروسة
هو الغزو الفكري.
وقبل استعراض أمثلة العلمانية الحديثة أحب أن أخلع اللثام عن مغالطة منطقية في النقد الأدبي
الحديث قيلت لتسويغ العلمانية،وهي أن الفن متعة الإنفعال أوالخيال الذي تثلمه المشاعر،
لا ينبغي أن نقيدها بقيم تهيض طلاقة الأديب:والسر في هذه المغالطة:
أن النقاد في الغالب لا يستلمحون الممايزة بين أمرين مختلفين:
1-الأدب لذاته.
2-الأدب لغيره.
والأدب لذاته يجب أن تحدد ملامحه في سفر من النقد الأدبي الحديث سفر لا يستمد مقاييسه من غير قيمة
الجمال ، لأن الشعر من الفنون الجميلة،وكل مدلول لكلمة جمال في لغتنا العربية لا يفسر بغير لذة
النفس وبهجة القلب،فنجعل النقد الأدبي لذاته مقصورا على علاقة الشعر بالتصوير والرسم والموسيقى،
فنأخذ من مصطلحات هذه الفنون مسائل التناسب والتناسق والوحدة والكمال .. إلخ.
وأي مقاييس منطقية أو أخلاقية تعتبر دخيلة على النقد الأدبي لذاته.
وهنا يلتقي المؤمن والملحد والرأسمالي والشيوعي والوقور والماجن في اتخاذ قواعد النقد الأدبي
لذاته،لأنهم يأخذون قواعدهم من علم الجمال المبرأ من الغاية.
أما الأدب لغيره فيعني رسالة الأديب،فيكون هذا المبحث قسيما للنقد الأدبي لذاته،ويتحول الحديث
من فن الأديب إلى غاية الأدب،فلا يمس أي مقياس جمالي،وإنما يعالج الموقف بمقاييس من قيمتي المنطق
والأخلاق،ويسعى كل صاحب عقيدة أو مبدأ أو مذهب أو غاية إلى تأميم أدب قومه لصالح قضيته،وهذا هو
الإلتزام في الأدب، ومن المستحيل أن نجد أديبا غير ملتزم وإن ادعى ذلك،لأن كل متحرر من غاية مرهون
بغاية ولا يتحرر من كل غاية إلا من لا غاية له،ولن يعيش في الكون من لا غاية له.
وغاية الأديب ورسالته مهما كانت سيئة أو شاذة لا يمكن أن تهيض فنه،لأنه لن يكون أهلا لأي رسالة أدبية
حتى يكون أديبا لذاته.
إنه إن كان أديبا لذاته كان أديبا لغايته،ولقد رأيت ماوتسي تنج وغيره من زعماء المذاهب الهدامة
يؤلفون المؤلفات في النقد الأدبي التي ترمي إلى تأميم الأدب،إذن تأمين الأدب لا ينافي طلاقة الأديب
ولكنه برهنة على طلاقته.
وإذا قلنا نريد أديبا مسلما فلا يعني ذلك أننا نحدد نطاق الموهبة الأدبية،لأن كلمة أديب مسلم
يعني مدلولين:
1-أديب وهو الأديب بذاته المطبوع على الفن.
2-مسلم وهو الغاية لهذا الأديب المسلم يجد في عزائم الإسلام ورخصه ما لا تستوفيه موهبته الأدبية
ولو عمر الأجيال.

إن الجمال غاية لذاته في مقاييس النقد الأدبي إذا عالجناه فنيا لا نحيف عليه بالمواعظ الخلقية
والمنطقية.
ولكن هذه الغاية الجمالية يجب أن يكون من ورائها غاية في حياتنا بوحي من الدين والأخلاق لا الجمال
إلا ما يتعلق بجمال الغاية.
وما يطربنا أن يكون بين ظهرانينا أديب علماني جميل الفن قبيح الغاية لأن الجمال أحد القيم الثلاث:
1- قيمة الجمال.
2-قيمة الحقيقة.
3-قيمة الأخلاق.
فإذا عارضت قيمة الجمال قيمتي الحقيقة والأخلاق فليسقط الجمال ولتبق الفضيلة والحقيقة.
لأننا نبني على الفضيلة والحقيقة وجودنا وكياننا أما الجمال فهو متعتنا،فالجمال في القيم
كالفضلة في النحو.
ولكن الأديب المطبوع هو الذي يكفل لأمته أدبا جميلا لذاته جمالا فاضلا حقا في غايته.
ولا تفوتني الإشارةإلى أن المقاييس الجمالية ألصق القيم بالأدب لذاته ولغايته لأننا نبني الأدب على
مقاييس عقلية وخلقية صرفة تنتهي إلى جمال الغاية.
إن قصيدتين لشاعرين مختلفي الغاية إحداهما في الإبتهال بإباء وشمم،وأخراهما في تسويغ فجور:
إنهما جميلتان،لأنهما قمة الفن لذاته،ولكن الأولى تصور جمال الجمال لأنها جميلة في فنهاوغايتها،
والأخرى تتخذ من القبح جمالا أو تتخذه مادة الجمال،لأنها في ذاتها قبيحة في غايتها.
أفعجز شعراؤنا عن إحلال الجمال في محله اللائق به حتى يقال لا مندوحة لهم عن جمال القبح؟
إنهم إن فعلوا أقاموا البرهان على قصورهم الفني.
والظاهرة العلمانية في أغلب كتب النقد الحديث لا تنعي على الشيوعي التزامه،ولا تنعي على شاعر
النهود التزامه،فكل التزام مباح،ولكن الويل للأديب المسلم إذا كان أديبا ملتزما.
إن هذا الصراع في كتب النقد الحديثة ليس صراعا حول مقاييس النقد الأدبي لذاته،أي ليس دفاعا عن
الفن لأنه فن.
ولكنه صراع حول الغاية، إنه نقد مباشر لعقيدتنا وسلوكنا وغايتنا.
ولو ارتاحوا لقيمنا ما حرموا علينا الإلتزام.
إن التنديد بالإلتزام ليس تنديدا بالإلتزام ذاته ولكنه تنديد بما نلتزمه لأن كل التزام غير
التزامنا مباح.
أجل إن العلمانية ضد الإلتزام العربي المسلم،فما هي ظاهرات ذلك في أدبنا الحديث؟!

وللمقال بقية..............
آخر تعديل بواسطة الصمصام في 08-15-2002 02:18 PM، تم التعديل مرة واحدة.
الأصدقاء أوطانٌ صغيرة
الصمصام
بوح دائم
مشاركات: 481
اشترك في: 06-21-2002 09:03 PM
اتصال:

مشاركةبواسطة الصمصام » 08-15-2002 02:30 PM

بقية مقال الظاهري
____________

أجل إن العلمانية ضد الإلتزام العربي المسلم،فما هي ظاهرات ذلك في أدبنا الحديث؟!


أهم ظاهرة أن الشاعر المعاصر لا يتحرج في لغته وصوره وحيرته فيمس جانب العقيدة والسلوك
المسلم بعنف،يقول الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي:
غرامك كان محراب المصلى.......كأني قد بلغت بك السماء
خلعت الآدمية فيه عني..........ولكن ما خلعت به الإباء
فلم أركع بساحته رياء.........ولا كالعبد ذلا وانحناء
ولكني حببتك حب حر...........يموت متى أراد وكيف شاء

ويقول
وحبيب كان أدنى أملي..........حبه المحراب والكعبة بيته

ويقول
يا أيها الحب المقدس هيكلا......ذاق الردى من عابديك مسبح
كثرت ضحاياه وطال قيامه........وصيامه فمتى رضاءك تمنح؟
يادوحة الأرواح يحمد عندنا......فيء ويعبد زهره المتفتح

ويقول
أيها النور سلاما وخشوعا.......أيها المعبد صمتا وركوعا

ألا ترى هذه العلمانية الوثنية وهي كثيرة جدا جدا في شعر ناجي؟
إنه اتخذ الجمال ربا يعبد من دون الله.

هذه الكعبة كنا طائفيها......والمصلين صباحا ومساء
كم عبدنا الحسن فيها.............................

إن الدكتور ناجي مخلص لعواطفه لا يلجمها بأي قيمة.

وأنا أقول بلغة النقد العربي القديم لو لم يكن له إلا الأطلال لكفته فخرا في بناء قمم الفن الشامخة
لذاتها،ولكني أنقد غايته وأقول إن رائد الشعر الحديث ضر ناشئة الأمة من حيث لا يقصد بشعره اللامتحرج.
ونبني حسن نيته على سبل:
أولها:أنها لم يقصد أن يكون داعية لعلمانية وإنما كان عفا الله عنه ماجنا استوحى ليالي القاهرة
من ليالي شارع الهرم،ومن أخلص لعاطفته لا يوصف بأنه جندي في معترك الغزو الفكري.
وثانيها:أن الدكتور ناجيا مخلص لمدرسة فرنسا الرومانتيكية إلى حد الإختلاس،فلقد نصصت على أن قصيدته
(رسائل محترقة)نقل أمين لقطعة من نثر (لامرتين)في رواية روفائيل ولم ينتبه لذلك أحد قبلي.

وهؤلاء الرومانتيكيون يرون في الحب قداسة،وهو وصف للتعظيم،ويصفون قلب المحب بأنه معمود،
وهو وصف العبادة.
وحظ ناجي في أمور دينه نزر فهو ينقل بأمانة.
تأثره من وجهة نظر واحدة تخالف التزامنا:أي أنه يلتزم ما يخالف التزامنا.
إننا نحذر الناشئة من الإستماتة في التقليد دون تبصر.
إن الإلتزام الأعمى هو النكسة الفكرية،وإن قمة الحرية أن نلتزم إلتزاما متبصرا.
وهذه العلمانية تمس جانب العقيدة مسا قاسيا لأنه تعظيم لغير الله يستتبعه ما تطفح به دواوين
الشعر الحديث من القسم بغير الله.
يهولون فيقسمون بالشرف،ويتماجنون فيقسمون بريق الحبيبة!!
وإذا كانت الكلمة الناصحة لا تضيع وإن أخنى عليها ما أخنى على لبد فإني أدعو إلى حرية الأدب لذاته
في قيمته الفنية،ولكني أدعو بإصرار إلى توظيف الأدب واحتكار غايته.
إن من التماجن المألوف في العلمانية القديمة تفدية الخاطئات،ولكنه أصبح في الشعر الحديث دعوة
لإشاعة الفاحشة،وإعلان مشروعيتها بتسويغ البغاء،فهذا محمود حسن إسماعيل في قصيدته
(هكذا قالت البغي)يسوغ بديوانه(هكذا أغني)خطأها بالجوع ويحمل المجتمع تبعيتها.
والشاعر محمد شحاته شاعر البراري يرثي اللقيطة في ديوان(نجوم ورجوم)،وهكذا فعل كامل أمين في
ديوانه(نشيد الخلود)،وفؤاد بلبل في (أغاريد الربيع)،وربما حملناهم على حسن النية إذا قلنا بأن
ذلك التزام لمنهج الغربيين في العطف على الخاطئات،ولكن سبيلهم غير سبيلنا لأن الفاحشة عندهم مباحة.
والعطف من ضمير إنساني يحب الخير لبني جنسه،ويبكي لأخطائهم لا يوصف بالعلمانية،ولكن العلمانية أن
يصل العطف إلى التسويغ والإشاعة.
والقاعدة في ديننا(ولا تأخذكم بهما رأفة)وإنني لا أقسو إذا قلت:إن الشاعر الحديث تخلى عن رسالته
تخليا سافرا.
ومن المصادفات المضحكة أن نزارا مسح دموع ذوي المباديء بقصيدتين جيدتين في التشهير بالخاطئة
وكم في الكون من متناقضات؟!
وشوقي شاعر العروبة والإسلم له إسلامياترغم مجونياته،لا يفارقه وعيه بدينه،تجده في همزيته في مدح
الرسول صلى الله عليه وسلم تعرض لحروب الرسول فلم يبث فيها روح الفخر،بل بث فيها غاية الحرب
الإسلامية في رأفتها وإنسانيتها،لأنه على وعي بنقد المستشرقين.
وإن الوعي الإسلامي كثير في شعر شوقي،ولكنه لم يسلم من تسربات علمانية في تقديس الأديان الوثنية
وفي الإعتذار لفرعون،وفي سوء الأدب مع الأنبياء يقول:
ظن فرعون أن موسى له............واف وعند الكرام يرجى الوفاء
لم يكن في حسابه يوم ربى........أن سيأتي ضد الجزاء الجزاء

وقصيدته:
رب شقت العباد أزمان لا...........كتب بها يهتدى ولا أنبياء

مليئة بوحدة الوجود،وقد يكون هذا علمانية،وقد يكون غفلة الوعي الذي يتمتع به شوقي.

وكل ما أوردته نماذج نحملها على حسن النية،
ولكننا نجد العلمانية المجندة في شعر دعاة الرفض والتمرد والتجاوز والتخطي في الشعر العراقي
الحديث بخاصة وبعض شعر المقاومة وفي الشعر المهجري على العموم.
الأصدقاء أوطانٌ صغيرة
شاكر
بوح دائم
مشاركات: 608
اشترك في: 04-12-2001 11:32 AM

مشاركةبواسطة شاكر » 08-16-2002 11:39 PM

<FONT SIZE=5 COLOR="#662266">

أخي الصمصــام
بارك الله فيك .. قرأت واستفـدت
أنا من المعجــبين بهذا الشيخ الظاهري

بالمناســـبة هو متعصب أشــد التعصـب لشيخـه ابن حزم .. وكلاهما في نظري شيخان جليلان

تحياتي :)
صورة
الصمصام
بوح دائم
مشاركات: 481
اشترك في: 06-21-2002 09:03 PM
اتصال:

مشاركةبواسطة الصمصام » 08-20-2002 12:45 PM

أخي الحبيب شاكر:
وأنا مثلك معجب بكتابات الشيخ أبو عبد الرحمن بغض النظر عن تعصبه لشيخه ولمذهبه
فأبو عبدالرحمن يمتلك فكرا نيرا ولديه ملكة التحليل والنقد
إلى جانب ثقافته الواسعة وأسلوبه الأدبي الرشيق في كتاباته وصراحته في نقد ذاته
والحق أن القراءة له متعة وإن لم نتفق معه في كل ما يقوله.
ومثال ذلك من المقالة السابقة حين يقول:

(في شعرنا العربي القديم إلى عهد النهضة الحديثة علمانية كثيرة تتجلى في خلاعة ومجون أبي نواس والحمادين والخليع وأضرابهم كما تتجلى في كفريات أبي الطيب وابن هانيء وفي شكوك وجبرية أبي العلاء وابن شبل
ومدرستهما،ولكنها تفسر بحسن نية،لأنهما نتيجة مسلمة لإيمانهما بأن أعذب الشعرأكذبه،وأن الشعراء يقولون مالايفعلون،وبأن اتخاذ الشعر رسالة لم يتبلور في تلك العصور وبأنالنشاط العلماني المعادي لتاريخنا عقيدة وسلوكا لم يتبلور مذهبا في الشعر،لأن الحماس الديني قوي ،والجمهور ينددون بالهفوات العلمانية.)

فأنا لا أعلم سببا لإيجاد التبريرات والأعذار لبعض شعراء العصر القديم في مجونهم وخلاعتهم وشكوكهم
وكفرياتهم ،وأين حسن النية من ذلك،وكيف يحكم بأنهم كانوا يقولون مالا يفعلون،فقد يوجد العذرللبعض
بدراسة شاملة تقارن بين حياتهم وأشعارهم .
وأنا هنا لا أريد تحديد اسماء معينة لأن الموضوع شائك ولكن لنأخذ شعراء المجون والخلاعة
كمثال وسنجد فعلا أنهم كانوا يقولون ما يفعلون ومن يدرس سير حياتهم ويقرأأشعارهم يقر
بأنهم كانوا دعاة للتحلل والفجور والتمرد على الدين والأخلاق،وقس عل ذلك
الأصدقاء أوطانٌ صغيرة

العودة إلى “المقالات والشعر العامِّي”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: Bing [Bot] و 41 زائراً