المقامة السلافة بقلم / جمال حمدان .. وآخرون

حوارات - مواضيع - شعرعامِّي

المشرف: مجدي

جمال حمدان
بوح دائم
مشاركات: 246
اشترك في: 05-29-2002 11:08 PM
اتصال:

المقامة السلافة بقلم / جمال حمدان .. وآخرون

مشاركةبواسطة جمال حمدان » 07-10-2002 08:55 AM

قال (جمال حمدان ):

حدثنا أخونا الصمصام عن ابن غيث عمر عن ابن حمدان جمال أنه في

زمن الحاكم بأمر من نصبه على رقاب العباد , قرر شيخنا السلاف

أن يسيح في الأرض بقصد تقصي أحوال الشعر والأدب , فخرج من

المعرة قاصدا مضارب التنوخيين فمر في طريقه على خلق كثير كانوا

مجتمعين حول شاعر يسمى عمر المطر . نزل الشيخ عن دابته ظنا منه

بانه واجد ضالته , فلما دنا من شاعر القوم ابن غيث وجده يقول :

تقول بانها تمشي ببطء
. ........ وخالتها تسير كما تشاء
وألحظ خلف ذاك التل طيرا
....... وسيفي لم يزل فيه مضاء
يعاتبني الخليُّ على غرام
........ ويرشحُ من بقايا الظل ماء
زرعت الهمس في مقل الليالي
....... كتابوت به رقدَ المساء
خليليَّ لنا في كل يوم
........ فكيف النار يطفؤها غثاء؟.
لهم ذكرى كأن اليوم القى
......... تباريحا وما قُبلَ الرجاء

فاخذ شيخنا السلاف يصفق بيمينه على شماله حسرة وندما واخذ بزمام دابته ويمم وجهته صوب جبل تراءى له عن بعيد , فإذا برجل أمّي يكني بيتيم الشعر يصيح بالشيخ مناشدا إياه ان يساعده في كتابة رسالة لحبيبته التي فارقها منذ عام طلبا للرزق .
إمتثل الشيخ السلاف لطلب اليتيم وأخرج رقعة ودواة وكتب باسم الله
أما بعد .
فقال اليتيم للشيخ السلاف . سيدي سأملي عليك وأنت تكتب ما ساقول .!
فأوما الشيخ برأسه بالقبول فقال اليتيم :

أودعتُ في طي الرسالة مهجةًً حرّى فإن لمست يداكِ حروفَها فلتحذري يا من لها في القلب الف رسالة ورسالة تجري به مجرى الدّمِ . إني فداك حبيبتي في سطرها خطت يدي, وفمي يردد بعض ما أملت عليه هواجسي. فإذا قرات رسالتي وسمعت همسا جاء يركب صهوة للريح فامتثلي إليه وأعطه ردا لعل السعد ياتي في الغد . وختامها دومي لمن يرجو لقائك واسلمي .
توقيع : يتيم الشعر
أعطى الشيخ سلاف الرقعةَ ليتيم الشعر وظهر على محياه الغيظ والحنق وأمسك مرة أخرى بزمام دابته فتذكر أبيات ابن غيث عمر فاخذ يشطرها فقال :
تقول بانها تمشي ببطء
...... ونعجتها تسير لها ثغاء
فواحدة تسير على هواها
......... وخالتها تسير كما تشاء
وألحظ خلف ذاك التل طيرا
........ يداعب حاجبين به هواء
وأمعائي تصيح بلا طعام
....... وسيفي لم يزل فيه مضاء
يعاتبني الخليُّ على غرام
........ ويرشحُ من بقايا الظل ماء
زرعتُ الهمس في مقل الليالي
....... كتابوت به رقدَ المساء
خليلي لنا في كل يوم
........ فكيف النار يطفؤها غثاء
لهم ذكرى كأن اليوم القى
......... تباريحا وما قبل الرجاء

وأضاف الصمصام :
وما ان فرغ شيخنا السلاف من تشطير قصيدة ابن غيثٍ العصماء * حتى جاء رجل قميء معتليا صهوة حصان أدغمٍ ببريد مرسل من ديوان والينا المعظم . هتف الرجل بأعلى صوته .. من منكم يدعى السلاف ؟ فأجاب السلاف هأنذا عبد مولانا !!! .. فناوله الرسالة وقرأها السلاف وقام للتو يملي رده على مسامع الأشهاد:

((( لبيك سيدي هأنذا قادم بعد أن خلُصت للتوِّ من إتمام فروض الولاء والطاعة لولي نعمتنا , فكما تعلمون سيدي بأن رضاء والينا علينا هي منته التي تترى وهي بلا مراءٍ أرفع شأنا من أن تُردّ أوتُجزى , فله ما بأيدينا وما في خدورنا وما أخذ منا وما أعطى . فإن ولدت عنزتنا توأمين فذلك ببركة ما له علينا من ندى يدين , وإن كُسفَ البدرُ استعضنا بسناه عما جرى به الدهر من ظلمة وما أصابنا من نصبٍ وأين , فهو ميقات إحرامنا وقبلة أنظارنا , فمن راحتيه نلتقط الحصى لرمي الجمرات , ومن بعد باب قصره المنيف لا يعتد بأي باب وميقات , وعلينا أن نقر بأننا قد تعلمنا من إشراقة طلعته البهية تعداد السنين وما جلبته علينا من كمدٍ وحسرات .
وأن ما يتركه لنا مما فاض عما تقتضيه بذخ موائده هبة لنا ومكرمات .
فلا تصدق سيدي ما يروجه المغرضون بأن الشمس قد خُسفت. ولا تُلقِ سمعا سيدي لهرطقة واشٍ سريرته نمّت عن سواد حظنا في ما أعلنت وما أخفت , واعلم سيدي – دام عرشك - أنه لو جاز لنا القسم بغير إسم الواحد الأحد الصمد الذي برأك وسواك , لاقسمنا تقربا وتزلفا باسمك مقنعين أنفسنا بأننا ما قد علمنا لنا من ربٍ سِواك .
هأنذا سيدي أضرب لكم أكبادا يؤزها الشوق للقياكم , وأطوي بكل همة ثغورا وفدافدا بلسان رطب لا ينفك يلهج بالدعاء بطول بقاكم . فإن أظلكم سيدي الشهر المحرم , وانقضت من أيامه تعداد خمستين , فاعلم انه اليوم العاشر , فلا تشغل بالك سيدي بتبيان القرائن وقراءة التهم المنسوبة لسيدنا وسيد الشهداء مولانا الحسين.
هأنذا قادم سيدي وفي يدي غصن قات من تطوان وأوراق شيح ويقطين لتداري ما يجب ستره من سوءات. فإن أتاكم – فديتكم - أنين حرائر من تبقى من نسل عدنان. وإن سيق الليث للمذود وساسه بوم وغربان !
فلنصهل سيدي في مرآب أو اسطبل طالما تحول المضمار لحانة.
ولنزأر سيدي على عتبات كل محراب طالما اعتلاه ابو رغال ورجاله .
ولنلعن سيدي فوق رؤوس الأشهاد من لعنته أقواله وأفعاله.
فإن متُّ ... فوا أسفاه إن لم أُعطَ فرصة التكفير عن خطيئتي إن لطّخ دمي نطعَ أو سروال صاحب الجهالة .
هأنذا قادم سيدي.
لاسرج القنديل مما تبقى في جذع الزيتونة من زيت أو بما تجود به الرقاب .
وسأرهن درع وسيف أبي ذر لمن سيدفع مقابل أن نحتفظ بحفنة من تراب .
فإن حالت دون ذلك مشيئة من وضع الكتاب وقدر الأسباب,
فعزائي سيدي أنني سأحيا وسأموت كأبي ذر وحيداغريبا . فلا سلمت هامة مولانا ولا ارتفعت رايةٌ لاحزاب. ! (((

مع تحيات
جمال حمدان

08-11-2001

**************************
* هذه الابيات للتندر فقط لأبرر حنق شيخنا السلاف وتبقى العهدة على محدثنا الصمصام .

ثم رد الصمصام

رواية موثوقة على رأي علماء الجرح والتعديل

فقد التقيت وأنا فى طريقى إليكم بشيخ وقور ذو جبة تدور واللحم فى قدره يفور وبعد أن تناولنا
الغداء صفق بيديه وإذا بخمس من الجواري الفاتنات المائلات المميلات أقبلن وسقيننا شراب
النبيذ المعتق وهو فى شرع علماء الإنفتاح جائز
فلا يلمنى لائم من بعد فتوى العالم
وبعد أن عمل الشراب عمله ودار العقل وتاه وأصبح يرى البعير شاه وهو من قبل ذلك قد ضاع ومال حين رأى ذوات الغنج والدلال و.........
.........................................
وبعد ذلك سرقنا الحديث وكنت حدثته بالمقامة السلافية وسألته عن عدل رواتها
فتبسم قليلا ثم قام دخل إلى مكتبته وبحث فى كتبها واتصل ببعض العلماء والمشايخ من ندمائه
وأصحاب سمره ومن هم على شاكلته
وبعد أن عاد إلى مجلسه قال لي
إسمع:
الصمصام: ثقة وإن كان يؤخذ عليه خلط
ا الصالح بالطالح
ابن غيث : صدوق ثقة ويعاب عليه عدم إتمام بعض
المهام وتركه لرواياته التى يعد
بإتمامها تنسى مع الأيام
الحمدانى :أيضا صدوق ثقة وإن كان يلزم الإبتعاد
عن طريقه فى حالة الإنفعال والغضب
وتركه حتى يهدأ ولا تسلنى عن السبب

ثم أردف قائلا:
أخبر صاحبك بأنى قد وثقت لك الرواية بعد البحث المضنى فى بطون الكتب وحواشي المخطوطات وتفنيد تعليقات المتطفلين من علماء العصر وعصرهم حتى
لم يبقى فى جوفهم ما يعصر غير قول قائلهم ما هذا المنكر، وكان الشراب قد أخذ منه مأخذه فاحمرت عيناه وتورد وجهه وتهدج صوته وارتجفت منه الأعضاء
فاسترسل فى الحديث بنفس متقطع واسمعنى خطبته العصماء ويالها من خطبة قد بلغت مراتب الكمال فى بلاغتها وحسن لفظها ولعمري فهي درة من درر العرب تستحق أن تكتب بماء الذهب ،وأين منها سحبان وائل أو ابن أبيه ،وما كان الحجّاج بن يوسف إلا تلميذا عند معانيه،وابن مروان شاب ولم ييحسن رمي مراميه
وكان يتململ يمنة ويسرى ويقوم ويقعد كأنه ثكلى أوكمن نهشته أفعى وهو بين آونة وأخرى يقفز ويصيح ،فياله من شيخ فصيح وهو يقول:(أيموء) القط وبجانبه الكلب قد(هرهر)ففاحت الرائحة واستلقت النائحة فكشفت عن سوأتها وأنتم تنظرون،ألقوا عليها غطاءًيستر عورتها ويخفى ما ظهر من نبتتها،فهذا الكشف لا يجوز إلا لحسناء على الإعجاب تحوز وبكرم فتوانا تفوز ،ذات ال..................يالكم من دهماء تبحثون عن القيل والقال والطعن فى صدق الرجال أبطال الساحة وأسود الباحة الذين لم ينعموا بالراحة فهم ما انفكوا يغيرون وحياتهم جهاد لا يعرف اللين ،أريتموهم وهم يسهرون حتى الصباح وفى كل ليلة لهم غزوة ويتنقلون من ربوة لربوة يالهم من أشاوس ،ماتركوا خدرا إلا وهاجموه ولا سترا إلا وهتكوه،فهم بين سمراء وشقراء
ولعوب ذات دل وحياء فهذه عفراء وتلك نجلاء والأخرى وطفاء وإياكم ترك تلك العذراء فليحذر الطاعنون والمشككون ودعوا الناس فى غيهم يسدرون فما الحياة إلا( طعن) وأنتم تعرفون فابتعدوا عن( التلبيس) والسير على خطى إبليس
واتبعوا نهج (التجريد) فهو للفلب دواء وتبريد.

وفجأة سكت وهدأ قليلا وجلس فى ركن قصي وأنا أسمع تمتمه ثم رفع عقيرته وهو يرتجز

اليوم يوم الملحمـة
وفك قيد الملجمـــة
الكون أضحـــى قريةً
والعصر عصر عــولمة

وأخذ فى تكرار رجزه حتى مللت من كثرة تكراره وعادت إليه الحالة الأولى فانتفض وقفز بغتة حتى كاد قلبى أن يسقط بين قدمي من مباغتته تلك
ولولا حيائى من لمز الجواري وتعييرهم لوليت هاربا من هول الفزع
وأخذ صوته يرتفع أكثر وهو يقول:

فلا يقدم علينا جاهل بمقولة من قائل
ويقول :فيها قولان
والأمر لا يحتاج إلى تبيان
فليعقله كل إنسي وجان
وهي حق مشاع
لكل ذي عينان
والناس قيه شركاء
فالتزم الصمت ولا تقل لي لسان.



ثم ردَّ عمر المطر

حدثني الصمصام، قال:

لما قفلت من الحج فيمن قفل، وكنا قد نبذنا الجدَّ بالهزل، وتجاذبنا أطراف الحديث، من بعد مسير على الرَكوبِ حثيث، أقبل علينا شيخ وقور، تفوح منه ريح البخور، قد عفـّر السيرُ ثوبَه، وجعد الدهر وجهه، وكانت قد ابيضت لحيته، ونصعت قرعته، تـُرى عليه بذاذة، ويرى الخـَصاصَ(1) ملاذة، فجلس الشيخ بقرب النار، وأخذ يتفحص الدار، يطيل النظر في كل باب وجدار، ثمّ رأى خنفساءة تسعى على وجهها، أشغلت العالم بهمّها، تهرُبُ من قِط أليف، اشتغل بها عن اللحم والرغيف، فانتفض الشيخ: صاح ِ اعتبار، للصبر في المصيبات ثمار، ها أنا اليوم أعطيك العِبر، تكفيك عن مدّ البصر، أترى القطّ إذ زمجر، يحسب نفسه من الكون أكبر، يتحكم في الخنافس، يُسِـرُّ السعد والوجه عابس، أترى لو لم يكن رب البيت حكـّمه، فلا يرى خنفسا إلا أعدمه، أيكون هذا القطّ الحقير، في البيت الكبير، لولا أن الراعي خان الرعية، وساس في الخلق الأذية؟
فانقلب الشيخ إلى ركن من البيت بعيد، وتغمّر بلحاف بليد، وهمهم قليلا، ثم أنشأ يقول:

هي الخلافة لا تبقي ولا تذرُ
...................... من ظالم ٍ بشرا إلا ويعتذرُ
هي الخلافة تشفي القرحَ طلعتها
................... كأن بهجتها الياقوتُ والدررُ
يا ساكب الراح هبني من خلافتها (2)
................... فإن رشفتها تنسيك ما الكدرُ
ريمٌ إذا خطرت، شمسٌ إذا ظهرت
.......... مزنٌ إذا مطرت، في بعدها الخطرُ

ثم تخافتت أنفاسه، وأوتْ إلى النوم أجراسه.

وشدني الفضول، والقلب العجول، لأعرف سرّ شيخنا الذي أتى من البدو، يمشي الهوينا لا حثٌّ ولا عدو، أصاب دارنا، وما أصاب نارنا، أكلنا الطعام، وعلى الجوع نام، في عينه دمعة، وفي قلبه رِفعة، فتزاحفت قدماي نحو مكانه، علـّي أجد ما كان في أوطانه، فرفعت عنه اللحاف، فإذا هو شيخنا السلاف.

(1) الخـَصاص: الفقر.
(2) يقصد سلافتها.

ثمَّ ردَّ الصمصام

إشتقت لحديث ذاك الشيخ الفاني والحق يقال أنى اشتقت حقا لرؤية من معه من
الغواني فحثثت إليه المسير ولم يردني عنه برد ولا هجير ووصلت إليه بالسلامة
تاركا ورائي الندامة،فاستقبلنى بالحفاوة والترحاب قائلا (صمصام) يا أعـــز
الأحباب تفضل عل الرحب والسعة واستكن إلى الهدوء والدعة قبل أن نخـــوض فى
فى المعمعة وكانت ليلة ليلاءأخذت فيها مما أشاءورويت قلبي الظامىء بالمـاء
وسأخبركم من قصتي ما لا يلزم ودعوا من أخبارها ما يلزم ومن بعد لهو طويل والليل قد أزمع الرحيل خلوت به فى المجلس وقلت له إجلس
وحدثنا عن شيخنا السلاف ذو اللمة المعطاف فوجم وخاف وقد أصابه الكدر وقال:
أي هذا الغثيث ما لنا ومال هذا الحديث أم تراك تريد إفساد ليلتنا الجميلة
ونسائمها العليلة فأقسمت عليه بالكلام وحرمت عليه بكل ما هو حرام وإلا سوف
يلحقه الملام فقال: حسنا سأخبرك بحديثه ثم جلس واتكأ قائلا:
قد أتتنا الأخبار من أصحابنا الأخيار أصحاب الطبلة والطار أن هذا الشيخ
السلاف كان يجول بين القرى والهجر ولم يسلم منه بدو ولا حضر يدعو إلى الدين
القويم والصراط المستقيم وما انفك يدعو لهجر الفساد بين الحاضر والباد
حتى اشتكى منه الجماد وضج منه الخلق والعباد ومع ذلك لم يكل ولم يمل
وهو يدعو لفكره الموسوم بشعره المكلوم عن زمان مضى واندثر ولم يبق له فى
الدنى أي أثر يسعى بالإرجاف ويرجو ولا يخاف إن قيل له زجر وعيافة قال هذه
سخافة وحديث الباطل نحن نعافه وهمنا أن تعود الخلافة والثوم لا ينبت الجوافة
فهل ترى فى حديثه لطافة؟ وإن قيل له عربدة وكاس أجابنا وقال أنتم فتية
أنجاس تصبحون على منكر وتمسون على منكر وقد أنكر عليكم من أنكر، فبالله
عليك هل هذا قول عاقل من ينكر الأنس ويسعى للمعاقل فيقول لصاحب اللهو أنت
سافل جاهل متغافل، فياله من جاف غليظ والقلب قد أمتلأ منه حقدا وغيظ
وقد أخبرونا أنه فى تلك الليلة المطيرة والغنم قد سيقت إلى الحظيرة
دعوه إلى حفلة ووليمة تحييها الراقصة سليمة ومعها من النساء كل بغي ولئيمة
وضيفة الشرف الفاتنة سوزان سالبة عقل كل إنسان وسفيرة الفن والشيطان
فأبى واستكبر ورفع سوطه علينا وتجبر وهو يقول :قد أعذر إليكم من أنذر
أخبرنى بربك هل يملك مثل هذا إحساس أو أهل للطرب والإيناس ،وما أظنه إلا
ذو قلب بليد ومشاعر كأنها جليد أليست له همة أم تراه يعادي أهل القمة
فالناس فى واد وهو فى واد يأمل في ما لا يراد.
وحين وصل الحديث بنا إلى هذا المنعطف قام الشيخ ومن الشراب اغترف
ثم افترش الأرض ونام فكأنه إحدى الأنعام.
أما أنا فقد تركت خيمته فى هدوء والظهر من حمل الذنوب ينوء متوجها نحو الديار مواصلا الليل بالنهار مترنما بقصيدة عصماء لشيخنا السلاف حفظتها من زمن عن طريق شيوخ الخيمة أكملت مسيرى وأنا أقول:
(القصيدة من قصائد السلاف)

رفقاً بقلبكَ إن هوى أو طارا
……..…فبأي قلبٍ في الهوى تتمارى
كم عانقته من الأماني عذبةٌ
……...…..غرّاءُ ترسلُ دفقها تيّـارا
تسمو به ترتادُ أجوازَ الفضا
……..….يعلو سحابا في السما موّارا
وعلى امتداد البيد كم لفّت به
………...أرجاءَها تطوي تُظّنُّ قطارا
ما ظنَّ إلأ الخيرَ في مقدورها
…...……..ما ظنَّ يوماً طبعها غدّارا
أو ظنَّ ثغراً فاقَ أزهار الربى
…….…حسنَ ابتسامٍ قد غدا مكشارا
أو أنّ حبّاتِ الندى في لحظةٍ
………...من دونِ إنذارٍ ستصبح نارا
كيفَ النسائمُ في الربيعِ عليلةً
…….…..تشتدّ في عصفٍ لها إعصارا
ما هذه الدنيا وفاءٌ طبعُها
…..……إن أنعمت عادت لتطلبَ ثارا
فكأنها أفعى تغير جلْدها
………...من بعد يُسْرٍ تحشد الإعسارا
الناسُ أبناءُ الحياةِ وأمهم
………..….توصيهمُ لا تتقوا الجبّارا
قل لي بربكَ كيفَ يصبح من رأى
………...….أحلامه في لمحتين دمارا
قد ضاقَ رحبُ الأفقِ عن أحلامه
………...واليأسُ أطبقَ حولهنَّ حصارا
ما كان إلا أن يحوقل صابرا
…………حمداً له ما شاءَ ربّكَ صارا
أو بعد ما قاسى يلامُ إذا قسا
…..لم يعرف الوجدَ من لم يصطل النارا
إنسَ الوفا من ذا الزمانِ وأهلهِ
……....….واخشَ الجآذِرَ مخلباً ودثارا
فكأنما للؤمِ أجرٌ سابغٌ
…… ….فترى الانامَ لنيلهِ تتبارى
"والظلمُ من شيم النفوسِ فإن ترى
………......ذا عفَّةٍ" فتلمّسِ الأعذارا
واصبر فما الأيام دامت لامرئٍ
…………...والدهرُ يبقى دائماً دوّارا
سبحانَ ربك لا مرد لحكمه
……….…فطر الطباعَ وقدّر الأقدارا
_____________________

ثم عقب الأخ محمد أبو شاويش

قرأت هذه المقامات فضحكت ولعمري إن شكل المقامة أثبت أنه مغر ولعل كثيرين ممن قرأ مقامة الحمداني خطر على بالهم كتابة مقامة معارضة وقد نفذ الفكرة الصمصام جزئياًفقد أخذ من المقامة شكل الحكاية وزاد عليه محاكاة مصطلحات المحدثين ثم عاد مطر وألف مقامة ذات لغة ممتازة وروح نكتة يقظ وقد بنى النكتة على ادعائه ملاحظته لما يشبه العادة اللاإرادية عند السلاف وهي عودته الدائمة لذكر الخلافة ولعمري إنها لحسنة له وما هي بالعيب إذ الخلافة رمز لوحدتنا وحضارتنا..
ولكن مطراً عدها نوعاً مما دعاه بيرغسون من أخطاء السهو والشرود وينبني عليها موقف هزلي(لا بأس أن تعتبروا هذا دعاية لمقالي عن نظرية بيرغسون في الضحك)
ولقد ضحكت حين قرأت:هي الخلافة لا تبقي ولا تذر
فقد تخيلتها مدحاً منفصلاً ولعل الأبيات من وجهة نظر نظرية بيرغسون ستكون أطرف لو حذف منها التعليل المنطقي ليصبح الموضوع موضوع سهو وعادة لا إرادية فحسب كما لو قال:
هي الخلافة لا تبقي ولا تذر............كأن بهجتها الياقوت والدرر
يا ساكب الراح هبني من خلافتها.............فإن رشفتها تنسيك ما الكدر
ريم إذا خطرت،شمس إذا ظهرت ..........مزن إذا مطرت ،في بعدها الخطر


وهكذا يكون السلاف -افتراء طبعاً- يحب الخلافة حباً أفلاطونياً لذاتها بلا سبب ويتغزل فيها..
أقول هذا مزاحاًوأنا إن عدت إلى الجد أدعو الله أن تعود تلك الوحدة..
فلقد أحسنتم أيها الأدباء الثلاثة وأمتعتمونا ولكنني أنتظر مقامة معارضة من السلاف
هذا أنا أبدو وحرفي مائلا
.......... كالدَّوحِ ممتشقا خطوطَ ظلالهِ
في رحلةٍ أبَــدًا يُقلبُ طرفَــهُ
............. معنى ومفردةٌ ونجمُ خيالهِ
متغـرِّبٌ ما أن يَحُطَّ رِحَـالَـهُ
........ إلاَّ وتَطلُبـُهُ خُطَـى تِـرحَالِـهِ

العودة إلى “المقالات والشعر العامِّي”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 29 زائراً