أوراق محارب لم يدخل المعركة
مرسل: 03-25-2003 12:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
(1)
أقبعُ وحيداً فوق سريري ، القابع في منتصف الأرض ، أقرأ الحرب بعينٍ واحدة ، ونصف قلب ، وربع إنسانٍ خائبٍ ، يجهل النبض .
أجلسُ على قمة العالم ، أرقب سقوطي جزءاً ، جزءاً ، ولا أنفعلُ ولا أهتز ، متهالكٌ حد الموت البارد ، لا أفهم شيئاً ، ولا يتملكني أي شعور ، الا إحساساً عميقاً بالخيبة ، والسقطة الذليلة .
...........................
ربما قد اعتدتُ الهزيمة ، واعتادتني انكساراتها المريرة ، وتحلقَتْ حولي ظلالها السوداء ، كالديدان القاتلة ، تنهشُ ما تبقى من جسدي ، وقامتي المائلة .
..........................
وحيداً ، بعينٍ واحدة ، ونصف قلب ، وربع إنسانٍ خائب ، أقعد كالمحارب ، ولم يدخل المعركة ، أقلِّبُ التقويم الأعمى ، وأستبقُ النهاية الظالمة .
________________________
17/1/1424هـ
يتبع
(2)
أتحسسُ جسدي ، محاولاً لملمة جراحي المفتوحة ، وتلمُّسَ دمائي المتخثرة ، وقد أنهكتها صور الشوارع الصامتة ، والمخابئ الممجوجة .
أحدق في صدري المثقوب ، وجبيني العاري ، وهويتي الضائعة ، بينما أرقبُ المعركة ، منزوياً في غربة مكاني ، مندساً في لوثة خوفي وأحزاني ، وأعجبُ كيف أصابني الجرح ، ولم أدخل المعركة .
.......................
سمائي سوداء ، أرضي حفرٌ وخنادق ، وفضائي أصواتٌ محمومة ، وأنا في ركني الموبوء بالخيبة ، أحضنُ ظلي المعتل بالحمى ، والرعشة المذلة .
......................
لا أحد هناك يعرفني ، أنا لا أشبهُ أحداً ، فقد انعدمت الصورة ، وذبلتْ في وجهي الملامح ، واحتشدتْ فوقهُ بقعٌ حمراءُ ممسوخة ، أظنها طفح الهزيمة .
__________________________
18/1/1424هـ
يتبع
(3)
مازلتُ أقبعُ فوق سريري ، كالمعتوه المُقعد ، لا شيء يستفزُّ هدوئي ، ساكنٌ ثابت ، صامدٌ صامت ، لا يغويني مشهد الموت البائس .
هكذا تمضي اللحظاتُ الأخيرة ، أرصد هولَ الفاجعة ، بعيني الضريرة ، وضميري الغائب المتعَب ، لا شيء يعنيني ، في ركني البعيد الهادئ .
.......................
أسقطُ أو لا أسقط ، لن تشغلني الأسئلة ، فلي موعدٌ متجدد ، أشاهد فيه الجريمة ، حية ًفي فضاء الموت ، سأتابعها بشغفٍ أهبل ، ولهفةٍ مجنونة .
......................
سأظل هناك ، على سقف العالم ، منهمكاً في فرك جبيني ، وفرقعة أصابع أقدامي ، وتخليل لحيتي القصيرة ، وبين الفينة والأخرى ، أزيلُ سريعاً ، بعض قطراتٍ جاهلة ، تعبثُ على وجهي ، ولا تحمل أدنى هوية .
__________________________
19/1/1424هـ
يتبع
(4)
سأحفرُ خندقاً ، أتسلَّلُ فيه الى دمي ، دمي الموبوءُ بالحسرة ، والغصَّة القاتلة ، سأنزع عنه قشرته الرمادية المشبوهة ، وغطاءه الموشوم بالفاجعة ، واللحظات المريرة .
.......................
مازلت هناك ، ممدداً ، أتوسَّدُ ظلي وأوراقي ، وأقشِّرُ ما تبقى من دمي ، وأرقب المعركة . لا شيء يفاجأني ، فقد رتبتُ وجهي للهزيمة ، وأغلقتُ منافذ روحي الحالمة . لا شيء أمامي ولا خلفي ، مجرد صورٍ باهتة ، وأجسادٍ محترقة .
......................
وتلك أيضاً مجرد قنبلة ، ستحرق بعض المدينة ، وبعض أطفالٍ لا تعنيهم الحرب ، ولا يدركون الجريمة .
دعوني أقلبُ الصفحة ، فقد اغتسلَ الحبرُ بماء الأسئلة .
_______________________
20/1/1424هـ
يتبع
(5)
إذن ستطول الحرب ، ويطول أمد النزف ، وستكبر هالة الدم ، ما بين النهر والنهر ، لذا أحتاج مزيداً من الوقت ، وكثيراً من الأوراق والحبر ، ليمتد بقائي ، منزوياً فوق سريري ، أدوِّنُ المعركة .
..........................
سأعترفُ الآن ، لقد بدأتُ أعتاد المعركة ، حتى صفارات الإنذار ، تذكرني بجرس الحصة في المدرسة ، لا أدري ما وجه الشبه بينهما ، ربما موعد الدرس في الحالتين ، وربما التبلد والرتابة النزقة .
..........................
هل سأفاجأ أحداً ، لو قررتُ كمحارب ، أن أنسحبَ من حربٍ لم أدخلها ، الا كشاهدٍ متطفلٍ على المعركة ؟ .
لن أسهب أكثر ، دعوني أقلب الصفحة .
__________________________
21/1/1424 هـ
يتبع