رحيلُ الذكريات...

النثر - الخواطر - القصة

المشرفون: مجدي، امل محمد

فؤاد زاديكه
همس جديد
مشاركات: 23
اشترك في: 08-17-2005 05:54 PM
مكان: ألمانيا
اتصال:

رحيلُ الذكريات...

مشاركةبواسطة فؤاد زاديكه » 09-23-2005 07:37 PM

رحيل الذكريات...


لم ترحلْ عن ذاكرتي
هواجس الذكرى.
لم تخلد إلى راحة السكونْ
ولم تستلق على أريكة النعيم
بل هي استقرّتْ على جمر اللظى
واقتسمتْ أحزان الدهر
على جرعات متتالية
تختمرُ في معدة الزّمن
تعتصرُ هواجس الحلم
تقطرُ حاجة...
فراغاً...أملاً
لم ينبت له برعمٌ
لم ترتسمْ له صورةٌ
لم تُرقفْ له أرضٌ!

أملٌ توزّع على أقطار الدنيا
فكان نصيبي منه
الخيبةُ والضّياعُ واللهفةُ
حلمتُ ككلّ طير غادر عشّه...
حلمتُ ككلّ فراشة
تفارق زهرةً إلى حينْ.
حلمتُ ككلّ إشراقة شمس
تخترق أجواء المحيط
وهي تغادر حضن أمّها الشّمس!
حلمتُ ككلّ طفل
يحتضنُ إلى صدره
إحدى لعبه التي يهواها
وهو يرغب في ألا تفلت من بين يديه.
حلمتُ ككلّ همسة
تفتقد شقيقتها المضرّجة بجراح الحزن.
حلمتُ ككلّ إنسان
أضرمتِ الحيرةُ نار عبوسها
في سنابل رجائه،
فتأتي عليها رماداً تذروه الرياح،
وتعصفُ به فوق بطاح الخيبة!
حلمتُ كأيّ إنسان
يرغبُ في أن تكون له
أحلام ورديّة... بنفسجيّة... أرجوانيّة!
ولم أكن أحلمُ في أن
يتحوّل كلّ هذا إلى ذرّات تشتّتْ
وسرقتها منّي يدُ الخوف!
فتلعثمتْ على لساني
وتكسّرتْ على شفتيّ
تعلنُ عن استشهادها المحزن.

هذه هي ذكرياتي التي أخذ الأجدادُ
قسماً كبيراً منها معهم إلى قبورهم
وهم ينسجون حولها
حكايات أساهم وأساطير أحزانهم!

هذه هي ذكرياتي
التي لا يمكن فصلها
عن أية ذكريات أخرى!
فالأحلام مشتركةٌ
والأمالُ مشتركةٌ
والقبور كذلك مشتركةٌ!


هرستْ بقايا ماضيّ
وطحنتْ أوجاعَ بلدة
كُتب عليها الشقاء
وهي التي شاءتْ واستماتتْ من أجل البقاء!

آه يا بلدة حزني!!!
آه يا جمرةَ شوقي!!!
آه يا حسرة زمني!!!
كيف كنت؟ وإلى أين صرت؟

انحدرتْ بك مسالك الزمن العاتي
إلى أتون كوابيس لا نهاية لها!
وغدرتْ فيك أنيابُ رجس الشيطان
فتحكّمتْ في مصيرك سلاطينُ الكراهية
وعشعشتْ في حنايا صدرك
غربانُ الشؤم!


آه أيّتها البلدة الحزينةُ...
المعلّقةُ في فضاء الوجع...
قلقاً وتوجّساً وهواجسا!
كتمتْ أنفاسها...
جلدتْ كرامتها...
شنّعتْ جمالها...
مسختْ صورتها،
فيبس وأقفر وذبل ومات!


آه يا (آزخ)
يا بلدة الفرح المقيم
خارج أسوار الحقيقة
في داخل المجهول المسكون فيك!
يا جزيرة القمر
الذي كسف الغزاةُ عنه
جلال قدره ومزجوا تربته
بفحيح الأفاعي
وعواء الذئاب!
فماتتْ كلّ الذكريات...
وتلاشتْ كلّ الأحلام...
وتهاوتْ كلّ الأوسمة والنياشين...
وهدأتِ البراكينُ على حجم مأساة
سخر منها القدر
فآلتْ إلى صمت حزين
وإلى هواجس خوف مقيت.

لمْ يعدْ لنا فيها
من ذكرياتنا شيءٌ
أجل لم يعدْ...

فؤاد زاديكه
ألمانيا في 23/9/2005 م

العودة إلى “النثر (بالفصحى)”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 26 زائراً