صراخُ الوجع

النثر - الخواطر - القصة

المشرفون: مجدي، امل محمد

فؤاد زاديكه
همس جديد
مشاركات: 23
اشترك في: 08-17-2005 05:54 PM
مكان: ألمانيا
اتصال:

صراخُ الوجع

مشاركةبواسطة فؤاد زاديكه » 08-17-2005 09:54 PM

[color=orange]
صراخ الوجع

صرختْ (سعاد) في وجه زوجها (أحمد) قائلة: "أنت أحلتَ حياتي إلى جحيم لا يطاق فأنا مذ تزوجتك منذ إحدى عشرة سنة لم أهنأ معك يوماً واحداً... ولم تحاول أنْ تفهم ذلك بل استمرّ تجاهلك لمشاعري وأحاسيسي وتمرجلك على ضعفي واستغلال ذلك لتفرض عليّ هيبتك بالقوة لا بالاحترام والقناعة التي من المفترض أن تنبع من ذاتي، فيما أنت من داخلك إنسانٌ ضعيفٌ لا يقوى على مواجهة الحياة ومجابهة الواقع.

حاولتُ ومنذ الأيام الأولى لهذا الزواج أنْ أقنع نفسي بأن هذا الوضع يمكن أنْ يتغيّر وأنّ تعاليك وغرورك يمكن أنْ يتحوّلا ذات يوم إلى حبّ حقيقي تشعرني به واحترام ألقاه منك ولو على استحياء، بيد أني كنتُ أتوهّم فأنا لم ألمس أيّ تغيير إيجابي في سلوكك تجاهي يمكن أن يغيّر هذه القناعات التي تولّدت مع مرور الزّمن من خلال معاناة كبيرة لم أقو على حملها لوحدي فناءت بظهري وقصمت الكثير من الآمال الحلوة التي كنتُ أمنّي نفسي بها كغيري من الفتيات! وليس هذا فقط بل أنّ الوضع صار من سيء إلى أسوأ وفي اليوم الذي كنتُ ألملمُ فيه شجاعتي لأصارحك بما أعاني وبعدم مقدرتي على التحمّل أكثر ممّا تحمّلتُ لكي تستمرّ العلاقة بيننا على نحو أفضل كطموح أي زوجين سعيدين، كان تعنّتك وسلطان غرورك يأبيان المواجهة ويلزمان التهرّب ممّا يجعلني مهزوزة الثقة معتقلة الرأي مسلوبة القرارفأنحرف عن مسار رغبتي في الإفصاح كي لا أجعل الشرّخ الذي أصاب حياتنا يتّسع أكثر، علماً أنّ مثل هذا الشّرخ موجود بالأصل وهو يزداد - تلقائياً - اتساعاً وفزعاً... كنتَ متشبّثاً برأيك لا تقبل الحوار وتعتبر إبداء المرأة لرأيها من المحرّمات فتسعى سريعاً إلى قطع المجادلات والنقاشات وتأمرني بالكفّ عن ذلك وأنّ يتوجّب علي الخضوع والخضوع وحده ليس سواه.

إنّ هذه التراكمات من القهر اليومي وهذا الكمّ الهائل من الغبن الفظيع جعلني أفقد كلّ ثقة بنفسي وبمن حولي وبك أيضاً! وكانت هذه هي الخطوة الأولى للانتقال الخطير إلى المجهول الذي لا يعلم أحدٌ إلى أين سيقود.

لم تسألني يوماً ماذا تريدين؟ أو بماذا تفكرين؟ لم تشعرني في يوم من الأيام بحقيقة وجودي ككائن بشري يقف إلى جانبك على مسيرة درب مشترك... كنتَ دائماً تضعُ مشاعري على الرّف لأنها لا تهمّك أو أنّها ليستْ ذات اعتبار وتلقي بأحاسيسي ومشاعري واهتماماتي واحتياجاتي على قارعة الطريق لتدوسها الأقدار وتسحقها أنت بنعل إحمالك ولا مبالاتك المتكرّرة. دون أنْ تحاول في يوم من الأيام فهم أنّ لك شريكاً في حياتك وأنّ له عليك حقوق انسانية، يأتي من خلال التزام لك به.

كثيراً ما كنتُ أتحدّثُ عن معاناتي لوالدتي حين كانت تأتي إلى زيارتنا - دون رغبة منك في هذه الزيارة - لم تقلْ لي يوماً افعلي يا بنتي كذا أو كذا... أو هي لم تدلّني على مخرج من هذا التخبّط وإنما كانتْ تواسيني وتحاول زرع شئ من الصبر في نفسي وهي لم تكن تعلم أنني استنفدتُ كلّ صبر العالم، وما كان يتعبني أكثر قولها لي: "إنّها أزمة وستعدّي، وأن جميع النساء في مجتمعاتنا يعشن مثل هذا القهر والغبن، لكأنه أمر مكتوب علينا وقدر لا بدّ لنا منه" لماذا هو قدرٌ مكتوبٌ علينا؟ أقول بيني وبين نفسي. أليس مكتوبٌ عليهم أيضاً؟
هل تقبل أنْ تعاني أختك من مثل هذا الظلم في علاقتها مع زوجها؟ ثمّ لماذا تعاملني بكلّ هذا الإهمال وهذه اللامبالاة وأنت تزعمُ بأنك تحبّني؟ هل يفعل المحبّ بمحبوبه ما تفعله أنت بي؟

قالتْ له كلّ هذا وهي تذرف دموع القهر والانفجار الذي لم يعد يحتمل، وهي تقول في نفسها: "ليكن ما يكون فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السّلخ" إنّها دموعٌ غزيرةٌ تنجدر بخيبة أمل مريرة وقاصمة قتلتْ فيها كلّ أحلام الفتاة الشابّة والتي انتزعتْ من واقع إلى واقع آخرغدا كلّه جحيماً... بكتْ ... وبكتْ ... وبكتْ ولم ترد الكفّ عن البكاء لعلّه يكون المتنفّس الوحيد للقليل من تراكمات هذا الكمّ الهائل من تلك المأساة والمعاناة القاهرة.

رأى غزارة دموعها وأحسّ بمرارة خيبتها وتوجّع سني عمرها معه وبدل أن يتقدّم إليها ماسحاً خدّها بلمسة حنان أو يجفّف دموع لوعتها ليخرس لديها بعض هذا الهيجان ، بدل من أن يفعل هذا ويضمّها إلى صدره بحنوّ أبوي أو زوجيّ يشعرها بندم أو شعور بالذنب أحسّ به... رحل عنها بلا كلمة وداع واحدة ربّما شعر في أنّه لو قالها فقد يفقد بعض زهو رجولته ويتنازل عن جبروت عرشه المعتوه... خرج ولم يعدْ.

ألمانيا في 20/5/2005 م

--------------------------------------------------------------------------------
[/color]

العودة إلى “النثر (بالفصحى)”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 30 زائراً