من علماء النحو ..1-(سيبويه)
مرسل: 04-30-2003 06:17 PM
أولاً : نشاطه العلمي
<font face="Simplified Arabic" font size="4" color="#8800CC">
اشتهر بلقبه سيبويه ، و هو لقب أعجميّ يدلّ على أصله الفارسي ، و اسمه عمرو بن عثمان بن قنبر ، من موالي بني الحارث بن كعب .
وُلِدَ بقريةٍ من قرى شيراز تُسَمّى البيضاء ، و فيها أو في شيراز تلقّنَ دروسه الأولى ، و طمحت نفسه للاستزادة من الثقافة الدينية ، فقدم البصرة و هو لا يزال غلاماً ناشئاً ، و التحق بحلقات الفقهاء و المحدّثين ، و لزم حلقة حماد بن سلمة ابن دينار المحدث المشهور حينئذ ، و حدث أن لفته إلى أنه يلحن في نطقه ببعض الأحاديث النبوية ، فصمّم على التزوّد أكبر زاد بشئون اللغة و النحو ، و لزم حلقات النحويين و اللغويين و في مقدّمتهم عيسى بن عمر و الأخفش الكبير و يونس ابن حبيب ، و اختصّ بالخليل بن أحمد ، و أخذ منه كل ما عنده في الدراسات النحوية و الصرفية ، مستملياً و مدوّناً ، و اتبع في ذلك طريقتين : طريقة الاستملاء العادية ، و طريقة السؤال و الاستفسار ، مع كتابة كل إجابة و كل رأي يدلى به و كل شاهد يرويه عن العرب ، و بذلك احتفظ بكل نظراته النحوية و الصرفية .
و لم تذكر البادية أنه رحل إلى البادية في طلب اللغة و السماع عن العرب و مشافهتهم ، غير أن ما يتردّد في كتابه عن مثل قوله :"سمعنا بعض العرب تنشد هذا الشعر " و "سمعنا من العرب" و "هو كثير في جميع لغات العرب" و"عربيٌّ جيّد" و "قد سمعناهم" و "قال قومٌ من العرب ترضى عربيتهم " و "سمعنا من العرب من يوثق بعربيته" ...يدلّ -في رأينا- على أنه رحل إلى بوادي نجد و الحجاز مثل أستاذه الخليل .
و الكتاب يفيض بسيولٍ من أقوالِ العرب و أشعارهم ، لا يرويها عن شيوخه ، و هي بدوره تؤكد ، بل تحتم أنهه رحل إلى ينابيع اللغة و النحو يستمد منها مادة و عتاداً فصيحاً صحيحاً
و لما توفى الخليل خلّفه -على ما يظهر- في حلقته ، إذ نجد كتب طبقات النحاة تنصّ على طائفةٍ من تلاميذه مثل الأخفش الأوسط و قُطرُب.
و أكبّ على تصنيف الكتاب ، و سرعان ما أخذ نجمه يتألق لا في البصرة دار النحو فحسب ، بل أيضاً في بغداد ، و رحل إليها طامحاً إلى الشهرة في حاضرة الدولة .
و حدث أن التقى بالكسائي مقرئ الكوفة و مؤدب الأمين بن الرشيد ، و كان ذلك في دار يحيى البرمكي ، و قيل بل في دار الرشيد . و يقال إنه لقيه قبل الكسائي في دار يحيى البرمكي ، و قيل بل في دار الرشيد ، و يقال إنه لقيه قبل الكسائي بعض أصحابه : الأحمر و هشام و الفراء ليوهنوا منه . و لم يلبث صاحبهم أن تعرّض له بالسؤال في المسألة الزنبورية ، إذ قال له كيف تقول : "قد كنت أظن أن العقرب أشدُّ لسعةً من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟"
فقال سيبويه : فإذا هو هي ، و لا يجوز النصب . قال الكسائي :لحنتَ ، العرب ترفع ذلك كله و تنصبه . فدفع سيبويه قوله ، و طال بينهما الجدال ، و كان بالباب نفرٌ من الحطمة النازلين ببغداد ، ممن ليسوا في درجةٍ عاليةس من الفصاحة ، فطلب الكسائيّ سؤالهم ، و لما سُئلوا تابعوه في رأيه . فانكسر سيبويه كما يقول الرواة ، و إن كنّا نتهم قولهم لأن الحق كان في جانبه لما يقتضيه القياس في هذا الموضع ، و لأنه يطّرد الرفع فيه في آي الذكر الحكيم من مثل : ( و نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ) (فإنما هي زجرة واحدة) (فإذا هم خامدون) و كأنها هي و ما بعدها مبتدأ و خبر . أما النصب فيكون على الحالية و توجيهه ضعيف ، و كان سيبويه و نحاة البصرة يُهددرون ما يجري على لسان عرب الحطمة لما دخل على سلائقهم من ضعفٍ بسبب إقامتهم في الحاضرة ، بل لقد كانوا يهدرون ما جاء على ألسنة بعض البدو من لغاتٍ شاذة لا تجري مع القياس المستنبط من كثرة ما يدور على ألسنة الفصحاء كالجرّ بلعل و الجزم بلن . و لا بد أن سيبويه شرح ذلك في حواره و مناظرته مع الكسائي ، و إن كان الرواة للحادثة لم يدوّنوه . و يقال إن يحيى الربمكي أجازه بعشرة آلاف درهم .
و يظهر أنه لم تطب له الإقامة في بغداد فولى وجهه نحو موطنه ، غير أن الموت عاجله في شيراز ، و قيل في همذان أو ساوة ، و اختلف الرواة في تاريخ وفاته ، و الأرجح أنه توفى سنة 180 للهجرة .
يتبع...
<font face="Simplified Arabic" font size="4" color="#8800CC">
اشتهر بلقبه سيبويه ، و هو لقب أعجميّ يدلّ على أصله الفارسي ، و اسمه عمرو بن عثمان بن قنبر ، من موالي بني الحارث بن كعب .
وُلِدَ بقريةٍ من قرى شيراز تُسَمّى البيضاء ، و فيها أو في شيراز تلقّنَ دروسه الأولى ، و طمحت نفسه للاستزادة من الثقافة الدينية ، فقدم البصرة و هو لا يزال غلاماً ناشئاً ، و التحق بحلقات الفقهاء و المحدّثين ، و لزم حلقة حماد بن سلمة ابن دينار المحدث المشهور حينئذ ، و حدث أن لفته إلى أنه يلحن في نطقه ببعض الأحاديث النبوية ، فصمّم على التزوّد أكبر زاد بشئون اللغة و النحو ، و لزم حلقات النحويين و اللغويين و في مقدّمتهم عيسى بن عمر و الأخفش الكبير و يونس ابن حبيب ، و اختصّ بالخليل بن أحمد ، و أخذ منه كل ما عنده في الدراسات النحوية و الصرفية ، مستملياً و مدوّناً ، و اتبع في ذلك طريقتين : طريقة الاستملاء العادية ، و طريقة السؤال و الاستفسار ، مع كتابة كل إجابة و كل رأي يدلى به و كل شاهد يرويه عن العرب ، و بذلك احتفظ بكل نظراته النحوية و الصرفية .
و لم تذكر البادية أنه رحل إلى البادية في طلب اللغة و السماع عن العرب و مشافهتهم ، غير أن ما يتردّد في كتابه عن مثل قوله :"سمعنا بعض العرب تنشد هذا الشعر " و "سمعنا من العرب" و "هو كثير في جميع لغات العرب" و"عربيٌّ جيّد" و "قد سمعناهم" و "قال قومٌ من العرب ترضى عربيتهم " و "سمعنا من العرب من يوثق بعربيته" ...يدلّ -في رأينا- على أنه رحل إلى بوادي نجد و الحجاز مثل أستاذه الخليل .
و الكتاب يفيض بسيولٍ من أقوالِ العرب و أشعارهم ، لا يرويها عن شيوخه ، و هي بدوره تؤكد ، بل تحتم أنهه رحل إلى ينابيع اللغة و النحو يستمد منها مادة و عتاداً فصيحاً صحيحاً
و لما توفى الخليل خلّفه -على ما يظهر- في حلقته ، إذ نجد كتب طبقات النحاة تنصّ على طائفةٍ من تلاميذه مثل الأخفش الأوسط و قُطرُب.
و أكبّ على تصنيف الكتاب ، و سرعان ما أخذ نجمه يتألق لا في البصرة دار النحو فحسب ، بل أيضاً في بغداد ، و رحل إليها طامحاً إلى الشهرة في حاضرة الدولة .
و حدث أن التقى بالكسائي مقرئ الكوفة و مؤدب الأمين بن الرشيد ، و كان ذلك في دار يحيى البرمكي ، و قيل بل في دار الرشيد . و يقال إنه لقيه قبل الكسائي في دار يحيى البرمكي ، و قيل بل في دار الرشيد ، و يقال إنه لقيه قبل الكسائي بعض أصحابه : الأحمر و هشام و الفراء ليوهنوا منه . و لم يلبث صاحبهم أن تعرّض له بالسؤال في المسألة الزنبورية ، إذ قال له كيف تقول : "قد كنت أظن أن العقرب أشدُّ لسعةً من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟"
فقال سيبويه : فإذا هو هي ، و لا يجوز النصب . قال الكسائي :لحنتَ ، العرب ترفع ذلك كله و تنصبه . فدفع سيبويه قوله ، و طال بينهما الجدال ، و كان بالباب نفرٌ من الحطمة النازلين ببغداد ، ممن ليسوا في درجةٍ عاليةس من الفصاحة ، فطلب الكسائيّ سؤالهم ، و لما سُئلوا تابعوه في رأيه . فانكسر سيبويه كما يقول الرواة ، و إن كنّا نتهم قولهم لأن الحق كان في جانبه لما يقتضيه القياس في هذا الموضع ، و لأنه يطّرد الرفع فيه في آي الذكر الحكيم من مثل : ( و نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين ) (فإنما هي زجرة واحدة) (فإذا هم خامدون) و كأنها هي و ما بعدها مبتدأ و خبر . أما النصب فيكون على الحالية و توجيهه ضعيف ، و كان سيبويه و نحاة البصرة يُهددرون ما يجري على لسان عرب الحطمة لما دخل على سلائقهم من ضعفٍ بسبب إقامتهم في الحاضرة ، بل لقد كانوا يهدرون ما جاء على ألسنة بعض البدو من لغاتٍ شاذة لا تجري مع القياس المستنبط من كثرة ما يدور على ألسنة الفصحاء كالجرّ بلعل و الجزم بلن . و لا بد أن سيبويه شرح ذلك في حواره و مناظرته مع الكسائي ، و إن كان الرواة للحادثة لم يدوّنوه . و يقال إن يحيى الربمكي أجازه بعشرة آلاف درهم .
و يظهر أنه لم تطب له الإقامة في بغداد فولى وجهه نحو موطنه ، غير أن الموت عاجله في شيراز ، و قيل في همذان أو ساوة ، و اختلف الرواة في تاريخ وفاته ، و الأرجح أنه توفى سنة 180 للهجرة .
يتبع...