صفحة 1 من 1

أزمة الشعر المعاصر ..!!

مرسل: 07-13-2002 05:19 PM
بواسطة وريث الرمل
أحبتي هذه سلسلة مقالات كنت قد نشرتها في الزاوية الأسبوعية في صحيفة الرياض .. آمل أن تتم الاستفادة منها .. ولكم تقديري

منتدى الكتّاب> مقالات الفن والثقافة > ابراهيم أحمد الوافي

أزمة الشعر المعاصر ( 1ـ 3)

التاريخ: 1/13/2002 م

الشاعر (1)
(لماذا تجعلنا نتخانق مع الشعراء؟، فتاريخهم قديم والأدب العربي شعر في الأساس، فاجعلها ديوانين..!!)
كانت هذه العبارة نصاً هي ما قاله عميد الرواية العربية نجيب محفوظ لمحاوره في مجلة الهلال العدد التاسع 1996م.. حينما أشار بسؤاله إلى أن الرواية باتت ديوان العرب كبديلة للشعر..!
وهي تعكس بصورة واضحة ان الأزمة المفتعلة للشعر المعاصر كما يدعيها كثيرون هي أزمة موظفة مقصودة ويمكن تلخيصها في نقاط محددة لعل أولها وأهمها الشاعر المعاصر ذاته..
فمن المفترض ألا يغيب عن بالنا المسحة الرومانسية التي تطبع الكثير من شعرائنا المعاصرين، وبالتالي تدفعهم إلى الشعور بالاغتراب عن الواقع الذي يعيشون فيه، وكثيراً ما يعبرون عن هذا الشعور بالاغتراب بوصفه أزمة في التواصل بينهم وبين المجتمع، وهذه الحال علينا أن نتعامل معها كموضوع شعري وليس كأزمة شعر، وبالإضافة لهذا فإن عدداً من الشعراء لم يستوعبوا بعد التحولات الكبرى التي لحقت بالشعر ودوره الاجتماعي والسياسي في العصر الحديث فالشاعر الذي كان قديماً وزارة إعلام القبيلة وجد بوناً شاسعاً في العصر الحديث بين تصوراته المسبقة وبين واقع الحال فالشاعر الذي ما زال يحلم دائماً بدور المرشد والمخلص تفاجأ بعصر لا يرحب بالمرشدين أو المخلصين، والشاعر الذي ما زال يتوهم أنه سيغير العالم بالكلمات سيفجع بحقيقة أن العالم اليوم لا يتغير بالكلمات وحدها وكذلك الشاعر الذي يتخيل نفسه خطيباً على منبر تحتشد حوله الجماهير المتعطشة لتتلقف كل كلمة يتفوه بها سيشعر أن هناك أزمة ما.
وفي الحقيقة فإن الشاعر في العالم لم يعد مرشداً ولا زعيماً ولا خطيباً وإنما هو فرد من أفراد المجتمع يتميز عن غيره بطريقته الخاصة في رؤية الأشياء والتعامل معها وصياغتها فنياً وجمالياً وفي قدراته على التعبير عن أحاسيسه وانفعالاته واكتشاف المسارات العامة للوجود الإنساني واستشراف الآفاق المستقبلية وممارسة تأثيره على وجدان الناس من خلال العلاقة الحميمة والهادئة معهم والتي ربما صار مسرحها الحقيقي اليوم هو القراءة الفردية لا المهرجانات الحاشدة، وهذا المآل ليس أزمة في الشعر نفسه وإنما هو محصلة طبيعية لمجموعة واسعة من العوامل والشروط التي أملاها العالم المعاصر.
ولابد من الإشارة إلى الظاهرة التي تتمثل في الشاعر الذي يؤمن بأن مفهومه الخاص للشعر هو وحده المفهوم الصحيح وبأن طريقته في الكتابة هي الطريقة الأمثل والأكمل، لذلك فهو يعجز عن قبول النماذج الأخرى التي يكتبها الشعراء الآخرون ويرى فيها أزمة شعر وبالتالي يظل نموذجه هو النموذج الوحيد الناجي من الأزمة..!!



أزمة الشعر المعاصر ( 2ـ 3)
جمهور المتلقين

التاريخ: 2/3/2002 م

كنا قد تناولنا في الاسبوع الماضي أزمة الشعر المعاصر المفتعلة.. أو الرائجة وتطرقنا في الحديث عنها إلى أزمة الشاعر المعاصر ذاته.. والحقيقة ان هذا المبحث تحديداً من المباحث التي تعرض لها الشاعر والناقد السوري (نزار بريك) في كتابه الموسوم (صوت الجوهر).. واستكمالا للحديث عن الأزمة.. نتعرض اليوم لجانب آخر من الأزمة وأعني به جمهور المتلقين للقصيدة المعاصرة.. فإذا كان الشاعر بذاته شاهد حي على الأزمة فإن جمهور المتلقين للقصيدة المعاصرة ساهموا بدرجة كبيرة في خلق هذه الأزمة على مستويات عدة، لعل أولها وأهمها الظروف الاجتماعية العامة التي جعلت من المواطن انساناً يئن تحت وطأة المتطلبات المعيشية، وبالتالي لن يجد من وقته وطاقته ما يمكنه من التواصل مع الثقافة والابداع، لا سيما في ظل ارتفاع أثمان الكتب والمجلات، ناهيك عن اغراق المواطن ذاته بطوفان البرامج الترفيهية (المجانية) عبر وسائل الإعلام المختلفة وأهمها اطلاقاً القنوات الفضائية مما يزيد من ابتعاده عن قراءة الشعر أو عن القراءة بشكل عام.
وثاني هذه المستويات الدور السلبي الذي تلعبه الكتابات الرديئة التي تضج بها ساحات الشعر ومنابره، وتبعث بالتالي النفور في نفوس القراء، فالقارئ العادي ليس لديه الوقت أو القدرة للتنقيب في سيل الكتابات الشعرية للبحث عن القصيدة الأجمل من بينها، وتظل هذه مسؤولية المشرفين على المنابر الثقافية للتمييز بين النصوص من جهة ومسؤولية القائمين على الحركة النقدية التي من واجبها تسليط الضوء على الاعمال المتميزة من جهة ثانية..
وثالث هذه المستويات وأبرزها العلاقة العامة بين الشعر والجمهور تلك التي تتعلق بعملية تلقي النص الشعري، فالواقع ان كثيراً من القراء لا يجيدون الفعل الايجابي للقراءة الابداعية.. إذ يقول الشاعر نزار بريك في هذا الصدد:
(إن السبب في هذا يعود بشكل رئيس إلى المؤسسات التعليمية والثقافية التي لا تقوم بدورها الحقيقي في تنمية ذائقة التلقي الفني والتدريب على القراءة المتفاعلة مع النص الشعري.. ـ صوت الجوهر ص 18).
والحقيقة ان مناهجنا الدراسية ولا سيما هنا في المملكة وقفت عند ما قبل قرن من الزمان فيما يتعلق بالشعر الحديث، وبالتالي يظل النص الشعري الخارج عن البحور التقليدية للخليل بن أحمد نصا مجهولا لدى الطالب المتخرج من المرحلة الثانوية..!!
هذا فيما يتعلق بالجانب الثاني من جوانب أزمة الشعر المعاصر.. مع اعترافي الكبير بأن ما أشير اليه هنا هو اضاءات وامضة حول هذا الأمر، مع يقيني ان الموضوع يحتاج إلى الكثير من الاسهاب.. وبالتالي يستكمل الحديث عن الضلع الثالث من أضلاع الأزمة وأعني به النقاد في الاسبوع القادم باذن الله.




أزمة الشعر المعاصر 3ـ 3النقاد

التاريخ: 2/10/2002 م

كنا قد تناولنا في الأسبوعين الماضيين أزمة الشعر المعاصر.. من ركنيين فاعلين في المشهد الشعري ذاته.. وأعني بهما الشاعر وجمهور المتلقين واليوم نستكمل الحديث في هذا المبحث عن الركن الثالث من أركان الأزمة وأعني به (النقاد)..
فالواضح ان كثرة ما ينتج من شعر هذه الأيام الى درجة تتطلب من الناقد جهداً كبيراً لمتابعته من أهم مظاهر أزمة الشعر المعاصر لاسيما متى ما اعترفنا بأن الإنتاج الرديء يطغى بشكل كبير على الشعر الحقيقي، وحينها فقط سندرك صعوبة عمل الناقد غير المتأني الذي يضطر غالباً الى الاكتفاء بما يتحصّل عليه من قصائد لشعراء عن طريق إهداءات أو ما شاكل ذلك مما يقع بين يديه مصادفة، ومما يؤسف له أننا نادرا ما نجد بين نقادنا من يسعى بنفسه الى متابعة الإنتاج الشعري الحديث متابعة جادة خالصة لوجه الشعر..!
وبالنظر إلى الساحة النقدية سنلحظ بوضوح قلة في عدد المتخصصين في نقد الشعر الحديث وفق منهج أو رؤية نقدية علمية واضحة ومحددة، فنقادنا يمكن تصنيفهم الى مجموعتين:
الأولى تضم الأساتذة الجامعيين الذين وقع بعضهم في (نقص) المرونة الكافية والإطلالة الحقيقية على المشهد الشعري الراهن كما أن البعض منهم غالباً ما يعتبرون ممارستهم النقدية عملاً ثانوياً لا يطمحون من خلاله الى اكثر من نشر مقال، أو اصدار كتاب يعززون به وضعهم الأكاديمي (كما يرى ذلك الشاعر نزار بريك في كتابه صوت الجوهر).
أما المجموعة الثانية فتضم النقاد الذين يمكن تسميتهم بالهواة، وهؤلاء وإن كانوا أكثر متابعة للحياة الشعرية من الأكاديميين واسلم ذوقاً منهم إلا أنهم غالباً ما تعوزهم الأدوات النقدية والرؤيا المنهجية فتأتي نقودهم على الأغلب قاصرة عن استنتاج الرؤى العامة للأفق الشعري..!
ولابد أيضاً الى الإشارة لعقدة الرواد التي تخيم على أذهان كثير من النقاد، ناهيك عن خصوصية أشعار العقدين الأخيرين التي تعد أرضاً بكراً للدراسات النقدية ويحتاج هذا الشعر الى ناقد جاد وصبور يتمتع ببصيرة نفاذة وذوق جمالي عال..
يقول الشاعر نزار بريك حول هذا: (يستنكف النقاد المحدثون عن الخوض في غمار شعر العقدين الأخيرين عادة ويميلون الى استجرار ما قيل في حقل شعر الرواد الذي أصبح ممهداً بالدراسات الكثيرة التي تناولته..) (صوت الجوهر ص19).
وبهذه الأركان الثلاثة.. (الشاعر/ المتلقي/ الناقد) تتكشف لنا جوانب مهمة حول أزمة الشعر المعاصر المفتعلة أو الرائجة.. أو حتى الحاصلة فعلا.



للجميع تقديري