مرسل: 12-15-2001 12:15 AM
دنت الشمس من المغيب أو كادت في ذلك اليوم لتصبغ كل شئ بذلك اللون الأحمر الدامي المميز للحظة مقتل الشمس في نهاية النهار ، وألقى اللون الأحمر بردائه على تلك القرية الصغيرة الرائعة الجمال التي إحتفظت بطبيعتها البكر بعيدا عن أيدي المدنية العابثة ، وكان هذا سببا لأن تبقى فقيرة من الناحية الخدمية حيث لم تكن تملك أدنى مقومات الحياة العصرية ، وهاهي ذي قد بدأت تتهيأ لتغفو في أحضان ليلها الأسود مستمعة الى الهمسات الساحرة التي بدأت تلك النجوم تناغي بها أوتار المساء ....
وكان لون الغروب قد أضفى كذلك لونا مهيبا على ذلك البيت الحجري المنزوي بعيدا عن بقية البيوت والقابع في أحضان ذلك الجبل العملاق الذي ينتصب في الطرف الشرقي من القرية و نتيجة لهذه التأثيرات الطبيعية برز ذلك البيت لمن يراه من بعيد وكأنه صخرة مشتعلة مكعبه الشكل خرجت من بطن هذا الجبل . نقيق الضفادع يتعالى شيئا فشيئا من البئر القريب مبددا سكون هذه اللوحة التي لا تستطيع عبقرية مثل عبقرية ليوناردو دافنشي صاحب الموناليزا أو فان جوخ بألوانه الخريفية صنع لوحة مثلها ، وفي داخل ذلك البيت البعيد عجوز نحيلة الجسد تقادم بها العمر ويبدو عليها المرض تقلب شئ في قدر تآكلت أطرافه من الصدأ واسود قعره من لهيب النار وكان البيت يخلو من أي شئ ماعدا الحجارة التي تكون جدرانه وقطعة من الحصير الملقاة في إهمال بناحية من نواحي المنزل الصغير ومكنسة من القش لتكتمل الصورة البائسة في ذلك البيت الحجري حين تناهى الى سمعها أصوات سعال مختلطة بأصوات بضع معزات وشياه آتية من الخارج فعرفت أن زوجها الكهل قد عاد من المراعي بما يملكون من حطام هذه الدنيا ، فقامت بتثاقل منهك يشي بصحة متعبة لتستقبله على باب المنزل الذي تآكلت ضلفتاه ، وحين دخل الى المنزل قال لها والبشر المخلوط بالتعب والإنهاك على وجهه المتغضن يرسم لوحة متناقضة : ابشري يا أم محمد – تنهدت العجوز بحسرة وسرحت بخيالاتها لتتذكر ابنهم الوحيد محمد الذي لم يقدر الله له العيش طويلا ليساعدهم ويحمل معهم بعض أعباء هذه الحياة ويصبح مثل عبدالعزيز ولد جارهم أبو عبدالعزيز الذي أصبح طبيبا في المدينة البعيدة – وأفاقت من شرودها على صوت زوجها الكهل وهو يواصل حديثه قائلا : لقد قابلت شيخ القرية أبو مساعد هذا الصباح وأنا خارج الى المراعي وأخبرني أن جميع مشاكل أهل القرية في طريقها إلى الحل ومن ضمنها مشاكلنا ، وأن متطلبات أهل القرية ومطالبنا ستحقق وسنحصل على علاج السعال الذي يقض مضجعي وينهك صدري في الليل وعلى الدهان الذي تستخدمينه للرماتيز – يقصد الروماتيزم - ....
فقالت العجوز وهي تناوله بعضا من الحساء الذي كانت تطهوه في القدر : وكيف ذلك؟ ....
قال وهو يرشف قليلا من الحساء وبضع قطرات منه تتناثر وتبلل شعر لحيته البيضاء الكثيفة : أن جلالته أطال الله لنا في عمره سيقوم بزيارة تفقدية للمنطقة وسوف يمر على قريتنا بمناسبة مرور خمسين عام على توليه كرسي الحكم حفظه الله ....
فتنهدت العجوز وقالت : وهل ستحقق زيارته شيئا ونحن نطالب منذ زمن طويل بالكثير ولم يتحقق حتى أقل القليل منه . بل لم يتحقق شئ إطلاقا ؟ ....
قال الكهل في حماس : بالتأكيد ، فإن جلالته لابد مغير مانحن به عندما يقف بنفسه على الحال ويرى أوضاعنا بأم عينه ....
فقالت العجوز وعلى شفتيها شبح إبتسامة ساخرة : ((لو كان شمس كانت أمس)) ....
فقال الكهل محتدا : هو ما أقول لك ، إن جلالته سيزور قريتنا وستتحسن أحوالنا ، وسترين ذلك ....
فقالت العجوز : حسنا حسنا لاتغضب . هو ماتقول ولكن كيف ستقابل جلالته وكيف ستقوم بإيصال طلباتنا وإحتياجاتنا لجلالته؟ ....
فقال : لقد أخبرني أبو مساعد أن نقوم بكتابة طلباتنا لنقدمها لجلالته حينما يأتي الينا ، وسأذهب غدا إلى حسن ولد أم حسن ليكتب لنا أسماء الأدوية التي نحتاجها ....
فتنهدت العجوز بعدم إقتناع وقالت وهي ترمقه شزرا : على خيرة الله ....
ثم حملا جسديهما المنهكين ليفترشا حصيرة على أرضية المنزل الصلبة ويتوسدا حشية من ليف ....
وفي صباح اليوم التالي لم يكن للقرية حديث سوى زيارة جلالته ومقدار سعادتهم بهذه الزيارة وأصبح الجميع مشغولين في تزيين القرية بما يملكون من إمكانيات بسيطة وفي تجهيز طلباتهم وكتابة معاريضهم التي سيقدمونها لجلالته ، فبدءا من أدوية سعال والتهاب عظام الى أدوية مغص مرورا بثور طلبه البعض الى حراثة حديثة طلبها البعض الآخر للمساعدة في زراعة أراضيهم نهاية بطلب قرض زراعي لحفر بئر أو بناء بيت حديث وذلك إنتظارا لليوم الموعود وانتظارا لإشراقة طلة جلالته البهية ....
وفي اليوم الموعود حمل أبو محمد الورقة التي تحمل طلبه البسيط وخرج الى المكان الذي جهزه أهل القرية لإستقبال جلالته ووجد أهل القرية كلا يحمل ورقته في يده ويمني نفسه بتحقيق طلبه البسيط بقدر بساطة نفسه وبراءة سجيته الريفيه ، وطفق الجميع ينتظرون أبو مساعد شيخ القرية الذي سيأتي في صحبة محافظ المنطقة مع الموكب الرسمي لجلالته وانتظروا على الطريق الذي يمر غير بعيد من القرية وهم يؤدون الرقصات الشعبية ويطلقون الأعيرة النارية إلى أن قاربت الشمس على المغيب ليأتي أبو مساعد وحيدا ويخبرهم في أسى أن المحافظ أخبره ان جلالته قد غير قراره وقرر أن يستقل الطائرة للذهاب الى المنتجع الخاص به في تلك المنطقة بدلا من السيارة التي يمر طريقها من هنا وذلك لإحساس جلالته ببعض الإرهاق من سهرة البارحة
فترك أبو محمد الورقة التي كان يحملها تسقط من يده لتحملها الرياح بعيدا في مشهد لم يبدعه مخرج سينمائي يعبر عن مقدار الأسى الذي يجيش بنفس أولئك البسطاء وعلى رأسهم أبو محمد الذي نكس عائدا الى بيته الحجري وهو يتمتم بصوت غير مسموع دون كلل (( لو كان شمس كانت أمس .. لو كان شمس كانت أمس .. )) ....
وفي مكان آخر بعيد عن مكان قصتنا كان المذيع في نشرة أخبار التاسعه ليلا يذيع هذا الخبر التالي نصه((وقد قام "جلالته" بزيارة القرى واستقبل "جلالته" المواطنين من أهلها الذين فرحوا بزيارة "جلالته" وأقاموا الإحتفالات الكبيرة تعبيرا عن سعادتهم بمقدم "جلالته" وتسابقوا لمصافحة "جلالته" وتقبيل منكبي "جلالته" معبرين عن مشاعر الولاء والحب لـ "جلالته" ، وقد حرص "جلالته" على السلام عليهم واحدا واحدا والإستماع الى شكاويهم والوقوف على احتياجاتهم وتحقيقها بنفسه ، حفظ الله "جلالته" في حله وترحاله )) ....
وكان لون الغروب قد أضفى كذلك لونا مهيبا على ذلك البيت الحجري المنزوي بعيدا عن بقية البيوت والقابع في أحضان ذلك الجبل العملاق الذي ينتصب في الطرف الشرقي من القرية و نتيجة لهذه التأثيرات الطبيعية برز ذلك البيت لمن يراه من بعيد وكأنه صخرة مشتعلة مكعبه الشكل خرجت من بطن هذا الجبل . نقيق الضفادع يتعالى شيئا فشيئا من البئر القريب مبددا سكون هذه اللوحة التي لا تستطيع عبقرية مثل عبقرية ليوناردو دافنشي صاحب الموناليزا أو فان جوخ بألوانه الخريفية صنع لوحة مثلها ، وفي داخل ذلك البيت البعيد عجوز نحيلة الجسد تقادم بها العمر ويبدو عليها المرض تقلب شئ في قدر تآكلت أطرافه من الصدأ واسود قعره من لهيب النار وكان البيت يخلو من أي شئ ماعدا الحجارة التي تكون جدرانه وقطعة من الحصير الملقاة في إهمال بناحية من نواحي المنزل الصغير ومكنسة من القش لتكتمل الصورة البائسة في ذلك البيت الحجري حين تناهى الى سمعها أصوات سعال مختلطة بأصوات بضع معزات وشياه آتية من الخارج فعرفت أن زوجها الكهل قد عاد من المراعي بما يملكون من حطام هذه الدنيا ، فقامت بتثاقل منهك يشي بصحة متعبة لتستقبله على باب المنزل الذي تآكلت ضلفتاه ، وحين دخل الى المنزل قال لها والبشر المخلوط بالتعب والإنهاك على وجهه المتغضن يرسم لوحة متناقضة : ابشري يا أم محمد – تنهدت العجوز بحسرة وسرحت بخيالاتها لتتذكر ابنهم الوحيد محمد الذي لم يقدر الله له العيش طويلا ليساعدهم ويحمل معهم بعض أعباء هذه الحياة ويصبح مثل عبدالعزيز ولد جارهم أبو عبدالعزيز الذي أصبح طبيبا في المدينة البعيدة – وأفاقت من شرودها على صوت زوجها الكهل وهو يواصل حديثه قائلا : لقد قابلت شيخ القرية أبو مساعد هذا الصباح وأنا خارج الى المراعي وأخبرني أن جميع مشاكل أهل القرية في طريقها إلى الحل ومن ضمنها مشاكلنا ، وأن متطلبات أهل القرية ومطالبنا ستحقق وسنحصل على علاج السعال الذي يقض مضجعي وينهك صدري في الليل وعلى الدهان الذي تستخدمينه للرماتيز – يقصد الروماتيزم - ....
فقالت العجوز وهي تناوله بعضا من الحساء الذي كانت تطهوه في القدر : وكيف ذلك؟ ....
قال وهو يرشف قليلا من الحساء وبضع قطرات منه تتناثر وتبلل شعر لحيته البيضاء الكثيفة : أن جلالته أطال الله لنا في عمره سيقوم بزيارة تفقدية للمنطقة وسوف يمر على قريتنا بمناسبة مرور خمسين عام على توليه كرسي الحكم حفظه الله ....
فتنهدت العجوز وقالت : وهل ستحقق زيارته شيئا ونحن نطالب منذ زمن طويل بالكثير ولم يتحقق حتى أقل القليل منه . بل لم يتحقق شئ إطلاقا ؟ ....
قال الكهل في حماس : بالتأكيد ، فإن جلالته لابد مغير مانحن به عندما يقف بنفسه على الحال ويرى أوضاعنا بأم عينه ....
فقالت العجوز وعلى شفتيها شبح إبتسامة ساخرة : ((لو كان شمس كانت أمس)) ....
فقال الكهل محتدا : هو ما أقول لك ، إن جلالته سيزور قريتنا وستتحسن أحوالنا ، وسترين ذلك ....
فقالت العجوز : حسنا حسنا لاتغضب . هو ماتقول ولكن كيف ستقابل جلالته وكيف ستقوم بإيصال طلباتنا وإحتياجاتنا لجلالته؟ ....
فقال : لقد أخبرني أبو مساعد أن نقوم بكتابة طلباتنا لنقدمها لجلالته حينما يأتي الينا ، وسأذهب غدا إلى حسن ولد أم حسن ليكتب لنا أسماء الأدوية التي نحتاجها ....
فتنهدت العجوز بعدم إقتناع وقالت وهي ترمقه شزرا : على خيرة الله ....
ثم حملا جسديهما المنهكين ليفترشا حصيرة على أرضية المنزل الصلبة ويتوسدا حشية من ليف ....
وفي صباح اليوم التالي لم يكن للقرية حديث سوى زيارة جلالته ومقدار سعادتهم بهذه الزيارة وأصبح الجميع مشغولين في تزيين القرية بما يملكون من إمكانيات بسيطة وفي تجهيز طلباتهم وكتابة معاريضهم التي سيقدمونها لجلالته ، فبدءا من أدوية سعال والتهاب عظام الى أدوية مغص مرورا بثور طلبه البعض الى حراثة حديثة طلبها البعض الآخر للمساعدة في زراعة أراضيهم نهاية بطلب قرض زراعي لحفر بئر أو بناء بيت حديث وذلك إنتظارا لليوم الموعود وانتظارا لإشراقة طلة جلالته البهية ....
وفي اليوم الموعود حمل أبو محمد الورقة التي تحمل طلبه البسيط وخرج الى المكان الذي جهزه أهل القرية لإستقبال جلالته ووجد أهل القرية كلا يحمل ورقته في يده ويمني نفسه بتحقيق طلبه البسيط بقدر بساطة نفسه وبراءة سجيته الريفيه ، وطفق الجميع ينتظرون أبو مساعد شيخ القرية الذي سيأتي في صحبة محافظ المنطقة مع الموكب الرسمي لجلالته وانتظروا على الطريق الذي يمر غير بعيد من القرية وهم يؤدون الرقصات الشعبية ويطلقون الأعيرة النارية إلى أن قاربت الشمس على المغيب ليأتي أبو مساعد وحيدا ويخبرهم في أسى أن المحافظ أخبره ان جلالته قد غير قراره وقرر أن يستقل الطائرة للذهاب الى المنتجع الخاص به في تلك المنطقة بدلا من السيارة التي يمر طريقها من هنا وذلك لإحساس جلالته ببعض الإرهاق من سهرة البارحة
فترك أبو محمد الورقة التي كان يحملها تسقط من يده لتحملها الرياح بعيدا في مشهد لم يبدعه مخرج سينمائي يعبر عن مقدار الأسى الذي يجيش بنفس أولئك البسطاء وعلى رأسهم أبو محمد الذي نكس عائدا الى بيته الحجري وهو يتمتم بصوت غير مسموع دون كلل (( لو كان شمس كانت أمس .. لو كان شمس كانت أمس .. )) ....
وفي مكان آخر بعيد عن مكان قصتنا كان المذيع في نشرة أخبار التاسعه ليلا يذيع هذا الخبر التالي نصه((وقد قام "جلالته" بزيارة القرى واستقبل "جلالته" المواطنين من أهلها الذين فرحوا بزيارة "جلالته" وأقاموا الإحتفالات الكبيرة تعبيرا عن سعادتهم بمقدم "جلالته" وتسابقوا لمصافحة "جلالته" وتقبيل منكبي "جلالته" معبرين عن مشاعر الولاء والحب لـ "جلالته" ، وقد حرص "جلالته" على السلام عليهم واحدا واحدا والإستماع الى شكاويهم والوقوف على احتياجاتهم وتحقيقها بنفسه ، حفظ الله "جلالته" في حله وترحاله )) ....