لبنان إن حكى
يوم سقطت تيرون
كانت حصون فخر الدين الثاني ، المزروعة من أنطاكية إلى سيناء ن قد سقطت الواحد تلو الاخر
إلا تيرون.
وكان فخر الدين بنفسه يقاوم في القلعة الشاهقة.
وفجٍأة دخل عليه القائد سمعان.
ـ نفذت الذخيرة
ـ في العنبر السابع حجر محفور عليه خطان متوازيان. انزعوه. إن وراءه مخبأ أسلحة.
وقفل القائد راجعا، فأكمل فخر الدين الثاني الحديث وكأنه يناجي نفسه:
ـ وفي القلعة مثله ثمانية عشر
"يمكنني أن أقاوم أشهرا في تيرون، القلعة الأثيرة، قلعتي أنا .بنيتها متحسبا لكل شيء".
وفيما كان يسمع تبادل النار، إذا بانفجار يهتز له المكان ٍ، فيقهقه فخر الدين:
ـ إنه من ذخيرة المخبأ
ويسكت صوت البارود .
ـ ينبغي أن يكون الانفجار فعل فعله . إنها زحلة أرض أتت على العثمانيين .
ولكن فخر الدين يعرف أنها هدنة ليس إلا. فالعثمانيون لن يكفوا.سيعيدون الكرة بقوات اجد وٍأشد . ها هو يستجمع الذاكرة يسترجع اٍلأيام :
إنه لطفل يعيش في كسروان عند بني الخازن. يكبر فيخبرونه أن العثمانيين قتلوا جده، وأبوه مات قهرا، والدروز ذبحوا ذبحا في عين صوفر ٍ.وبرغم ذلك قدر أن يقتطع لنفسه أمارة صغيرة. وشرع في تكبيرها. ولكن قبل أوان.إنه ليقلق الآستانة وهو لما يشتد ساعدا، فتهدده الآستانة ، فيضطر إلى ركوب البحر، إلى الانكفاء
ها هو الآن في فلورنسا، عاصمة العالم ، عند صديقه غرندوق توسكانة، ينزل قصرا جميلا
إنه لا ينسى زيارة بعينها من زيارات صديقه له ، وخصوصا حديثا بعينه دار بينهما في ذلك القصر اختتمه الغرندوق بقوله:
ـ أنت من طبقة الملوك الكبار يا فخر الدين الثاني
كان الأمير اللبناني قد فاجأ ضيفه بالقول:
ـ هذه المرة أتممت خططي : سٍأرجع إلى لبنان ، سأسترد مملكتي
ـ ولكن . . .
ـ لا " ولكن" يا عزيزي الغرندوق، كل ما أطلب سفينة تقلني إلى شواطئ بلادي . الجبل على نار.
" لن تطٍأ قدمي أرض لبنان إلا وتسري القشعريرة من قمة ٍإلى سيف بحر ، ويكون تحت إمرتي ألوف الخيالة"
ـ وسلطان اسطنبول، تراه سيسكت ؟
ـ مراد الرابع، سيكون أعجز من أن يعاديني صراحة. سيراوغ. سيغدق علي الألقاب. قد يعترف لي بسلطنة تشمل كيليكية ومصر ، شرط أن لا أزعجه. ولكنه سرا سيعمل لقتلي . إلا ٍأن شعبه سيرغمه في النهاية على محاربتي .
ـ مغامرة إذن ذهابك ، يا فخر الدين، وإن لم تضمن روح تركية في جانبك فعبثا تمني النفس
ـ لا ليست تركية الدولة الولد لتتركني أقوى. ولكنني على كل حمال يجب أن أغامر. قد أتغلب على اسطنبول . قد احتلها . كمل هذا متوقف على بطانة مراد الرابع
ـ إن كان هؤلاء أشداء طموحين وأرسلوا إليك العدد العديد.؟ .. .
ـ ولهذا أيضا اتخذت الحيطة. أكثر ما يقدر عليه العثمانيون أن يقتلوني . ولكنني أكون قد عملت للبنان شيئين يبقيان، فيبقيان على لبنان إلى اٍلأبد. أكون قد جعلت هذا الجبل يرتعش رعشة بطولة. هو،منذ عشرات السنين قابع لا ينفجر بحدوده.سأطلقه من عقاله.سأبعث النار في عروق فتيانه. وإلى ٍأن أنكسر ويثوب العثمانيون من الوهلة، أكون قد جعلت للبنان المعاصر سجل بطولات العنفوان أنه وحده منجم البقاء
ـ والشيء الثاني الذي تعده، يا عزيزي اٍلأمير؟
ـ الشيء الثاني تعلمته عندكم توسكانة . أمثولة فلورنسا فلورنسا العظيمة، لن تبرح ذهن، فلورنسا لا تموت. وقد لا تموت أوروبة لأنها أطلعت بضع مدن منن مثل فلورنسا، عاصمتي، عاصمتي بيروت الحسناء، ستكون غمدا أجمل من فلورنسا. عذرا ، يا عزيزي الغرندوق. سأجعلهم يقولون: " في العالم ثلاث مدن: أثينة وفلورنسا وبيروت . لن أبقي عندك على مهندس معمار ، لن أبقي على مصور، لن أبقي على رخامة في مناجم كرارة. كل ذلك سأجذبه الى لبنان.وفيما أنا أشغل العثمانيين بالمعارك سيكون افذاذ العالم يخططون مع اللبنانيين ، وبنون ويصورون، وينقشون الصخر ، لتنهض بيروت في الجو آية عمران وفن .
" أواه ، يا عزيزي الغرندوق لو تعرف بيروت. أنها أجمل موقع على المتوسط : حرسها جبل مكلل أبدا بالثلج ، أما البحر فيمتد على جانبيها إلى جونية وصيدا في أروع سيف تلألأ على شاطئ
هذه المدينة إن أقمت فيها القصور والملاعب ودور العلم والتمثل، وحفزت أهلها على بناء معابدها بالرخام . ونقلت إليها من الجبال حدائق وغابات صنوبر، إن جعلتها المدينة الأولى في العالم : مطارق البنائين تسمع فها من آخر اٍلأرض ، وعلية القوم تقصدها تستمتع بالشعر وبأشياء الجمال وبعمارات الرخام المخرمة ، عندئذ قل لي ألا يغدو لبنان ضمير العالم؟ وهل يعود ضمير العالم ليرضى بأن يلونه المدفع العثماني ؟ أنت نفسك، يا عزيزي الغرندوق لتجيش الجيوش ، إن داهم الخطر، وتطير إلى حماية مدينة تنافس فلورنسا.
فيقول الغرندوق مازحا:
ـ أواثق، يا فخر الدين ،بأنني في دخيلتي لن أغار فأرتاح للدمار يأتي على مدينة تضارع مدينتي؟
ـ لا ، يقول فخر الدين ، لن تمر الصغارة ببال حفيد المدسيس: أنت وآباؤك عملتم للجمال أكثر من اليونان. يستحيل ان يخون المدسيس الجمال
يقطب الغرندوق حاجبيه ، ويخنق ابتسامة اعجاب بفخر الدين ، بينما تطفر من عينه دمعة حلوة. ثم يسأل صديقه:
ـ لكن هل يكون في مقدورك أن تقوم بهذه النهضة من عمران ونحت وأدب؟ إن ذلك أكثر من استيراد . أو بلادك أهل لأن يشتل في ترابها هذا الشتل السريع العطب؟
كان فخر الدين قد وصل من خيط تذكاراته إلى هذا الحد عندما سمع جلبة في الحصن
ودخل القائد سمعان
ـ ماذا هل شاهد منظارك عودة العثمانيين ؟
ـ أهول من ذلك يا مولاي: اهتدوا الى النبع الذي يغذي القلعة وضعوا السم في الماء
ـ لا عليك ، لا عليك جأر فخر الدين مر الجنود بالخروج سنقاتل في العراء سنشرب من ينابيع لبنان البلورية
وفيما هما على هذا وصل ساع من بيروت وفورا ادخلوه على الأمير فٍإذا به يحمل منشورا كانت القيادة العثمانية توزعه سرا على جنودها
تناوله فخر الدين وراح يقرأ حتى إذا وصلت عيناه إلى سطر بالذات أخذت لحيته ترتجف: " إياكم ، تقول القيادة التركية، أن تبقوا عمران في مدينة ولن تكون بيروت اجمل من اسطنبول
واستوضح اٍلأمير لهيفا
ـ هل شرعوا في الهدم ؟
فقال الساعي :
ـ لم يبقوا على عمود ولا على حجر رخام
عندئذ تحجرت عينا فخر الدين . وحدق القائد سمعان إليهما مستطلعا ليرى مثل بوسفور يستقبل جثة ورأسا مقطوعا
سعيد عقل
مع اطيب التمنيات
ريناف
لبنان ان حكى
المشرف: مجدي
لبنان ان حكى
آخر تعديل بواسطة reinafh في 07-01-2002 09:19 PM، تم التعديل مرة واحدة.
العودة إلى “المقالات والشعر العامِّي”
الموجودون الآن
المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 26 زائراً