دراسات في أدب الكسرة .. الجزء الثاني

حوارات - مواضيع - شعرعامِّي

المشرف: مجدي

وريث الرمل
بوح دائم
مشاركات: 212
اشترك في: 08-26-2001 06:53 AM
اتصال:

دراسات في أدب الكسرة .. الجزء الثاني

مشاركةبواسطة وريث الرمل » 05-28-2002 02:21 PM

الجزء الثاني :

ينبعية الكسرة .. شاهد حي على أصالتها !!

التجديد في الكسرة ..واقع ومحاكاة


-----------------




مازال يراودني هاجسٌ كبير حول القصيدة المحكية ( أو كما يحلو للبعض تسميتها خطأً بالقصيدة الشعبية ) فحواه تلك العلاقة الوثيقة بينها وبين المجتمع ، ولا سيما وهي لغته الدارجة .. وفي كل مرة يسكنني يقينٌ تام بأن البحث في السياق العام للقصيدة المحكية إنما يكون بحثًا اجتماعيًّا .. وبالتالي تتأثر القصيدة ( كشحنة فنية ) بمتغيرات المجتمع ومؤثراته .. وما التطور في ( الشكل والمضمون على اصطلاح نقادنا القدماء ) الذي تشهده القصيدة المحكية إلاَّ انعكاس لتغير المجتمع وتطوره مما جعلنا نصف شعر اليوم المحكي ( بشعر المثقفين ) والكسرة كجزئية تنتمي لهذا الشعر من حيث كونها ( شعرًا محكيًّا ) وتستقل عنه بقالبها الجاهز وبإيقاعها الموحَّد على مر العصور تتأثر تأثرًا ( تكونيًّا ) بمتغيرات المجتمع وثقافته داخل إطار ملامحها الخاصة ..
..فالكسرة كنص ذي إيقاعٌ ثابت .. ورباعية موحَّدة .. يواجه دائمًا اشكالية التجديد الشكلي (على اصطلاح نقادنا القدماء ) إذ أنَّ أي خروج على ملامحها الأساسية ومحاولة التطوير فيها يفقدها هويتها ( ككسرة ) .. ولايمكن بأي حالٍ من الأحوال مقارنتها على الإطلاق في هذا الجانب بالشعر المحكي الآخر .. الذي يظل شعرًا قابلاً للتطوير في جوانبه المختلفة بما فيها الإيقاع ..

وهذا مادفع البعض لاتهام (الكسرة ) بالجمود والتقوقع واستحالة التجديد فيها من جهة . ومحاولة نفي أصالتها الينبعية من جهةٍ أخرى .. وعليه جاءت هذه الوقفة مع الكسرة
الآنية المستوعبة لكل مستجدات المجتمع من ناحية والمحافظة على أصالتها الينبعية من ناحيةٍ أخرى ...
الكسرة والتجديد :
إن الوعي الثقافي الآني المنعكس على اللفظ والصورة الشعرية هو أبرز ملامح التجديد في فن الكسرة .. فإذا كان كل ذلك الوعي قد شكَّل القصيدة المحكية الحديثة بإيقاعها ومفرداتها وصورها الشعرية نتيجة الاتساع الكبير لإطارها .. فإنَّ بإمكانه أن يشكل الكسرة الحديثة داخل إيطارها المحدود ..!!
ولنا في تراثنا الأدبي على مدى تاريخه شواهد عدة لعل أهمها على الإطلاق هو ذلك الخروج على البناء التقليدي في القصيدة العربية الأم في العصر العباسي .. وإلا فما معنى أن يصنف البلاغيون القدماء الواقع الشعري في العصر العباسي بواقع يحاكي القديم وواقعٍ مجدد تحت عناوين ( تيار قديم وتيار جديد ) رغم أن القصيدة العربية بقيت بهيئتها الإيقاعية وشكلها العمودي القديم .. ثم لماذا ظهرت المدارس الشعرية المتلاحقة ( الكلاسيكية ، الرومانسية ، البرناسية ، الرمزية ، السريالية وغيرها ) وانعكست على القصيدة العربية قبل ظهور التغير المباشر في الإيقاع .. ؟! ( إذا كان التجديد لايظهر إلا من خلال الإيقاع ..!! )
إنَّ انعكاس الثقافة الآنية على الشعر أيًّا كان نوعه وهيئته هو مكمن التجديد ..
فإعادة البيتين الشعريين : ( سافر ففي الأسفار خمس فوائد ....)
إلى مجرى الكلام عبر الكسرة ( المحكية ) للشاعر المسافر حين يقول :

قالو لنا فالسفر مكسب
..................خمسة فوايد وعدَّوها


وآنا لقيت الفراق أصعب
...................... ماعادل أرباح قالوها


والتهويم فيه واختزاله ومناقشته ضمنيًّا والرد النظري على الفرضية .. ألا يعتبر هذا تجديدًا في فن راكدٍ منذ مئات السنين ؟!!
إن التعامل مع الكسرة بالنسبة لي على الأقل وتناولها كتابيًّا إنما ينطلق من أهميتها كموروث خاص لا من حيث قيمته الفنية فهي فنيًّا لاتتجاوز كونها جزء ضئيل أو ورقة خريفية من أوراق شجرة الشعر المحكي .. وبالتالي تظل العلاقة بينها وبين متغيرات المجتمع علاقة تكون لاعلاقة تأثر فهي تلد في رحم ( الكلام الاجتماعي ) لتحمله إلينا بقالبها وخصائصها التي تشكل هويتها .. وأي تمرد على هذا هو إجهاض لها في ( رحم لغتنا المحكية ) لكن هذا التكون بإمكانه أن يكون آنيًّا ومتناسبًا مع مستجدات المجتمع وهذا هو مكمن التجديد فيها كفن شعري ..

ينبعية الكسرة :
بين فينة وأخرى يثار جدلٌ محموم حول ينبعية الكسرة ( كصفة خاصة بها ) وهو الأمر الذي يُعدُّ بالنسبة لي شاهد حي على أصالتها ..! فلدي يقين أن الكسرة لؤلؤة خرجت من محارة ينبع بفضل المد الاجتماعي أولاً والإعلامي ثانيًا إلى المناطق المجاورة وأن كل كسرة لاتنتمي إلى ينبع إنما هي محاكاة لها ..
ولا يعني هذا القدح في كسرات المناطق المختلفة بقدر ماهي خصوصية اللغة المحكية وعفويتها .. ولو نظرنا إلى الشعر المحكي الآخر نجد اللهجة ( الخليجية ) هي المتسيدة فيه رغم اختلاف اللهجات على الأقل عندنا في المملكة .. فنحن نعلم البون الشاسع مثلا بين ( اللغة المحكية ) لأهل نجد واللغة المحكية لأهل الحجاز .. ومع ذلك تكتب القصيدة المحكية بلغة أهل نجد أيا كانت لغة الشاعر المحكية .. وبناءً عليه فإن القصيدة المحكية ( النجدية ) تتميز بالأصالة ولاتعني هذه الأصالة التميز الفني بقد ماتعني عفوية الكلام وعدم اعتسافه الذي ربما أضرَّ هذا الاعتساف والتكلف بالقصيدة فنيًّا ..
وكذا الحال بالنسبة للكسرة .. فأنت تلاحظ العفوية والتلقائية في الكسرة الينبعية في حين أنك تلاحظ ( أحيانًا ) وأقول أحيانًا بعض التعسف في صياغة الكسرة في المناطق الأخرى ..
صحيح أن الإبداع يظل إبداعًا .. أيًّا كانت هويته وموطنه لكن هذا لايلغي على الإطلاق التصنيف الإيحائي .. فقد تميز شعراء الأندلس في الغرب بمحاكاتهم لشعراء الشرق مع استغلالهم لواقع الحياة في الأندلس .. وكذلك الحال بالنسبة لشعراء المهجر في الشعر العربي ..
فلماذ نغضب من التصنيف وهو موضوعي وإيحائي وذي علاقة مباشرة بالكسرة كنص ..؟!
آمل أن أكون قد أضأت بعض الجوانب المهمة حول هذا الموضوع تحديدًا ولي وقفة قادمة إن شاء الله مع الكسرة والمجتمع في وقتٍ لاحقٍ إن شاء الله ..
أنام ملء جفوني عن شواردها
....................... ويسهر الخلق جرَّاها ويختصم

العودة إلى “المقالات والشعر العامِّي”

الموجودون الآن

المستخدمون الذين يتصفحون المنتدى الآن: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 36 زائراً