قصيدة التاج , وهي معارَضة لمعلّقة امرئ القيس
مرسل: 02-20-2017 04:42 PM
[ قصيدة : التّاج ]
وهي معارَضةٌ لمعلّقة " الملك الضّلّيل " امرئ القيس
لأبي عمر عبدالعليم محمود
..
1 قفا ودّعا قلبيْ إلى غير مَوئِلِ
ويَكفيهِ زادًا شوقُهُ ، وتَعلُّليْ
..
سرَينا ، فما غيرُ الظّلام أنيسُنا
ولسنا سوى عمّن هوَينا بمعزِلِ
..
وكان لَعَمريْ بين عينيَّ خِدْرُها
وكان لَعَمريْ هودج الروح محملي
..
وكانت ليَ الحوراءَ في غير جَنَّةٍ
وكنتُ لها المملوكَ في غير منزِلِ
..
فغابت ، ولمّا يهجرِ الشوقُ مَرقدِي
ولاحت سرابًا ، حيثُما لاحَ يَأفُلِ
..
وحدّثتُها قبل انصرامٍ ، ولم تَزَلْ
تُحدِّثُها عينِيْ بهمعٍ وَوُبَّلِ
..
كأنّيْ بها ، والدَّهرُ يَرثي زمانَها
تُصبِّرُهُ ، أنْ يا زمانُ تَجَمَّلِ
..
تُكفكِفُ ، لا دَمْعًا ، ولكنْ تأوُّهًا
غَلَتْ منه رُوحٌ دون جمرٍ ومِرجَلِ
..
وذو الصّمتِ مِقْوالٌ إذا الخَطْبُ هَدَّهُ
وكم مِن خُطوبٍ لا تَجُود بِمِقْوَلِ
..
10 وما الصّمتُ فيما جَلَّ عن وَصْفِ واصِفٍ
سوى أَبْلَغِ التّبيانِ لِلمُتَأَمِّلِ
..
قرأتُ بعينَيها حدائقَ بَهجةٍ
جداولُها تَجرِي بِشَطَّيْ قَرنْفُلِ
..
تُظَلِّلها فيها ظِلالٌ ، كأنّما
مِن النور أضحى ظِلُّها ، لم يُحَوَّلِ
..
يَقومُ لها الجيشانِ ، جيشٌ بِيَمْنَةٍ
تَقومُ له الدنيا قيامَ التذلُّلِ
..
ويَسْرَتُها جيشٌ ، إذا هي أقبلَتْ
به ، فكأنَّ النّارَ تُقبِلُ مِن عَلِ
..
وما هيَ إلا الرِّفقُ ، لكنّها التي
إذا اشتدَّ ذو بأسٍ ، فبالبأس يَصطليْ
..
فمن رامَها بالسوء رام مماتَهُ
ويُغْذَى بنيرانٍ ، ويُسقى بِحنظَلِ
..
وأَبصرتُ في العينين مَجْدًا مؤثَّلًا
فكيف تُراه اليومَ غيرُ مؤثَّلِ
..
ذهبتُ ، ولمّا آتِ مِن لَحْظ عينِها
وسِرتُ ، ولمّا تبرحِ الأرضَ أرجُلي
..
أُكنّي بها خوفَ الوُشاة ، وهَيبةً
وعينُ الرِّضا ، ليست كعينِ التَّقَوُّلِ
..
20 فقالت ، ولم تبرح تباريحَ حزنِها :
أبا عمرٍ ، قل ما تشاء وجَلجِلِ
..
فلستُ وإنْ أزرى بيَ القومُ دهرَهُم
سوى التّاجِ ، فردًا كنتُ أو بَين جَحْفَلِ
..
وليس سوى ظهرِ الثريّا مَطيَّتي
وليس امرؤٌ مهما أرادَ بِمُنْزِلي
..
فأفصِح لكَ النَّعماءُ بيْ ، غيرَ خائفٍ
وأفصِح لكَ العلياءُ بيْ ، وتَعجَّلِ
..
أنا الأُمّةُ المزهوُّ بيْ مَن أقامنيْ
لديه مقامَ الرُّوحِ ، والعين ، والحُلِيْ
..
أنا أُمّةُ الإسلامِ ، سيّدةُ الورى
فمنّي رسولُ الله أعظمُ مُرسَلِ
..
فقمتُ وقامت ، نستعيدُ خواليًا
مِن العمر ، غطّتها رسومُ التبدُّلِ
..
وذكّرتُها عمرًوا وسعدًا وخالدًا
ودهرًا ، به كنّا على المجد نعتلِيْ
..
وذكَّرتُها الأحزابَ يومَ تَجَمَّعوا
وكادت رؤوسُ الدين تُرمى بمَقْتَلِ
..
وذكَّرتُها حِطّينَ ، والقدسُ يومَنا
تُذَلُّ بكفَّي خاذلٍ ، ومُخذَّلِ
..
30 وفي القدس ذِكرى الصّامدين ، وصخرُهمْ
قنابلُ عُنقودٍ ، كرعدٍ مُزلزِلِ
..
وكم صامدٍ في أَرضِهِ ، عُدَّ باغيًا
وحُلِّل عِرضُ الأرض لِلمتطفِّلِ
..
وكم مِن تُيوسٍ صَفَّدتْ بعضَ قومِها
ولكنّها سِيقَت كتَيسٍ مُحلِّلِ
..
ومَن هان يومًا هان طيلةَ عُمْرهِ
وأصبح عبدَ العبدِ ، ما قال يَفعلِ
..
ومن عزَّ يومًا عزَّ دومًا ، ولم يَزَلْ
مُهابًا ، كما يُبلَى يَعودُ فيَبتَلي
..
وكنّا إذا شئنا رفعنا تِهامةً
بكفٍّ ، وقد صرنا نَضِيقُ بِهيكَلِ
..
وغيرُ مُطاعٍ في الورى غيرُ قادِرٍ
على هَدِّ ثهلانٍ ، وتَحريكِ يَذبُلِ
..
هو الدهر أيامٌ ، فيومُ مسرَّةٍ
وأيّامُ إعسارٍ لِيُسْرٍ مُؤَمَّلِ
..
وأندلسٌ ، يا ويحها مِن أميرةٍ
تُقادُ وتُسبى ، مثلَ طيرٍ مُكبَّلِ
..
فما هالَها إلا فجائعُ قومِها
فما بين مَغصوبٍ ، وبينَ مُقَتَّلِ
..
40 فيا ذِلَّةَ الأشراف بعدَ كرامةٍ
ويا دَنَسَ الأطهارِ بعد التبتُّلِ
..
ويا ويحنا ، كيف الهوانُ لأُمّةٍ
وفي صدرها آيُ الكتاب المنَزَّلِ
..
كتابٌ به تمّت على النّاس نعمةٌ
فجادَ على الدنيا بدِينٍ مُكَمَّلِ
..
مَلَكنا به الدنيا زمانًا ، وضَيَّعتْ
يدُ الهجر مُلكًا في جنوبٍ وشَمأَلِ
..
وفي الغرب ذِكرانا ، وفي الشرق غُربَةٌ
وحيث تُولِّي لا تَرى غيرَ مَجهَلِ
..
فما الأرضُ إلا القَفْرُ دون ضيائِهِ
ولو أُلبِسَتْ من غيره ألفَ مَشْعَلِ
..
فيا هاجر القرآن ، أقصر فإنما
هجرتَ عُرى الإسلام ، فارجِع وأقبِلِ
..
رعى اللهُ أيّامَ الحِجاز ، وعهدَها
وعهدُ الصِّبا عهدُ الهوى والتدلُّلِ
..
وما كنتُ أهوى غيرَه ، فجمالُهُ
وقد لاح ، يُغْني عن هوًى وتَجَمُّلِ
..
فلله درُّ الوالدَينِ ، وفضلُهُمْ
عليَّ بهذا فاق كلَّ تَفضُّلِ
..
50 حفظتُ كتابَ الله في حلَقاتِهمْ
ففزتُ بخيرٍ عاجلٍ ومؤجَّلِ
..
فلمّا نزلنا في ديار كريمةٍ
بتكريمها القرآنَ ، ذُكِّرتُ منزليْ
..
وعدتُ لأيام الصِّبا ، ورأيتُها
تَلوح هنا فوق الصَّعيد المبَجَّلِ
..
قد افتخرَت أرضُ الحِجاز بمكّةٍ
ومِصرُ لها فخرُ الكتابِ المرَتَّلِ
..
فحيِّ رجالَ العلم في كلِّ مَجْمَعٍ
وحيِّ شيوخَ الذِّكْرِ في كلِّ مَحفَلِ
..
هنيئًا لكم يا قومُ خدمةُ آيِهِ
هنيئًا لهذي الأرضِ أعذبُ مَنهَلِ
..
وما الأرضُ إلا كيفما كان قومُها
تكون ، وذاتُ الفضل تُروَى بأفضلِ
..
وما النّاسُ والأخلاقُ إلا معادنٌ
فذو خلُقٍ كالدُّرِّ ، أو ذو تَبذُّلِ
..
وكم من سفيهٍ أنكرَ الفضلَ قلبُهُ
وحيث يَرى فضلًا يُرى في تَمَلْمُلِ
..
ومن أُشرِبَ الدنيا فلا غَرْوَ إن غدا
أسيرَ الهوى ، أو مثلَ بئرٍ مُعَطَّلِ
..
60 فحيث رأى شرًّا تَهلَّلَ ثَغْرُهُ
وليس أمام الخير بالمُتَهَلِّلِ
..
ولكنّه ذئبٌ بوجه غزالةٍ
وهادٍ ، ولكنْ بالفؤاد المضلِّلِ
..
فحسبُكَ من أقواله بعضُ قولِهِ
وحسبُكَ مِن فِعلٍ تجنّيْ مُجَهَّلِ
..
أيَرجُمُ في أمِّ الكتاب بجهلهِ
ويَهدِمُ في السَّبع المثانيْ بمِعْوَلِ
..
ويَطلبُ في تحريفِها كلَّ مَطْلَبٍ
ويَجعلُ مِعوانًا له كلَّ أَهْطَلِ
..
وليس على غير الكتابِ مُجَرَّأً
كأنّ له ثأرًا ، وليس بمُهمَلِ
..
وكم نابحٍ مِن قَبلهمْ غيرَ أنّهُ
نُبَاحُ جِرَاء اليوم غيرُ مُسَربَلِ
..
فقلت لها ، لمّا تمطّى بجهلهِ
وأردف تجهيلًا قلامةُ خَرْدَلِ
..
قد اسودّت الدنيا علينا ، وأَظلَمتْ
وليس الدجى والليلُ منها بأليلِ
..
فشُلِّي يمينَ الغاصبينَ ، وأطفئي
مكائدهمْ ، والكيدُ بالكيد ينجلي
..
70 وكم رحمةٍ ، مِعراجُها بَطشُ عادلٍ
وكم رحمةٍ في ظِلِّ بأسٍ مُجَنْدِلِ
..
وعودي إلينا في ثياب قشيبةٍ
وثغركِ شهد من طوال المفصَّلِ
..
وقلبكِ مِن دُرِّ القِصار مرصع
ووجهُكِ مزدانٌ بِلَحظٍ مُكَحَّلِ
..
نَسجتُكِ تاجًا ، لو تَراءى بِحُسْنِهِ
لما جاء حُسنُ الكونِ مِنهُ بأمثَلِ
..
وصغتُكِ حرفًا ، ليس يُنقَضُ غَزْلُهُ
وأَسقَيتُ أيّاميْ بعذْبٍ ، وسَلْسَلِ
..
وعُلِّقْتِ - لو يَدري الورى ! - فوق كَعبةٍ
وتُعْمِي عيونُ الحِقدِ عينَ التّعقُّلِ
..
وتَزهَدُ في الياقوتِ والدُّرِّ أَرضُهُ
فتزهو به تيجانهمْ ، بالتنقُّلِ
..
ولا يَحفَلونَ اليومَ بالفَحلِ ، إنّما
تَرى سُذَّجًا تاهوا بثوبٍ مُهلهَلِ
..
وحيثُ قَضَى ، فالدَّهرُ يُقْبِلُ نَحوَهُ
ولكنَّهُ في عَصْرِهِ غيرُ مُقْبِلِ
..
ولو أَنصفَ الأقوامُ ، كنتُ أميرَهمْ
ودهريْ بهذا ، ليس بالمُتفضِّلِ
..
80 مَلَكتُ بيانَ الشِّعر ، حتّى كأنّما
أنا " الملِكُ الضِّلّيلُ " ، والسِّحرُ مِغزَليْ
..
وما ضرَّني أنْ جئتُ في الدّهر آخِرًا
وكم آخِرٍ كالمِسكِ ، والمسكُ مِكحَليْ
..
82 وكم آخِرٍ فاقَ الأوائلَ قدْرُهُ
كما فاقَ كُلَّ الرُّسْلِ أعظمُ مُرسَلِ
وهي معارَضةٌ لمعلّقة " الملك الضّلّيل " امرئ القيس
لأبي عمر عبدالعليم محمود
..
1 قفا ودّعا قلبيْ إلى غير مَوئِلِ
ويَكفيهِ زادًا شوقُهُ ، وتَعلُّليْ
..
سرَينا ، فما غيرُ الظّلام أنيسُنا
ولسنا سوى عمّن هوَينا بمعزِلِ
..
وكان لَعَمريْ بين عينيَّ خِدْرُها
وكان لَعَمريْ هودج الروح محملي
..
وكانت ليَ الحوراءَ في غير جَنَّةٍ
وكنتُ لها المملوكَ في غير منزِلِ
..
فغابت ، ولمّا يهجرِ الشوقُ مَرقدِي
ولاحت سرابًا ، حيثُما لاحَ يَأفُلِ
..
وحدّثتُها قبل انصرامٍ ، ولم تَزَلْ
تُحدِّثُها عينِيْ بهمعٍ وَوُبَّلِ
..
كأنّيْ بها ، والدَّهرُ يَرثي زمانَها
تُصبِّرُهُ ، أنْ يا زمانُ تَجَمَّلِ
..
تُكفكِفُ ، لا دَمْعًا ، ولكنْ تأوُّهًا
غَلَتْ منه رُوحٌ دون جمرٍ ومِرجَلِ
..
وذو الصّمتِ مِقْوالٌ إذا الخَطْبُ هَدَّهُ
وكم مِن خُطوبٍ لا تَجُود بِمِقْوَلِ
..
10 وما الصّمتُ فيما جَلَّ عن وَصْفِ واصِفٍ
سوى أَبْلَغِ التّبيانِ لِلمُتَأَمِّلِ
..
قرأتُ بعينَيها حدائقَ بَهجةٍ
جداولُها تَجرِي بِشَطَّيْ قَرنْفُلِ
..
تُظَلِّلها فيها ظِلالٌ ، كأنّما
مِن النور أضحى ظِلُّها ، لم يُحَوَّلِ
..
يَقومُ لها الجيشانِ ، جيشٌ بِيَمْنَةٍ
تَقومُ له الدنيا قيامَ التذلُّلِ
..
ويَسْرَتُها جيشٌ ، إذا هي أقبلَتْ
به ، فكأنَّ النّارَ تُقبِلُ مِن عَلِ
..
وما هيَ إلا الرِّفقُ ، لكنّها التي
إذا اشتدَّ ذو بأسٍ ، فبالبأس يَصطليْ
..
فمن رامَها بالسوء رام مماتَهُ
ويُغْذَى بنيرانٍ ، ويُسقى بِحنظَلِ
..
وأَبصرتُ في العينين مَجْدًا مؤثَّلًا
فكيف تُراه اليومَ غيرُ مؤثَّلِ
..
ذهبتُ ، ولمّا آتِ مِن لَحْظ عينِها
وسِرتُ ، ولمّا تبرحِ الأرضَ أرجُلي
..
أُكنّي بها خوفَ الوُشاة ، وهَيبةً
وعينُ الرِّضا ، ليست كعينِ التَّقَوُّلِ
..
20 فقالت ، ولم تبرح تباريحَ حزنِها :
أبا عمرٍ ، قل ما تشاء وجَلجِلِ
..
فلستُ وإنْ أزرى بيَ القومُ دهرَهُم
سوى التّاجِ ، فردًا كنتُ أو بَين جَحْفَلِ
..
وليس سوى ظهرِ الثريّا مَطيَّتي
وليس امرؤٌ مهما أرادَ بِمُنْزِلي
..
فأفصِح لكَ النَّعماءُ بيْ ، غيرَ خائفٍ
وأفصِح لكَ العلياءُ بيْ ، وتَعجَّلِ
..
أنا الأُمّةُ المزهوُّ بيْ مَن أقامنيْ
لديه مقامَ الرُّوحِ ، والعين ، والحُلِيْ
..
أنا أُمّةُ الإسلامِ ، سيّدةُ الورى
فمنّي رسولُ الله أعظمُ مُرسَلِ
..
فقمتُ وقامت ، نستعيدُ خواليًا
مِن العمر ، غطّتها رسومُ التبدُّلِ
..
وذكّرتُها عمرًوا وسعدًا وخالدًا
ودهرًا ، به كنّا على المجد نعتلِيْ
..
وذكَّرتُها الأحزابَ يومَ تَجَمَّعوا
وكادت رؤوسُ الدين تُرمى بمَقْتَلِ
..
وذكَّرتُها حِطّينَ ، والقدسُ يومَنا
تُذَلُّ بكفَّي خاذلٍ ، ومُخذَّلِ
..
30 وفي القدس ذِكرى الصّامدين ، وصخرُهمْ
قنابلُ عُنقودٍ ، كرعدٍ مُزلزِلِ
..
وكم صامدٍ في أَرضِهِ ، عُدَّ باغيًا
وحُلِّل عِرضُ الأرض لِلمتطفِّلِ
..
وكم مِن تُيوسٍ صَفَّدتْ بعضَ قومِها
ولكنّها سِيقَت كتَيسٍ مُحلِّلِ
..
ومَن هان يومًا هان طيلةَ عُمْرهِ
وأصبح عبدَ العبدِ ، ما قال يَفعلِ
..
ومن عزَّ يومًا عزَّ دومًا ، ولم يَزَلْ
مُهابًا ، كما يُبلَى يَعودُ فيَبتَلي
..
وكنّا إذا شئنا رفعنا تِهامةً
بكفٍّ ، وقد صرنا نَضِيقُ بِهيكَلِ
..
وغيرُ مُطاعٍ في الورى غيرُ قادِرٍ
على هَدِّ ثهلانٍ ، وتَحريكِ يَذبُلِ
..
هو الدهر أيامٌ ، فيومُ مسرَّةٍ
وأيّامُ إعسارٍ لِيُسْرٍ مُؤَمَّلِ
..
وأندلسٌ ، يا ويحها مِن أميرةٍ
تُقادُ وتُسبى ، مثلَ طيرٍ مُكبَّلِ
..
فما هالَها إلا فجائعُ قومِها
فما بين مَغصوبٍ ، وبينَ مُقَتَّلِ
..
40 فيا ذِلَّةَ الأشراف بعدَ كرامةٍ
ويا دَنَسَ الأطهارِ بعد التبتُّلِ
..
ويا ويحنا ، كيف الهوانُ لأُمّةٍ
وفي صدرها آيُ الكتاب المنَزَّلِ
..
كتابٌ به تمّت على النّاس نعمةٌ
فجادَ على الدنيا بدِينٍ مُكَمَّلِ
..
مَلَكنا به الدنيا زمانًا ، وضَيَّعتْ
يدُ الهجر مُلكًا في جنوبٍ وشَمأَلِ
..
وفي الغرب ذِكرانا ، وفي الشرق غُربَةٌ
وحيث تُولِّي لا تَرى غيرَ مَجهَلِ
..
فما الأرضُ إلا القَفْرُ دون ضيائِهِ
ولو أُلبِسَتْ من غيره ألفَ مَشْعَلِ
..
فيا هاجر القرآن ، أقصر فإنما
هجرتَ عُرى الإسلام ، فارجِع وأقبِلِ
..
رعى اللهُ أيّامَ الحِجاز ، وعهدَها
وعهدُ الصِّبا عهدُ الهوى والتدلُّلِ
..
وما كنتُ أهوى غيرَه ، فجمالُهُ
وقد لاح ، يُغْني عن هوًى وتَجَمُّلِ
..
فلله درُّ الوالدَينِ ، وفضلُهُمْ
عليَّ بهذا فاق كلَّ تَفضُّلِ
..
50 حفظتُ كتابَ الله في حلَقاتِهمْ
ففزتُ بخيرٍ عاجلٍ ومؤجَّلِ
..
فلمّا نزلنا في ديار كريمةٍ
بتكريمها القرآنَ ، ذُكِّرتُ منزليْ
..
وعدتُ لأيام الصِّبا ، ورأيتُها
تَلوح هنا فوق الصَّعيد المبَجَّلِ
..
قد افتخرَت أرضُ الحِجاز بمكّةٍ
ومِصرُ لها فخرُ الكتابِ المرَتَّلِ
..
فحيِّ رجالَ العلم في كلِّ مَجْمَعٍ
وحيِّ شيوخَ الذِّكْرِ في كلِّ مَحفَلِ
..
هنيئًا لكم يا قومُ خدمةُ آيِهِ
هنيئًا لهذي الأرضِ أعذبُ مَنهَلِ
..
وما الأرضُ إلا كيفما كان قومُها
تكون ، وذاتُ الفضل تُروَى بأفضلِ
..
وما النّاسُ والأخلاقُ إلا معادنٌ
فذو خلُقٍ كالدُّرِّ ، أو ذو تَبذُّلِ
..
وكم من سفيهٍ أنكرَ الفضلَ قلبُهُ
وحيث يَرى فضلًا يُرى في تَمَلْمُلِ
..
ومن أُشرِبَ الدنيا فلا غَرْوَ إن غدا
أسيرَ الهوى ، أو مثلَ بئرٍ مُعَطَّلِ
..
60 فحيث رأى شرًّا تَهلَّلَ ثَغْرُهُ
وليس أمام الخير بالمُتَهَلِّلِ
..
ولكنّه ذئبٌ بوجه غزالةٍ
وهادٍ ، ولكنْ بالفؤاد المضلِّلِ
..
فحسبُكَ من أقواله بعضُ قولِهِ
وحسبُكَ مِن فِعلٍ تجنّيْ مُجَهَّلِ
..
أيَرجُمُ في أمِّ الكتاب بجهلهِ
ويَهدِمُ في السَّبع المثانيْ بمِعْوَلِ
..
ويَطلبُ في تحريفِها كلَّ مَطْلَبٍ
ويَجعلُ مِعوانًا له كلَّ أَهْطَلِ
..
وليس على غير الكتابِ مُجَرَّأً
كأنّ له ثأرًا ، وليس بمُهمَلِ
..
وكم نابحٍ مِن قَبلهمْ غيرَ أنّهُ
نُبَاحُ جِرَاء اليوم غيرُ مُسَربَلِ
..
فقلت لها ، لمّا تمطّى بجهلهِ
وأردف تجهيلًا قلامةُ خَرْدَلِ
..
قد اسودّت الدنيا علينا ، وأَظلَمتْ
وليس الدجى والليلُ منها بأليلِ
..
فشُلِّي يمينَ الغاصبينَ ، وأطفئي
مكائدهمْ ، والكيدُ بالكيد ينجلي
..
70 وكم رحمةٍ ، مِعراجُها بَطشُ عادلٍ
وكم رحمةٍ في ظِلِّ بأسٍ مُجَنْدِلِ
..
وعودي إلينا في ثياب قشيبةٍ
وثغركِ شهد من طوال المفصَّلِ
..
وقلبكِ مِن دُرِّ القِصار مرصع
ووجهُكِ مزدانٌ بِلَحظٍ مُكَحَّلِ
..
نَسجتُكِ تاجًا ، لو تَراءى بِحُسْنِهِ
لما جاء حُسنُ الكونِ مِنهُ بأمثَلِ
..
وصغتُكِ حرفًا ، ليس يُنقَضُ غَزْلُهُ
وأَسقَيتُ أيّاميْ بعذْبٍ ، وسَلْسَلِ
..
وعُلِّقْتِ - لو يَدري الورى ! - فوق كَعبةٍ
وتُعْمِي عيونُ الحِقدِ عينَ التّعقُّلِ
..
وتَزهَدُ في الياقوتِ والدُّرِّ أَرضُهُ
فتزهو به تيجانهمْ ، بالتنقُّلِ
..
ولا يَحفَلونَ اليومَ بالفَحلِ ، إنّما
تَرى سُذَّجًا تاهوا بثوبٍ مُهلهَلِ
..
وحيثُ قَضَى ، فالدَّهرُ يُقْبِلُ نَحوَهُ
ولكنَّهُ في عَصْرِهِ غيرُ مُقْبِلِ
..
ولو أَنصفَ الأقوامُ ، كنتُ أميرَهمْ
ودهريْ بهذا ، ليس بالمُتفضِّلِ
..
80 مَلَكتُ بيانَ الشِّعر ، حتّى كأنّما
أنا " الملِكُ الضِّلّيلُ " ، والسِّحرُ مِغزَليْ
..
وما ضرَّني أنْ جئتُ في الدّهر آخِرًا
وكم آخِرٍ كالمِسكِ ، والمسكُ مِكحَليْ
..
82 وكم آخِرٍ فاقَ الأوائلَ قدْرُهُ
كما فاقَ كُلَّ الرُّسْلِ أعظمُ مُرسَلِ