إن هذه الكلمة شأنها شأن اللبرالية وشعارات الحرية وحقوق الإنسان وشتى التعابير التي أفرزتها الرأسمالية مجرد واجهة وستار أيديولوجي تغطي بها أنيابها التي نهشت وتنهش البشرية.
ولا يحرر البشرية من هذه المفاهيم الزائفة الظالمة إلا الإسلام بالسبيل الذي بشر به رسول الله.
وإليكم هذا النموذج الديموقراطي:
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news ... w&id=67281
هاني رمضان
غزة-دنيا الوطن
«عزيزي هاني رمضان، لم أشأ أن تعرف الحقيقة من الصحف، ولذا قررت أن أصارحك بها، لقد كلفتني الاستخبارات السويسرية بالتجسس عليك وعلى المركز الإسلامي الذي تديره، وتلفيق الأدلة التي تدينك بتشجيع الإرهاب وأن المركز له دور في إرسال مقاتلين الى العراق، لم أستطع الرضوخ لطلباتهم، ورفضوا إغلاق الملف، فكان لزاماً علي أن أعترف لك وأعلن الأمر في وسائل الإعلام لتأمين حياتي وسلامتي».
بهذه السطور كشف كلود كوفاسي عن أخطر قضية تجسس في تاريخ الاستخبارات السويسرية الحديث، ليتحول الأمر الآن الى القضاء. فبعد شهور من الانتظار التزمت فيه السلطات الرسمية الصمت المطبق، قرر هاني رمضان (حفيد مؤسس حركة الاخوان المسلمين حسن البنا) في 9 كانون الأول (ديسمبر) الجاري مقاضاة الحكومة السويسرية وجهاز الاستخبارات، بتهمة «خرق القانون والدستور والتآمر على حياة مواطن وتلفيق التهم له وتزوير وقائع لم تحدث»، وهي تهم موجهة الى سويسرا الدولة الراعية لاتفاقات جنيف وحامية حقوق الإنسان، والتي لا تتورع عن التشهير بكل من يخرقها أو يمس بها.
تمالك هاني رمضان نفسه وهو يقرأ هذا الاعتراف المكتوب مراراً، وكان أول رد فعل طبيعي له أن يخاطب السلطات الرسمية ليستوضح الأمر، وبعد أشهر من الانتظار جاءه رد وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر: «لا نستطيع نفي أو تأكيد هذه الواقعة». وعندما أصر على إجابة واضحة جاءه رد من مساعد الوزير يقول فيه: «توجه برسالتك الى المفوض المسؤول عن حماية البيانات الخاصة بالمواطنين».
أسهبت الصحف في الحديث عن هذه القضية واهتمت بشخصية الجاسوس: من هو؟ ولماذا قبل أولاً ثم رفض؟ ولماذا فضح الاستخبارات بهذا الشكل غير المسبوق؟
ظهر كلود كوفاسي فجأة في عام 2004 بين المترددين على المركز الإسلامي في جنيف، أقدم مركز من نوعه في أوروبا على الإطلاق، أسسه الراحل الدكتور سعيد رمضان بعد أن أفلت من حكم الإعدام في مصر ومنحته سويسرا حق اللجوء السياسي آنذاك.
خاض كوفاسي نقاشات وحوارات مع المسلمين في المركز ومع مديره بالطبع، ليتعرف الى الدين والإيمان والعقيدة، حتى طلب إشهار إسلامه أمام الجميع، وغيِّر اسمه من كلود الى عادل، ثم اندمج في قضايا المسلمين يدافع عنهم وينصحهم ويتقرب منهم.
تحول عادل كوفاسي الى أحد المدافعين عن المسلمين الجدد في سويسرا، ومن المطالبين برفع التمييز ضدهم. وأصدر مجلة شهرية باسم «القلم»، كان يحرر موادها بنفسه ويوزعها على المترددين على المركز، تنتقد السياسة الأميركية والإسرائيلية بالتحديد، وكان يستقطب كثيرين بأسلوبه البارع في النقاش والحوار مستفيداً من خلفيته في دراسة الفلسفة واطلاعه الواسع على مستجدات الأمور في السياسة الدولية.
وفي اعترافه المكتوب الى هاني رمضان يقول كوفاسي: «لقد كلفتني الاستخبارات السويسرية بالتجسس عليك وتزويدهم بأدق التفاصيل حول حياتك اليومية وعلاقاتك مع الآخرين، بمن تلتقي ومع من تتحدث، وعاداتك في الملبس والطعام والشراب... بل كم ملعقة سكر تتناول مع القهوة أو الشاي»!
وسافر عادل كوفاسي الى سورية ومصر والسودان وموريتانيا وتشاد للتعرف الى العالم الإسلامي وكيف يعيش المسلمون في تلك الديار ويقترب أكثر فأكثر من المجتمعات الإسلامية، هكذا قال لمن حوله، وشد انتباههم فقط عدد الرحلات التي كان يقوم بها في وقت قصير للغاية، على رغم عدم وجود مظاهر ثراء في مظهره العام.
ماذا يهم الاستخبارات السويسرية من كل تلك المعلومات؟
كوفاسي كان ينفذ ما تطلبه منه الاستخبارات، التي تريد أن تتعرف الى هاني رمضان من قرب كما يقول، وكان يعتقد بأن الأمر بالنسبة إليه انتهى، عندما أكد في كل تقاريره أن الرجل مواطن عادي يمارس حياته اليومية في شكل لا يثير أي شبهة وأن المركز الإسلامي هو كغيره يرعى مشكلات الجالية ويهتم بأحوالها.
إلا ان هذه التقارير كانت على الأرجح الجزء الأول من العملية، إذ صارحت الاستخبارات كوفاسي بأنه سيبدأ في المرحلة الحاسمة من الخطة «ممفيس»، وهي «إذا لم نعثر على الأدلة فلنصنعها نحن» هكذا بكل بساطة في دولة القانون والديموقراطية المباشرة وحقوق الإنسان!
أما الأدلة المفقودة فهي «ضلوع هاني رمضان في دعم الإرهاب واستخدام المركز الإسلامي في جنيف كحلقة اتصال لتسهيل شؤون الراغبين في السفر وتنفيذ عمليات في العراق عبر الأراضي السورية»، والهدف هو «القضاء على هاني رمضان» بحسب ما أورد كوفاسي في اعترافه المكتوب للصحافة ولرمضان أيضاً.
ويستكمل الجاسوس التائب اعترافه قائلاً: «وضع لي ضابط الاستخبارات المسؤول عني الخطة كاملة، فكان يجب عليّ أن أضع أسماء أشخاص من مختلف الجنسيات في الحاسوب الخاص بالمركز وفي ملفات على مكتب الدكتور هاني، ورسائل هي وصايا مكتوبة بأسماء هؤلاء الأشخاص وعليها عنوان المركز، كلها لأشخاص من المفترض أنهم توجهوا لمقاتلة الأميركيين في العراق عبر الأراضي السورية». على أن تكون المرحلة التالية هي تفتيش مفاجئ للمركز والتحفظ على كل ما فيه من وثائق ومستندات ثم إظهار ما تم دسه مسبقاً فيكون أمر القبض على هاني رمضان جاهزاً وإغلاق المركز الى أجل غير مسمى.
ويقول كوفاسي إن ضميره كان يقظاً، فقد رفض الانصياع لتلك الأوامر وتنفيذ ما طُلب منه، ولم يرضخ للتهديدات والضغوطات المتواصلة التي مورست عليه، ومن المحتمل أن يكون اعترافه أمام الإعلام بهذا الحجم المدوي هو بالفعل لتأمين سلامته وحياته كما قال. وأضاف انه أعد أكثر من نسخة من اعترافاته فيها أدق التفاصيل حول عملية «ممفيس» وتركها لدى أعز أصدقائه ومعها وصية بنشرها في الإعلام إذا جرت تصفيته أو اغتياله على يد جهاز الاستخبارات السويسرية.
ولا شك في أن امتناع الحكومة عن التعليق على هذه القضية أو الرد على صاحب الشأن المعني بالأمر، أو فتح ملف تحقيق برلماني فيه، وردّ فعل الأحزاب السياسية الصامتة تجاهها، والبكم الذي أصاب فجأة منظمات المجتمع المدني السويسرية... كلها مؤشرات تدل الى أكثر من احتمال.
الاحتمال الأول أن تكون دائرة التحليل والأمن الوقائي التابعة للاستخبارات السويسرية رتبت العملية لحساب طرف ثالث يريد التخلص من أحد أحفاد الإمام حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين والتشهير به وبالحركة وبالوجود الإسلامي في سويسرا وأوروبا عموماً. وإذا ثبت هذا الاحتمال، فهو يعني ان التعاون الاستخباراتي أيضاً أن يكون بتلفيق التهم للأبرياء. ولكن من هي تلك الجهة التي يضحي جهاز الاستخبارات السويسري من أجلها بواحد من أبرز المفكرين المسلمين السويسريين؟
الاحتمال الثاني أن يكون هناك اتفاق مبيت بين الاستخبارات وبعض الأطراف السياسية الداخلية للتعرض للرموز الإسلامية الجيدة في المجتمع السويسري، فهاني رمضان شخصية لها حضورها الإعلامي المتميز وهو مفكر محاور، وعندما تُلفق مثل هذه التهمة له مع إحكام الأدلة عليه، فمن السهل فتح ملف الجالية المسلمة ليس في سويسرا فحسب بل في أوروبا كلها، وتشديد القوانين أو تعديلها بما يتفق والسياسات الجديدة.
وسواء صدق أي من الاحتمالين فهل تقبل سويسرا على نفسها التنكر لقيمها ومبادئها كدولة قائمة على سيادة القانون والدستور والاحترام؟
وتعليقاً على القضية، قال أولي ليونبرغر عضو البرلمان ونائب رئيس حزب الخضر السويسري «إن خطوة الدكتور رمضان بالتوجه الى القضاء مهمة جداً، بعد أن انتظر بالفعل طويلاً للحصول على تفسيرات من الحكومة الفيديرالية عن هذه القضية»، في الوقت نفسه وصف ردود فعل وزير العدل والشرطة أمام البرلمان بأنها «سطحية ولم تقدم أي إجابة مقنعة على رغم أهمية القضية وحساسيتها». وأضاف: «إن عمل جهاز الاستخبارات يجب ألا يكون فوق القانون وعلى حساب كرامة الأشخاص، وهذا لا يسمح به أحد تحت أي ظرف من الظروف، وإنني شخصياً أعتقد بأن اعترافات الجاسوس فيها الكثير من الصحة، ولهذا يجب أن يفصح الجهاز عن حقيقة كاملة أمام البرلمان، ومحاسبة المتورطين في هذه القضية في شكل رادع».
وعن التكهنات التي تشير الى احتمال قيام الاستخبارات بالعملية لحساب طرف ثالث، قال: «كل الاحتمالات مفتوحة في تلك القضية، فالتعاون بين أجهزة الاستخبارات الفيديرالية ونظيرتها الأجنبية على مستوى الضباط مسموح به لتبادل المعلومات والآراء، وقد يكون اتفاق ما قد تم بين ضابط اتصال سويسري وجهة أجنبية أخرى من دون علم الرؤساء، وهذا لا يمكن السكوت عنه في جميع الأحوال، ويجب تصحيح مثل هذا الخطأ الفادح».
وعبّر لوينبرغر عن قناعته بأن هذه القضية «لن تمر في شكل عادي، وقد تؤدي الى إطاحة بعض الشخصيات المسؤولة عن عمل الاستخبارات، حفاظاً على هيبة القانون واحترام كرامة المواطن».
في الوقت نفسه، رفض «حزب الشعب» (يمين) التعليق على القضية الآن وطلب انتظار انتهاء التحقيقات وبيان اللجنة البرلمانية في هذا الصدد، وقال رومان ياغي المتحدث باسم الحزب «ان قضية بهذا الحجم وتلك الدرجة من الحساسية تتطلب التريث قبل الإدلاء بأي تصريحات، بغض النظر عن أن وزير العدل والشرطة ينتمي الى الحزب، ونحن واثقون من أن اللجنة البرلمانية ستأخذ الموضوع بجدية ولن تغفل إظهار الحقيقة في جميع الأحوال». بينما التزمت بقية الأحزاب السياسية الصمت حيال القضية.
وفي الوقت نفسه رأى أوسفالد سيغ المتحدث باسم مجلس الحكم الفيديرالي لـ «الحياة»: «إن الحكومة لن تعلق على هذا الملف الآن، فهناك لجنة تحقيق برلمانية تتولى الأمر، وهناك مسار قانوني اتخذه السيد رمضان، ونحن في انتظار النتائج".