صفحة 1 من 1

مرسل: 04-11-2002 01:33 PM
بواسطة عازف الجَنان
رسالة من المنفى

تحية ً . . وقبلة ً
وليس عندي ما أقول بعد ْ
من أين أبتدي ؟ . . وأين أنتهي ؟ .
ودورة الزمان دون حد ْ
وكل ما في غربتي
زوادة ٌ ، فيها رغيف ٌ يابس ٌ ، وَوَجد ْ
ودفتر ٌ يحمل عني بعض ما حملت
بصقت ُ في صفحاته ما ضاق بي من حقد ْ
من أين أبتدي ؟
وكل ما قيل وما يقال بعد غد ْ
لا ينتهي بضمة ٍ . . أو لمسة ٍ من يد ْ
لا يُرجع ُ الغريبَ للديار
لا يُنزلُ الأمطار
لا يُنبتُ الريشَ على
جناح طير ضائع . . منهد ّ
من أين أبتدي
تحية ً . . وقبلة ً . . وبعد ْ ..

أقول للمذياع . . قل لها أنا بخير ْ
أقول للعصفور ِ
إن صادفتها يا طير ْ
لا تنسني ، وقل : بخير ْ
أنا بخير
أنا بخير
ما زال في عيني بصر !
ما زال في السما قمر !
وثوبي العتيق ، حتى الآن ، ما اندثر
تمزقت أطرافه ُ
لكنني رتقتهُ . . ولم يزل بخير
وصرتُ شابا ً جاوز العشرين
تصوريني . . صرت في العشرين
وصرت كالشباب يا أماه
أواجه الحياة
وأحمل العبءَ كما الرجال يحملون
وأشتغل
في مطعم . . وأغسل الصحون .
وأصنع القهوة للزبون
وألصق البسمات فوق وجهي الحزين
ليفرح الزبون

أنا بخير
قد صرت في العشرين
وصرت كالشباب يا أماه
أدخن التبغ ، وأتكي على الجدار
أقول للحلوة : آه
كما يقول الآخرون
(( يا إخوتي ، ما أطيب البنات ،
تصوروا كم مُرة هي الحياة
بدونهن . . مُرة هي الحياة )) .
وقال صاحبي : (( هل عندكم رغيف ؟
يا إخوتي ؛ ما قيمة الإنسان
إن نام كل ليلة ٍ جوعان ؟ ))
أنا بخير
أنا بخير
عندي رغيف أسمر
وسلة صغيرة من الخضار

سمعت في المذياع
تحية المشردين . . للمشردين
قال الجميع : كلنا بخير
لا أحد ٌ حزين ؛
فكيف حال والدي ؟
ألم يزل كعهده ، يحب ذكر الله
والأبناء . . والتراب . . والزيتون ؟
وكيف حال إخوتي
هل أصبحوا موظفين ؟
سمعت يوما ً والدي يقول :
سيصبحون كلهم معلمين . .
سمعته يقول :
( أجوع حتى أشتري لهم كتاب )
لا أحد في قريتي يفك حرفا ً في خطاب
وكيف حال أختنا
هل كبرت . . وجاءها خُطـّاب ؟
وكيف حال جدتي
ألم تزل كعهدها تقعد عند الباب ؟
تدعو لنا . .
بالخير . . والشباب . . والثواب !
وكيف حال بيتنا
والعتبة الملساء . . والوجاق . . والأبواب ؟
سمعت في المذياع
رسائل المشردين . . للمشردين
جميعهم بخير !
لكنني حزين . .
تكاد أن تأكلني الظنون
لم يحمل المذياع عنكم خبرا ً ..
ولو حزين
ولو حزين

الليل - يا أماه - ذئبٌ جائع سفاحْ
يطارد الغريب أينما مضى . .
ويفتح الآفاق للأشباح ْ
وغابة الصفصاف لم تزل تعانق الرياح ْ
ماذا جنينا نحن يا أماه ؟
حتى نموت مرتين
فمرة نموت في الحياة
ومرة نموت عند الموت !
هل تعلمين ما الذي يملأني بكاء ؟
هبي مرضت يوما ً . . وهدّ جسمي الداء !
هل يذكر المساء
مهاجرا ً أتى هنا . . ولم يعد إلى الوطن ؟
هل يذكر المساء
مهاجرا ً مات بلا كفن ؟
يا غابة الصفصاف ! هل ستذكرين
أن الذي رَمَوه تحت ظلك الحزين
- كأي شيءٍ مَيِّت - إنسان ؟
هل تذكرين أنني إنسان
وتحفظين جثتي في سطوة الغربان ؟
أماه يا أماه
لمن كتبت هذه الأوراق
أي بريد ذاهب يحملها ؟
سُدّت طريق البر والبحار والآفاق . .
وأنت يا أماه
ووالدي ، وإخوتي ، والأهل ، والرفاق . .
لعلكم أحياء
لعلكم أموات
لعلكم مثلي بلا عنوان
ما قيمة الإنسان
بلا وطن
بلا عَلَم ْ
ودونما عنوان
ما قيمة الإنسان ؟