صفحة 1 من 5
مرسل: 09-28-2001 03:16 AM
بواسطة ريم الفلا
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=black face=
(1) تباريح الهوى
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=purple face=
لأن الشعر رديف الشعور.. ولأن الهوى مركز في منازل الشعور الإنساني الأكثر تجريدا والأقرب الى الصفاء الداخلي للإنسان.. لذلك كان الشاعر العاشق أفضل من قدم بيانا لمدارج الشعور وتباريح الهوى الغلاب.
وفي لحظات الذروة من تماهي الشعر بالشعور ينخطف القول إلى آفاق تمازج بين الرقة البالغة والجذبة الصاعقة.. يقول أحدهم:
وإني لتعروني لذكراك هزة
كما انتفض العصفور بلله القطر
انها صورة فريدة لذلك المتيم الذي مرت به صورة الحبيب فاهتز كما العصفور الذي ينتفض بعد أن تسقط عليه قطرات الماء!
ويقول الأخطل الصغير (يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا..) فالمشاعر تتساوى عند المقيم في زمن الوجد فلا فرق لديه بين الليل والنهار.. ولا خيط يفصل بين الشئ وضده، لأنه مستغرق في ذاته المتوجدة الحالمة التي تستمد وهج عاطفتها من الحبيب وتذوب فيه حد الانتفاء.
ويؤكد الجاحظ المعنى ذاته وهو يساوي بين الرؤية والغياب:
كأني لم أفجع بفرقة صاحب
ولا غاب عن عيني سواك حبيب
أما عند أبوالشيص فإن الهوى يقف حيث يكون الحبيب لا يتعداه قيد أنملة.
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=teal face=
استواء الشئ وضده: (بشارة الخوري)
يبكي ويختال لا حزنا ولا فرحا
كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا
من بسمة النجم همس في قصائده
ومن مخالسة الظبي الذي سنحا
قلب تمرّس باللذات وهو فتى
كبرعم لمسته الريح فانفتحا
ماللأقاحية السمراء قد صرفت
عنا هواها، أرق الحسن ما سمحا
لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن
لكنت أرفق من آسى ومن صفحا
غداة لوحت بالآمال باسمة
لان الذي ثار وانقاد الذي جمحا
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=green face=
الإقامة في الهوى: (أبوالشيص)
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي
متأخّـر عنه ولا متقدم
وأهنتني فأهنتُ نفسي جاهدا
ما من يهون عليك ممن يكرم
اشبهت اعدائي فصرت أحبهم
إذ كان حظي منك حظي منهم
أجدُ الملامة في هواك لذيذة
حبا لذكرك فيلمني اللوم
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=blue face=
المشاهدة في كل الأحوال: (الجاحظ)
بخدّي من قطر الدموع نذوب
وبالقلب مني مُذ نأيت وجيب
ولي نفس حتى الدجى يصدع الحشا
ورجع حنين الفؤاد مُذيب
ولي شاهد من ضر نفسي وسقمه
يخبر عني أنني لكئيب
كأني لم أفجع بفرقة صاحب
ولا غاب عن عيني سواك حبيب
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=2 color=black face=
* عن مجلة (كل الأسرة) زاوية ثقافة.
مرسل: 10-02-2001 12:35 AM
بواسطة ريم الفلا
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=black face=
(2) رجل السيف والقلم
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=green face=
كان الأمير عبدالقادر الجزائري، فارسا بالسيف والقلم، سطر بسيفه الأحداث الوطنية، والمعارك العسكرية، وسطر بقلمه الصفحات الفكرية والوقائع التاريخية.
ونشأ منذ نعومة أظافره على الأدب العربي القديم، وتأثر بشعرائه، وقال الشعر في أغراضه المختلفة من فخر وحماسة وعاطفة نبيلة، وعبّر عن عاطفة المحبة والإخلاص التي يكنها لزوجته من خلال هذه الأبيات:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=red face=
جفاني من أم البنين خيال
فقلبي جريح والدموع سجال
وماهي إلا الروح بل إن فقدتها
فإنّ بقائي دونها لمحال
فقولوا لها إن كنت ترضين عيشتي
فجودي بطيفٍ إن يعز وصال
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=green face=
وقال شعرا في جمال الطبيعة وتأثيرها في النفوس، وقال القصائد الكثيرة في وصف الأماكن التي زارها أو اقام بها، كما سجل معاركه مع الفرنسيين في أبيات شعر تنطق بطولة وفداء.
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=red face=
ومن جميل شعره في الفروسية قوله:
فخيلنا دائما للحرب مسرّجة
من استغاث بنا نبشره بالظفر
نحن الملوك فلا تعدل بنا أحدا
وايّ عيش لمن قد بات في خفر
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=5 color=green face=
وللأمير عبدالقادر مؤلفات في التصوف والعقيدة والأخلاق، ومنها:
* المقراض الحتد لقطع لسان الطاعنين في دين الإسلام من أهل الباطل والإلحاد.
* ذكرى العاقل في تنبيه الغافل.
* المواقف في التصوف، ويتضمن مقدمة وثلاثة أجزاء.
* ديوان شعر، صدر لاحقا بعنوان (ديوان الأمير عبدالقادر) من شرح وتحقيق ممدوح حقي.
مرسل: 10-05-2001 09:34 AM
بواسطة رائد أنيس الجشي
<font face=Traditional Arabic font size=5 color= blue>
يعطيك ألف عافية ريم
و(feed me more)
الموضوع يهمني
وفائدتي منه كبيرة
دمت
مرسل: 10-09-2001 12:46 AM
بواسطة ريم الفلا
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
(3) البردوني الحاضر الغائب
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
من الخصائص الفريدة للشاعر الرحال عبدالله البردوني قدرته على استشراق المستقبل .. وقراءة المستجدات مستعينا بالبصيرة التي جاءته منة من الله وتعويضا عن فقدان البصر.
عرف البردوني بثقافته الموسوعية التي بقدر ارتكازها الكبير على المعارف التراثية كانت حاضرة وبسخاء أفقي وراسي في الثقافتين العربية والانسانية المعاصرتين.. والى ذلك امتلك هذا الشاعر زمنا ابداعيايضعه بامتياز في معادلة تخترق فيزياء الزمان المألوف وتجعله مقيما في خيمة الاسلاف الراكزين كأحد ابرز الاصوات الشعرية .. وفي آن واحد حاضرا في التجديد الشعري على الرغم من تمسكه بالعمودي.
كانت ثقافة الرمز واحالة الموضوعات الة فضاءات تنزاح بالآني الى الاشمل ومن الشخصي الى الموضوعي.. ومن الجزئي الى الكلي واحدة من سماته الشعرية والرؤياوية. وسنرى في قصيدته بعنوان (مصطفى) والتي نختارها الآن لأهميتها في سياق اللوثة القائمة.
سنرى في هذه القصيدة معاني واستجلاءات تكشف الحال الراهن كما نخترق حجب المستقبل معيدة الى الأذهان كامل المتاهة التي كانت ولا زالت تتواصل في الزمن العربي.
مصطفى .. هو ذلك الرمز الذي يومئ الى الصمود واليقين بقوة الحق. انه لا يخشى العتاة المتجبرين لأنه اقوى منهم:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فليقصفوا، لست مقصفْ
وليعنفوا، أنت أعنف
وليحشدوا، أنت تدري
إن المخيفين أخوف
أغنى، ولكن أشقى
أوهى، ولكن أجلف
ابدى، ولكن أخفى
أخزى، ولكن أصلف
لهم حديد ونار
وهم من القش أضعف
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
(مصطفى) يتوازى مع ابن الارض المحتلة.. والمعذبين في أرجاء العالم الجنوبي الواسع للمعمورة، ممن يتلظون بالنيران الحامية لعولمة الهيمنة والتسلط. إنه ذلك الانسان البسيط المتلبس بعلاقته العضوية بالأرض والسماء.. المتعود على الموت.. المأخوذ بأحوال البشر فرحا وحزنا.
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
يخشون إمكان موت
وأنت للموت أألف
وبالخطورات أغرى
بالقرارات أشغف
لأنهم لهواهم
وأنت بالناس أكلف
لذا تلاقي جيوشا
من الخواء المزخرف
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
(مصطفى) هو المقابل الانساني والموضوعي للظلام والضلالات.. انه ذلك الذي لا يبحث في تحريف الحقائق .. ولا تهمه شوارد الايام، بل يظل ي اقامة سرمدية داخل المعنى .. ذلك المعنى الذي ينبثق من رؤية صافية بللورية لا تعرف الفذلكة والكذب تلك التي يتلهى بها الكذابون المعادون للانسان ممن قال فيهم البردوني:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
يجزئون المجزّا
يصنفون المصنّـف
يكثفون عليهم
حراسة، أنت أكثف
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
ويعتلي البردوني برمزه وخياره مصورا مقدمات انعتاقه وحالة فورانه التي تتجاوز مقاييس الظالمين ومحدداتهم الميكتنيكية.. فمصطفى ينبري (كفجأة الغيب) ويزحف كالبراكين ويحاصر الوقت بسباق يُتعب ولا يُتعب المكافح.
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
كفجأة الغيب تهمي
وكالبراكين تزحف
تنثال عيدا، ربيعا
تمتد مشتى ومصيف
نسغا إلى جذر
نبضا إلى كل معزف
***
ماقال عنك انتظار
هذا انثنى، أوتحرّف
ماقال نجم تراخي
ماقال فجر تخلـّف
تسابق الوقت يعيا
وأنت لا تتوقف
فتسحب الشمس ذيلا
وتلبس الليل معطف
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
ذلك هو (مصطفى) الذي نتوق إلى أمثاله في هذا الزممن الذي حاصرنا بالموبقات والرزايا.. وانهارت فيه معايير العقل والمنطق فاسحة المجال لمتوالية جهنمية من الغلو والغلواء.
الرمز الذي نحته البردوني من تضاعيف ذاكرته اليمانية ومعاناته العربية وحضوره الحاسم في نواميس التاريخ هو الذي يقاوم اليوم آلة الارهاب الصهيونية في فلسطين.. ويتصدى للملمات والتحديات.. فهو ليس متطرفا.ز بل حالما رومانسيا وانشانا شغوفا بفعل الخير.
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أحرجت من قال: غالي
ومن يقول: تطرّف
إن التوسّط موت
اقسى، وسموه، ألطف
لأنهم بالتلهي
أرضى، وللزيف أوصف
وعندك الجبن جبن
مافيه أجفى وأظرف
وعندك العار أزرى
وجها، إذا لاح أطرف
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
وحالما نصل مع شاعرنا إلى هذه المثابة نقف على دلالات كبرى للأوصاف والنعوت.. فالتوق إلى الحياة عكس الجبن.. وحب الخير لا يتوازى مع الانكسار والخنوع.
يجد البردوني كامل القابلية للسباحة في عوالم رمزه، بلغة شعرية تشق طريقا للتجديد على الرغم من البناء الكلاسيكي.
مفرداته تشتق معانيها من قواميس الماضي والحاضر.. وصوره تستمد غنائياتها من متوالية المعاناة والتحديات التي تجابهنا.
اننا احوج ما نكون الى احياء رمز البردوني الذي اختصره في (مصطفى) وفتح له كل ابواب النماء والانتشار الذي بسعة أيامنا وتداعياتها.
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
مصطفــــــى
يا مصطفى أي سر
تحت القميص المنتّف
هل أنت أرهف لمحا
لأنّ عودك أنحف
أأنت أخصب قلبا
لأن بيتك أعجب؟
هل أنت أرغد حلما
لأن محياك أشطف
لم أنت بالكل أجفى
من كل أذكى وأثقف
من كل نبض تُغني
يبكون (من سبت أهيف)
إلى المدى أنت أهدى
وبالسراديب أعرف
وبالخيارات أدرى
وللغارابات أكشف
وبالمهمات أمضى
وللملمات أحصف
فلا وراءك ملهى
ولا أمامك مصرف
فلا من البعد تأسى
ولا على القرب تأسف
لأن همك أعلى
لأن قصدك أشرف
لأن صدرك أملى
لأن جيبك أنظف
قد يكسرونك لكن
تقوم أقوى وأرهف
وهل صعدت جنيا
إلالترمي وتقطف
قد يقتلونك تأتي
من آخر القتل أعصف
لأنّ جذرك أنمى
لأن مجراك أريف
لأن موتك أحيى
من عمر مليون مترف
فليقذفوك جميعا
فأنت وحدك اقذف
سيتلفون ويزكو
فيك الذي ليس يتلف
لأك الكل فردا
كيفيّـة لا تكيّـف
يا مصطفى ياكتابا
من كل قلب تألف
ويازمانا سيأتي
يمحو الزمان المزيّـف
مرسل: 12-02-2001 05:13 AM
بواسطة ريم الفلا
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
(4) فن الخلاف والاختلاف
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
لأن الشاعر العربي كان في اساس المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمعات العربية .. وكان إلى ذلك يتميز بمكانة خاصة في تلك المجتمعات لجهة كونه لسان حال الحاكم أو المعبر عن راي فرقة من الفرق أو المرشد إلى فكرة معينة .. لهذه الأسباب مجتمعة ورثنا من ديوان الشعر العربي نصوصا تتضح بعفوية الانتماء للمكان وآلياته واشكالاته .. فلم يقف الشاعر عند تخوم الأحداث الكبرى وتجلياتها كما يفعل ابي تمام في موقعة (عمورية) قائلا:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
السيف اصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشــك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة
بين الخمسين لا في السبعة الشهب
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
أو كما قال ابن زيدون بهد سقوط الدولة العربية الإسلامية في الأندلس:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لكل شئ إذا ما تم نقصان
فلا يغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن سائته أزمان
وهذه الدار لا تبقى على أحد
ولا يدوم على حال لها شان
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
لم يكن حضور الشاعر عند حد المشهد الأكثر تراجيدية وملحمية بل كان البيان الشعري يغوص في تفاصيل الحياة اليومية مسجلا الومضات واللحظات والانهيارات والانبثاقات وغيرها من صروف وأحوال.
ولأان حياة العرب في الدولتين الأموية والعباسية اتسمت بدرحة كبيرة من الازدهار الروحي والثقافي، كان من الطبيعي أن نرث ديونا شعريا عامرا بالابداع والرؤى .. حافلا بالرأي الآخر .. مترعا بالذائقة المرهفة وحسن الفطنة حتى أن التناقضات كانت تظهر الحسن لا القبيح مصداقا لقول الشاعر:
(والحسن يظهر حسنه الضد)
لذلك وجدنا ضروبا من الكلام وتخريجات شعرية ترينا درجة السماحة وروح المرح والقدرة على تذويب المشاعر الجياشية في رحيق فن الخلاف والاختلاف الذي لا يفسد للود قضية .. فيما يجعل الحياة مزدهرة بالمزيد من (ازهار تتفتح، ومدارس فكرية تتبارى) كما يقول الماركسي-التاوي الصيني ماوتسي تونج.
فها هو الشاعر حماد عجرد يقع في خطيئة شرب الخمر مع نظيره الشاعر أبي دلامة فيتم القبض على حماد .. ويهرب أبودلامة .. وحالما يتم وضع الأول في السجن بعد التعزيز يكتب ابياتا إلى أمير المؤمنين المهدي تجمع بين الاسترحام والطرافة .. يقول:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أمير المؤمنين فدتك نفسي
علام حبستني وخرقت ساجي
أقاد إلى السجون بغير ذنب
كأنيّ بعض عمال الخراج
ولو معهم حبست لهان وجدي
ولكني حبست مع الدجاج
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
لكن الروح الاحتجاجية في النص تتواصل مع اعتراف ضمني بالخطيئة حيث ان حماد يقرر أنه حُبس مع الدجاج جزاء لما اقترفه من اثم.
للشاعر ذاته هجاء من النمط الشفيف الرقيق.. فها هو يهجو أحد البخلاء بطريقة تشي باللطف والتبرير حتى يخيل للقارئ ان هذا الهجاء يحتمل التبرير.. يقول:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
زرت امرأ في بيته مرة
له حياء وله خير
يكره أن يتخم أضيافه
إن أذى التخمة محذور
ويشتهي أن يؤجروا عنده
بالصوم والصائم ماجور
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
أما الشاعر ابوشيص: المذكور في (طبقات المحدثين) عند عبدالله ابن المعتز فإنه يخاطب حبيبته التي تتمنع عنه .. لكنه يذوب فيها وجدا ويجد التبرير الفلسفي الذي يذكرنا بالتقاء النقيضين وقابلية أن يستمر الحال على الرغم من رفض الآخر وانصرافه للصد والهجر.. يقول:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وقف الهوى بي حيث انت فليس لي
متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة
حبا لذكرك فليلمني اللوم
وأهنتني فأهنت نفسي جاهدا
ما من يهون عليك ممن يُكرم
اشبهت أعدائي فصرت أحبهم
إذ كان حظي منك حظي منهم
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
ولأبي يعقوب الحزيمي قول سري مسرى الهواء في ذاكرة محبي الكلام الباحثين عن تعليل الشطحات وتنسيبها للظن .. يقول:
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ارض لي سوء ظنوني
وحرارات انينـي
أنت ماتصنع بالهجر
كفى سوء ظنوني
أوما يكفيك أني
بك مقطوع القرين
<DIV align=justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=brown face=
هذه النصوص وأمثالها تبين لنا كيف أن ثقافة السماحة وشمول الرؤية انعكست على الشعر وجعلت الأوائل أقوى حجة واكثر قدرة على إدارة الخلاف والاختلاف على قاعدة التكامل والتمايز..
التناسق في الرؤية ومزاج الحياة على الرغم من التنوع الواسع الكبير.
مرسل: 01-05-2002 10:47 PM
بواسطة ريم الفلا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
(5) الــــورد
<DIV =center><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=navy face=
الورد والفراشات صفة أصيلة للمروج الجميلة.. حالة من الروائح الخاصة والمباهج البصرية التي تحيط بنا، ونحن نكتشف على الطبيعة وأحوالها المترعة بالانشاء والصفاء.
الفراشة تحوم حول المصباح مستأنسة بالنور، معيدة انتاج التوق والانخطاف بالضياء.. وحالما تدور دورتها الأولى والثانية تتجه صوب المنبع متماهية مع النور باحثة عن الانتقاء والخلاص المستحيل.
في الغابات السحرية تركض الطفولة البريئة وراء الفراشات وتراقب بدهشة انبثاقات الأزهار الصفراء، الحمراء، الرزقاء.. لكن هذا الحراك العفوي يتواصل مع المدى المفتوح لحقول وردية شاسعة.
* في أشعار العرب محطات ومحطات .. يقول الشاعر:
أتاك الربيع الطلق يغتال ضاحكا
من الحسن حتى كاد أن يتكلمــا
وقد نبّـه النيروز في غسق الدّجى
أوائل ورد كنّ بالأمس نوّمـــــا
* وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(لو كان لي الخيار بأن أختار .. لما كنت غير بائع للأزهار.. فإن فاتني الربح.. لم يفتني العطر).
* وقال الشاعر متحدثا عن مروج الصباح:
يخطط الأرض في نظم واتقان
كأنها ريشة في كف فنان
يخط الأرض لكن لا يلونها
فإن نما زرعها ازدانت بألوان
* وعند حكماء الصين حكم ومآثر منها قول أحدهم:
(إذا كان لديك رغيفان، فبع أحدهما واشتر بثمنه باقة زهر فالخبز غذاء للجسد، والزهر غذاء للروح)
* وعند الأخطل الصغير نص كامل مع لوازم عامية أعطت له قابلية غنائية فولدت أغنية على النحو التالي:
يا ورد من يشتريك
وللحبيب يهديك
يهدي إليه الأمل
والهوى والقبل
ياورد
أبيض غار النهار منه
خجول محتار باس الندى خده
وجارت عليه الأغصان
راح للنسيم واشتكى
جرّح خدوده وبكى
أفدي الخدود التي
تعبث في مهجتي
ياورد ليه الخجل
فيك يحلو الغزل
ياورد
يارود أحمر قوللي
قوللي ده مين جرحك
جرّح شفايفك وخلي
على شفايفك دمك
شقت جيوب الغزل
وانبح صوت القبل
على الشفاه التي
تشرب من مهجتي
ياورد ليه الخجل
فيك يحلو الغزل
أصفر من السقم أم
من فرقة الأحباب
ياورد هون عليك
عاد بلبلك ولهان
يسأل عليك الربى
والزهر والأغصان
يهتف أين التي
وهبتها مهجتي
ياورد ليه الخجل
فيك يحلو الغزل
ياورد
* كما أدلى الشاعر بيرم التونسي بدلوه في شعر الغناء الذي يعتمد على استنطاق الوردة بالوصف الذي يجلي جماليات هذا النبات الاستثناء وقابليته لأن يكون خير وسيط ودليل للعاطفة.. يقول:
الورد جميل وله أوراق
عليها دليل من الأشواق
إذا أهداه حبيب لحبيب
يكون معناه وصاله قريب
شوف الزهور واتعلم
بين الحبايب تتكلم
شوف واتعلم
والنرجس مال يمين وشمال
على الأغصان بتيه ودلال
عيونه تقول معانا عذول
تعالى بعيد عن العزال
شوف الزهور واتعلم
بين الحبايب تتكلم
شوف واتعلم
يافل ياروح الروح
من شم هواك عمره ماينساك
لكل جميل تقول بلغاك
حبيب مشتاق يستناك
شوف الزهور واتعلم
بين الحبايب تتكلم
شوف واتعلم
شوفوا الياسمين جميل نعسان
حلي له النوم على الأغصان
بكل حنان تضمه الايد
وبه تزداد صدور الغيد
شوف الزهور واتعلم
بين الحبايب
شوف واتعلم
* وعلى المنوال ذاته ينوّع الشاعر محمد صالح القرق قائلا:
زهرة الورد تغني واهمنس
أرسلي نجواك عند الغلس
وتهادي في خميل وازدهي
قبّلي نورَ الصباح الأملس
وتثني بجمال باهر
وابعثي العطر ورقي وانعسي
وانشري عبر نسيم أرجا
فشذاه بهجة للنفس
أنت نور وجمال فاتن
أنت أفراح لضيق الأنفس
أنت للحسن ضياء وسنا
أنت وهج للصباح المشمس
أنت عطر للحنايا مُرسلة
كل آن نفحة في المجلس
هاهو الطير وقد غنى لنا
غردا في بهجة المستأنس
وهفت أنفاسه هيمانة
لجمال فيك غض الملمس
وحناياه تلظت تشتكي
عند ترديد النشيد السلي
فيك ياما قد تغنى الشعرا
رددوا الآه بليل حُندس
وشدا الحادي ينادي في الدجى
منك يشكو للجواري الكنس
يازهورا قد براها خالقي
فسناها روعة كالقبس
أنت صنع الله في إتقانه
أنت إعجاز متين الأسس
قدرة الوهاب خلاق الملا
قد تعالت عن مجال الحدس
وهكذا نصل إلى نهاية التطواف في أرض الورود والرياحين.. ذلك المزاج الذي تتخطفه الرؤية الصافية والروائح الزكية والتباينات المدهشة لأزهار الحقول البرية وتهاديات الإنسان السيكولوجية التي كالبحر جيشانا فسكينة تُجلي أجمل العوالم.
تراث اون لاين
مرسل: 01-05-2002 11:16 PM
بواسطة الثقافة
تحية عطره لريم فلاة العلم و بحر العطاء التراثي الامتناهي
تحية لرائد الكفاح ضد الظلم ..
منذ امد قلت بعد ان تصفحت العديد من المواقع الاجنبية الفلسفية و الشعرية التي لاتنتهي و لا يمكن الالمام بها ....اليس بالامكان ان نجد مواطن لادبنا و فلسفتنا على جلد هذا الاخطبوط الرهيب الذي وسع كل شيئ الا ما يخصنا ....
غير ان ريم الفلا بزغت تتهادى بشدها السامق الثقيل من بين اشعة الاصيل و اغصان الطلح العارية و جذوع النخل المكتنزة لتحل المعضلة و تقول بانه ممكن و ليش موممكن .....
مرسل: 01-05-2002 11:48 PM
بواسطة ريم الفلا
<DIV =center><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=navy face=
اخي الكريم الثقافة
هذا قليلا مما لديكم ...
شكرا على التواصل وننتظر مشاركاتك معنا
تحياتي للجميع
ريم الفلا
مرسل: 01-10-2002 02:51 AM
بواسطة ريم الفلا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
(6) الفئات
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=darkgreen face=
لقد كنتُ منذ زمن ليس بالقريب وأنا أبحث عن شعر يجمع تعريفا للشعوب والقبائل، كما قال الله تعالى جلّ من قائل: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وما تفرّع عنهما، حتى وقعت عيناي على هذي الابيات الجامعة الشاملة للفئات التي يتكوّن منها المجتمع في تقسيماته الستّة إلى مجموعات أكبرها (1) الشّعب، تليه (2) القبيلة، (3) والعمارة، (4) البطن، (5) الفخذ، (6) الفصيلة.. وقد فصلها الشاعر الغرناطي محمد بن عبدالرحمن فقال:
الشّعب ثم القبيلة وعمارة
بطْنٌ وفخذ والفصيلة تابعه
فالشعب مُجتمع القبيلة كلها
ثم القبيلة للعمارة جامعه
والبطن تجمعه العمائر فاعلمنْ
والفخذ تجمعه البطون الواسعه
والفخذ يجمعُ للفصائل هاكَها
جاءتْ على نسق لهما متتابعه
فخُزيْمة شعب وإنّ كنانـــــة
لقبيلة منها الفضائل شائعة
وقريْشها تُسْمي العمارة يافتى
وقُصيّ بطنٌ للأعادي قامعـــــه
ذا هاشم فخذٌ وذا عباسها
أثرُ الفصيلة لا تناط بسابعه
وأخيرا أقول: ظلت بعض الفئات وما برحت تتطاول تفاخرا بالأنساب ولو رجعتْ إلى كلام ربّها عزّ وجل في قوله: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) لأراحتْ واستراحت.
قال الشاعر:
النّاس من جهة التمثيل أكفاءُ
ابوهمُ آدمٌ والأمّ حـــــــواء
وإنْ يكن لهم في اصلهم شرفٌ
يفاخرون به فالطين والماء
ما الفخر إلا لأهل العلم إنّهم
على الهُدى لمن استهدى أدلاءُ
مرسل: 01-23-2002 02:14 PM
بواسطة ريم الفلا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
(7) ظلال حول اللاميات
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
بين القصيدتين صلات مشتركة تدفع إلى إلقاء هذه الظلال بعيداً عن الغلو والإفراط كما ظهر ذلك في بعض الدراسات حتى فقدت طابع اليسر والسماحة.
البعد عن الأهل والإحساس بالغربة:
كلا الشاعرين بعيد عن أهله، ناءٍ عن أصدقائه، ولكن كلاً منهما يستقبل النأي والغربة استقبالاً مختلفاً تماماً.
فالشنفرى صلب الإرادة، قوي النفس، ماضي العزم، يتخذ أهلاً له جدداً من الوحوش المفترسة، فأصدقاؤه: الذئاب والنمور والضباع والحيات، استمع إليه يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لَعَمْرُكَ، ما بالأرض ضـــيقٌ على أمرئٍ
سَـــرَى راغباً أو راهباً، وهو يعقلُ
ولي دونكم، أهــــلونَ: سِيْدٌ عَمَلَّسٌ
وأرقطُ زُهــلـول وَعَــرفاءُ جــيألُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أما الطغرائي:
فرقيق الحاشية، واهي العزم، فما إقامته ببغداد وليس له فيها صديق يشكو إليه حزنه ويزف إليه فرحه، إلى دليل على ذلك، ولذلك يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فيم الإقامةُ بالزوراءِ لا سَـكنِي
بها ولا ناقـــتي فيها ولا جملي
ناءٍ عن الأهلِ صِـفر الكف مُنفردٌ
كالســيفِ عُرِّي مَتناه عن الخلل
فلا صــــديقَ إليه مشتكى حَزَني
ولا أنيسَ إليه مُنتهى جــــذلي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
فتجد في حديثه رنة الأسى، ونبرة الحزن، وضعف النفس متمثلاً في قوله ناءٍ عن الأهل، صفر الكف، منفرد، فلا صديق أبثه حزني، ولا أنيس أخلو إليه من وحدتي، فالرجل لايقوى على مثل هذه المواقف كما يقوى عليها الشنفرى الذي يقرر حقائق وَطَّن نفسه عليها
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وفي الأرض مَنْأىً، للكــريم، عن الأذى
وفيها، لمن خــــاف القِلى، مُتعزَّلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
ثم يقسم على ذلك ويجد البديل عن الأهل في هذه الوحوش التي أنس إليها وأنست إليه.
والشنفرى:
يستعيض عن فقد من لم يجد فيهم خيراً وليس في صحبتهم نفع بثلاثة أصحاب، هم قلبه الشجاع الجسور، وسيفه الصقيل، وقوسه الصفراء المتينة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وإني كفاني فَقْدُ من ليس جازياً
بِحُســــنى، ولا في قـربه مُتَعَلَّلُ
ثلاثةُ أصـحابٍ: فؤادٌ مشــيعٌ،
وأبيضُ إصـليتٌ، وصـفراءُ عيطلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أما الطغرائي:
فإنه يقصد من يعوضه عن الأهل والأصدقاء لأن له هدفاً هو بسطة الكف، وسعة العيش، يستعين به على ما يريده من الوصول إلى العلا والرفعة، ولكن الدهر يعاكسه، ويقف في طريقه، فيرضى من الغنيمة بالإياب:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أريدُ بســطــةَ كفٍ أسـتعين بها
على قـضـاء حقوقٍ للعلى قِبَلي
والدهـر يعكــس آمالي ويُقنعني
من الغنيمة بعد الكدِّ بالقفلِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
والشكوى، والتودد، ومحاولة الاستمالة للحصول على مطلوبه، كل ذلك واضح في قوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فقلتُ: أدعوك للجلَّى لتنصرني
وأنت تخذلني في الحـــادث الجللِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وكل منهما يذكر المرأة في لاميته غير أن منهج كل واحد منهما مختلف عن الآخر، فالشنفرى ليس رجلاً جباناً قعيد منزله، لاجئاً عند زوجته يشاورها في كل الأمور بل هو شجاع تعلو نفسه عن الركون إلى المرأة، ولايقصد إليها. فهو ليس رجلاً قليل الخير، لايفارق داره، يصبح ويمسي جالساً إلى النساء لمحادثتهن يدهن ويتكحل كأنه منهن:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولســـتُ بمهيافِ، يُعَشِّى سَوامهُ
مُـجَـدَعَةً سُــقبانها، وهي بُهَّلُ
ولا جبأ أكهى مُرِبِّ بعرسـِـــهِ
يُطـالعها في شـأنه كيف يفعلُ
ولا خــالفِ داريَّةٍ، مُتغَزِّلٍ،
يروحُ ويغـدو، داهناً، يتكحلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أما الطغرائي:
فإن نفح الطيب المنبعث من المرأة يهديه في طريقه، ويجذبه إليه فيدعو صاحبه أن يحث السير إليها، وحب النساء يصمي قلبه، وعيونهن النجلاوات ينفذن إلى شغاف نفسه، فيقع أسيراً لهن
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فسر بنا في ذِمام الليل معتسِفاً
فنفخةُ الطيبِ تهــدينا إلى الحللِ
تبيتُ نار الهـوى منهن في كبدِ
حرَّى ونار القرى منهم على القُللِ
يَقْتُلْنَ أنضـاءَ حُبِّ لا حِراك بهم
وينحـرون كِــرام الخيل والإبلِ
لا أكرهُ الطعنة النجلاء قد شفِعت
برشـــقةٍ من نبال الأعين النُّجلِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وكل منهما يدعو إلى المعالي ويتمرد على الذل، فالشنفرى يرتكب الصعب من الأمور، فيقاوم الجوع حتى ينساه، ويذهل عنه، ولو أدى به الحال إلى أن يستف التراب حتى لا يرى لأحدِ فضلاً عليه فنفسه مرة لا تقيم على الضيم، ولا ترضى به مهما كانت الأمور:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أُدِيمُ مِطالَ الجــوعِ حتى أُمِيتهُ،
وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحاً، فأذهَلُ
وأستفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى لهُ
عَليَّ، من الطَّـوْلِ، امرُؤ مُتطوِّلُ
ولكنَّ نفســاً مُرةً لا تقيمُ بي
على الضــيم، إلا ريثما أتحولُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أما الطغرائي:
فيرى أن حب السلامة يثني همم الضعفاء فيغريهم بالكسل والخمول، ويدفعهم إلى تجنب المغامرات، والبعد عن الأهوال، والإنزواء عن الناس. وأما المعالي فإنها تدعو صاحبها إلى المغامرة وركوب الأخطار:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
حبُّ الســلامةِ يثني هم صاحبهِ
عن المعالي ويغري المرء بالكسلِ
فإن جـنحـتَ إليه فاتخـذ نفقاً
في الأرض أو سلماً في الجوِّ فاعتزلِ
ودع غمار العُـلا للمقدمين على
ركوبها واقـتنعْ منهن بالبللِ
يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مسكنهُ
والعِـزُّ عند رسـيم الأينق الذّلُلِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وكل منهما لا يرضى بالإقامة ولكن مطلب كلٍ منهما مختلف، فالشنفرى طريد جنايات ارتكبها، يتوقع أن تنقض عليه، فهو هارب من وجه الساعين إلى دمه، ينام بعيون يقظى، فلا يضع جنبه على وجه الأرض حتى تعاوده الهموم من كل جانب، وقد اعتاد هذه الهموم وألفها، ولذلك يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وآلف وجه الأرض عند افتراشـها
بأهـدَأ تُنبيه سَـناسِـنُ قُـحَّلُ؛
طَـرِيدُ جِناياتٍ تياسـرنَ لَحْـمَهُ
عَـقِـيرَتُهُ فـي أيِّهـا حُـمَّ أولُ،
تنامُ إذا ما نام، يقظى عُيُونُها،
حِثاثـاً إلى مكـروهــهِ تَتَغَــلْغَلُ
وإلفُ هــمـومٍ مـا تـزال تَـعُودهُ
عِـياداً، كحمى الرَّبعِ، أوهي أثقلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أما الطغرائي : فإنه لايرضى بالإقامة، لأن نفسه تحدثه أن العز الذي يريده لا يتحقق بإقامته وإنما يتحقق بالتنقل والرحلة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
إن العلا حــدثتني وهي صـادقةٌ
فيما تُحـدثُ أن العز في النقلِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
كما أنه يهدف إلى تحقيق آماله، التي يتوقع حصولها يوماً بعد يوم:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أعللُ النـفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وكل منهما له في الحديث عن الصبر حِكمٌ تسير مع الزمن، فالشنفرى مولى الصبر يلبس ملابسه على قلبِ مثل السِّمع، والسِّمع هو الذئب الشجاع، وينتعل الحزم:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فأني لمولى الصـبر، أجتابُ بَزَّه
على مِثل قلب السَّمْع، والحزم أنعلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وهو لايجزع من الفقر ولا يفرح للغنى:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وأُعدمُ أحْياناً، وأُغـنى، وإنما
ينالُ الغِنى ذو البُعْدَةِ المتبَذِّلُ
فلا جَـزَعٌ من خِلةٍ مُتكشِّفٌ
ولا مَرِحٌ تحـت الغِـنى أتخيلُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
لكن الطغرائي: يتبرم من إدبار الدنيا عنه، وإقبالها على غيره، ويشكو لأن أناساً أقل منه قد سبقوه، وكان حظهم أعظم من حظه:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ماكنتُ أوثرُ أن يمتد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغاد والسفلِ
تقدمـتـني أناسٌ كان شوطُهمُ
وراءَ خطوي لو أمشي على مهلِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وقد شاعت الحكمة وانتشرت في كلا القصيدتين، حتى تغنى الناس بحكم كل منهما ومن حكم الطغرائي التي يرددها الناس على مرِّ الزمان قوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وإن عـلاني مَنْ دوني فلا عَجبٌ
لي أسوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحلِ
وقوله:
أعـدى عــدوك من وثِقـتْ به
فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ
فإنما رُجـل الدنيا وواحـدها
من لايعولُ في الدنيا على رجلِ
وقوله:
وحُســن ظنك بالأيام معجزَةٌ
فَظنَّ شراً وكن منها على وجَلِ
****
غاض الوفاءُ وفاض الغـدر وانفرجت
مسـافة الخُلفِ بين القوْل والعملِ
****
وشـان صدقكَ عند الناس كذبهم
وهلْ يُطـابق مِعْـوجٌ بمعتدلِ
****
فيم اقتحامك لجَّ البحـر تركبهُ
وأنت تكـفيك منـهُ مصة الوشـلِ
****
مُلكُ القناعـةِ لا يُخشى عليه ولا
يُحتاجُ فيه إلى الأنصـار والخَولِ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
خلاصة:
والواقع أن الحكم المنتشرة في لامية الشنفرى منتظمة ضمن ذلك العقد الذي ينتظم قصيدته، وضمن تجربته في الحياة، إنها فرائد منها مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً قوياً محكماً.
أما فرائد الطغرائي، فمتناثرة في قصيدته، والرابط بينها ليس من الإحكام والقوة التي ظهرت في لامية الشنفرى فقد جاءت مرتبطة حيناً بتجاربه في الحياة، ومرارة العيش التي يشكو منها، وأحياناً يضعف ذلك الخيط الذي يربطها فيبدو واهياً ضعيفاً، وتبدو متراصة بعضها بجوار بعض في معزل عن تلك التجارب.
مرسل: 02-11-2002 01:29 PM
بواسطة ريم الفلا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
(8) شاعر يرثي نفسه
شاعر لم يعش شاعراً، ولكنه مات شاعراً
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
عاش عمره كله يغني بسنانه للحرب، لا يغني بلسانه للحب، لا يعمل لوصال الأحبة، وسلب القلوب، ولكن يعمل لقطع الطرق، وسلب القوافل. كان لصاً من أشهر لصوص العصر، ثم تاب ومشى إلى الجهاد في جيش ابن عفان، حتى أدركته الوفاة وهو على أبواب خراسان، فرثى نفسه بهذه القصيدة، التي لا أعرف في موضوعها (أي رثاء الشاعر نفسه) إلا قصائد معدودة في آداب الأمم كلها وإنها لتختلف الألسنة والألوان، وتتبدل المذاهب والأديان، وتتباعد المنازل والبلدان، ولكن شيئاً واحداً لا يختلف بين نفس ونفس، ولا يتبدل بتبدل الأعصار والأمصار، هو العواطف البشرية، إن أناشيد المجنون لليلى أناشيد كل عاشق أينما كان، وقصة (بول وفرجيني) قصة كل شاب مغرم في كل زمان، وخطب (فيخته) هي خطب كل أمة قد هبت تبني المجد، وتعمل للحياة.
عربي عاش عمره كله في جزيرته، ما استمتع بحياتهن ولا ناجى طيف ذكرياته، ولا انتشى برحيق آماله، لأنه لم يجد يوم راحة، يخلو فيه إلى نفيه فيحس لذة الأحلام، وجمال التذكر، وسحر الأمل، لينبثق في نفسه الشعر المخبوء فيها، كما يختبئ الماء في بطن الجبل، يرقب معولاً يفتح له الطريق
وهاهو ذا الآن ملقى على صعيد غريب عنه، في بلاد لا يعرفها ولا تعرفه، ولا يألفها ولا تألفه، فهو يتذكر الآن (الآن فقط) بلده وأرضه، ويدرك قيمة تلك النعم الجسام، ولا يدرك المرء قيمة النعم إلا بعد زوالها، وتثور في نفسه الأماني، فلا يتمنى إلا أن يبيت ليلة أخرى بجنب الغضى، وأن يسوق كرة أخرى إبله إلى المرعى، ويذكر كيف كان يزدري هذه النعمة التي يراها الآن عظيمة، ويتمنى (وليس ينفع التمني) لو أنه لم يسر من تلك الديار، أو لو أنه ظال الطريق حتى يستمتع بها
واسمعوه الآن يقول بألفاظه ورنّته، وقافيته الباكية التي تذكركم بقصيدة أخرى من وزنها وروّيها، لشاعر يماني غريب هو عبد يغوث
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
ألا ليـت شعـري هـل أبيتـن ليلـة
بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا 1
فليـت الغضى لم يقطع الركب عرضه
وليـت الغضى ماشى الركـاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى (لو دنا الغضا)
مـرار ولكـن الغـضى ليـس دانيـا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويلوم نفسه ويعجب منها كيف سوّغت له أن يقبل بهذا النفي راضياً مختاراً، ويعجب من أبويه كيف لم ينهياه، وما الذي جاء به إلى باب خراسان وقد كان نائياً عنه
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
ألم تراني بعت الضـلالة بالهدى
وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا 2
لعمري لئن غالت خراسان هامتي
لقد كنت عن بابي خراسان نائيا
فلله درّي يـوم أتـرك طـائعـاً
بنيّ بأعلى الرقمتين ومـاليـا 3
ودرّ الظـبـاء السانحات عشية
يخبِّـرن أني هالك مـن ورائيـا
ودرّ كبيـريّ اللذيـن كلاهـمـا
عليّ شفيق نـاصـح لو نهـانيـا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
واسمعوه كيف يفتش عمن يبكي عليه فلا يجد أحداً، لا يجد من يبكيه إلا سيفه وفرسه، وليس ينفع الميت أن يذكره ذاكر إلا ذاكراً بدعاء أو صدقه، ولا يضره أن ينساه الناس، وما حفلات التأبين للميت ولكن للأحياء يصعدون على قبر الميت ليقولوا للناس انظروا إلينا، واسمعوا بياننا، وصفقوا لنا، ولقد صدق سبنسر إذ قال: كلنا يبكي في المآتم وكل يبكي على ميته ليس ينفع بكاء ولا نواح ولكنها غريزة التمسك بالحياة والاستكثار منها
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
تذكرت من يبكي عليّ فلم أجد
سوى السيف والرمح الردينيّ باكيا 4
وأشقـر خنذيـذ يجرَّ عنانـه
إلى الماء لم يترك له الدهر ساقيـا 5
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وأرجو أن تتجاوزوا عن كلمة (خنذيذ) التي ترونها غريبة ولم تكن غريبة أيامه. وانظروا إلى جمال الصورة وروعتها. هذا الحصان يتلفت يمنة ويسرة ويدور وينعطف ويفتش عن صاحبه فلا يلقاه، فينسى الطعام والشراب، حتى يبرّح به العطش ولا يجد من يسقيه، فيجر عنانه (انتبهوا إلى دقة الوصف في جر العنان أي الرسن) إلى الماء
لو أن مصوراً صور معنى هذا البيت لكان لوحة من ولوحات العبقرية، وما أكثر ما في هذه القصيدة من صور
وهاكم هذه اللوحة التي بلغت من الروعة أبعد الغايات، والتي تذيب القلوب، فتسيلها دموعاً، هذه اللوحة التي أعرضها كما هي، لا أحب ان أفسدها بشرح أو تعليق:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
ولما تراءت عند مرو منـيّـتـي
وخلَّ بها جسمي وحانت وفاتيـا
أقـول لأصحـابي: ارفعوني فإنني
يقرّ لعيني أن سُهيـلٌ بدا ليـا 6
فيا صاحبي رحلي دنا الموتُ فانزلا
برابيـة؛ إني مـقيـم ليـاليـا
أقيما علي اليـوم أو بعض ليلـة
ولا تعجلاني؛ وقد تبيـّن ما بيـا
وقوما إذا ما استُلّ روحي وهيئـا
لي السَّدر والاكفان ثم ابكيا ليا 7
وخطّا بأطـراف الأسنّـة مَضْجَعي
ورُدّا على عينـي فضْـلَ ردائيـا
ولا تحسداني – بارك الله فيكما -
من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا
خـذاني فجـراني ببُردي إليكمـا
فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويعلم أنه لن يجد من يقوم على قبره، ويشيد بذكرهن فيرثي نفسه، ويكشف عن فعاله بمقاله
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
وقد كنت عطّافاً إذا الخيـل أدبرت
سريعاً إلى الهَيْجا إلى من دعانيـا
وقد كنت محموداً لدى الزاد والقرى
وعن شتمي ابن العم والجار وانيا
وقد كنت صبّاراً على القرن في الوغى
ثقيلاً على الأعداء عَضْباً لسانيـا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويعود إلى إتمام هذه اللوحة الرائعة، فيتصور مسيرة أصحابه وبقاءه، وحيداً في هذه الفلاة
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
غذاة غذ يالَهْف نفسي على غد
إذا أدلجوا عني وخُلّفـت ثاويـا
وأصبح مالي من طريـف وتالد
لغيري وكان المال بالأمس ماليا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويسأل رفيقيه حاجة له هي آخر حاجاته من دنياه، أن يحملوا نعيه إلى أهله، إلى بئر الشبيك، حيث يزدحم بنات الحيّ، يملأن الجرار، ويستقين، فيصرخ، فيدعن ما هنّ فيه، ويلتفتن إليه، وتسمع زوجته، فيلقي إليها بوصاته، وما وصاته إلا أن تقف على القبور. علَّها تذكرها بقبره الضائع، حيث لا زائر ولا ذاكر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
وقوما على بئر الشُّبَيك فأسمعا
بها الوحش والبيض الحسان الروانيا
بأنـكـما خَلّفتُمـاني بِقَفْـرَةٍ
تهيـل عليّ الريـحُ فيها السوافيـا
ولا تنسيـا عهدي خليليّ إنني
تَقَطّـعُ أوصـالـي وتبلى عظاميـا
فلن يعدم الوالون بيتـاً يُجنُّني
ولن يعـدم الميـراث مني المواليـا
ويا ليت شعري هل تغيرت الرحى
رحى المثل أو أضحت بفلج كما هيا 8
إذا مـت فاعتادي القبـور فسلمي
على الرّيم أسقيتِ الغمام الغواديـا 9
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ويعود إلى حاضره، ويشتغل بنفسه، ويرجع إلى ذكر بلده وأهله، ويختم القصيدة بهذا المقطع
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=teal face=
قلِّب طرْفي فوق رحلي فلا أرى
به من عيون المؤنسات مراعيا
وبالـرمل منا نسـوة شَهِدنني
بكَين فَدينَ ا لطبيـب المداويـا
فمنهن أمي وابنتـاها وخـالتي
وباكية أخرى تهيج البواكيا 10
وما كان عهد الرّمل مني وأهله
ذميما ولا بالرمل ودّعتُ قاليـا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد مات مع مالك في تلك السفرة آلاف وآلاف، ولا يزال النس قبله وبعده يموتون، فينساهم ذووهم، ويسلوهم أهلوهم، وهذا الشاعر جعلكم تذكرونه، وتبكونه بعد ألف وثلاثمئة سنة، وأنتم لا تعرفونه
وهذه هي عظمة الشعر، وهذا هو خلود الشاعر
مرسل: 02-21-2002 12:45 AM
بواسطة ريم الفلا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
(9) الزوجة في الشعر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
يبدو أن حظ الزوجة قليل في الشعر عند العرب وعند غيرهم، أما المرأة فحظها أوفر من حيث إنها تكون أماً أو أختاً أو بنتاً أو جدة وممن كتبوا صراحة في الزوجة: عبد السلام البسيوني في انشودته: حبيبتي زوجتي التي يقول فيها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
براك الله لي سكنا
ورَوْحاً ينعش البدنا
وأهدى من كرامته
حناناً دافقاً.. وسنا
وأودع بعض رحمتِه
بقلبك كي أفوز أنا
وسوّاك بنصف الدين
كي تدنو الجنانُ جَنَى
أيا نوراً بأيامي
لقد طوقتني مننا
فخير متاع دنيانا
غدا بيديك مرتهنا
لأنت الواحةُ الغنّاءُ
تمحو الهمَّ والحزنا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
والأبيات التالية أوردها أحمد حسن الزيات في كتابه "تاريخ الأدب العربي" ص154، وهي مما ينسب لعمر بن أبي ربيعه يصف حال امرأته عندما علمت بزواجه من غيرها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
خَبَّروها بأني قد تزوجت
فظلت تكاتم الغيظ سراً
ثم قالت لأختها ولأخرى
جزعاً: ليته تزوج عشرا
وأشارت إلى نساء لديها
لا ترى دونهن للسر سترا
ما لقلبي كأنه ليس مني
وعظامي كأن فيهن فترا
من حديث نما إليّ فظيع
خلت في القلب من تَلّظّيه جمرا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وواضح في الأبيات صدق تعبير الزوج الشاعر عن زوجته المتضررة، على أن المرأة عموماً محور من محاور الشعر وغرض من أغراضه الثابتة عند الشعراء، فهذا الشاعر الفرعوني قبل آلاف السنين يغني لحبيبته ولا ندري أكانت زوجته أم لا:
هاأنا أرى حبيبتي مقبلة تتهادى كنسمة الربيع
بقوامها الذي يشبه النحلة الرفيعة مرفوعة الرأس
يداعب الريح ضفائرها وتزين الثمار الحمراء خدودها وجيدها
تكاد قدماها لا تلمسان الأرض وهي تخطو كراقصات المعبد
وتتماوج ذراعاها ويداها في دلال كأمواج البحر
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولأن الشعر وجدان كما قال الشاعر عبدالرحمن شكري (من المؤصلين لمدرسة التجديد):
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
ألا يا طائر الفردوس
إنّ الشعر وجدان
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
فقد انصرف وجدان الشعراء إلى من يحبونهم من النساء (المحبوبة - الأم - الزوجة - الأخت - البنت - الجدة - وغيرهن)، وهذا شوقي أمير الشعراء في العصر الحديث يفرغ وجدانه في رثاء أمه:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
إلى الله أشكو من عوادي النّوى سهما
أصاب سويداء الفؤاد وما أصمى
من الهاتكات القلب أول وهـــلة
ولا داخلت لحماً ولا لامست عظما
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ومن قبل شوقي صرف المتنبي - وهو من أمراء الشعر الكبار - وجدانه شعراً في رثاء جدته فقال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
ألا لا أرى الأحداث مدحاً ولا ذماً
فما بطشها جهلاً ولا كفّها حلما
إلى مثل ماكان الفتى مرجعُ الفتى
يعود كما أبدى ويكرى كما أرمى
لكِ الله من مفجوعة بحبيبهــا
قتيلة شوق غير ملحقها وصمــا
أحنّ إلى الكأس التي شربت بها
وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ومن قبل شوقي كذلك نجد محمود سامي البارودي - مجددّ الشعر الأول في عصوره الحديثة - يفيض شعره بسيل لاذع من الحزن والشجى والتفجع المرير وهو يرثي زوجته فيقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
أيَدَ المنون قَدَحتْ أيّ زناد
وأطرْت أية شعلةٍ بفؤادي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وهو الذي أبدع من قبل في حبها فقال:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
وسرت بجسمي كهرباءة حسنه
فمن العروق به سلوك تخبرُ
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
على أننا نجد نماذج من الشعر الوجداني في الزوجة صافية من غير تكلف، خالية مما كان يردده الأقدمون والمعاصرون أيضاً في أشعارهم من وصف ضخامة الأرداف ورقة الخواص ، والريق والنهود واللثم وغير ذلك مما ينصرف إلى تصوير اللذة الحسية، فهذا إسماعيل صبري الشاعر الرقيق يصف حسن الزوجة أو المرأة عموماً فيقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
إن هذا الحسن كالماء الذي
فيه للأنفس بـرء وشفــاءْ
لا تذودي بعضنا عن ورده
دون بعض واعدلي بين الظماء
وتجلي واجعلي قوم الهـوى
تحت عرش الشمس في الحكم سواء
أقبلي نستقبل الدنيا ومــا
ضُمّنته من معــدات الهــاء
وأسفري تلك حليّ ما خلقت
لتواري بلثام أو ضبــائي
وابسمي من كان هذا ثغره
يملأ الدنيا ابتساماً وازدهاء
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ونسجل هنا رقة هذا الشعر، ونسجل أيضاً أن أعوج ما فيه دعوته للسفور، ومثل هذه الرقة نجدها في عامياته أيضاً مثل قوله:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
الحلو لما انعـطف
أخجل جميع الغصون
والخدر آم ماانأطف
ورده بغير العيون
ياألب اد انت حبّيت
ورجعــت تنــدم
صبحت تشكي مالإيت
لك حدّ يرحــــم
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
نجدها كذلك في عاميات أحمد شوقي إذ يقول في وصف زوجة ابنه يوم عرسها:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
الشمس طالعــة في التلّـى
ورده وعليها توبْ فلّى
ملحة في عين اللي مايصلى
ولا يقولشي تتهــنّى
حرة تصونك وتصــونهـا
وتقوم بدارك وشؤونها
وتشوف عيونك وعيونها
دخلة ولادك والحنــة
دنيا جميلة قوم خُدهـا
ستّك وبالمعروف سيدها
قوم ياعريسنا بوس إيدهـا
وصلّ واطلـب واتمنّى
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ومن الرقة والفرحة مع المحبوبة إلى الهموم المتدافعة والأحزان المتلاطمة في شعر خليل مطران وهو يناجي صاحبته يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
ولقد ذكرتك والنهــار مودّعٌ
والقلبُ بين مهابةٍ ورجــاء
وخواطري تبدو تجاه نواظـري
كلمى كدامية السحاب إزائي
والدمع من جفني يسيل مشعشعاً
بسنا الشعاع الغارب المترائي
والشمس في شفق يسيل نضـارة
فوق العقيق على ذرى سوداء
مرت خلال غمامتين تحّــدراً
وتقطّرت كالدمعـة الحمـراء
فكأن آخر دمعة للكـون قـد
مزجت بآخـر أدمعي لرثائي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
وإلى الأشواق الجارفة للقاء الحبيبة عند أحمد زكي أبو شادي:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
أمانـاً أيها الحــبّ
سلاماً أيهـا الآسـى
أتيت إليك مشتفيــاً
فراراً من أذى الناس
أطلّي ياحياة الروح
في عينّي تحيـــيني
شرابي منـك أضـواءٌ
وقُوتي أن تناجيــني
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولو أننا استرسلنا لطال بنا المقام، ولكننا نكتفي بأبيات من إبراهيم ناجي تصور وقائع عشقه وحبه يقول:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=neal face=
يا غراماً كان منى في دمي
قدراً كالموت أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه
وقضينا العمر في مأتمـه
ما انتزاعي دمعة من عينه
واغتصابي بسمة من فمه
ليت شعري أين منه مهربي
أين يمضي هارب من دمه
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ومجمل القول أن المرأة أحد الموضوعات المهمة التي تصدى لها الشاعر سواء كانت أماً أم زوجة أو بنتاً أو غيرهن من النساء، وأكثر ما يقع في الشعر هو ذكر المحبوبة التي يصفها الشاعر وصفاً حسياً دقيقاً لا يترك ملمحاً من ملامحها أو عضواً من أعضائها أو طبعاً من طباعها إلا وأعمل فيه أدوات وصفه وشعره، بل وأجرى عليها أمور الشهوة واللذة.
وأحياناً يقتحم عليها مخدعها ويواقعها فاجراً غير متحرج، لا يقفه ولا تردعه فضيلة، وهذا كثير عند امرئ القيس، والشماخ بن ضرار، وسحيم عبد بن الحسحاس وغيرهم.
أما جرير فقد اختص بتلك المطالع الغزلية الشجية الضاربة في الوجدانية والعذرية.
أما الزوجة فلم ينزل بها أحد هذه المنازل الفاضحة، وإنما كانوا ينزلونها منازل الصون والعفاف، وما ذلك إلا لأنها لم تكن - غالبا - تظهر في أشعارهم إلا في رثائها عندما تموت!!
مرسل: 02-21-2002 02:23 AM
بواسطة ريم الفلا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
(10) قراءات أدبية: ابن الدمينة
<DIV =center><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=chocolate face=
حلفت أميمة أن ودي كاذب
مذق واني خائن غدار
كذبت اميمة والذي حجت به
شعلت الرؤوس بمكة الأبرار
لو تعلمين وقلما جربتني
والعلم ينفع والعمى ضرار
لعلمت أني بالمغيبة حافظ
للسر منك وأنني نصار
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
تشير هذه الأبيات إلى شيئين أساسين :
الأول: أن علاقة ابن الدمينة مع أميمة هي علاقة لم تدم طويلاً، على الرغم من إكثاره لذكر اسمها في قصائده وذلك يستشف من قوله" وقلما جربتني"،
والثاني: أن حبه لها كان من طرف واحد، لكأنها لم تبادله الحب بالحب، وهذا يفسر سر تعلقه بها وإصراره على التمسك بها لينال منها ولو فقط ذكرها له، وهذا ما يفسره قوله:
<DIV =center><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=chocolate face=
أرى الناس يرجون الربيع وإنما
ربيعي الذي أرجو نوال وصالك
تعاللت كي أشجي وما بك علة
تريدين قتلي؟ قد ظفرت بذلك
وقولك للعواد: كيف ترونه
فقالوا: قتيلاً قلت: أهون هالك
أبيني، أفي يمنى يديك جعلتني
فأفرح، أم صيرتني في شمالك
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ولعل قصة الحب كلها قصة مفترضة، يعيشها الشاعر كي تكون مصدر إلهام شعري دائم له، ومهما يكن فقد كان حب ابن الدمينة عذرياً، وفيه دنف واحتراق وشوق وهيام ...
ولعل أشهر أبياته التي يقول فيها:
<DIV =center><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=chocolate face=
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
لقد زادني مسراك وجداً على وجد
أأن هتفت ورقاء في رونق الضحى
على فنن غصن النباب من الرند
بكيت كما يبكي الحزين صبابة
وذبت من الحزن المبرح والجهد
مرسل: 04-19-2002 03:36 AM
بواسطة ريم الفلا
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=green face=
(11) لمحة تاريخية عن مرض العشق:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
اعتبر العشق على أنه شكل مفرط من أشكال المحبة. وفي الوقت الذي ينظر فيه إلى الحب على أنه أسمى عاطفة يتحلى بها الإنسان، فقد اعتبر العشق أنه عبارة عن حالة مرضية تحدث نتيجة للمغالاة الشديدة في الحب، مما ينعكس ذلك بآثار سلبية على شخصية العاشق تتظاهر باضطرابات جسمية، فضلا على الاضطرابات السلوكية والتي كثيرا ما تدفع الشخص المصاب لأن يرتكب تصرفات غير عقلانية.
لقد عالج الأدباء العرب ومنهم الشعراء هذا الموضوع في شعرهم الغزلي بشكل خاص، واعتبره الكثير منهم بأنه المرض الذي لا يرجى شفاؤه. من ذلك مثلا قول ابن الفارض:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
وضع الآسي(1)بصدري كفه
قال مالي حيلة في ذا الهوي
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
ومن ذلك أيضا ما تذكره كتب الأدب عن محاورة جرت بين مصاب بالعشق ينشد علاجا لعشقه وأحد الشعراء يسديه النصيحة:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أيا معشـر العشاق بالله خبروا
إذا حل عشـق بالفتى ماذا يصنع؟
يداري هواه ثم يكتم سره
ويخشع في كل الأمور ويخضع
وكيف يداري والهوى قاتـل الفتى
وفي كل يـوم قلبه يتقطع
فإن لم يجد صبرا لكتمان سره
فليس له سوى الموت ينفع
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا
سلامي لمن كان للوصل يمنع
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
في حين أن الأطباء المسلمين القدامى، وعلى نحو مخالف للشعراء، قد نظروا إلى هذا المرض على أنه حالة مرضية كغيره من الأمراض العصبية أو النفسية كالصرع والصداع والسوداء(2) له أسبابه المرضية وعلاماته وأعراضه وعلاجه. فأفاضوا في شرحه موضحين أن لهذا المرض علاجات مختلفة تطبق حسب حالة المريض وحسب درجة ثقافته، بالإضافة لطبيعة الظروف المحيطة به.
ولعل أول من تكلم في مرض العشق من الأطباء هو الطبيب اليوناني أبقراط Hypocrites والملقب بأبي الطب. حيث قال واصفا إياه: "العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحس. فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر. وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء، ومن طغيان السوداء وفساد الفكر يكون الفدامة(3) ونقصان العقل، ورجاء ما لم يكن وتمني ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون. فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه، وربما مات غما. وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحا أو أسفا. وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمه ويستحيل لونه. وزوال ذلك عمن هذه حالته بلطف من رب العالمين، لا بتدبير الآدميين(4)".
وقد وصف جالينوس Galen هذا المرض بقوله: "العشق استحسان ينضاف إليه طمع، والعشق من قِبَل النفس، وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد. والعاشق يمتنع عن الطعام والشراب لاشتغال الكبد، وعن النوم لاشتغال الدماغ بالتخيل وذكر المعشوق والتفكير فيه، فتكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت فيه. فمتى لم تشتغل فيه وقت الفراق لم يكن عاشقا(5)".
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
أسباب مرض العشق:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
يقول ابن سينا في ذكر أسباب هذا المرض: "هذا مرض وسواسي شبيه بالمالينخوليا(6) Melancholy ، يكون الإنسان قد جلبه إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمايل التي له، سواء أعانته على ذلك شهوته أم لم تعنه(7)".
وقد أضاف بعضهم إلى ذلك بأن هذا المرض يعتري العزاب والبطالين من أهل الرعاع. ويتحدث ابن هبل البغدادي عن آلية حدوث هذا المرض فيقول: "العشق مرض يعرض من إدامة الفكر في استحسان بعض الصور الحاصلة في الخيال وإدامة النظر إليها وتحريك النفس شوقا إلى استحضار ما هي مثاله، ويساعد على ذلك الحركات الشهوانية فيعرض من ذلك شيء من الجفاف واليبس المؤدي إلى المالينخوليا(8)". من حديث البغدادي يمكن لنا أن نفسر لماذا أتى مرض العشق بعد مرض المالينخوليا في المؤلفات الطبية العربية القديمة.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
الأعراض والعلامات:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
أجمل سبط المارديني في مخطوطته الطبية المسماة الرسالة الشهابية في الصناعة الطبية أعراض وعلامات مرض العشق قائلا: "وعلامته غؤور العينين وجفافهما إلا عند البكاء، وغلظ الجفن من كثرة السهر والأبخرة المتصاعدة إليه. ويعرف معشوقه بوضع اليد على نبضه وذكر أسماء وصفات، فإذا اختلف النبض عرف أنه هو (9)".
لقد أجمع أكثر الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق أن اضطراب النبض هو من العلامات الهامة لتشخيص مرض العشق بل وحتى معرفة هوية المعشوق. ومرد ذلك يعود إلى حكاية تروى عن ابن سينا والذي ألف رسالة في العشق كتبها لابن عبد الله الفقيه
(10).
وملخص هذه الحكاية، أنه وقع أحد الفتيان من أبناء أمراء فارس في مرض عضال، وقد عجز الأطباء في ذلك الوقت عن معرفة هذا المرض وبالتالي علاجه. فكان الشاب ينحل ويضعف يوما بعد يوم، وقد امتنع عن الطعام لانعدام الشهية حتى هزل ولزم الفراش. ولما عجز الأطباء عن إيجاد الدواء الشافي لمرض هذا الفتى، لجأ أهله لابن سينا يرجونه زيارة المريض والنظر في حالته بعد أن يئسوا تماما من شفائه. وفور وصول ابن سينا إلى بيت المريض سأل عن أعراض سقمه وما آل إليه حاله. ثم دخل على الفتى وفحصه بعناية، وجلس بجانب فراشه ووضع أصبعه على نبضه، ثم طلب من أحد الخدم أن يعدد جميع أحياء تلك البلد، ولما وصل الخادم إلى ذكر حي ما لاحظ ابن سينا أن نبض الفتى قد تسرع. وعندئذ طلب من الخادم أن يذكر أسماء العائلات التي كانت تقطن ذلك الحي، ولما أتى الخادم على ذكر اسم معين من تلك الأسماء شعر بأن نبض الفتى قد تسرع أكثر. وهنا سأل ابن سينا إن كان لتلك العائلة من بنات فأجابوه نعم، فقام من توه إلى أهل الفتى وقال لهم لقد بان السبب فزال العجب إن ابنكم عاشق إحدى بنات تلك العائلة، وهذا هو المرض وعلاجه بالزواج من تلك الفتاة.
هذه القصة الطريفة تفسر أنه لماذا أكثر الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق قد اعتبروا اضطراب النبض لدى ذكر المعشوق هو من العلامات التشخيصية لهذا المرض. يقول ابن سينا في علامات هذا المرض: "وعلامته غؤور العين ويبسها وعدم الدمع إلا عند البكاء، وحركة متصلة للجفن ضاحكة كأنه ينظر إلى شيء لذيذ أو يسمع خبرا سارا أو يمزح. ويكون نفسه كثير الانقطاع والاسترداد فيكون كثير الصعداء. ويتغير حاله إلى فرح وضحك أو إلى غم وبكاء عند سماع الغزل ولاسيما عند ذكر الهجر والنوى. وتكون جميع أعضاؤه ذابلة خلا العين، فإنها تكون مع غؤور مقلتها كبيرة الجفن سميكته لسهره. ويكون نبضه نبضا مختلفا بلا نظام البتة كنبض أصحاب الهموم، ويتغير نبضه وحاله عند ذكر المعشوق خاصة وعند لقاءه بغتة. ويمكن من ذلك أن يستدل على المعشوق أنه هو إذا لم يعترف به، فإن معرفة معشوقه أحد سبيل علاجه. والحيلة في ذلك أن تذكر أسماء كثيرة تعاد مرارا وتكون اليد على نبضه، فإذا اختلف بذلك اختلافا عظيما وصار شبه المنقطع ثم عاود وجرب ذلك مرارا علمت منه اسم المعشوق. ثم يذكر كذلك السكن والمساكن والحرف والصناعات والبلدان، وتضيف كلا منها إلى اسم المعشوق ويحفظ النبض، حتى إذا كان يتغير عند ذكر شيء واحد مرارا جمعت من ذلك خواص معشوقه من الاسم والحرفة ما عرفته. فإنا قد جربنا هذا واستخرجنا به ما كان الوقوف عليه منفعة (11)".
يمكن تلخيص أعراض وعلامات مرض العشق كما ذكرها الأطباء المسلمون القدامى: النحول – قلة الشهية – غؤور العين مع سماكة الجفن – حب العزلة مع الاسترداد وكثرة الصعداء – اضطراب النبض وخاصة تسرعه لدى ذكر المعشوق أو أي شيء يتصل به.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
المعالجة:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
لقد أجمع الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق أن أفضل وأنجع علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق والمعشوق وذلك على نحو تبيحه الشريعة.
يقول سبط المارديني في ذلك: "العلاج لاشيء كالوصال لمن يتهيأ على الوجه الشرعي، وإلا أهين وقبح بفعله، وإشغاله ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل ثم استفراغ بعض السوداء. ويكثر من صب الماء على الرأس. ويطعم البطيخ والقثاء والبقلة، ويسقى الرايب الحامض، ويؤمر أن ينام تحت الندى. وذكروا أن النظر إلى القمر عند امتلائه يمنع هذا المرض. وينصح بكثرة الاغتسال بالماء البارد أيضا. ولا يعطى الأشياء الحارة من الأدوية والأغذية والأهوية(12)".
مما سبق يمكن أن نذكر مقومات علاج مرض العشق على النحو التالي:
اولا- محاولة الجمع بين العاشق والمعشوق بالزواج إن أمكن، وفي ذلك يقول ابن هبل البغدادي: "العلاج لاشيء أنفع من الجمع بين العاشق ومعشوقه على وجه تبيحه الشريعة، فإنه يصلح ويبرأ. وإن لم يكن فالنظر من بعيد، وإلا فالتسويف(13)".
ويوضح ابن سينا هذه الحقيقة بقوله: "ثم إن لم تجد علاجا إلا تدبير الجمع بينهما على نحو يبيحه الدين والشريعة فعلت، وقد رأينا من عاودته السلامة والقوة، وعاد إلى لحمه. وكان قد بلغ الذبول وجاوزه، وقاسى الأمراض الصعبة المزمنة والحميات الطويلة بسبب ضعف القوة لشدة العشق. ولما أحس بوصل من معشوقه بعد مطل معاودة في أقصر مدة قضينا به العجب، واستدللنا على طاعة الطبيعة لأوهام النفس(14)".
ثانيا- نصح العاشق وتعنيفه على أفعاله إذا كان من العقلاء. يقول ابن سينا أيضا: "وإن كان العاشق من العقلاء فإن النصيحة والعظة له والاستهزاء به وتعنيفه والتصوير لديه أن ما به إنما هو وسوسة وضرب من الجنون، مما ينفع نفعه، فإن الكلام ناجع في مثل هذا الباب(15)".
ثالثا- إشغال العاشق ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل، أو إشغاله ببعض الأمور الدنيوية الأخرى التي تصرف تفكير العشق عن كثرة التفكير بمعشوقه. وقد تفنن الأطباء العرب في هذا المجال بابتكار الوسائل التي من شأنها أن تحقق هذا الغرض. فمن هذه الأمور ذكروا:
1-إشغال المريض ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل، وذلك إذا كان ممن عنده الاستعداد لذلك. وإذا كان من المتدينين فيمكن تسليته بأخبار الزهاد والعباد والمساكين.
2- إذا كان العاشق صاحب صنعة أو عمل أو شغل ألزم بعمله أو شغله فلا شيء أضر عليه من البطالة والفراغ.
3- طول السفر عن مكان إقامة المعشوق، حيث أن ذلك مما يولد النسيان مع مرور الزمن.
4- ذكر بعض الأطباء –كابن سينا- أنه من الناس يسليه الطرب والسماع، ومنهم من يزيد ذلك من غرامه، ويمكن أن يتعرف ذلك.
5- مما ينفع هؤلاء أيضا مجالس السرور واللهو والفرح، والتنزه وكثرة النظر إلى القمر. وهذه كلها اعتبرت من الأمور التي تصرف تفكير العاشق عن معشوقه.
رابعا- إفراغ المرة السوداء من الجسم والقضاء على مفاعلاتها السلبية في الجسد، وذلك بالتجفيف والتبريد. لذلك نصح الرازي بكثرة الاغتسال بالماء البارد، وحذّر من الأشياء الحارة من الأدوية والأغذية. وكذلك نصح بالنوم في الأماكن الباردة.
خامسا- الميل لتناول بعض الأغذية التي لها صفة التبريد مثل الرايب الحامض والبطيخ والقثاء والبقلة وغيرها من الأطعمة التي تساعد على استفراغ المرة السوداء وبالتالي تحقق غاية التبريد.
سادسا- أخيرا فقد نصح بعض الأطباء لمعالجة هذا المرض بأن تسلط بعض العجائز على العاشق، بحيث يجتهدن في أن ينقلن هوى العاشق إلى غير ذلك المعشوق بالتدريج، ثم يقطعن صنيعهن قبل أن يتمكن الهوى الثاني.
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=blue face=
مرض العشق والطب الحديث:
<DIV =justify><FONT face= Tahoma fontsize=4 color=black face=
في نهاية هذا البحث لابد لي من أن أشير إلى مرض العشق من الوجهة الطبية الحديثة. فقد يتساءل البعض لماذا لا تبحث المؤلفات الطبية الحديثة ولاسيما كتب الطب النفسي ما سمي قديما بمرض العشق؟
للجواب على ذلك لابد لنا أن نعلم أن مرض العشق يمكن أن نعبر عنه حاليا على أنه شكل من أشكال الشدة العاطفية Emotional stress التي يخضع لها المريض. وهذه الشدة العاطفية وبحسب درجاتها قد ينجم عنها مرضيات نفسية مختلفة وذلك حسب شخصية المريض وخلفيته الاجتماعية وظروفه المحيطة به، فضلا عن استعداده الشخصي. فبعض الذين يخضعون لشدة عاطفية شديدة قد يصابون بعصاب القلق Anxiety neurosis، ومنهم من يصاب بحالة الإرتكاس الهمودي Reactive depression ، كما قد يصاب بعض المرضى الذين عندهم أصلا شخصية شبه فصامية بحالات فصام Schizophrenia صريحة، كما هو الحال في الفصام الشبابي أو ما يسمى بفصام المراهقة. من ذلك نستنتج أن ما كان يعرف بمرض العشق هو عبارة عن أحد أشكال الشدة العاطفية التي قد تؤدي لحدوث اضطرابات نفسية خطيرة يمكن لها أن تؤدي في بعض الأحيان لحدوث خطر الانتحار، وخاصة عند الذين أصيبوا بحالة الهمود الإرتكاسي.
مرسل: 04-19-2002 09:14 PM
بواسطة الكويتي
شكرا لك ألف شكر أختي ريم الفلا
و الله إنه لمجهود جبار تشكرين عليه
عفوا أردت أن اعقب تعقيبا بسيطا
الأبيات : " لكل شيء اذا ما تم نقصان " التي في الجزء الرابع من موضوعك
هي ليست لابن زيدون و إنما هي لأبي البقاء صالح بن شريف الرندي
فإن كنت مخطئا فارجو المعذرة
و شكرا لك مرة أخرى
----
لدي طلب إذا سمحت :
هل لك أن تشرحي الأبيات التي وضعتها كتوقيع :)